أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين الداغستاني - الجذور تستطيل باسقات !! (*)















المزيد.....

الجذور تستطيل باسقات !! (*)


محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد


الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 07:01
المحور: الادب والفن
    


" إن الذين يقارعون (الأزمة) على غرارهم الخاص الذى هو البرق المتكرر في حياتهم الفنية المشحونة ، فهم الخلاقون
الحقيقيون للذوق ، والمجددون الدائمون لرؤيا الانسان " جبرا ابراهيم جبرا
1. فضاء النص .... إشكالية التلاؤم مع نبض العصر

لسبب ما أجد ان فهم الشعر وفق الاساليب القسرية التي يمارسها بعض الشباب هذه الايام , بإتجاه غلق مســــارب الاستيعاب وجعل المفردة الشعرية عصية على الإدراك , والإيغال في الإبهام والغموض واعتماد التراكم اللغـــــوي الذى يضم كما من الكلمات المتراصة وتوضيب عشرات الأفعال والصفات والأسماء المتضادة دون هدف واضح , أجده عسيرا, فأفقد المتعة في القراءة , وأبحث عن السبيل المفضي للعودة إلى الجذور , لأشعر ببعض الإطمئنان المفتقد !!
من هنا فأنني أتفاعل مع النتاج الشعرى والأدبي الذى ينزفه الشاعر المبدع احمـد عبدالصــاحب رغم إصــراره على إبهام الكثير من المفردات في شعره والتي علينا الإتكاء على المنجد لفتح مغاليقها , إلا أنه يمتلك لغته الفريــــــدة والمبهرة التي تحمل نبل فرسان الكلمة الرقيقة , وتأتي أيضا بتركيز عال لتطوير هذه اللغة وجعلها تحت السيطرة للصدروالعجز , ليكون البيت الشعري متخماً بالفخامة , فيقترب من طقس شــــــعراء العربية عبر عصـــورهم , فيما تذهب جهوده الرامية إلى الإنضواء تحت لافتة الحداثة سدى !!
ومهما يكن فأن محاولات الشاعر للإنتماء إلى العصر مفهومة ومشروعة , ولكن المشكلة تكمن في تغاضيه عن شروط هذا الإنتماء , بل وفي استحالة تخلصه من نير القالب التقليدي للشعر من خلال إجهاده للبيت الشـــعرى وتشتيت البيت الواحد في عدد من الأبيات القصيرة , والإنسياق نحو المظاهر الشكلية للشعر الحديث:

( أنت مهماز رغبة سبقتني
لهلاكي .. وباللظى أدبتني
فدعتني نيرانها لسماءٍ
من بناني .. ومن رؤى أوثقتني /حين
صارت حقيقتي محض شـــعر !) (1)

و (حتى اذا غر ّد الـــوادي .. وفرّ دمي
طيرا ... وسقسق فيه كل محتبس
كنت القصيدة .. والوشي الذي صبغت
ألوانه كل دفّاق ومنجبس ) (2)

و (تعهدي السفح الموشح ... والحصى
من مدعي لمن العذاب الماجن
ودعي الضباب المقيم بظلمه
إن يرتضيها للأداء الراطن ) (3) .

إن الشعر ليس تفرساً في الكلمة أو نحتاً في الحروف , انما هو إرهاص وإكتشاف ولذة ـ هذا قول صحيح ـ ومـــن هنا فأن الشاعر يؤكد على البناء النفسي الى جانب البناء الفني , حينما يجعل الإيقاع يتناغم بيسر ونعومة مع الكثير مــن الرومانسية في صيغة دينامية مؤثرة , ليدفع الينا الكلمة كموجةٍ من موجات البحر الصاخب , تلك الموجــــــة التي تتســع وتستطيل وتصطدم وتتكسر على ضفاف الروح ! :
( أنا لا أضطهد الذكرى
ولا أفسد
شذاء الهواء
مفرداتي زنبق , أهدي الرؤى للياسمين
حين صلى وتبتل) (4).

