أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وليد مهدي - نهاية الإنكلوسكسونية ... و الدخول في عصر التنين ( الفصل الثالث - إنبعاث آسيا الكبرى )















المزيد.....


نهاية الإنكلوسكسونية ... و الدخول في عصر التنين ( الفصل الثالث - إنبعاث آسيا الكبرى )


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2435 - 2008 / 10 / 15 - 03:21
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


التحول التأريخي نحو إشتراكية جديدة
تغيير منظومة الفكر الإجتماعي ، تغيير برمجة النظام والقيم في المجتمع تحتاج إلى سنوات طويلة ... تتعدى إلى أكثر من جيل في الظروف الطبيعية ، لكن ، في ظروف الأزمات الإقتصادية والكوارث فقد تحصل تغييرات جذرية في أفكار الجيل الواحد .. وما حدث طيلة القرن العشرين من إنتكاسات ونكسات للأمة العربية " مثلاً " ساعد كثيراً في " نسف " كل البناء القديم الذي أرسته القومية العربية ، ولعل ما حصل في أفغانستان والعراق مؤخراً أشاح كثيراً عن بنيوية الفكر الديني المنتمي بصورة عامة لمنظومة فكر ماضوية غير قادرة على إستيعاب المدنية العصرية ، لهذا السبب ، سنتحدث منذ الآن عن السمات التي تميز واقع التفكير لدى النشئ الجديد والمعروفة في الغالب على إنها سمات سلبية ، منذ الآن و إعتماداً على إحسان الظن بالإرادة الكونية " الواعية " العليا المحركة للتأريخ بمفتاح التحول " الإقتصادي " الذي أشارت له الماركسية وبنت على أساسه ماديتها التأريخية ، سنعتبر كل سمات الجيل إيجابية ، وسنحاول الرؤية عبر ثقب مضيء للمستقبل ، وسنحاول أن نتفاءل بتجاوز الحاضر نحو مستقبل أفضل ..
فهذا الجيل .. بسطحيته وسذاجته .. هو جيل الإشتراكية الجديدة القادمــة مع المد الآسيوي العظيم في بضعــة سنين ...!
فما يحتاجه المجتمع " الكلاني " القادم هو البساطة والحسية المفرطة ، وسنناقش هذا الموضوع بالتفصيل في البحث القادم و لن نكون الآن سوى واقعيين برؤية عالم أفضل .. مع إننا سنبقى نحلم بيوتوبيا الإشتراكية العصماء و سنقرأ حركة التأريخ هذه المرة بعين ٍ شرقية ، ترى الكون كائنا ً عضوياً موحداً " حيا ً " ، وبدلاً من إعتبار الإنحلال والتردي في عقول شباب اليوم حالة ً سلبية ، سنعتبر إن هذا يجري وفق مسار واعي للعقل الجمعي .. أو " الكلي " الذي آمنت به الفلسفات الشرقية المختلفة ...
فالتغير والتحول في الثقافة الإنسانية يتطلب أولاً تحطيم الثوابت القديمة .. وعلى أنقاضها تأتي ثورة ثقافية للبناء الجديد ، وهذا الجيل بات في طريق تحطيم كل شيء .. !
ومن خلال العرض القادم سنوضح إن الثورة الفكرية المقبلة ليست ثورة تقليدية كالتي جائت بها الشيوعية ، أو تطور فكري في سياق منتظم كتلك التي أحدثته البنيوية وما بعدها ... الأمر يتجاوز حتى ظهور الدينات الكبرى كالمسيحية والإسلام والهندوسية كديانات وفلسفات ورؤى قوامها الأخلاق .. بل تتعدى إلى أن تكون ثورة جذرية في أعماق العقل والشعور البشري تناظر ثورة التحول إلى عصور الكتابة والتدوين قبل ستــة آلاف سنة ..

