|
هبة من أصيلة
مصطفى العوزي
الحوار المتمدن-العدد: 2508 - 2008 / 12 / 27 - 06:05
المحور:
الادب والفن
استفقت من سنة خفيفة حلت بي و أنا على متن الحافلة التي كانت تقلنا إلى مدينة أصيلة ، طبعا لم استفيق بمحض المصادفة ، صديقي هشام رفيق في السفر هو من هزني من كتفي ليعلمني أننا قد وصلنا إلى أصيلة ، نزلنا من الحافلة ، و كان أول ما قمنا به هو أخد بعض من الهواء النقي نجدد به عمل رئتنا التي أضرتها الرحلة من طنجة إلى أصيلة رغما قصر المسافة ، فلتعاسة حظنا لم نجد في الحافلة سوى المقعدين الأخيرين و اللذان يقعان مباشرة فوق محرك الحافلة ، فكانت حرارة المحرك و إفرازات البنزين المحروق تصعد إلينا في شكل عمودي . بعدما أحسسنا بتجدد الهواء فينا انطلقنا مباشرة إلى مقهى اللوؤلوءة الزرقاء المعروفة هنا بأصيلة و التي تأتي في المرتبة الثانية شهرة بعد مقهى الزريرق الذائعة الصيت ، و التي جعلت عداد كبيرا من الكتاب العرب يكتبون عنها في بعض قصصهم و رواياتهم ، و في المقهى احتسينا سويا أنا و هشام القهوة التي ساعدتنا كثيرا على تصفية أذهاننا و عودة الحيوية إليها بعد تعب نصف يوم بكامله . أصيلة مدينة فاتنة احتضنت في السبعينيات من القرن الماضي الفن و الثقافة فكانت بذلك قبلة لفنانين و مثقفين من مختلف بقاع المعمور ، يأتون إلى أصيلة صيف كل عام يشهدوا عرسها الحضاري الذي يدوم لحوالي شهر كامل و تتقاطع فيه مختلف صنوف الفنون السبعة من أدب و رقص و نحت و رسم و سينما ، علاوة عن الموسيقى و المسرح ، ثم يفترقون على أمل اللقاء مجددا في العام القادم و لكل منهم نية هو عازم على قضائها في عامه هذا ، و إن لم يسعفه الحظ و الوقت فلا مناص من قضائها في العام القادم . رحنا بعد خروجنا من المقهى مباشرة على منزل محمد بن عيسى أحد أعلام مدينة أصيلة ، بفضل هذا الرجل وصلت أصيلة إلى ما هي عليه الآن من جمالية و رونق ، فهو مبدع موسمها الثقافي الشهير ، ورغما المهام الكبرى التي تقلدها من موظف دولي بالمنظمة العالمية للتغذية و الزراعة ، ثم وزير للثقافة فوزير للخارجية ، إلا أن حبه و عشقه لأصيلة لم يترك له مجالا للابتعاد عنها ، فكان بمثابة طائر يحلق في السماء مهاجرا أيام الشتاء ثم يعود لموطنه أيام الحار ليستدفئ بعشيرته و أقاربه ، عند مدخل الدار استقبلنا خادم به طلب منا أن نتبعه إلى غرفة الاستقبال ، جلسنا بها زهاء خمس دقائق ليلتحق بنا مباشرة السيد محمد بن عيسى ، سلم علينا سلاما حارا و كأنه يعرفنا منذ زمن ، ثم دعنا للجلوس ، تحدثنا معه في أمور عدة ، وناقشنا سويا فحوى النشاط الذي جئنا إلى أصيلة من أجله ، الحديث إلى بن عيسى شيق جدا ، أسئلته أجوبته ردود أفعاله تعليقاته و تحليلاته كلها مبنية و مركبة بشكل يجعلها متناسقة و متكاملة ، في جلسته يلمس المخاطب بشكل أو بأخر شخصية قوية ، و رجل سياسة و فكر من الطراز الرفيع ن و في حديثنا معه كن نكسر جدية النقاش بين الحين و الآخر بابتسامة لا تأتي إلا في محلها ، عندما انتهت الزيارة و قرننا العودة ، اقترح علينا السيد محمد بن عيسى أن يوصلنا إلى طنجة ، طبعا وافقنا على الفور ، ما دمنا سنستمتع بحلاوة الحديث معه و نحن في الطريق إلى طنجة ، تحدثنا في أمور أخرى ، عن الحياة اليومية للمواطن المغربي و بشمال المملكة على وجه الخصوص ، ثم عن أوضاع الأمة العربية في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم ، وصلنا إلى طنجة على أنغام الحديث الشيق للسيد بن عيسى ، توقفت السيارة على مقربة من المحطة الطرقية للمدينة ، و عندما هممت بفتح الباب أوقفني السيد بن عيسى ، و بابتسامته الجميلة خاطبني بلهجة مغربية : - بلتي نكمل على الفابور ديالي و اخرج من جيبه ورقتين نقديتين من فئة مئتي درهم ، ناولني الأولى و ناول زميلي هشام الثانية ، تقبلنا العطية بخجل كبير ، لكنه حمل هذا الأخير عنا بسرده لقصة مماثلة عاشها هو شخصيا أيام كان طالبا بدولة مصر العربية . ودعنه على أمال اللقاء في وقت قريب ورحنا مباشرة على مكتبة ثقافية بالمدينة نشتري بعض الكتب و نوثقها بعبارة مفادها : أشتري هذا الكتاب عن طريق هبة شخصية من طرف السيد محمد بن عيسى .
#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا الرايح
-
يوميات مهاجر سري : الهجرة بعيون من عاشوها
-
سجارة مارلبورو
-
أوراق من زمان البستان
-
تجربة موت
-
ودعا أية
-
عندما يسطع شمس الهند يحق لنا الافتخار و التقليد
-
العالم بين 1929 و 2008 / 1
-
مئة عام من العزلة : رواية الصراع بين الواقع و الخيال التي بي
...
-
مئة عام من العزلة رواية الصراع بين الواقع و الخيال
-
رجال في المغرب
-
يعني
-
البكور
-
يوم مواطن
-
سعيد
-
خلف الأصوار
-
حوار مع الكاتب و الصحفي المغربي المقيم بألمانيا محمد نبيل
-
ممنوع .... و شكرا
-
الاتصال ألية من أليات العولمة
-
جلباب المستعمر
المزيد.....
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|