2. هو .... من مسافة قريبة

ولكي نقترب من القصيدة التي يكتبها أحمـد عبدالصـــاحب علينا أولاً التعرف على دواخله التي يرســـمها لنا بنفسه نقرأ :

( أنا المحاصر بالإبداع في طرق
لايهتدي في أقاصيها سوى فرسي ) (5)

و( أنا مزولـــــة الوقــــت الذى
بجحيم الشمس اغري بدني
في دمي ولولة القط .. وفي
عرش أحزاني تعرت مدني) (6)

و ( أنا اسكب قلبي مرسلاً
بنبضه المضني ... غناء أو عويل ) (7)

انه الحزن المكابر إذن يتشظى سعيراً في الدم , وانه وهج الزمن المحترق كالشواء ، وكجحيم الشـــــــــمس الذي يضني القلب , ويحيل اليوم الى قطبين متنافرين , يتوزعان بين النحيب والغناء , لافرق , ثم ليجد نفسه وحيداً , محاصراً بالكلمات فيكمن خلاصه في رحلته العصية نحو براري الشعر , ممتطياً صهوة خياله الجامح !!

3. هي ... من مسافة مماثلة

وعلى الجانب الآخر تقف المرأة ككيانٍ يشع أنوثة وطراوة , وفعل موثرٍ يخترق الفؤاد بعنف وقوة, ولربما لهذا نجـد في الكم من الأبيات الشعرية التي تبتدأ ب ( يا ) النداء محاولة ملفتة للنظر الى التقنية البارعة والدقيقة التي اعتمـدها الشاعر في استخلاص اقصى المتناح في اللغة ـ لتجسيد حسه المرهف ـ وقدرته الآخاذة للنفاذ من غشاء الحرف الــى نواته ! فها هو ينادى :

( يا درّة التيار...ضوءك خنجر)
و ( يا وفد أنفاسها أدخل على رئتي
عصورها .. فالمعـــاني البيض أقداح)
و ( يا زمناً من دوار)
و (ياربــة الليلة الفيحاء )
و ( يامستحماً بعينها إذا إبتسمت
فأينعت لغـــــة للحب سمراء )
و (يا شذى الليمون )
و (ياروضــة الوعد )
و (يا مـن بعينيها يموج شاطىء
و تحدثت فيروزة متوددة )
و (يازرع أسئلتي ...
وعنوان الأسى )
و (يابسمة نجمية ...يختال موسمها بدربي )
و ( يامنقذى الغزلان )
و (يا شذى قافيتي )
واخيراً ( ياحبي الأنقى وياحقل الشذى
يا أرحب الأغصان بين جنائني ) (8)

إن التمعن في المفردات التي ترنو الى إفراغ الشحنة الهائلة من التعبير من خلال سلسلة من الصــــــــور الذهنية اللاحقة لـ (يا) النداء , يضع الشاعر فعلاً في عبور مستمرنحو تكثيف توتره ونزواته الشعرية وحسه بالحياة وعشقه المضطرم المجنون العاصف في الصدر والشريان , ليفيض من القصيدة الى القارىء المأخوذ بهذا البحر المبهم المسحور .
وعلى النقيض من شخصيته الخجولة وطيبته الساحرة وسكونه الرفيع , فالكلمة في قصائد احمــد عبدالصــــــاحب تكشف عن سريرة مدهشة , مفعمة بجرأة لا نظير لها , ليحيل اللغة الى حريق حقيقي لا يجدي معه التفنن في انتخــــاب المعاني أو التخفي خلف الألفاظ , أو رقة العبارة , فالصور تتدفق مليئة وزاخرة بالجرأة كالمطر المدرار الذى يكتســـح كل شيء ! :

( تحت الفراء نفائس متوسدة
وألماس يشرق من أصابعك التي
أخذت يدى للفسحة المتوردة) (9)