فالإنسانية منذ ما يزيد على الألفي عام وهي تفكر بطريقة ( الخير والشر ) أو ( الصفر واحد ) ، وقد تنوعت الثقافات ... و إختلفت الفلسفات العالمية .. لكنها رغم ذلك تقف على أساس واحد وهو التفكير الحدي الأرسطي الخاضع لقاعدة الثالث المرفوع ...!
الإنسانية على موعد ثورة تغيير كبرى ، تنقلها إلى عصر التكامل بين الخير والشر بدل التضاد ، عصر قبول الحد الوسط أو قبول الثالث المرفوع ، وهذا سيؤدي إلى تغيير الثقافة العلمية والعامة للجنس البشري تغيراً كاملاً .. وسيدفعها بقفزة تأريخية إلى أمام .. وليس إلى الخلف ..!
وفي ضوء هذا التحول .. الذي سيفرضه صعود الثقافة الآسيوية بعد أن تكمل " القرون " دورتها ويتحول مركز الإقتصاد العالمي إلى آسيا .. سيخبو وهج " الفردانية " وما تعنيه من ذاتية وخصوصية فردية ، وطغيان قيمة الفرد العالية في المجتمعات الغربية ، و ستعم " الكلانية " وهي سمة أساسية عريقة وقديمة في مجتمعات الشرق الأقصى ، وما تعنيه هذه الكلانية من ذوبان للأنا في " نحن " كأنا جامعة ً جديدة ، و الـ "نحن " الشرقية هي المادة الأساس في بناء الإشتراكية كقيمة " نفسية " لا شعورية قادرة على التواصل والنمو والتطور وليس كقيمة " أخلاقية " كالتي جاء بها مفكروا الثورة البلشفية السوفييت.. ومن سار بهدي الإشتراكية في القرن الماضي خصوصاً رافعي شعارات الإشتراكية من القوميين العرب ..
سيما وإن الإرتكاز الأخلاقي في تطبيق النظريــة الماركسية ليس خاصا بالشيوعيين وحدهم ، حتى المسلمين في تطبيقهم للإسلام إنما يرتكزون على أساس أخلاقي يعتبر عمود فلسفة التطبيق الإسلامي ، حيث الدافع للعمل هو التحلي بالأخلاق .. فالخوف من نار في الآخرة أو الثواب في جنة ٍ بعالم آخر ترتكز على أساس تأملي – أخلاقي ، وكذلك المجتمع الإشتراكي وهو يطرق الخطى في سبيل الوصول للشيوعية إنما يستند على واعز " أخلاقي " قوامـــه الإشتراك مع الجميع لبناء مجتمع مثالي ، يكون خيره على الجميع " في النهايـــة " ، كاليوم الآخر لدى الديانات ..
فتطبيق النظريـــة الإسلامية .. أو النظريــــة لبناء مجتمع إشتراكي يتدرج نحو الشيوعية إنما يؤسس في خلفية ثقافية هي للفردية أقرب منها للكليـــة ، ولذلك ، فالنفس البشريــة ، نفسية الفرد العادي البسيطة تعتبر هذا التطبيق مضاداً للدوافع الباطنية الفرديـــة ...!
هذه الدوافع التي وصفها القرآن بما ورد في سورة يوسف ( إن النفس لأمـــارة ٌ بالسوء ) ..
فتطبيق الدين .. يعني السباحــة بعكس تيار النفس ودوافعها " الفردية " ..
وكذلك هو تطبيق الشيوعيــة كقيم في الحياة العامـــة ، في المصنع والحقل .. والعلاقات مع الآخرين إنما تتطلب التصادم دائماً مع القيم الفردية الخاصة والتنازل عنها رغما ً عن الشعور الباطني في سبيل غاية أخلاقية عليا ... وهي المجتمع الشيوعي ...!
كم من الأفراد في العالم بإمكانهم القيام بذلك ؟

