أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - راوية الطوق - 7 -















المزيد.....

راوية الطوق - 7 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2423 - 2008 / 10 / 3 - 05:06
المحور: الادب والفن
    



ـ7ـ

يحدق الأستاذ فهيم في ساعته، يقتله بطء عقاربها، ورغبة التفرس في الوجوه تتمطى داخله، انه يكتشف جيرانه من جديد، يدرك كم هو قريب منهم، هذا الزقاق ينطوي على سر كبير، قلما تمضي ليلة دون مرور الشباب، والأبواب مفتوحة رغم التحذير اليومي، سميرة ووالدها ما زالا في السجن ولا أخبار، أم خليل وأم صابر غادرتا الزقاق لسبب ما، لم يصدق حينما أخبرته زوجته أنهما تعملان مع الشباب، زجرها فانكمشت، كاد يجن، في الليلة الفائتة، كاد يخنقها، هذه المرأة صارت عبئاً عليه, حفي لسانه معها لكثرة ما ردد "إحنا عايزين نعيش بسلام ونربي أولادنا" وهي لا تترك خبراً أو إشاعة إلا وتسأل عن ذلك بإلحاح، صارت خبيرة بحكايات الناس في المخيم، في الليلة الفائتة هبط الشباب في حوش الدار، لم تكتف بالنظر من ثقب باب الحجرة مثله، أصرت على الخروج وقالت:
- يمكن يلزمهم شيء.
- ايش بدك منهم يا حمارة.
- يمكن عايزين حاجة يا ابن الحلال.

وعندما غادروا الحوش فح في وجهها:
- ايش لزوم تطلعي لهم في الليل؟
- يمكن جعانين، حرام لو أعطناهم شيء؟
- يا ست الحسن هم في غنى عنكِ.
- أولاد الناس ما يستغنوا عن الناس يا ابن الناس.

عجز أمام منطقها، لا وقت للجدال سألها:
- كيف طلعت أم خليل؟
- من بوابة السلك، اليهود بيسمحوا للنسوان يطلعوا.
- طيب بكرة انت والأولاد تطلعي عند أهلك.
دقت على صدرها وشهقت:
- وتبقي وحدك يا فهيم!؟
- كيف رمى الفكرة قبل تقليبها، لاذ بالصمت توسلت إليه:
- الموت مع الجماعة رحمة يا فهيم "مثل الناس ولا باس"
- انت بتدسي حالك في اللي لازم واللي مش لازم، وفاضية للحكايات وناسية ابنك يلحق الولد اليتيم عند السلك يرشقوا الحجارة، وانتي بسلامتك مبسوطة، وكأنه بطل زمانه، أنا خايف من عواقبها..
صوت الميكرفون من بعيد.
"انتبهوا، انتبهوا"
وانطلق حسام، لا يأبه لأبيه الذي صرخ:
- ولك ارجع يا حمار.
والتفت لزوجته:
- شايفة اللي حسبناه وقعنا فيه، الحقيه بلاش يجري وراء الولد اليتيم.

