أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - المطر














المزيد.....

المطر


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2480 - 2008 / 11 / 29 - 14:04
المحور: الادب والفن
    



المطر..
"إلى غزة في هذا الشتاء.."

قال جدي عندما اختلفت مع أخي على كسرة خبز
- احذروا جفاف الوقت!!
.. وجف شتاء المدينة, فخشع الناس..ابتهلوا وصلوا في العراء صلاة الاستسقاء..
استجابت السماء وأجهضت الغيم عن غيث وفير لم يتوقف نهارين وليلة..
فغرقت المدينة..صارت الشوارع سيولا دافقات, حبست الناس في البيوت, وضرب البرد العباد مع غياب الوقود والكهربا وحتى حطب المواقد والمجامر.. تساءل الخلق:
"هل هو غيث غضب! أم غضب رحمة..؟ " .. ولم يستجيبوا لدعوة منادي الأمير لإقامة صلاة وقف المطر.. ومنهم من تجرأ وصرخ في وجه المنادي :
- كيف نسأل الله أن يرفع عنا رحمة السماء؟
فقبضوا عليه وسحلوه, فاختلفت مع أخي حول طريقة السحل, ولم نتوقف عن الشجار حتى مات الرجل..
ضحك جدي:
- هدنة مؤقتة يا صابئين..!! كيف يسحل الأخ أخاه؟؟
وجدي هذا صام عن الكلام منذ أكثر ستين سنة, وصبر على جور صقيع الثلجة* التي ضربت خيام اللاجئين في الهجرة الأولى.. فقد خلع ثوبه الوحيد وقضى الليل عاريا كما ولدته أمه, ليس عن جنون أو بلل لحق ثوبه, أو حتى نجاسة طارئه, بل لأنه لف بالثوب ابنه الذي باضته جدتي عسرا تلك الليلة, وابنه هذا هو أبي الأعسر الوحيد بين إخوته والذي ورثته الثلجة أخف الأذى فأصبح المحسود بين اقرنه, إذ ورثة الثلجة اصطكاك الأسنان كلما وقعت عينه على قطعة ثلج, أو لامست شفتاه الماء البارد.. لذلك كان جدي يقول:
- لن تفارق عبد الله الرجفة حتى يتدفأ على نار حطب زيتون عسقلان عند أعتاب ولي الله الشيخ عوض..
وبعد أن حلت النكسة بالعرب, وتوحدت الأراضي الفلسطينية من جديد تحت الاحتلال, قال جدي:
- لعله خير..
وفي أربعينية أول شتاء أعقب النكسة,اصطحب ابنه الذي هو أبي عبد الله إلى المقام, واحتطب من فروع الزيتون الجافة وأشعل النار.. وأمر عبد الله أن يتدفأ على النار عاريا كما ولدته أمه..بين يدي صاحب المقام الذي لا يخذل طالب رحمة أو صاحب حاجة.. ولكنهم حاصروا المقام واصطحبوا أبي عاريا.. ورجع جدي بثياب أبي صامتا وقضى أبي عقوبة السجن بتهمة التخريب..
وظل أبي في حيرة من أمرة يبحث عن سبب اعتقاله وما زال.. ولكنه سجل في القوائم الأولى من المعتقلين.. فتباهينا به وأصبحنا أبناء المناضل..
ومرت الأيام وكبرنا أنا وأخي حتى اختلفنا.. فتحجرت الدموع في مقلتي جدي منذ نشب الخلاف بيني وبين أخي على كسرة الخبز, واندلقت دموعه مثل سيل,عندما اختلفنا ودخلنا معمعة الاقتتال..
وفي يوم خرجنا من المعمعة مصابين..فخرج جدي عن صمته, قال:
- على ماذا الخلاف؟
- على فتح وحماس
- وعسقلان؟
صرخ جدي.. وسقط.. أخذتنا الصرخة إلى الصمت.. نهض جدي تعرى كما ولدته أمه.. وأقام الصلاة الاستخارة وحيدا..

* عام الثلجة في تقويم أهلي غزة هو العام 1950 حيث تساقط الثلج بصورة لم تعهدها الديار الغزية وسببت الريح اقتلاه خيام اللاجئين, ما نتج عنه موت عدد كبير من العباد ألبهم من الأطفال الرضع, ولأن تسجيل المواليد كان بذخا تعرفه المدينة فقط اعتبر الناس عام الثلجة فاصلا بين ما قبله وما بعده, وأبي الذي هو عبد الله من مواليد الثلجة.

15/11/2008



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أضيق ثقوب الناي..
- مكابدات السندباد مع طائر الرخ
- تناسل الأسئلة علي ضفاف الدهشة
- رجع ناي وترانيم وتر - نص مشترك
- بطاقات الى امرأة تنتظرني - 9 -
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 8 -
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 7 -
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 6 -
- بطاقات ألى امرأة تنتظرني - 5 -
- بطلقات إلى امرأة تنتظرني - 5 -
- تداعيات على وسادة الأرق
- رسائل الزاجل الأسير إلى منى عارف
- رواية الطوق - 8 -
- رواية الطوق - 7 -
- راوية الطوق - 7 -
- رواية الطوق - 6 -
- رواية الطوق - 5 -
- رواية الطوق - 4 -
- رواية الطوق - 3 -
- رواية الطوق -2 -


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - المطر