أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هادي الخزاعي - الداد يا بغداد















المزيد.....

الداد يا بغداد


هادي الخزاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2469 - 2008 / 11 / 18 - 10:11
المحور: حقوق الانسان
    


غامرني عشق الفضول والتطفل على شوارع بغداد الأثيرة على طفولتي وصباي، بدءاَ بشارع الكفاح ، مرورا بشارع الشيخ عمر والجمهوريه وأنتهاءا بالرشيد ، وانا في طريقي الى ساحة الأندلس العريقه ، للوفاء بموعد مبكرا من يوم لما يزل يلتحف بقايا حرارة الصيف اللاهب الذي ناخ على كل العراق . اقنعت سائق التكسي الهرم نسبيا ، بالمرور بتلك الدروب العتيقه ، بعد ان اجزلت له في الأجرة بما يغري بالقبول رغم تردده المبرر وهو يلسع فطنتي المتصوره بسؤال يزرع المسافة من فمه الى اذني بعشرات من علامات الأستفهام : شعدك من الصبح تريد تفتر بهذي الشوارع ؟
لم يجد على محياي غير ابتسامة صباحية طرية حوت كل احلام ليلتي الطامحة برؤية مواطن صبوتي وشبابي ناهيك عن طفولة مخرومة الفرح. وجواب حصد كل تلك العلامات الموشاة بالأستغراب والتندر التي لسعتني بجرأتها : اريد اشتم ريحة هلي .
عندها لم يتأخر بالقول تفضل اصعد ابني . قالها وكأنه المؤتمن الذي تأمن .
وداحت بنا تلك السيارة الغائرة في جديلة سنوات بغداد المتناسله هموما وجزعا ودما وكثير من الكدمات... كان صوته المتهدج يشير لي بين الحين والآخر بجملة تختصر في ذاكرتي مئات المشاوير التي كانت تقطعها ساقاي وأقدامي وهي تتنقل من بيتنا في ابو سيفين الى سينما الفضل ذهابا وأيابا : هاي منا الفضل اوراهه المهديه وحمام المالح وقمبر علي . بس راح نطلع اول مره عله شارع الشيخ عمر ومناك عله السباع ومن السباع ندخل شارع الكفاح ، لأن صارجم يوم من شالو منه الكونكريتات ، وصار سالك ، بس محد يدري من السواق . لهذه الأزدحام كلش خفيف بهذه الشارع.
وشجت تلك السيارة العجوز التي تشبه سائقها وكاريها تلك الطريق المؤتلفه لذاكرة الكاري. فها هو مكان الأطفائيه وذلك كان كراج رقم واحد لباصات المصلحه وتلك محلة عزات طويلات وهذه هي مستشفى الطوارئ الذي شهدت فيها كيف كان يباع الدم من متاجرين حتى يثملوا بثمن دماهم ، وتمخر العجوز عباب شارع الشيخ عمر الذي كان ككورة النحل للعمال فلم يبق منه غير تأريخ ملطوش بالسواد على حيطان محلاته المسربله بالصمت وتأريخ يشكو من اهمال يلوح من اكوام المزابل التي تتربع على قلبه ، حتى مال الجسد يسارا لتجتاز العجوز الشارع يمينا الى شارع السباع . وفي حمى هذا التلاحم بين ذاكرة ترفض ان تئول وأماكن تقاتل ان لا تزول يبزغ صوت السائق العجوز : هذه شارع السباع طارمة العمال وهذه حمام السباع الذي لا يزال يزيل كدح الفقراء صباح مساء لكن مستوصف السباع الذي يجاوره ابتلعه سبع السبمبع.
تثقاقلت العجوز التي تخور بنا في الذاكرة وفي مكانات الذاكره ومعها يعلو صوت السائق العجوز : هاي هي السباع تحولت الى مبولة ومزبلة بس تاريخها بعده بذاكرة الناس اللي عرفوا قيمتة .. هاي السباع اللي محه الوكَت هواي من ملامحهه بعده هيه هيه عد الناس .. حديقة السباع.
ادركت ان هذا العجوز اراد ان يقول اكثر مما قال لكنه كف. واحسست انه اراد ان لا يختزل تأريخ تلك السباع العريق بحديث عابرمع راكب عابر. صمتت القرائح وكاننا بلا حناجر حتى صال العجوز من جديد وقال : أهنا – مشيرا الى جهة اليمين - جان تانكي المي مال السباع ، وبما يشبه الرنين قفز الى حواف الذاكره ذلك الوجه الفلاحي المترب القادم من المدن المتربه والذي يدعوه زوج اختي مهندس اسالة الماء المقيم في هذا المكان ، الحجي ، ولكني لا اذكر منه غير تلك الملامح الخشنه وتلك اليد والأصابع التي تشبه المفك وذاكرته التي لم تغرق بعشرات اللآف من ارقام الدور التي كا يحفضها عن ظهر قلب . كان الحجي سجلا حيا يتنقل مع قلب صاحبه . حتى استدارت العجوز يمينا في شارع الكفاح مع توصية من السائق المدرك لما يفعل : راح أَشَوَفك ساحة قمبر علي ومناك نرجع من جده وجديد بشارع الكفاح.
يا ربي لايزال كل شئ كما عهدته وكما وطئته اقدامي الصغيره وانا اسوقها لتصل بي الى مدرستي ( مدرسة المهدية الأبتدائية المسائية ) هذا هو سوق حنون حيث كنت منه انسل الى مدرستي مبكرا خوفا من مديرها المتجهم – رحمه الله – الأستاذ عبد المجيد الساكني . هنا تقبع مدرستي الأبتدائية التي تعلمت فيها اول الصداقات الراشده وتعرفت فيها ايضا على اول اسماء الملائكة البشر يوم غزو السماء – كاكارين - وعرفت فيها ايضا كيف يخون البشر ضميرهم يوم كان معاون مديرنا عباس الخفاجي دليلا لأنقلابيي شباط الأسود للوشاية برفاقه ، وهو الشيوعي المحنك الذي عرفني بأسماء لايكا وكاكارين وفوستوك يا للزمن من دوار . لقد دارت بنا العجوز وهي تمخر من جديد عجاج الكفاح ، ها هي خطواتي اراه تركض وترقص امام عجوزتنا لتدلنا الى اين كنت اسكن في شارع الكفاح .. ها هي العمارة التي كنت اضنها ناطحة سحاب والتي كنا نقيم في طابقها الثاني . يا للرب من كريم فها هي امي تلد في تلك الشقه المتناثرة الأبواب والشبابيك اختى الصغرى سحر والتي وافتني بكل برائتها الى صوفيا يوم امتحننا الدهر بمدى وطنيتنا وحبنا للعراق فاكرمناه بوفاء لا يفارق.. اخيتي سحر البريئة الجميله التي احرقت حية. ولما حانت فرصة رؤية قبرها بعد السقوط عرفت ان قبرها تلاشى الى لا مكان بسبب الطريق الذي اخترق مقبرة وادي السلام في النجف أيام انتفاضة آذار المجيده . بكيت بكل ما املك من انسانية على اخيتي الحبيبه وعلى امي التي ماتت وهي تجول في شوارع بغداد تحمل على متنها جنون جعلها تصرخ في كل شبر تقف على ترابه اريد أبني مهدي أريد ابني هادي . انا الهادي اما المهدي فقد ابتلعته حرب الجنون والعظمه لمسخ اراد للعراق ان لا يكون.
وتسري العجوز ..هذا الكيلاني اعرفه من سياجه رغم انه فقد ما يكمله وهو مركز شرطة باب السيخ العتيد والذي ذكرني بعكد الأكراد الذي اجتزته قبيل لحظات هذا العكد الثائر الذي نثراهليه الكثير من الدم بدل الملبس منذ اول ارهاصات الوعي الوطني . درك يا عراق كم ابتليت بالحب من اهلك الذين احبوك خافقا ومخفوقا.
يا رب هذه العمارة الهرمه في فضوة عرب كان هنا مكان جريدة اتحاد الشعب والتي سماه الحانقون طريق الشغب هنا في هذه البناية فطمت روحي على حب العراق وانا اقود احد اقاربي الفلاحين الى اتحاد الشعب ليقدم شكوى عبر اتحاد الشعب عن اجحاف لحق به ولم يجد غير اتحاد الشعب لتعينه على ذلك.
ادرك العجوز الذي دار المقود الى مكان قريب من مرتع للجمال ، ان شهيتي للبكاء تتراكم فتبدت عن قطرات من دمع جرحت زوايا عيوني وقال لي اذهب الى تحت النصب ففيه كثير من العزاء لكم .. كان نصب الحريه واجهشت بالدموع التي لولاها لبقيت بلا فرح ولما اكملت مراسم موعدي مع من احب .