نسبـــة هؤلاء ربما أقل من 10 % ، ولهذا السبب ، تبقى اليوتوبيا مجرد حلم ، إلا إذا ، حصل تحول فكري .. وتغيير دراماتيكي عاصف بالذهنية البشريــة .. إلى درجــة إن النفس البشريـــة تصبح " أمارة ً " بالخير لما هو خير الجماعة ، وبالسوء لما هو في خدمة الجماعة التي ينتمي إليها الفرد ، بمعنى تحول النزعة الفردية .. وبصورة طبيعية إلى نزعة " جمعية " لا تفرضها الأخلاق والسباحة عكس التيار النفسي الفردي وإنما يفرضها تحول ٌ طبيعي في السلوك نابع من تحول التركيبة النفسية التي تستمتع بالعمل الجماعي كالذي لدى النمل والنحل ...!؟
فهذه المخلوقات تعمل بصورة جمعية ، ولا تستطيع العيش إلا بصورة جمعية ، ومصير أي فرد فيها يعمل لنفسه هو الموت .. ولا يشاببها أي مجتمع بشري في التأريخ .. عدا .. مجتمعات الشرق الأقصى .. وبالخصوص .. المجتمع الياباني ..!!

وقد تجلى " الإنتحار " الفردي لدى اليابانيين ضد السفن الأمريكية في الحرب العالمية الثانية وكأنه سلوك إجتماعي طبيعي جداً مدفوع بالهيام بالوطن وتقديسه كالذي تقوم به النحلة في حال إقتربت يد ٌ من خليتها حيث تغرز فيها أبرتها وتموت ، لان الواحد في مملكة النحل وجد لأجل الكل ...!

لم يفهم العديد من المستشرقين الغربيين الحالة اليابانية ، ولم يصوروها في سياق تطور غرائزي طبيعي للمجتمع البشري كالذي حدث في مجتمعات النحل والنمل وإنما وصفوها وكأنها حالة شاذة في السلوك الإنساني مردها إلى طول عهود الإستبداد والقهر التي عانت منها شعوب فييتنام والصين وكوريا واليابان .. ووجد الأميركان وباقي الغربيين أنفسهم ملائكة سينقذون هذه الشعوب ويعلموها " الفردانية " وحقوق " الإنسان " و " الديمقراطية " .. ، الغرب يرى إن نموذجه في الديمقراطية القائم على فلسفة الليبرالية " التحررية " وبشكل كامل هو المنهج الطبيعي للمجتمع البشري ...!
على الغرب أن يستفيق ، وإن كان الموعد قد فات ليحصل هذا ، وأن يدرك بان عجلـــة التأريخ تحركها قوانين الطبيعة الكلية الجامعة وليس الفلسفات والرؤى الفردية ، وإن نموذج الشعب الياباني والصيني .. الكلاني ... الجمعي .. العامل .. النشط ، متواصل الحركة ، قليل الكلام والجدال .. إنما هو نموذج " متفوق " على نموذج المجتمع الباذخ الإستهلاكي في الغرب ...!
وإن " آسيـــــــــــــــا " في أقصاهـــــا .. بؤرة تحول في سياق تطور قيم الإجتماع في الحضارات البشريــة ، هذا التحول يجعل من مجتمعات الشرق الآسيوي الأقصى أرقى من مجتعمات الغرب والشرق الأوسط ...!

هذا التحول لا يزال اليوم في بواكيره ، و حتى عهــد ٍ قريب كنت أعتقد إن " آسيــــا " تحتاج إلى فترة طويلة كي تقدم للتأريخ الإنساني نموذجا ً متطوراً من المجتمعات البشريـــة وعلاقاتها التي يتصرف فيها الكل وكأنهم واحد .. لكن .. دورة الألعاب الاولمبية في بكين .. جعلتني أعيد الحساب مرة ً أخرى ..
لقد شاهد كل العالم ما حدث في تلك الدورة لدى إفتتاحها ، وصعقت أوربا وأميركا وكل الدنيا حينما شاهدوا تطبيقا عمليا ً وللمرة الأولى في التأريخ لمعنى أن يتصرف ثلاثة آلاف فرد وكأنهم واحد ... فرد ٌ واحد ...!!
كل ما حدث في إفتتاح الدورة من عروض بإمكان التقنيات تكراره في الدورات المقبلة ، لكن ، تنظيم ثلاثة آلاف فرد ليكونوا " واحداً " .. فهذا عمل من إختصاص الشرق الأقصى ، ولن يكون بإمكان الغرب محاكاته .. لأن الدوافع النفسية ، والبرمجة اللاشعورية لدى هؤلاء الأفراد هي برمجـــة كلانيـــة جمعيـــة .. طابع الحضارة هناك و والتربية الأسريــة و تقاليد المجتمع الموروثة جعلتهم كذلك ..
وفي اليوم الذي ستعم فيه هذه " الحضارة " لتصبح حضارة عالمية ، وهذه " الثقافة " لتكون ثقافة كونية .. فإن المجتمع البشري سيتجه وبصورة حتمية نحو نظم ِ الإقتصاد الإشتراكي ..!
وسيتجه المجتمع وبصورة تلقائية نحو عصر جديد من المعرفــة التي تمتاز بالنظرة الكلية الجامعة لا الرؤية التفصيلية الذاتية .. الرؤية والأفكار " الباطنية " التي تقبل التناقض والحدود الوسطى لا الرؤى التي ترى العالم إما نوراً أو ظلاما ، إما خيراً و إما شرا ..
ستكون هناك إشتراكية شرقية جديدة ، وإسلام شرقي جديد ، ومسيحية شرقية جديدة .. وهكذا ... ستتغير لغة العقل الباطن .. والدوافع .. وطريقة التفكير إلى مستوى جديد من التعقل سيطيح بكل التاريخ الفكري الممتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة .. ليؤسس تأريخاً وفجراً جديداً مشرقاً للبشرية ..

