أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مصطفى العوزي - الاتصال ألية من أليات العولمة















المزيد.....


الاتصال ألية من أليات العولمة


مصطفى العوزي

الحوار المتمدن-العدد: 2279 - 2008 / 5 / 12 - 11:25
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


مما لا شك فيه أن عصرنا اليوم هو عصر الاتصال بامتياز، فشبكات الاتصال على اختلاف مكوناتها طفت بشكل جلي وبارز على الحياة اليومية للإنسان بمختلف بقاع العالم، ومع دخول دول العالم في دوامة العولمة وركوب قطارها بات واضحا دور الاتصال في نشر العولمة وأخذ قيصر بلد معين إلى بلد آخر يختلف عنه ثقافة وهوية وخصوصية، وبالتالي أصبحت وسائل الاتصال شبيهة بقطار أو حافلة أو سيارة أو أي وسيلة نقل، حيث تقوم بنقل طقوس وعادات ومهارات وخبرات معينة من بلد لآخر، وكانت انطلاقا من ذلك آلية أساسية من آليات انتشار العولمة، فإذا كانت المنظمات غير الحكومية ( جمعيات مدنية) والشركات المتعددة الجنسيات آليات لانتشار العولمة، فإن وسائل الاتصال هي بمثابة القائد لهذه الآليات، وتأتي في مقدمتها، وهذا ما يستوجب منا طرح أسئلة ترى أنها جوهرية، ونروم من خلالها إلى محاولة لكشف تلك العلاقة التي تربط وسائل الاتصال على اختلافها بالعولمة، وعليه لابد في البداية من القيام بمحاولة بسيطة لمقاربة المفاهيم الأساسية في القضية وهما مفهومان: الاتصال والعولمة، ومنه نتساءل ما المقصود بالاتصال وما هي أهم وسائطه؟ وكيف يبرز دور الاتصال داخل المجتمع؟ ثم ما المقصود بالعولمة؟ وما محلنا نحن كعرب وكمغاربة ضمن قطار العولمة الذي تتسابق عليه جل دول العالم؟ وكيف يمكن فهم تلك العلاقة الرابطة بين الاتصال والعولمة؟ هل نعرفها من خلال ملاحظة في وسائط الاتصال ومدى سعيها لنشر العولمة؟ أن سنحاول فهمها انطلاقها من ذاتها وذلك بملاحظة العلاقة بطريقة كلية شاملة دون تقطيع أو تجزيء؟
إن أول ما يقابلنا في عنوان أو القضية المطروحة هو مفهوم الاتصال والوقوف عليه يعتبر شرطا أساسيا لفك لغز العلاقة المطروحة.
I- مفهوم الاتصال:
إن أولى البدهات التي تعترينا وتقابلنا عندما نود الحديث عن مفهوم الاتصال هي أن هذا المفهوم أو هذه العبارة إن صح التعبير هي عبارة جديدة النشأة حديثة العهد وقريبة الظهور أو إنها عبارة معاصرة ظهرت حديثا، لكن الواقع أن الكلمة " الاتصال" هي كلمة قديمة قدم التاريخ، لكن ومع ما أضحى يغطيها في القرن الماضي من فضاءات شاسعة جعل منها وحدة تحليلية ومفاهيمية تدرس وتعتمد في أبحاث كبرى جدا وأصبحت علما قائما بذاته يدرس في الجامعات والمعاهد والمراكز الكبرى في العالم، ويقول في هذا الصدد الأستاذ يحيى اليحياوي " والواقع أنه على الرغم من أن كلمة الاتصال قديمة قدم الإنسان وأكثر، إلا أن الفضاءات الواسعة التي أضحت تغطيها، أواسط القرن الماضي جعلت منها ليس فقط معطى اجتماعيا وسوسيولوجيا وأنتروبولوجيا قائما، بل وحولته إلى وحدة تحليلية ومفاهيمية معتمدة في الأبحاث والدراسات بل ومؤطرة لعلوم جديدة تدرس بالمعاهد والمراكز والجامعات وغيرها"(1).
________________________________________
(1) يحيى اليحياوي: " كونية الاتصال، عولمة الثقافة"، منشورات عكاظ، ص: 21.
