أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - ثالث الثلاثة














المزيد.....

ثالث الثلاثة


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2505 - 2008 / 12 / 24 - 03:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أول نموذج واجهته للحكواتي، أثار مخاوفي الطفولية.. فأخي الكبير كان يقرأ علينا بعضاً من قصص ألف ليلة وليلة، ولأن تلك القصص مخيفة بالنسبة لطفل.. ولأنه سردها في فصل شتاء بارد جداً فقد ارتجفت مرتين، مرة من الخوف ومرة من البرد. ثاني نموذج واجهته للحكواتي أثار (عزيزتي الجنسية) فشهرزاد مثيرة جداً، خاصَّة وأنني تعرفت عليها بعد أن كبرت قليلاً واقتنيت كتاب ألف ليلية وليلة، وفيما كنت أقرأ كنت أتخيل جمال تلك الملكة الشابة بملابسها الليلية الشفافة ومفاتنها البارزة وغنجها الذي تتصنعه وهي تسرد على ملكها تفاصيل الأحداث.
في الحكاية تكون الأحداث مكتوبة سلفاً لذلك فهي مقررة ومحتومة. والراوي، وسواء كان مختلق بحت للأحداث وخالق تام لأبطالها، أو ناقل متحكم ببعض تفاصيل مشاهداته. فإنه مسؤول مباشر عن كل الأحزان التي يتعرض لها (المحكيّون). ومن هنا فإذا كان التاريخ البشري عبارة عن حكاية مكتوبة سلفاً فإن لدينا من يجب أن يتحمل مسؤولية كوارث هذا التاريخ. خاصَّة وأنني لم أجد أي فرصة اختيار (حقيقية) يتمتع بها الإنسان.
أريد أن أقول؛ بأننا نعيش داخل حكاية يتولى سردها حكواتي من نوع مختلف، ويأتي الاختلاف من أن نظام الكتابة على الواقع يختلف عن نظام الكتابة على الورق.. أو لنقل أن عملية الروي تتم بطريقة أخرى. فمثلاً الجينات التي تتحكم بشكل الإنسان ومظهره وما ستكون عليه ملامحه الجسدية والنفسية ومن ثم الشخصية، تشبه كلمات الحكاية التي تُجبر الشخصيات على خيارات محددة في إطار نص لا يمكن الخروج عليه. أليس المسؤول عن وضع الخريطة الجينية عبارة عن كاتب سيناريو من نوع مختلف؟
ثم إذا جاز لنا القول بوجود (جينوم) اجتماعي، فإننا نكون قد سمَّينا مجموعة المتحكمات التي تضبط دور ومنزلة الفرد داخل الجماعة ونكون بالتالي قد كشفنا نقاباً آخراً كان يحجب حقيقة أننا حكاية مملة وربما عابرة. أليست عائلة الفرد التي يجبر على الولادة داخلها خيار يفرضه الحكواتي؟ مستوى التربية والتعليم أيضاً. الطبقة الاجتماعية التي لا يمكن اختيارها. أليس الدين الذي (يُفرض) من خلال التربية هو الآخر خيار السارد؟ أليست كل هذه مورِّثات تعطينا أدواراً محددة وهي بالتالي نوع من أنواع التحكُّم؟
لست بمعرض اجترار فكرة الجبر. المستهلكة. أبداً.. خاصَّة وأن العمود الصحافي مساحة للكتابة عن الواقع لا الخيال. لكن ماذا أفعل إذا كان واقع بلدي أقرب للخيال؟ ماذا أفعل إذا كانت نساؤنا أرامل ورجالنا مخيرين بين الموت أو الموت وأطفالنا شحاذين وشوارعنا متربة وكفائاتنا مهدورة وعوائلنا مهددة بالمنافي ووووالخ.
ماذا أفعل إذا كانت حكايتي غريبة لهذه الدرجة، ألا يجدر بي أن أتساءل عمن كتبها بهذا الشكل الكريه؟ ألا يجدر بي أن اسمي المسؤول الحقيقي عن الدمار؟ لقد بدأت أكره مصير بلد ليس فيه ما يبشر بالحياة، لست متشائماً لهذه الدرجة لكنني مضطر للاعتراف بأنني أكره مصيري، المصير الذي أُجبرت من خلاله على أن أكون عراقياً. وبالذات في أحلك أزمنة هذا العراق. لماذا هنا تحديداً وبهذا الوقت بالذات؟ أريد حقاً أن أقول: إذا كان جيناتي (الجسدية والاجتماعية) وصلتني بشكل عشوائي، فألف لعنة على مصيري الذي صنعته، لأنه عشوائي بالتأكيد وبائس ولا يتحرك باتجاه هدف محترم. أما إذا كانت هذه الجينات محكومة بسرد يتولاه كاتب من نوع ما، فأنا أكره هذا السرد وأكره السارد أيضاً، ذلك الذي يصر على جعل حكايتي كريهة لأبعد الحدود، بل أنا أتمنى أن يكف عن الثرثرة بأقرب وقت ويعفيني بالتالي من الاشتراك بهذه المهزلة البائسة.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصابات المسؤولين
- قف للمعلم
- أنت الخصم
- رسالة إلى هتلر
- ريثما يموت الببَّغاء
- الإنسان الناقص
- نبوئة لن تتحقق
- اغتيال مدينة
- كنت ثوريا
- التثوير الديني
- يقين الأحمق
- كلام المفجوع لا يعول عليه يا صائب
- البقاء للأقوى يا كامل
- اقليم الجنوب
- القرد العاري
- محمد حسين فضل الله
- وأعدائهم
- عبد الكريم قاسم
- ثقافة الوأد
- أعد إليَّ صمتي


المزيد.....




- غضب في إسرائيل بشأن تصريحات نتنياهو عن أهداف حرب غزة
- 29 قتيلا في غارات إسرائيلية على غزة ومنظمة الصحة تندد بتقاعس ...
- تغير المناخ والجفاف يقوضان الثروة الحيوانية بالعراق
- وزارة الدفاع الروسية تنشر وثائق عن اقتحام الجيش الأحمر لبرلي ...
- تجدد إطلاق النار في كشمير مع إجراء البحرية الهندية تدريبات ع ...
- الإكوادور.. وفاة 8 أطفال بسبب عامل معدٍ لا يزال مجهولا
- الدفاعات الجوية الروسية تصد محاولة هجوم بالمسيرات على سيفاست ...
- الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة لن تلعب بعد الآن دور ال ...
- تحذير صحي هام.. منتجات غذائية شائعة للأطفال تفتقر للعناصر ال ...
- الدروز يغلقون عدة مفارق مركزية شمال إسرائيل في مظاهرات مطالب ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعدون محسن ضمد - ثالث الثلاثة