أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين الداغستاني - النسور تنأى بأبصارها بعيدا !














المزيد.....

النسور تنأى بأبصارها بعيدا !


محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد


الحوار المتمدن-العدد: 2353 - 2008 / 7 / 25 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


ــ
( لقد إكتسب أهلنا الذين عاشوا بعيداً عن وطنهم ، الكثير من العادات ، وتركوا أثاراً حسنة في نفوس الآخرين ،
لكنهم خسروا فلكلورهم ، رغم ذلك فالحمدلله إنهم لم يذوبوا كما قال جدهم ـ لشه تسي ـ مثل قبضة ملحٍ في
برميل ماء ! ) غازي شمسو / حنين التراب (1)
ــــــــــ
إمتلكتُ ناصية الوجد ، وأيقنتُ أن التوتر الذي غمرني بدأ ينحسر ، وأصغيتُ بصمتٍ الى ذلك الصوت المجهول المتشظى بين أشجار الغابة المتشابكة ، وصوبتُ ببصري نحو " أوشحه مافة " (2) المنتصب خالداً عبر العصور ، حيث الثلج الناصع على القمم يقارع الشمس بعنادٍ قفقاسي مبين ، فأدركتُ أن تضاد الفصول يرسم بنباهة على إمتداد السفوح القاتمة الإخضرار ، حكايات الغابرين ، والمحاربين البواسل ، وأساطير العشاق الأوائل في الثنايا المنزوية للوهاد الممتدة عميقاً .. وحده ، هذا النسر الفريد المعتّد بنفسه حد الدهشة ، يفرد جناحيه بعزم ، ويتسيد الفضاء الأزرق من فوقي ، يجوب الآفاق برهاوة بالغة ، مستفهماً عن مفردات لغة منسية يتداولها زائر جديد مع الآخرين قد لا ينتم ِ الى هذه الديار !
لوهلة ٍ ، أمعنتُ النظر في تركتي الفقيرة ، الدفق الروحي السيّال يعانق وهج العقل في عطاءٍ موحي وسخي ، ليعبر حواجز الكتمان وتداعيات الحزن والزجاج المكسور في داخلي ، وأتذرع بالحصافة لأنشر أعماقي علناً تحت الشمس البازغة من خلف قمم السلاسل الجبلية المتداخلة كأنها تؤدي رقصة (القافة)(3) فــي ميدانٍ مفتوح ، وأعود بالذاكرة الى البعيد القريب ، هنا سال النجيع الحار غازياً أرض الجدود ، فأشعلَ النار في الأحشاء والضروع ، وإكتسحَ الحصى والجذور والأغصان المبتلة بندى الصباح ، ليلتحم مع ماء الجداول ، ويستكين برفق على شواطئ كوبان العظيم (4) ، ويبصم جبين العابرين بشارة التشتت في المهاجر السحيقة مع بارقة صاعقة مضيئة تحمل وعداً بعودة حتمية لا مفر منها .
أتعبني هذا الطائر النبيل بلا مبالاته الجارحة ، فأتحايل عليه بإختلاق حلولٍ قد أجذب بها إنتباهـــــــه ، قلت له : إن والدي كان يجلســـــني أمامَه ُ وأنا صغيرٌ ، يداعبني خفية ًعن والديـه(5) ، وأن جدي كان مهيب الطلعة صارماً فكان عليّ ومن معي وأنا اليافع أن أنتصب قائماً عندما يحل أو يغادر ، وأن النار في موقد العشيرة لا تنطفئ أبداً ، وأن أشرس المعارك بين الرجال تنتهي حالما تظهر إحدى النسوة وتلقي بمنديلها بين الفريقين المتصارعين ، وأن .... وأن ....
هل تصدقين ؟ كمن مستّه الصاعقة ، حلـّق النسر عالياً ثم إنقلب على ظهره وإتخذ مساراً إستعراضياً فخماً نحو اليمين تارةً ونحو الشمال تارة أخرى ، بعده صفّق بجناحيه بخيلاء مرتقياً متن الريح ليستعيد توازنه برشاقة مبهرة ! صحتُ بأعلى صوتي : داغُودْدْ .. داغوُدْ دْ !!(6)
يا إلهي .. إلتفت الطائر الجبار نحوي بغتةً ، أزعمُ أنه كان راضياً تماماً ، وأفترضُ أنه أدرك أخيراً بأنني أنتمي الى هذه الجبال ، فإنقضّ بسرعة ماحقة نحو الأرض ، ثم جلس على صخرة قريبة بإعتداد مغرور ، ورمقني بفضول رزن يليق بمحاربٍ باسل ! آنذاك أيتها النرجسة الجبلية الغالية ، تخيلتُك ِأمامي ترقصين جذلى كما كنت في عرسٍ بهيج ، وكنتُ في منتهى سعادتي !!
مايكوب / الأديغي / روسيا الإتحادية 17 /6/ 2006
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) غازي شمسو / وزير الثقافة في جمهورية الأديغي ، وكتابه (حنين التراب) يتناول دوره المباشر في إعادة توطين شراكسة كوسوفو في أرض الأجداد في الأديغي .
(2) أوشحة مافه : جبل المبارك / أشهر جبال الأديغي في شمال القفقاس .
(3) القافة / رقصة الفرسان الشركسية .
(4) كوبان / نهر عظيم يشق اراضي الأديغي .
(5) من غير اللائق وفق التقاليد الشركسية أن يداعب الأب أطفاله أمام والديه أو المسنين
(6) داغُودْدْ : حسناً جداً / وتدل على الدقة والكمال بلهجة الشراكسة الجبليين .





#محمد_حسين_الداغستاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة عن الحب والحرية المسلوبة !!
- في الحب مرة ً أخرى !!
- ياصديقي
- حدود الحرية
- مؤسسات المجتمع المدني في العراق بين التحجيم والضرورة الحتمية
- تداعيات توق أضاع المسافات
- الغد المرتهن
- الديمقراطية النازفة في العراق
- إنتماؤنا القفقاسي وإملاءات المكان !


المزيد.....




- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...
- العثور على جثمان عم الفنانة أنغام داخل شقته بعد أيام من وفات ...
- بعد سقوطه على المسرح.. خالد المظفر يطمئن جمهوره: -لن تنكسر ع ...
- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد حسين الداغستاني - النسور تنأى بأبصارها بعيدا !