لكن ومع ما ميز هذا المفهوم في القرن العشرين من اتساع في المجال والفضاء، إلأا أنه يمكننا القول أن الاتصال ملكة اجتماعية ميزت الإنسان في حياته منذ أن خلق الله تعالى هذا الكون، وعليه لا حاجة إذن إلى الزيادة في الفوضى في هذه المسألة " أصل الكلمة" بقدر ما نحن في حاجة إلى الوقوف عند السر الذي أدى إلى اتساع مجال الاتصال وقدر له إلى ما يمكن أن نشبهه " بالقيمة الاجتماعية"، وسنستحضر هنا ما قاله فيليب بروتون في هذا الباب " إن مجموع ما نسميه اليوم بممارسات الاتصال إنما كانت موجودة منذ زمن بعيد، فالإنسان بالمفهوم الواسع للكلمة، كان دائما ودوما يتواصل. هذه الممارسات يمكن اعتبارها مزامنة للإنسانية تماما كاللغة أو الأداة اللتان تقبران الميزات الأساسية للإنسان ما قبل التاريخ... إنه بالإمكان تصور أن ممارسات الاتصال كانت بامتياز نقطة تلاق بين اللغة والأداة، أليس الاتصال هو في الآن معا تفعيل تقني للغة. مثلا في التبليغ والتبرير وحركة إبداع في ميدان التقنيات التي بمقدورها نقل الكلام على شكل رسالة"(1).
يحاول فيليب بروتون من خلال هذا الكلام أن يوضح فكرة رئيسية هي أن الاتصال إلى حدود القرن الماضي لم يكن له وجود يذكر إلا من خلال تواجده في نقطة التقاطع التي يلتقي فيها عالم اللغة وعالم التقنية، وحاول فيليب أيضا طرح تعريف للاتصال بوصفه تفعيل تقني للغة أي إعادة اللغة بطريقة تقنية ويعطي مثالا بالرسالة، كما يؤكد أيضا أن الاتصال هو ممارسة قديمة قدم الإنسان وضلت ملازمة له على مر العصور شبيهة بما يلازم الإنسان من نظم عيش وعادات في الحياة لا يمكن للإنسان التخلي عنها مهما حدث، إن ما جاءت به التقنيات الحديثة المجسدة في الاختراعات الكبرى هو تدشين لمرحلة جديدة أصبحت فيها كلمة " اتصال" عاملا مؤثرا وبقوة في الحياة والاقتصاد والمجتمع والثقافة وكل أنماط الحياة العامة، يمكن القول أن هناك نقط إلتقاء كبرى تشترك فيها التطور الاجتماعي وتطور الإبداع والتطبيق التقني في ميدان الاتصال، يقول الأستاذ يحيى اليحياوي" من الثابت في تاريخ الاتصال ( في تاريخ سوسيولوجيا الاتصال تحديدا) أن هناك جدلية قائمة بين الإبداع والتطبيق التكنولوجي وبين تأثير ذلك في حركية المجتمع"(2).
1. المجتمع والاتصال:
يعتبر الاتصال قيمة مركزية في المجتمع، فلا وجود لمجتمع دون اتصال، حيث يقول فيينير " إن الاتصال أضحى قيمة مركزية بالمجتمع بل ظاهرة مركزية"(3)، وعليه أمكننا القول أنه لا وجود لمجتمع لا تواصل فيه، فكل المجتمعات البشرية على اختلافها كانت تتواصل ولا زالت كذلك، وإن كان هذا الاتصال يأخذ أشكالا مختلفة من مجتمع إلى أخر، وهذا الاتصال يشكل ميزة المجتمع الأساسية وخاصيته
________________________________________
(1) يحيى اليحياوي، مرجع سابق، ص: 22.
(2) نفس المرجع، ص: 23.
(3) نفس المرجع، ص: 25.
التي تكونه ويختص بها وتميزه، إلى درجة أننا أصبحنا نطلق ألفاظ من مثل " مجتمع الاتصال" والتي تعني بها أن مجتمعا معينا فيه من أدوات الاتصال ما تفوق مثيلتها في مجتمع آخر. ولن نبالغ إذا ما اعتبرنا أن الاتصال هو السمة المميزة لكل المجتمعات سواء القديم منها أو الحديث أو المعاصر وسواء أكان متخلفا أو متحضرا أو بالأحرى متقدم، وهذه السمة كافية لوحدها لتجعل من مجتمع ما مجتمع اتصال وهذا مع اختلاف الدرجات بين المجتمعات، ورغم ما يقال عن كون الاتصال هو أداة في يد الدول العظمى والقوية التي تجعل منه شكلا معينا للسلطة على حساب دول أخرى هي أقل منها في سلم الترتيب، إلا أنه مع ذلك ذو دورها لم يتجلى في تقريب الشعوب من بعضها البعض وذلك بفتحه لقنوات تواصل متعددة سريعة وناجحة في أغلب الأحيان.