و( إكتميني شهقة مقتولة
تطعم النهدين أعتى حرقي) (10)

ثم ( وعندما قبلات الحب تقتلني
والصدر يبعثني
ماءً وريحاناً ) (11)

و ( ختمت نهدك بالنار التي ارتجلت
وجهاً تعذبني فيه التفاصيل) (12)

ودعونا نتساءل : هل بالأنثى وحدها يشعل الشاعر حرائقه في جنبات رحلتنا الآسرة في عالمــه الممتلىء بالحس الجرىء كما في شعر أمرؤ القيس ، أو العنيف المقترن بالدعة ، كما في قصائد عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر أو نزارالقباني أم بغيرها أيضاً ؟
أجزم أن هذا التوق العارم الى الحريـــة في هذه القصــــائد وغيرها قد ارتقى بالفعل المباشـــر والمتوتر في البيت الشعري المنهك بالحس الجسدي الى مستوى الحس الفني الر فيع , وخلق تياراًً رهيباً من الموحيات بحيث تسمرت حسابات الزمـن والكهولــــة امامه دون حولٍ و لا قوة :

( يا عثرة القلب اخي الذنب واقترفـــــا
ردي اللظى لمراســـيه ... أو احتدمي
جمراً بأوردتي سكران منقذفاً
فأن بـي من ثراء الملتقى نزفاً
ومحرقاً رغم كيد الشيب ما وقفا ) (13)

وقد لا يختلف الحال معنا أيضاًُ أيها العنفوان المتخفي خلف شاعرٍ يذكرنا بأريج تراب عتبة بيتنا الطيني القديم ، المعجون بقطرات المطر الربيعي ، وعطر الياسمين المنثور على باحة الحب الصغيرة , يأيها الصديق الرائع احمد عبد الصاحب !! (14)

________________________________________________________________________
الهوامش:
* قراءة في ديوان "هالات خريفية " للشاعر احمد عبد الصاحب0 (1) قصيدة مجالسة الورد (2) الوان البداية (3) عائدة (4) المبادلة الجريحة (5) الوان البداية (6) الشعر (7) الرماد يتحدث (8) مختارات من الديوان
(9) تحت المطر (10) اشواق متوسلة (11) كوكتيل (12) في المرسم (13) هاربة
(14) ولـــد في مدينة الناصرية عام 1946 ـ نشـر الكثير من القصائد في الصحف والمجلات العراقيـة والعربية- صدرت له مجموعتــان شعريتان ( عقائل بني الازرق ) و (هالات خريفية ) وله عدد من المجاميع الشعرية تحت الطبع ـ عاش ومارس ابداعه الشعري في محافظة كركوك لفترة طويلة ثم إنتقل الى الكوت حيث يواصل مسيرته الشعرية الآن هناك .



#محمد_حسين_الداغستاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصف السنين
- متى تتوقف الحرب على غزة ؟
- غبش إستيقظ تواً !
- أين ندفن جثمان الشهيد كامل عصام الداغستاني ؟
- محنة الشيشان في ديالى .. الى متى ؟
- بيادر الريح
- سجال آخر المشوار - قراءة موجزة في قصص جليل القيسي القصيرة جد ...
- أنظر خلفك !
- اللهيب البارد
- شكل إمتدادا لجيل السبعينات
- بت أخاف على نفسي !!
- مكابدات فعل الأمر في نصوص سلمان داود سلمان
- شهادة في زمن الوجع
- مالم يتناوله المحللون والخبراء.. العامل القوقازي في زيارة سا ...
- الفرار الى العشب
- مرايا الله
- خفق النبض
- النسور تنأى بأبصارها بعيدا !
- أسئلة عن الحب والحرية المسلوبة !!
- في الحب مرة ً أخرى !!


المزيد.....




- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...
- الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على ...
- تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
- عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...
- قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
- -الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
- -حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين الداغستاني - الجذور تستطيل باسقات !! (*)