***
يقف الجعباص في الزقاق بفتور، الحياة تفقد حيويتها، والوحشة تحط في المكان، وساعة التجول مكبلة بالوجوم، والزقاق يفقد مكوناته، خرجوا ولكل خروج سبب، أبو محمود وابنته، وأم صابر وأم خليل، حتى يونس غادر إلى أمه في الحارة المجاورة، يظهر عند التجول، يخطف ابن الأستاذ ويعودان مع أخبار الجنود والحجارة، الجعباص يفتقد الصبي كثيراً، يشعر دوماً أنه ويونس أولاد أم صابر، لكأن الصغير توأمه، يتنهد "الحمد لله انه يونس اقتنع بالعودة لأمه"، لقد استجاب الله لدعوات جدته كانت تقول "بكرة يكبر وعقله يكبر معه، من يتخلى عن أمه غير ابن الحرام".
يمسح بيوت الزقاق، من بقي معك يا جعباص، محمد الغاوي المخروع وحيله المقطوع، يا خسارتك يا غاوي، ماذا جرى لك، ضاعت مواويلك، وضاع البحر منك، أين ترسو المواويل الآن، يا حسرة..
الزقاق يضيق بغياب أم خليل، التي تعرف أخبار الأزقة والحواري والبيوت، الحياة مع أم خليل لها طعم آخر، كيف هان عليها ترك البيت، ماذا تفعل الآن، وماذا تفعل معها أم صابر؟ ماذا تستطيعان عمله للشباب، في زمن الخوف، وهو الشاب قد سقط قلبه الليلة الماضية عندما تسلل الشباب إلى بيته، تجمّد حتى غادروا، وعندما أصبحوا في الشارع، فوجئ بسعدية راجعة إلى دارها، ماذا تفعل هذه البنت، هل كشفت لهم الطريق، كل شيء يتوقعه من بنت الغاوي إلا الخروج في الليل مع الشباب، هذه البنت المتكبرة بنت المدارس التي تتهيأ لتصبح معلمة، رأسها يناطح السحاب كما تقول أمها. علاقته بها لا تتعدى تبادل تحية الجار للجار، والإعجاب بتصفيف شعرها الذهبي ضفيرة على شكل ذيل فرس أصيل يرتفع جذوه من رأسها ثم ينهدل، يلمع مثل الحرير مع شمس الصباح، شعرها يضحك، أما بوزها فلا يضحك لرغيف الخبز الساخن، لا يتذكر انه رآها تضحك، إلا ليلة أن زارته وأحضرت طبق العدس يوم وجبه البساطير، هذه الغندورة تكشف الطريق للشباب في زمن العجائب، مسح الزقاق بعينيه، كانت حسنة تقف على عتبة دارها تلاقت العيون، قالت مثل حسون مبلول:
- صباح الخير يا جار
- صباح النور يا حسنة، كيف حالك وكيف إخوانك، إذا ناقص عليكم شيء أنا في الخدمة.
- خلف الله عليك، دايماً في الميدان.
متى نصبح عائلة واحدة يا حسنة، "خلف الله عليك" تسد فمه، وتنهي حسنة الكلام قبل أن يبدأ، مرت سعدية ابتسمت في وجهه تشجع قال:
- الله يديم الهمة يا ست سعدية. خذي بالك من حسنة؟
ضحكت سعدية:
- مالها حسنة يا جار؟
وقف لسانه في فمه، يجاري سعدية في الكلام، بنت مدارس شغلتها الكلام تلخبطت ملامحه:
- أنا عارف مالها.
حسنة تبتسم بحياء، تضحك سعدية، وتضرب الجعباص على كتفه وتنظر اتجاه حسنة:
- حسنة مالها والجعباص مشغول بدلالها.
قذفت سعدية أشواقه مرة واحدة، رقص الخجل على قسمات وجهه، تلعثم، وكأنه طفلاً ضبط متلبساً، لكنه بقي يحدق في حسنة الواقفة على عتبة دارها.

***

دارت حول السلك، حدقت في فوهات الأزقة، لم تعثر على خالد، ساورها القلق، الناس عند السلك يتناقصون، الجنود يفتشون بدقة يدلقون الأطعمة، الهروات حاجز بين الناس والناس على ضفتي السلك، الناس على بعد يتناقلون الأخبار صراخاً، تصريحاً وتلميحاً حسب مقتضيات الحال، لا يسلمون من لسع الهروات ودق أعقاب البنادق، لم تظهر أم صابر ولا أم خليل، لماذا تأخرتا، وجودهما ينشر الطمأنينة، أعصابها تحترق، وساعة التجول تحترق أيضاً، والمكان يكاد يخلو من الناس، فجأة ينطلق الرصاص من الحارة الغربية، الناس يهرولون إلى البيوت، اشتباك وفي وضح النهار، تعود مسرعة عند طرف الزقاق تجذبها أمها وتمضي بها إلى البيت.
- اقعدي، إحنا مش مستغنيين عنك، فكري في حالنا، اخواتك الصغار، وأبوك زلمة هرم قبل أوانه.
أبوها يقف في حوش الدار يتابع الاشتباك، الجمود يسكن ملامحه، سأل:
- ايش اللي صار
قالت زوجته:
- الشباب في دار أم خليل.
- وكيف عرفت إنهم من الشباب ما يمكن..
قاطعته:
- الأستاذ خالد معهم.
سعدية تقفز إلى الزقاق باتجاه دار أم خليل.