II- مفهوم العولمة:
مفهوم العولمة هو أحد أكثر المفاهيم الحديثة التي يشوبها الغموض، ويتجلى هذا الغموض بشكل أكثر وضوحا في تعدد التعاريف التي أطلقت عليها، وكانت التعاريف على اختلافها تتم عن إيديولوجية معينة، فهناك من رأى العولمة ليست إلا حركة كبرى تجتاح العالم بشكل وحشي وتؤدي إلى تدمير بنيات المجتمعات الضعيفة اقتصاديا " وإلى تضخم مشاكل اقتصادية واجتماعية وهنا نجد الأستاذ حسن أوريد يصرح " العولمة تهدد الدولة الوطنية على مستويين: اقتصاديا، إذا لم يستطع النسيج الاقتصادي للدولة أن يساير كوكبة التنافس، وماليا، وتهدد العولمة الجانب الاجتماعي من عدة زوايا لأنها تفرض تقليص عدد العمال لمسايرة التنافس..."(1) ومن هنا تكون العولمة هي نظام عالمي جديد يسري في مجتمعات العالم ويحدد أنماط هذه المجتمعات في الحياة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وحتى ثقافيا، غير أن هذا لا يمنع من أن تدرج تعريفا آخر للعولمة يحاول أن يبسط بشكل آخر هذا المفهوم ويعرفه من جوانب متعددة رغم طغيان النبرة الاقتصادية عليه، ويقول هذا التعريف " فلما كانت العولمة فيشكلها السائد، هي في أبعادها الكبرى تكريس لاقتصاد السوق ولمنطق العرض والطلب بداخله، وتكريس لفكر السوق ولحرية التعبير الاقتصادي بداخله، وتكريس لمبادئ الليبرالية السياسية الجديدة"(2)، ولعل السمة البارزة في هذا التعريف هو ربطه بشكل آلي بين العولمة والاقتصاد وذلك من خلال طغيان مصطلحات مثل " اقتصاد السوق" و"العرض والطلب" و"فكر السوق" ومصطلحات أخرى، وهذه السمة هي التي تكشف لنا بشكل ما المقصود بالعولمة، حيث يمكن القول أن العولمة هي مجموع السياسات الاقتصادية والأنظمة العالمية التي تحاول تكسير الحدود وتجاوز أصوار مناطق الانتماء وبالتالي الوصول إلى أبعد نقط في العالم وإشراك كل دول العالم في اتجاه حياه معين وموحد تسيطر عليه كلمة الاقتصاد أو عبارة الإنتاج والعمل من أجل
________________________________________
(1) حسن أوريد: " الإسلام والغرب والعولمة"، منشورات الزمن، ص: 63.
(2) يحيى اليحياوي، مرجع سابق، ص: 80.
الربح"، ولكن مع كل هذا يبقى مفهوم العولمة أكثر المفاهيم غموضا ولبسا وخداعا ولعل هذا ما دفع أكبر دعاة العولمة في العالم وهو بالخصوص " كادوس شقاب" رئيس المنتدى العالمي الاقتصادي " وكلود سمادجا" مدير هذا المنتدى إلى القول بأن العولمة " العولمة لعبة جديدة من غير قواعد، ويقتضي الأمر وضع قواعد لها"(1) وكان هذا التصريح بمثابة اعتراف ضمني بعنف العولمة ومدى تعسفها على بعض المجتمعات التي لا تزال تحاول النهوض من نكسات أصيبت بها جراء ماضي عاشته إما على وقع حروب أو استعمار أو غيرها من الكوارث العديدة.