فعلى الرغم من إن فلسفة الشرق القديم ، الفلسفة التي صيغت بها دينات الشرق القديمة جداً كانت تدور ضمن هذا المنطق الغريب ، وبالرغم من أن هذا المنطق هو صميم فلسفة " هيجل " ، توحد الأضداد في صورة ثالثة ، رغم ذلك لم يتمكن العقل الفردي في حضارتنا العصرية من إستيعاب هذه الرؤية أو الشعور بها باطنياً بالرغم من إن وصول العلم الحديث .. في الفيزياء خصوصاً .. إلى عتبات المنطق الطبيعي الذي صيغت به قوانين الطبيعة الحاكمة على كل شيء كان من المفروض أن يدفع نحو هذا التحول في " البرمجة " اللاواعية للعقل الإنساني والتي هي بنفس صور التناقض هذه ، فلسفة الكم ( الكوانتم ) الإحتمالية ، البناء الذري المكون من بروتونات موجبة وإلكترونات سالبة ... ونيوترونات متعادلة ، كان من المفروض أن تنجب هذه المعرفة الطبيعية المتقدمــة مفاهيماً راسخة في الوجدان والشعور تخالف المنطق الأرسطي ، لكنها رغم ذلك لم تتحول إلى التأثير على برمجة العقل الجمعي بعد ...لأسباب نتناولها في موضع ٍ آخر بالتفصيل ، يمكننا إيجازها الآن بكون جوهر الثقافة العصرية النمطي " التقدمي " هو " الفردانية " القادمــة مع عجلــة النهضــة الصناعية الأوربيـــة والتي سببها تحول تأريخي في الإقتصاد الغربي من الإقطاع إلى الرأسمالية ، وهذه تدفع نحو التمركز حول " الأنا " و الذات وتدفع الفكر نحو التعقل السكوني لا الحركي ، والتعقل السكوني يعني التفكير وفق معطيات حسية صرفة ، حال منهج البحث العلمي المعاصر ، أي التفكير ثلاثي الأبعاد ، فيما التعقل الديناميكي فهو قائم على الرؤية في الماضي والمستقبل ... أي التفكير رباعي الأبعاد ..!