#هادي_الخزاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهداءنا نار ازلية تنير الضمائر
- فنان من بلاد الرافدين
- هل أنصف الدستور العراقي المرأة ؟ نعم . ولكن.
- لنتضامن مع الأيزيديين في الشيخان وبقية مناطقهم في كوردستان ا ...
- ربيع لا يبارح واحتك ايها الشهيد الشيوعي صامد الزنبوري
- هل للقاء المالكي وبوش من علاقة بتقسيم العراق حسب توصية الكون ...
- ما هكذا تورد الأبل يا رئيس وزراء العراق
- ( يك ماله ( حديث للتجلي
- (أبو جميل ... أيها الألِق (رثاء للراحل القائد الشيوعي النصير ...
- (3)-- My year in Iraq -- قراءة في كتاب بول بريمر
- قراءة في كتاب بول بريمر -- My year in Iraq -- (2)
- قراءة في كتاب بول بريمر My ywar in Iraq
- رؤيا اليقين في قراءة المسودة البرنامجية للحزب الشيوعي العراق ...
- مساهمة في قراءة لمسودات وثائق الحزب الشيوعي العراقي المقدمة ...
- مساهمة في قراءة لمسودات وثائق الحزب الشيوعي العراقي المقدمه ...
- ستون عاما منذ أنعقاد أول مؤتمر لأتحاد الطلبة العام في الجمهو ...
- من سيعتذر للكاتب جاسم المطير يا حكومة العراق...؟؟!!
- لقــد إنتخبنـــا العـــــراق
- اتهامات الجلبي والشعلان تشبه ـ حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب ...
- رثاء غير متأخر للرفاق عايد وابو يسار وابو فرات


المزيد.....




- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - هادي الخزاعي - الداد يا بغداد