1. العالم العربي وقطار العولمة:
إن ما يميز دول العالم اليوم هو أنه رغم تصاعد الاحتجاجات ضمن الأوساط الشعبية والمثقفة على حد سواء والتي تندد بالعولمة وتهاجمها وترفض أن تندمج مع رياحها القادمة على الأخضر واليابس، إلا أنها تسعى إلى مواكبة رياح العولمة وتحاول كل الدول على اختلافها السير في ركب العولمة دونما أقل الخسائر وأيضا دونما أن تكون متأخرة عن هذا الركب، والدول تختلف على حسب درجات مواكبتها لركب العولمة، فهناك من الدول من وجد مكانه فيها وفي المقدمة، وهناك من وجد هو الآخر مكانه رغم بعض التأخر، في حين أن هناك من الدول من لازالت لم تحدد موقفها النهائي بعد فهي في الركب وكأنها خارجة عنه بعض الشيء، وهناك من الدول من فاتها الركب ولم تستطيع اللحاق به، وهذا حال الدول العربية التي لا زالت متأخرة بشكل لافت للانتباه عن ركب العولمة، ولعل هذا ما تكشف عنه سنويا تقارير المنتدى الدولي الاقتصادي، حيث يرتب هذا التقرير 50 دولة وذلك من خلال معيار واحد أساسي هو مدى قدرتها التنافسية وهو المعيار الذي يحدد قابلية الدول لامتطاء قطار العولمة أولا، ويحاول الأستاذ حسن أوريد تصوير هذا الوضع من خلال قوله " لكأن العولمة قطار سريع أوشك على الإقلاع في محطة نهاية هذا القرن، وهو الآن يئز أزيزا ملحا لمن يريد امتطاءه في اتجاه محطة القرن المقبل. والدول أصناف، منها تلك التي هي في الدرجة الأولى مستمتعة بوضعها ومنها التي هي في الدرجة الثانية قد وجدت معان لها، ومنها التي لم تتخلص بعد من أمتعتها ولم تستقر بعد في المقصورة. أما العرب فلا يبدوا أنهم قد استقلوا هذا القطار إطلاقا"(2).
وخلاصة القول إن العولمة أضحت في زماننا اليوم متدخلة في كل المجالات، وأصبحت كل المجالات معولمة أو سائرة نحو العولمة، فأصبحنا نرى عولمة المال ورأس المال، عولمة الأسواق، عولمة التكنولوجيا، عولمة البحث العلمي والمعارف المرافقة لها، ثم عولمة أنماط العيش وأخيرا، عولمة الثقافة والمعتقدات وعولمة السياسة، والآن نقر بعولمة أخرى هي ما جاء به الدكتور المهدي المنجرة "
________________________________________
(1) حسن أوريد، مرجع سابق، ص: 56.
(2) نفس المرجع، ص: 63.
عولمة العولمة"(1)، ومن المعروف أن لاشيء ينتشر ويمتد إلا من خلال آليات معينة تعينه وتساعده على ذلك، والعولمة بدورها لا تنتشر إلا من خلال آليات محددة، من بينها الشركات المتعددة الجنسيات والتي تتخطى الحدود والانتماءات المكانية، ثم المنظمات غير الحكومية سواء أكانت على شكل جمعيات أو هيئات وطنية، أو جمعيات وهيئات دولية، لكن الآلية أو الأداة الأبرز لانتشار العولمة هي الاتصال وبدون أدنى شك.
