|
يوميات مهاجر سري : الهجرة بعيون من عاشوها
مصطفى العوزي
الحوار المتمدن-العدد: 2487 - 2008 / 12 / 6 - 11:08
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
بين الماضي و المستقبل ، وواقع مر جاف و حلم بالحياة الراقية ، تتموضع يوميات مهاجر سري لرشيد نيني ، معلنة بذلك بروز صنف جديد من الكتابات يتسلل إلى أعتم المناطق المحيطة بنا ليكشف لنا كنهها و يبرز لنا عيوبها بدقة أوضح مما قد تبرزه لنا عيون الباحث المتخصص في كثير من الأحيان كما صرح بذلك السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو ولو بطريقة غير مباشرة ، و رغم صعوبة تحديد هذا الجنس الجديد القديم ، نظرا لتقاطعه مع أشكال أدبية أخرى ، غير أنه و بتعميق النظر يتجلى لنا طغيان البعد الروائي عليه نظرا لكون الحكاية تحضر بقوة في هذا الصنف الأدبي . تبدأ أحداث اليوميات من زمن الماضي عندما يعود بنا السارد إلى لحظة تتبع نشرة الأخبار التي تبث خبرا عن تحطم قارب للمهاجرين الغير شرعيين في السواحل الاسبانية و منظر الجثث الذي يثير الاشمئزاز من اللحظة الراهنة الصغيرة ( لحظة مشاهدة الأخبار) و اللحظة الراهنة الكبيرة ( لحظة الواقع الاجتماعي للبلدان المصدرة للمهاجرين ) ، و من تلك اللحظة الماضية ينطلق بنا السارد إلى سرد جملة من الأحداث و المواقف التي ميزت تواجده بالديار الاسبانية كمهاجر غير شرعي بعدما دخل تراب نفوذها بشكل شرعي ، حيث مكنته دعوة حصل عليها لحضور ملتقى ثقافي بصفته صحفيا إلى الحصول على تأشيرة ، يغير بعد حصوله عليها وجهته التي كان من المقرر التوجه لها ، فبدل الملتقى الثقافي يفضل البطل خوض تجربة الهجرة و منها حضور ملتقى أخر ، وهو ملتقى البحث عن حياة أفضل في الديار الأروبية ، تجربة الهجرة هذه و مسلسل الرعب و الخوف من سيارة الشرطة التي كانت دوما مصدر قلق بالنسبة له على اعتبار أن تواجده هنا بهذه البلاد أصبح غير شرعيا ، تتطور الأحداث ليتحول الصحفي و الطالب و الطفل الخجول و المثقف العضوي ، إلى عامل في حقول البرتقال يعمل على جني البرتقال تحت إمرة امرأة اسبانية . يتعرف البطل على أصدقاء جدد من الجزائر و العراق و اسبانيا أيضا ، يرافق بعضهم في مغامرات عديدة ، و التي غالبا ما جلبت له قلقا نفسيا كبيرا ، و يشتغل بعد ذلك في مطعم لإعداد البيتزا ، وهنا ينتهز فرصة ليستهزئ من النظام التعليمي لبلده الذي لا يعرف كيف يلاءم التخصصات الدراسية مع سوق الشغل ، كما يسخر أيضا من بعض ما تعلمه ( أنواع البيتزا / بحور الشعر ) كتعبير منه على تيه بين الفكر و الواقع ، في الأخير يستقر به المقام على فكرة نهائية مفادها العودة إلى الوطن رغم كل الجروح التي تمخره ، لان الإيمان بالتغيير لازال موجودا . يوميات مهاجر سري هي نص مبني أساسا على مجموعة من المتقابلات ، تكاد تكون هي الداعم الأساسي لجودة و قوة الحكاية ، في مقدمات هذه الثنائيات نجد الثنائية الكلاسيكية : شمال / جنوب ، هذه الثنائية التي تناولها جيل كبير من الروائيين العرب أمثال الطيب صالح ( موسم الهجرة إلى الشمال ) ، و يحي حقي ( قنديل أم هاشم ) ، و توفيق الحكيم ( عصفور من الشرق) ، نجد هذه الثنائية عند رشيد نيني في يوميات مهاجر سري ، عندما يتحدث عن نظرة الأسبان إلى المواطن العربي و المغربي بشكل خاص ، حيث يتم رميه بلقب قديم ( المورو) وهو لقب تحقري ، و هذا ما يفسر قيام هذه الثنائية على نوع من الصراع الخفي و اللامتكافئ ، حيث أن هذا المهاجر السري القادم من الجنوب ليعمل هنا في أرض الشمال يكون أقل قدرة و استطاعة بكثير من ذلك الباطرون الشمالي الذي يمارس على الجنوبي عنفا ماديا قبل أن يمارس عليه عنفا رمزيا . يوميات مهاجر سري هي نقل واضح لواقع فئة كبيرة من شباب البلدان العربية و الافرقية التي تغامر في عباب المتوسط طمعا في الوصول إلى بلد النور( كما تصور لنا الأغنية الشعبية ذلك ) ، هذا النقل أو التصوير تم في قالب فني و أسلوب يتأرجح بين الغضب و الفرح و الحزن و الكأبة ، في النهاية تسموا اليوميات التي كتبها صاحبها عبر حلقات إلى فكرة تقترب بشكل كبير إلى النصيحة ، ذلك عندما يحذر من صعوبة الهجرة و فشلها كتجربة حياة تنبني على أساس القضاء على الفقر و الوضع المتأزم و توقع الفرد في سلسلات من المتاعب ، إذا لم تصدقني اذهب بنفسك لترى ذلك.
#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سجارة مارلبورو
-
أوراق من زمان البستان
-
تجربة موت
-
ودعا أية
-
عندما يسطع شمس الهند يحق لنا الافتخار و التقليد
-
العالم بين 1929 و 2008 / 1
-
مئة عام من العزلة : رواية الصراع بين الواقع و الخيال التي بي
...
-
مئة عام من العزلة رواية الصراع بين الواقع و الخيال
-
رجال في المغرب
-
يعني
-
البكور
-
يوم مواطن
-
سعيد
-
خلف الأصوار
-
حوار مع الكاتب و الصحفي المغربي المقيم بألمانيا محمد نبيل
-
ممنوع .... و شكرا
-
الاتصال ألية من أليات العولمة
-
جلباب المستعمر
-
أقزام زمن العولمة
-
نحن و مستوى السيغار
المزيد.....
-
لماذا تهدد الضربة الإسرائيلية داخل إيران بدفع الشرق الأوسط إ
...
-
تحديث مباشر.. إسرائيل تنفذ ضربة ضد إيران
-
السعودية.. مدير الهيئة السابق في مكة يذكّر بحديث -لا يصح مرف
...
-
توقيت الضربة الإسرائيلية ضد إيران بعد ساعات على تصريحات وزير
...
-
بلدات شمال شرق نيجيريا تشكل وحدات حماية من الأهالي ضد العصاب
...
-
أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود- على أهداف في العمق الإيراني و
...
-
قنوات تلفزيونية تتحدث عن طبيعة دور الولايات المتحدة بالهجوم
...
-
مقطع فيديو يوثق حال القاعدة الجوية والمنشأة النووية في أصفها
...
-
الدفاع الروسية: تدمير 3 صواريخ ATACMS وعدد من القذائف والمسي
...
-
ممثل البيت الأبيض يناقش مع شميغال ضرورة الإصلاحات في أوكراني
...
المزيد.....
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
-
فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو
...
/ طلال الربيعي
-
دستور العراق
/ محمد سلمان حسن
المزيد.....
|