وهو تفكير " يمسح " الشخصية الفردية تماماً .. ويتصرف البشر كمجموعات كما لو إنهم فرد ٌ واحد ، و أمثال هؤلاء موجودون الآن في أقصى الشرق ، حيث الدينات الكلانية .. والمجتمعات الكلانية .. وبذلك فالإشتراكية أصلاً ولدت قبل الأوان في أوربا على يد ماركس ..
فحياة الإشتراكية الحقيقية ستكون في آسيا بعد دورة التأريخ فيها في حقبة " ما بعد الإنكلوسكسونية " .. بعد أن يحصل تحول إقتصادي " إنتاجي " في التاريخ .. بدأت بوادره منذ نهاية الثمانينيات في نهوض اليابان والتسعينيات في تصاعد قوة الإقتصاد في آسيا عموما ً وبالأخص مطلع القرن الحادي والعشرين في نهوض الصين ..
لأن الوعي الإجتماعي مؤسس أصلاً ليكون إشتراكياً في حال تحول عقل الشرق الأقصى إلى وعي ثقافي وكوني شامل ( كحال العقل الغربي الشامل هذه الأيام ) ، والوعي الإجتماعي الشرقي كلاني الفلسفة ، بذا فهو الأرضية الأساسية لتطبيق الإشتراكية بنجاح ٍ مذهل ..!
وسواء أطاحت الأزمة المالية بعرش الهيمنة الغربية أم لم تفعل .. فإن دورة التأريخ أذنت بظهور حضارة آسيوية جديدة في مسرح التأريخ .. ودليلنا إلى ذلك نبي الحركــة التأريخية ماركس وإشارته لدور التحول الإقتصادي ، والعبقرية في الرؤية التي تميز بها شبنغلر في وصفه للحضارات بأن لها حياة .. فيها الطفولة .. والشباب ... والشيخوخة ..
هذه المراحل أسماها " نوسترداموس " بما عرف في رباعياته التنبؤية الشعرية بإسم :
دورة القرون ...
ودورة القرون لدى نوسترداموس تعادل خمسمائة عام ، وقد أستوحى ذلك من إعتقادات يهودية ومسيحية وإسلامية بأن الله يبعث نبياً في كل أمـــة كل خمسمائة عام ، وقد إعتقد نوسترداموس إنه يعيش حقبة ظهور دورة جديدة للقرون ، ومن الواضح إنه كان يعتبر نفسه نبياً جديداً يقف على رأس خمسمائة عام بعد عصر القديسين ، وبالفعل ، كان نوسترداموس يكتب رباعياته بحدود العام 1503 للميلاد .. وشهدت تلك الحقبة بدايات الثورات والتحولات .. بعد إكتشاف قارة أميركا التي حولت مسار الإقتصاد وثقله في أوربا من إيطاليا واليونان في عهود سيطرة الكنيسة إلى سواحل أوربا الغربية في إسبانيا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا وألمانيا ...
حيث تغير الزمان .. وتفجرت النهضة الصناعية .. وجرت بالفعل خمسمائة عام من طفولة وشباب وشيخوخة كتب عنها شبنغلر مفهوم " الإضمحلال " أو " التدهور " مطلع القرن العشرين .. حيث تنبأ العديد من المؤرخين مطلع القرن العشرين بنهاية الغرب ، لكن ، الولايات المتحدة أطالت من عمر الحضارة الغربية مئة عام .. لتتم العدة التي حددها نوسترداموس في رباعياته لدورة القرون لخمسمائة عام من بعده قبل أن تبدأ دورة جديدة ، تصعد بها آسيا للصدارة ...!
وفي الحقيقة ، فإن الحضارة الغربية اليوم في أيامها الأخيرة ، ويوم تقاعدها بات وشيكا جداً كما حدث هذا مع الحضارة الإسلاميـــة التي لا أمل في إنبعاثها مرة أخرى إلا إذا تمكنت من السير بنفس خطى التأريخ ... تطوير المفاهيم الإجتماعية لتبرمج الأفراد نحو الكلانية الجمعية ، وبالتالي تطوير القابلية الإنتاجية والتقنية .. وصولاً إلى بناء المجتمع الإشتراكي الذي يستمد قوته من طبيعة البناء الإجتماعي الكلاني وليس إعتماداً على الواعز الأخلاقي الفردي ...!
إن ما يميز منطق الشرق الذي سيولد مع التحولات الكبرى القادمــة في الآفاق هو تلائمه مع هذه الفلسفة ، فلسفة العقل الديناميكي الجمعي ، و بإمكانه أن يعمم ثقافة كونية جديدة تجعل من اليسير فهم العلوم الطبيعية بذروة تجلياتها في الفيزياء المعاصرة بصورة أسهل وأيسر على الذهن ، فالفرد اليوم يستعمل أدوات تفكير قديمة يناهز عمرها الألفي عام ... مالذي نتوقعه بعد عاصفة الشرق الآسيوية ، كيف سيفكر الناس ..؟!
بالتأكيد ستفرز التحولات الكبيرة في الإجتماع الإنساني علوماً وثقافات ٍ جديدة تنتج أدوات ذهنية جديدة في الإستدلال العلمي والمعرفي تعادل إستعمال الإنسان في الماضي للكتابة والتدوين ...!
وسنفرد بحوثاً خاصــة بهذه المواضيع التي تدرس فلسفة العلم .. ونظرية العلم من زاوية كلانية .