III- الاتصال في خدمة العولمة:
إن ميدان الإعلام والاتصال بحكم طبيعته القابلة بشكل تلقائي لتخطي الحدود وعبور الحواجز وبحكم كونه أيضا ساعد بشكل كبير في تشريع عملية تناقل السلع والخدمات والرساميل والأشخاص والمعارف وإدماج جماعات معينة في جماعات أخرى مخالفة لها، يعد أبرز مادة للعولمة وأداتها الرئيسية وتتمظهر العولمة في هذا الميدان بشكل واضح وسهل جدا، ويتجلى دور الاتصال في تناقل السلع والأشخاص والمعارف أساسا في ما تقوم به شبكات الاتصال بربط مواطن بمواطن آخر، فالطالب الجامعي بإمكانه أن يسجل نفسه بجامعة أو معهد معين خارج أرض وطنه عن طريق شبكات الانترنت، والشركات تقدم طلبات العروض في صفقات معينة عبر مواقع إلكترونية أو عبر الفاكس لشركات أخرى عالمية خارج نطاق حدودها الجغرافية، كما أن مجموعة من الشباب يمكنهم العثور على فرص شغل خارج أوطانهم عبر شبكة الانترنت أو التلفزيون، وهذا ما يدل على أن شبكات الاتصال تلعب دورا هاما في هذا التبادل العالمي الكبير للمعارف والمعلومات والسلع والأشخاص، والمقصود بشبكات الاتصال حسب ما ورد في تعريف الأستاذ يحيى اليحياوي " شبكات الاتصال هي تلك الشبكات التي أقامت البنى التحتية لإنتاج وتداول المعلومات (الاتصالات تحديدا) وتلك التي عملت على استغلالها وترتيبها وتخزينها ( المعلومية أساسا) إضافة إلى تلك التي مررت لها بالكلمة والصوت والصورة، أعني شبكات السمعي/ البصري وما يستتبعها من إنتاج وبرمجة وما سواها"(2)، من خلال هذا التعريف تتضح لنا بشكل جلي الصورة ونعرف ما المقصود بشبكات الاتصال، وهي أساسا ثلاث مكونات: الاتصالات وشبكة الأنترنت، ووسائل السمعي البصري ( التلفاز والراديو)، وما يميز هذه الشبكات هو كونها وصلت إلى درجة الكونية التي كانت دائما تسعى إليها باقي العولمات كالتجارية والعلمية والثقافية، والمقصود هنا هو تلك الأحجام الضخمة من المعطيات والمعلومات والمعارف التي تنتقل يوميا وبشكل متواصل عبر الشبكات الالكترونية وبالأنترنت خصوصا وكذلك ذاك الكم من تيارات الأخبار والمعلومات الواردة عبر وسائل البث العابرة للقارات وفي طليعتها القنوات التلفزية الفضائية الدائمة الإرسال والمتاحة لكل البشر في هذا العالم إلى حد
________________________________________
(1) عنوان لكتاب للدكتور المهدي المنجرة: " عولمة العولمة".
(2) يحيى اليحياوي، مرجع سابق، ص: 37.
ما يمكن أن نسجله من تحفظ بسيط يتجلى في كون أن الأمر يختلف حسب السياقات المكانية، فليست كل الدول في خط واحد من هذا الصخب الاتصالي والإعلامي الكبير.
وانطلاقا من ما سبق نقول أن عولمة الإعلام والاتصال هي متحررة بشكل نهائي من كل القوانين والتشريعات على خلاف العولمة الاقتصادية مثلا حيث أن عمل الشركات الأجنبية في دول ما تقننه جملة من القوانين والتشريعات، عكس عولمة الإعلام والاتصال التي وسعت مجال عملها ليطال الكون بمجمله رافعة شعار التحدي في وجه الدولة وما تسنه من موانع، وتحديدات، ويرجع السر في هذا إلى عاملين أساسيين هما:
أ‌ - إن قطاع الإعلام والاتصال يحتكم في عمله إلى شبكات وتكنولوجيا تغطي الكرة الأرضية (بالسوائل) وتسقيها بالمباشر الحي بما تسنى لها بثه.
ب‌ - إن قطاع الإعلام والاتصال ينتمي إلى فصيلة التكنولوجيا اللامادية التي تسمح بتنقل المعلومات والمعطيات والمعارف على شكل بتات يصعب على الدولة كيفما كانت أن تمنع ذلك أو تراقب أو تفرض أي من وسائل الرقابة. ومن هذا المنطلق تشكل شبكات الاتصال والإعلام بأجهزتها واعتدتها ومعلوماتها وبياتها مادة أولى أساسيا وعلى أساسها انطلقت باقي العولمات نحو الأمام، وبالتالي فالاتصال هو أداة العولمة ووسيلتها وسلاحها وهو الفاسح لها الطريق. ومن الضروري لدى الحديث عن كيفية انتشار العولمة عن طريق أداتها الأولى أي الاتصال، أن نحدد تلك الكيفية من خلال استعراض مكونات شبكات الاتصال الثلاث الأساسية وهي الاتصالات، الأنترنت ثم أخيرا التلفزيون باعتباره أبرز وسيلة سمعية بصرية.
