أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد حسين الداغستاني - أين ندفن جثمان الشهيد كامل عصام الداغستاني ؟














المزيد.....

أين ندفن جثمان الشهيد كامل عصام الداغستاني ؟


محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد


الحوار المتمدن-العدد: 2497 - 2008 / 12 / 16 - 01:36
المحور: حقوق الانسان
    


كثيرة هي الوقائع المأساوية التي تفتح ألف كوة للأحزان في الأفئدة الملتاعة ، بعضها مجرد قصص وحكايات وإبداعات أدبية لشعراء وكتاب يتبارون في إحداث أقصى درجات التأثير في نفوس المتلقين من القراء ، وبعضها الآخر أحداث حقيقية وحقائق مرّة تغلف القلب بالألم والشجن وتتشظى بين الناس دون رتوش .
هذه حادثة حقيقية ، هي والمئات مثلها ، نتاج الوضع الأمني المتردي الذي يعيشه الناس في بلادي ، بعد الإحتلال البغيض عام 2003 ، وهي قصة والد مفجوع إحتار كثيراً أين يدفن جثمان إبنه البكر الشهيد بعد أن توزعت أسرته بين عدد من المحافظات العراقية وبين بلد الملجأ سوريا .
عصام الداغستاني ، مدرسٌ كان يعيش آمناً ومستقراً مع عائلته بين أبناء عمومته من الداغستان والشيشان في قرية الشيشان ( الحميدية) قرب مركز قضاء المقدادية في محافظة ديالى، تعرضت القرية النموذجية ببساتينها وأبنيتها الحديثة الى غزو همجي أهوج من قبل الميليشيات الطائفية والعصابات المسلحة التي حولت العراق الى جحيم حقيقي ، وذلك ليلة 17,18/أيلول /2008 ، إستطاع عصام بإعجوبة من الأفلات هو وأسرته أسوة بأقربائه الشيشان والداغستان من بين أزيز الرصاص والدخان والنار وبراثن الموت المحقق وإنسّل الى مركز قضاء المقدادية القريب ومن هناك بدأت رحلة التشتت المريعة الى حيث المجهول ، كما فعلها اجداده من قبل بعد أن ألقوا بأنفسهم الى العراء تحت رحمة البرد والثلج والأمواج الطاحنة تاركين من خلفهم القفقاس ، وها جاءه الدور فأين يتوجه ؟
قرر أن يغادر البلاد كلها حيث بعض اقربائه في سوريا الشقيقة التي إحتضنت أحزان الآلاف من العوائل العراقية المشردة والهاربة من لهيب الموت .. في شقة صغيرة بمدينة حمص إستقر قليلاً ليلتقط الأنفاس ! لكن القلق على من تبقى من العائلة كان ينهش عقله ، فنجله البكر عصام لا يزال بمحافظة كركوك حيث يعمل في هندسة الإتصالات بشركة نفط الشمال ، وإبنته المتزوجة إختارت مع زوجها السكن في محافظة الموصل ، وكان عليه أن يعود لوحده لينظم شؤون وظيفته وينتقل الى إحدى المحافظات بعد أن عز العيش في القرية العتيدة .
عاد عصام بعد فترة إلى ديالى حيث وظيفته ، ولأنه مهددٌ في حياته قرر أن ينتقل الى الموصل حيث إبنته المتزوجة ، راجع مديرية التربية بصدد تنسيبه لإحدى المدارس بعد أن أنجز معاملة النقل ، قيل له : عد إلينا بعد عطلة العيد لكي نختار لك مدرسة . فنوى أن يسافر الى سوريا ليقضي العيد مع أسرته لكن إجراءات الحدود حالت دونه فعاد الى الموصل في ضيافة إبنته وتعذر على كامل أن يلتحق هو الآخر بوالده لكونه كان مناوبا في العمل فطلب من والده أن يأتي الى كركوك الخميس (ثالث يوم عيد الأضحى) لكي يزورا معاً اقاربهما في قرية الشيشان (جارشلو) في قضاء الحويجة ، ثم هاتف والده ثانية وطلب منه أن يؤجل مجيئه الى يوم الجمعة لأن عدداً من أصدقائه المهندسين العزاب في القسم الذي يعمل فيه ، وهم من مناطق شتى ، إتفقوا على تناول وجبة غداء معاً في مطعم سياحي يقع على حافة مدينة كركوك الشمالية إحتفاءً بالعيد .