عالم ٌ جديد متناغم

إن العالم الذي ننتظره بعد " العاصفــة " عالم ٌ مترابط بعد أطوار من التفكك و الإنقسام ، فالنظرة العلمية المعاصرة هي نظرة تفكيكية ( تجزيئية ) نابعة كإفراز طبيعي للثقافة الغربية ، فيما الشرق ذو النظرة الجامعة سيقود العالم نحو التوحد والتكامل ، وبدلاً من عالم ٍ تسوده خطوط الصدع الدموية كما وصفها هنتغتون ، ستكون هناك " مفاصل " إرتباط مرنـــة بين الحضارات الكونية ، وبدلاً من السعي إلى تتويج دولة مركزية كما يسعى الغرب نحو تتويج أميركا ، لن تكون الصين بنرجسية الولايات المتحدة وقادتها .. وستعمل على التعاون مع الحضارات الأخرى لبناء عالم ٍ جديد ٍ متناغم ... خصوصا ً التعاون مع روسيا .. ودول الشرق الأوسط الإسلامية ..
فروسيا بحد ذاتها تمثل الحضارة " الأرثوذوكسية " الكبرى كما وصفها هنتغتون في صدام الحضارات ، وكما بينا سابقاً فإن العالم لا يمكن السيطرة عليه دون روسيا ، وبما إن الصين دولة ليس لها ماض ٍ إستعماري ، وهي منذ أقدم العصور إعتمدت في بناء حضارتها على نفسها ، ومع إن المصلحة والفراغ الكوني الذي سيحصل في العالم بعد تهاوي الولايات المتحدة سيفسح لها المجال لتكون كذلك ، إلا إن تطور التكنولوجيا وظهور أقطاب كونية كثيرة في أقصى الشرق مثل كوريا واليابان .. ودول أميركا اللاتينية في أقصى الغرب ، وبروز كل من ماليزيا وإيران و أندونيسيا ، إضافة للإتحاد الأوربي .. سيجعل من المستحيل ظهور قطبٍ كوني أوحد ..

تغيير المفاهيم والوعي ..تغير الإنسان نفســــه

كتب شبنغلر عن " الحضارات " .. وكونها كيانات عضوية حية في التأريخ ، والمقصود بذلك كما وضحناه إن سياق التحول في التأريخ قد أنجب " الحضارة الغربية " من رحم الحضارة المسيحية الكاثوليكية في العصور الوسطى ...
فيما الحضارة الإسلاميــة فريدة بأهم خواصها .. إذ أنجبها التأريخ من رحم الصحراء العربية القاحلة وقيمها الإجتماعية القبليــــة ، وكيف ساعدت " الفتوح " أو " الغزوات " كقيم موروثة من القبلية في تأسيس رافد إقتصادي أساسي قامت عليه الحضارة الإسلامية .. واليوم .. يشهد الشرق الأقصى وتحولاته الإقتصادية وتمركز الإقتصاد العالمي فيه ولادة حضارة " آسيويـــة " كبرى جديدة .. من رحم الفكر الصيني الكونفوشيوسي – الطاوي وما افرزه من ثقافة وقيم إجتماعية في آسيا ، سيتغير التأريخ وتتحول القيم العالمية إلى آسيوية بعد أن إستمرت لأكثر من أربعة قرون غربية ، ستصبح المجتمعات أكثر تماسكاً بعد أن فككتها الفردانية الغربية ، مع إننا لا ننكر فضل الفردانية في بناء " قوة " فردية كبيرة ستجعل من توحد هذه القوى للأفراد في المجتمعات شيئاً لا يضاهى في عموم تأريخ الإنسانية ..

