زهير دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 2499 - 2008 / 12 / 18 - 01:21
المحور:
الادب والفن
كان إبراهيم ؛ الطفل الأسمر ذو الشّعر الفاحم والعنينين السوداوين الواسعتين وابن جباليا في القطاع ، كان ينتظر عيد الأضحى على أحرّ من الجمر ، ينتظر الأيام والدقائق لكي تمرّ ، وكثيرًا ما تبطئ فيتأفف ويتذمّر قائلاً : أفٍّ ما أطول هذه الأيام ؟ .
وأخيرا جاء العيد ، ويا ليته ما جاء ، فالدموع منذ ذالك اليوم وهي تملأ عينيه ، وتُبلّل خدّيه.
يبكي ويصرخ ...لماذا ؟! أين هو ؟ ..ولماذا تأخر؟!
وتجيب الامّ وهي تحاول أن تخفي دمعةً في عينيها.
" الغائب عذره معه يا بُنيّ ..." وتُتمتم بصوتٍ منخفضٍ : لعن الله الشرّ ...لعن الله الحِصار .
ويرفض إبراهيم أن يقبل الأعذار ، ويرفض أن يتناول طعامه !! هذا الطعام المُتبقّي في البيت !! ...وكيف يقبل والعيد مرَّ جافًّا ، باهتًا ، فلا نقود ، ولا العاب ولا هدايا ، ولا لحوم ، والأهمّ لا كرة قدم ، نعم كرة قدم ، فالأب سافر كعادته قبل شهرين إلى مدينة ليعمل هناك .
ويحاول إبراهيم أن يتذكّر اسم هذه المدينة ، ولكنه يفشل ، فيروح يسأل امّه :
أين يعمل أبي يا أمّاه ؟
نا.....تقول الام ...نابلس ...نعم نابلس يصرخ إبراهيم ، إذن لماذا لم يعُد لنا من نابلس ؟ ألم يعدني بكرة قدم أثناء عودته ؟ ألم يقل لي أنَّ هديّة العيد ستكون كرة قدم مُلوّنة ؟ لقد مرّ العيد ، مرّ العيد يا أمّي وأبي لم يعُد .
وسالت دمعتان على خدّيّ الأم وهي تُعانق ولدها ؛ وحيدها وتقول :
سيأتي يا بنيّ ...قريبًا سيأتي ...قريبًا سيفرجُها الله ويفكّ الحِصار .
حِصار ..حصار ...حصار صرخ ابراهيم ..مَن هذا الحِصار ؟ انّه يقتلني .....يُعذّبني !!..أريد أن أراه لاسأله عن أبي وعن كرة القدم ...خُذيني إليه يا أمّاه ...خُذيني إلى الحصار .
وتبكي الأمّ ..ويبكي إبراهيم ..ويبكي البيت ..... وتبكي الثّلاجة القديمة.
#زهير_دعيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