***
سعدية مبهوته، وخالد يختصر الأمر.
- اشتبكنا معهم بالصدفة، واحنا ننقل الأغراض.
قال أحد الشباب:
- يمكن شافونا ونحن ندخل الزقاق، لازم نطلع بسرعة
خالد يرد بحزم:
- شوية ويدخل المغرب، بنطلع مع العتمة.
لا شيء ينطق غير العيون، والمساء يزحف بطيئاً على الدنيا.
وفي العتمة تحركوا، وتحركت الأنفاس في أثرهم، الأستاذ فهيم لم يعترض زوجته التي انضمت إلى النساء عند رأس الزقاق، أما الغاوي فقد سد فم زوجته متشبساً بكل قوته يحاصر جسدها الذي ينتقض بين ذراعيه:
-اهدئي يا امرأة، وتوكلي على الله.
غمغمات باكية:
- سعدية، بنتي حبيبتي
- المقدر مكتوب، هيه روحها أغلى من أرواح الشباب، اسكتي بلا فضايح.
سعدية في منتصف الشارع، الإشارات نعيق فوق الرؤوس، الشباب يزحفون حول سعدية، يقتربون من الطرف الآخر للشارع، صوت رشاش يطرز المكان، الأشباح السوداء تذوب في العتمة، وصدر زوجة الغاوي ينفجر، الرداء الأسود لا يغادر مكانه، خصلات الشعر الذهبي تلمع مع ضوء الكشاف وذيل الحصان يفترش أرض الشارع، الغاوي يتحول إلى صرخة ويسقط فاغراً فاه، زوجه الأستاذ فهيم تستنجد بزوجها، يسحبان زوجة الغاوي إلى الدار تسقط ويغمى عليها، يرشان وجهها بالماء ويدلكان رقبتها تصحو، عيناها تدوران في فضاء المكان، صوتها ضعيفاً.
- شفتو سعدية راحت لعريسها، شفتو زفتها، بشروا الغاوي بنتك زفوها يا غاوي.
نهنه الجعباص.
- لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ربنا يستر عقل المرأة، يا لطيف ألطف بنا..
سيارة الإسعاف تصل الشارع، تتوقف ثم تعوي وتغادر، الغاوي يحاول الخروج إلى الشارع يتشبث به الجعباص يصرخ:
- سيبني يا جعباص، بنتي، لحمي، عرضي أخذوها.
زوجته تنوح:
- ليش يا غاوي ترضى يطلعوا العروس قبل وصول رجالها، ليش يا غاوي..
انتقل الزقاق إلى بيت الغاوي، العيون ترتطم بالعيون، والحزن أبكم يتحول في مساحة الحجرة الضيقة.
قيل أن الشمس يومها وقفت على صدر البحر عند التقاء الماء بخط السماء وبقيت يؤرجحها المدى، فتنشر أشعة ميتة صوب المخيم.
وقيل أن الشمس سقطت في جوف البحر قبل آذان المغرب، فانتشرت عتمة حملت هدير البحر عواء يتلوى في الأزقة..
لكن سكان الزقاق في تلك الليلة سكنوا دار الغاوي، وكانت الوجوه تحدق في الوجوه..
وفي منتصف الليل عادت البساطير الثقيلة إلى الزقاق، وانفتح الباب بقوة, أصبحوا وجهاً لوجه، الأسلحة في الصدور والصوت غليظ جامد:
- كل الرجال برة
في الزقاق صلبوا الرجال على الحائط والصوت الغليظ يسأل:
- من محمد الغاوي؟
- أنا
- تعال معنا علشان تستلم ابنتك وتدفنها، مش عايزين مشاكل
الغاوي يقع على الأرض.
- رجل واحد يساعدك
وهبد الجعباص على ظهره:
- تعال أنت معه علشان تدفنوا الجثة.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الطوق - 6 -
- رواية الطوق - 5 -
- رواية الطوق - 4 -
- رواية الطوق - 3 -
- رواية الطوق -2 -
- رواية الطوق - 1 -
- هموم انسانية خلف غيوم رمادية قراءة في رواية غيوم رمادية مبعث ...
- الملح يتخثر عند حواف القصيدة
- امرأة مشاغبة حتى التعب
- رسائل الزاجل الأسير إلى عنود الليالي
- في وداع محمود درويش
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 4 -
- بطاقات إلى امرأة تنتظرني - 3 -
- بطاقات إلى امرأة تعرفني - 2 -
- بطاقات إلى امرأة تعرفني
- رسائل الزاجل الأسير إلى هناء القاضي
- جنة ابوبها موصدة
- الدوران حول مركز الالتباس
- رسائل الزاجل الأسير الى بشرى ابو شرار
- رحلة ذكور النمل


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - راوية الطوق - 7 -