وستصدق نبؤة ماركس بان الرأسمالية ستنتهي وتظهر من بعدها الإشتراكية ، ولكن كقيمة حتمية ذات بعد " نفسي " عميق في الشعور الفردي وليس كقيمة أخلاقية مغايرة للطبيعة النفسية البشرية كما إعتقد بذلك " ضمناً " من ذهب بمذهب لينين و تروتسكي وغيرهم في تفسير الماركسية ..


فماركس ربما لم يكن يرى البعد الطبيعي لنشوء الإشتراكية ، كما هي في مجتمعات النحل والنمل الحشرية ، ربما كان يعتقد بأنها كائنات أوطأ رتبة من البشر ، لكن الحقيقة العلمية المؤكدة اليوم عالم الحشرات برمته أكثر تطوراً " غريزيا ً " من الجنس البشري المتفوق بالعقل .. لا بالغريزة ..!
وبالتالي .. وصول الإنسان إلى هذه المرحلـــة من التطور الإجتماعي يعني وصوله إلى ذروة الإرتقاء الطبيعي ، وفي تلك الحال فقط يكون الإنسان أفضل الكائنات الحية على الإطلاق ، ولذلك فهو اليوم ليس بكامل كما نتصوره في أحسن تقويم ..!
البحث القادم سنناقش به طبيعة التحول في ذهنية وثقافة " هذا الجيل " وكيف يمكن إعادة الشباب للإشتراكية التي تفتقر اليوم للشباب في صفوفها ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية الإنكلوسكسونية ... والدخول في عصر التنين ( الفصل الثان ...
- هل تفرض الصين نفسها بديلاً إقتصادياً وثقافياً عندما ينهار ال ...
- نهاية الإنلكوسكسونية .. والدخول في عصر التنين ( الفصل الأول ...
- أميركا .. و كلمة الوداع الأخير
- بين يدي الله .... في ذكرى تسونامي آسيا
- المعرفة النفسية العربية ... الفلسفة والمنهج
- إغتيال تموز ... إغتيال ٌ للأمة ، في ذكرى الثامن من شباط الأل ...
- الشرق والغرب .. بين الثقافة والسياسة
- وجهة نظر في : جغرافيّة الفكر لريتشارد نيسيت ، ورسالة إلى الل ...
- المعرفة ُ الشرقية (1)
- المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((4))
- المعرفة ُ في الشرق ...هل لها مستقبل ؟ ((3))
- المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((2))
- المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))
- النظرية ُ الإسلامية ِ...سوء ُ تطبيق ٍ ..أم سوءُ تخطيطٍ رباني ...
- المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعل ...
- صراع الحضارات ، حوار الحضارات، مستقبل الحضارات، هذا العالم.. ...
- الدخول إلى فضاءات النفس الداخلية وفق الطريقة البابلية
- محاكمة صدام....ام محاكمة التاريخ ؟ للمرادي والبعثيين الجدد ب ...
- مرثية ُ بغدادَ لبابل


المزيد.....




- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..مقتدى الصدر يشيد بالانفتا ...
- الكشف عن بعض أسرار ألمع انفجار كوني على الإطلاق
- مصر.. الحكومة تبحث قرارا جديدا بعد وفاة فتاة تدخل السيسي لإن ...
- الأردن يستدعي السفير الإيراني بعد تصريح -الهدف التالي-
- شاهد: إعادة تشغيل مخبز في شمال غزة لأول مرة منذ بداية الحرب ...
- شولتس في الصين لبحث -تحقيق سلام عادل- في أوكرانيا
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (1).. القدرات العسكرية لإسرائيل ...
- -امتنعوا عن الرجوع!-.. الطائرات الإسرائيلية تحذر سكان وسط غ ...
- الـFBI يفتح تحقيقا جنائيا في انهيار جسر -فرانسيس سكوت كي- في ...
- هل تؤثر المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الطيران العالمي؟ ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وليد مهدي - نهاية الإنكلوسكسونية ... و الدخول في عصر التنين ( الفصل الثالث - إنبعاث آسيا الكبرى )