1. الاتصالات:
لقد أضحت الاتصالات اليوم ضرورة حيوية تسهل الكثير من أمور الحياة اليومية سواء في المعاملات الاقتصادية أو التبادل الثقافي وحتى في تنقل الناس من مكان لآخر، وقد عرفت الاتصالات تطورا هاما خصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين، ففي البداية كانت الاتصالات مجسدة أساسا في الهاتف والتلغراف ثم تطورت لتشمل الفكس ثم تطورت أكثر مع ظهور الهاتف النقال والذي شكل طفرة نوعية هامة في عالم الاتصالات، وعليه أصبحت الاتصالات بمختلف بقاع العالم شيء ضروري تعتمد عليه الشعوب في تواصلها مع الخارج وحتى تواصلها الداخلي، فلا تكاد تخلو معاملة معينة من تدخل الاتصالات فيها، فقد أصبح طلب منتوج معين أو بيع منتوج معين وحجز تذكرة السفر وتحديد المواعيد والتعرف على الآخر متوقف بشكل كبير على الاتصالات خصوصا الهاتفية منها في أغلب الأحيان، ولما كان للاتصالات كل هذا الحضور البارز والضروري، فقد توجهت جل الدول إلى محاولة تطوير هذا القطاع، وذلك من خلال فتحها الأبواب للاستثمارات الأجنبية العاملة في القطاع، وتوظيفها لرؤوس أموال هامة بغية تحسين حالتها في هذا القطاع، وما إن فتحت أبواب الاستثمار سارعت عدة شركات أجنبية نحو دخولها بلدان مختلفة فقد هذا الاستثمار، ومع دخولها بدأت البلدان تعرف بعض التغيرات والتي قد تبدو للوهلة الأولى طفيفة، لكنها في العمق كبيرة، تغيرات مست بالأساس احياة اليومية للمواطن، فمن كان بالأمس يحجز تذكرة السفر بواسطة ذهابه شخصيا نحو محل التذاكر، فقد أصبح اليوم يحجز تذكرة سفره بواسطة مكالمة هاتفية لا تتعدى ثلاث دقائق في أغلب الأحوال، ومنه نقول أن دخول الاتصالات لمجتمعات بعينها غير كثيرا من أنماط حياتها، وأتى بأشياء جديدة بدأت تتزاحم مكونات ثقافة المجتمع المستقبل.
2. الأنترنت:
تعتبر شبكة الانترنت أحد أبرز وسائل الاتصال الحديثة، حيث تسمح هذه الشبكة بنقل أحجام ضخمة من المعلومات والمعطيات والمعارف وتداولها بشكل سهل بين شعوب العالم وبلغات مختلفة، وبكيفية سهلة تنسجم وطموح المستهلك، ويتم هذا التنقل والتداول للمعلومات والمعارف عن طريق الأنترنت، بواسطة مواقع إلكترونية عديدة، وتشكل هذه المواقع خزان للمعلومات المتنوعة والتي تتوزع بين ما هو ثقافي وسياسي ورياضي وعلمي وغيره من صنوف المعرفة، وهذا ما جعل أحد الباحثين في مجال التقنية يتحدث عن الأنترنت بقوله "تحتل الأنترنت مكانة متميزة في قائمة البحث وتداول المنتج المعرفي البشري بعد أن ابتلعت أذرعها جل النشاط الإنساني فأودعته في مواقعها المنتشرة في نسيج الشبكات المعلوماتية الذي يلف الكرة الأرضية من جميع الاتجاهات"(1)، ولضخامة وتعدد وتنوع المواقع الإلكترونية أصبح الإنسان غير قادر على الإبحار في فضائها المعرفي دون استخدام آلات البحث والتي تساعده وتمهد له الطريق عبر مجموعة هائلة من قواعد البيانات التي تختزنها عن المواقع المتوافرة على الشبكة، ولعل أبرز هذه الآليات هما آلتا البحث Google وYahoo.
وتلعب هذه المواقع دورا هاما في نقل ثقافات دول معينة إلى دول أخرى، وهي بهذه الحالة تشبه جسر يتم من خلاله العبور نحو الضفة الأخرى، فترى المواطن السوري مثلا يعرف الشيء الكثير من ثقافته مثله في بريطانيا مثلا، وعليه يمكن لثقافة معينة أو قيم معينة أن تنتقل من بلدها الأصلي وتنتشر في بلدان أخرى من العالم، فيمكن أن تجد لها من يتبناها ويتضامن معها، وهذا دليل واضح على عولمة القيم والثقافة التي تعتمد على تقنيات الاتصال كأحد أهم ركائزها.