ظهر يوم الخميس 11/ 12/ 2008 كان القدر يرصد حركة العوائل والأشخاص الذين تملصوا من اجواء كركوك الكئيبة وإختاروا أحد المطاعم السياحية ليقضوا بعض الوقت خارج حدود المدينة حيث المنطقة آمنة ، ثم حصل الإنفجار الكبير في المطعم وتطايرت الأجساد والأيدي والرؤوس المقطوعة للأطفال والنساء وكل القريبين من المكان ، قيل أنه ربما تكون إنتحارية تحمل معها حزاماً ناسفاً ، وقيل وقيل ، لكن المهم كان جسد كامل عصام الداغستاني مع أربعة من زملائه المهندسين قد تمزقت وإمتزجت دمائهم مع أكثر من دماء واجساد ستين شهيدا وشهيدة عراقية .
وصل الوالد المكلوم الى كركوك بعد أن تلقى النبأ الصدمة ، كان أحد الأقرباء قد وجد الجثمان في براد الطب العدلي لإحدى المستشفيات الرئيسية ، وكان اللقاء المأساوي بين الوالد وولده .بكى عصام كثيراً ، هاهو إبنه يرقد أمامه مضرجاً بدمه بعد أن تقوضت كل الآمال الوردية التي كان يرسمها لزواجه ومستقبله .. ها هو ممددا دون حراك ، غريباً لا مأوى ولا دار ولا عائلة !
كانت الوالدة المرعوبة تصر على معرفة مصير ولدها ، ثم حان الوقت لكي تعرف الحقيقة المرّة ، وتحامل الوالد على نفسه وبدأ الحديث المعجون بالنشيج الصامت المكبوت : قولي لي بالله عليك أين أدفن عصام ، فلا مقبرة لنا في ديارنا المكبولة بالقيود والحراب ، ولا مكان ، أأذهب به الى ديالى حيث لا أحد يعزينا فيه ، أم أذهب به الى الموصل الذي ليس فيه سوى شقيقة هي الثانية غريبة عن الديار ، أم .. أم ؟
تناخت العشيرة في قرية الشيشان الثانية في الحويجة (جارشلو) وقرروا أن يدفنوا كامل في مقبرة القرية ، وبين نحيب الرجال والنساء معاً ، الذين عرفوه أو الذين لم يعرفوه ، أودعوا جثمان الشهيد في قبره الذي منحه الإستقرار الأبدي بعد أن ضاقت به وباسرته المشتتة الأرض ، وبعد أن عانى من التشتت والقلق والتهجير القسري الظالم .
من إنتزع من كامل عصام الداغستاني حقه في أن يدفن في مقبرة الأهل الى جانب أجداده وأعمامه ..؟
من هجّر أهله وأقربائه من الشيشان والداغستان من قريتهم وحرق دورهم وسلبهم ممتلكاتهم وتذكاراتهم ؟
من قتل كامل في مدن الغربة والتهجير ؟
من يزرع المآسي والأحزان في ديار العراقيين يومياً ؟
من يصّر على غرس السكين عميقاً في القلب العراقي ليوسع من مساحة الجرح ويزيد من كثافة شلال النجيع ؟
من .. ؟
من ..؟



#محمد_حسين_الداغستاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة الشيشان في ديالى .. الى متى ؟
- بيادر الريح
- سجال آخر المشوار - قراءة موجزة في قصص جليل القيسي القصيرة جد ...
- أنظر خلفك !
- اللهيب البارد
- شكل إمتدادا لجيل السبعينات
- بت أخاف على نفسي !!
- مكابدات فعل الأمر في نصوص سلمان داود سلمان
- شهادة في زمن الوجع
- مالم يتناوله المحللون والخبراء.. العامل القوقازي في زيارة سا ...
- الفرار الى العشب
- مرايا الله
- خفق النبض
- النسور تنأى بأبصارها بعيدا !
- أسئلة عن الحب والحرية المسلوبة !!
- في الحب مرة ً أخرى !!
- ياصديقي
- حدود الحرية
- مؤسسات المجتمع المدني في العراق بين التحجيم والضرورة الحتمية
- تداعيات توق أضاع المسافات


المزيد.....




- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد حسين الداغستاني - أين ندفن جثمان الشهيد كامل عصام الداغستاني ؟