3. التلفزيون:
من المتفق عليه أن التلفزيون كأبرز وسيلة سمعية بصرية له وظائف عديدة أهمها:
• الحصول على المعلومات.
• توفير راحة ذهنية.
________________________________________
(1) حسن مظفر الرزو: " آلات البحث على الانترنت تبحث لك أم عنك"، مجلة العربي، العدد: 556، ص: 144.
• توفير متعة فنية.
غير أن التلفزيون في عمقه هو وسيلة اتصال تعمل على نقل أخبار وأحداث وقيم ومعارف معينة من مكان إلى مكان آخر من العالم، فمن منا مثلا لا تصل إلى علمه يوميا عشرات الأخبار والأحداث التي وقعت في خطر ما عبر التلفزيون، ومن منا لا تشد انتباهه أنماط عيش معينة في بلد ما وداخل مجتمع ما من العالم، فيحاول إما تقبلها والسير على حذوها أو رفضها والتمسك بما هو عليه، يقول أحد الباحثين "تقدم أجهزة الإعلام أفكارا متنوعة ورؤى جديدة للأشياء والأحداث، تهيء للإنسان المعاصر إمكان الانفتاح على العالم الخارجي بل ونقل ذلك العالم بكل أحداثه المعقدة والمتلاطمة إليه"(1)، فالتلفزيون كجهاز إعلامي يقوم بكل هذه الوظائف التي تحدث عنها الباحث، وعليه يشكل التلفزيون وسيلة لنقل ونسخ ثقافات معينة في مجتمعات جديدة، فهناك مثلا من يقوم بقص شعرة أو تسريحة وفق الطريقة التي رآها لدى نجم معين يف التلفزيون، وهناك من ترتدي ملابس معينة رأتها لدى نجمة قامت بعرضها إما بشكل رسمي أو غير رسمي، فبشكل رسمي من خلال عرض أزياء أو من خلال القيام بدعاية وإشهار للباس معين، وبشكل غير رسمي من خلال فنون الدعاية الحديثة، والتي تقضي بأن تمول شريكة لباس معين فيلما أو مسلسل أو برنامج تلفزيوني بألبسة مختلفة يرتديها أبطال هذه الأعمال وذلك قصد الدعاية والإشهار.
ملحق ختامي:
إن الحديث عن دور الاتصال في نشر العولمة سواء من حيث نشر قيمها أو مبادئها بات حقيقة لا جدال فيها، ولعل أهم ما يمكن القيام به اليوم في مجال البحث المتعلق بالاتصال والإعلام، وأقصد بالضبط سوسيولوجيا الإعلام والتواصل، هو محاولة تفكيك تلك العلاقة التي تجمع الاتصال والإعلام على حد سواء بالعولمة باعتبار أن هذه الأخيرة قادمة بشكل لا رجعة فيه على كل المجتمعات، ولعل محاولة التحليل هذه والتي يجب على الباحثين القيام بها ستكون محط دراسة متأنية لمفهوم العولمة في علاقته بالمجتمع وذلك من خلال القراءة العلمية في الأداة الرابطة بين المجتمع والعولمة وهي الاتصال.
المراجع المعتمدة:
• يحيى اليحياوي: " كونية الاتصال، عولمة الثقافة"، منشورات عكاظ.
• حسن أوريد: " الإسلام والغرب والعولمة"، منشورات الزمن.
• الدكتور حسن مظفر الرزو:" آلات البحث على الانترنت تبحث لك أم عنك"، مجلة العربي، ع: 556.
• الدكتور أحمد أبو زيد: " التكنولوجيا الرقمية والإعلام الجديد"، مجلة العربي، عدد: 577.
________________________________________
(1) الدكتور أحمد أبو زيد: " التكنولوجيا الرقمية والإعلام الجديد"، مجلة العربي، عدد: 577، ص: 142.



#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جلباب المستعمر
- أقزام زمن العولمة
- نحن و مستوى السيغار
- حب على ضفاف الجامعة
- الحب في زمن الزيت الغالي
- صورة مغربي الخارج كما تصور في الأذهان
- زمن الأجساد المغرية
- لحظة سينما بوعي المستديرة
- لن أصمت
- و تستمر العزلة لأزيد من مئة عام
- التراجيدية الوطنية


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - مصطفى العوزي - الاتصال ألية من أليات العولمة