أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد مهدي - المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية والاسلام















المزيد.....



المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية والاسلام


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 1378 - 2005 / 11 / 14 - 11:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قراءة وفق معادلات هندسة التأريخ

إن وصول الجنس البشري إلى القناعة المطلقة باعتناق الديمقراطية هو تعبير حقيقي وأصيل عن خلاصة تجربته التاريخية الطويلة التي جعلته يتيقن أخيرا..إن الشعب ورأي الأغلبية هو المقدس الوحيد في هذا الوجود..!!


المحاور:
• غاية ظهور الدين..بين البعد التاريخي الحقيقي وما يتصوره العوام
• أزمة السياسة الإسلامية بعد وفاة الرسول محمد
• من هو المقدس في نظر العامة ؟ العراق في أواخر العهد الراشدي نموذجا
• لقمة العيش والدين والثورة
• متى تندلع الثورة ؟
• الشريعة والحياة
• ما هي العــَلمانية ؟



يعتقد الكثير منا إن الدين إنما جاء ليثبت الحقيقة، ليصرح للملأ بما هو كائن وراء ستر الغيب، إنها كالعادة أخطاء قراءة التاريخ والجري وراء تزييف حقائق أحداثه الواقعية...في العرض القادم رحلة عبر مفاهيم الثورة في التاريخ، تسلط الضوء على أهم ثورة غيرت مجراه وهي " الاسلام “....هل كانت مكة والجزيرة العربية تعيش حياة ناعمة كالتي تحياها اليوم في ظلال " البترول" فانبثق الاسلام؟
لماذا ثارت مكة على الوثنية ولا تثور " العرب" اليوم على امتهان الإنسان وكرامته ؟
ما علاقة الطبقة الكادحة بالثورة…؟ وهل كان الاسلام ثورة ؟






• غاية ظهور الدين..بين البعد التاريخي الحقيقي وما يتصوره العوام
لا اعتقد... إن التشريعات السماوية جاءت لحل الغاز..!
الشرائع السماوية إنما انبثقت لخلق النظام...الذي تحت ظله فقط يتم تحصيل لقمة العيش بكرامة !
فالحياة " العاقلة " تميل إلى النظام ، فبدءا بأساطير العراق القديم كأقدم إجابات إنسانية للتساؤلات الكونية الخالدة : أجابت هذه الأساطير إن الإله الأعظم المتسلح بالنظام قد انتصر على الآلهة المتسلحة بالفوضى ..فساد في الوجود النظام بعد الفوضى..!
لم أجد بصراحة في كل عقائد العالم القديم التي عرفتها فلسفة اقرب لفلسفتنا العصرية مثل هذه..!!؟؟
إننا إذ نتحدث عن الشرائع، نجد إننا ننطلق من منطلقاتنا التراتيبية الاستنتاجية، بمعنى إننا نتكلم بلسان حال تجربتنا التي تركت مفهوم استنباط النظام من الدين خلفها، لان معرفتنا أوصلتنا للنظام بدون الدين، العامة من الناس لا تعي هذا أبدا في بداية ظهور الرسالة السماوية..!
يقول الرسول محمد: لولا الخبز ما عبد الله، العامة ترى إن الله هو الذي يطعمها ويميتها ويحييها وبيده مفاتح الخير والشر فقط، العامة لا تستغرق في مكنون الذات المقدسة الإلهية أو غاية خلقها للبشر، العامة تفهم من الدين ما يؤمن لها العيش في ظل النظام....!!!
المشكلة هي إن العامة تأخذ التصورات التالية عن الدين وخصوصا " الاسلام" بعد أن يمر أكثر من جيل، فيتحول إلى أسطورة مقدسة بعدما كان بداية انبثاقه ثورة..قامت على أكتاف الطبقة المسحوقه في المجتمع ؟
فوفق المقاييس المثالية التي يصورها لنا رجال الدين عن واقعه كما يظهر في فيلم " الرسالة" فإننا لو طبقنا هذا الفيلم على ارض الواقع وجئنا بشخصيات كالتي كانت في الفيلم تماما ً ، فان كبار رجال الأعمال اليوم وخيرة المثقفين والفنانين هم من سيؤمن بالدعوة ...!!
ولعل هذا هو سر اندفاع الظواهري...الطبيب..وبن لادن الملياردير والكثير من المترفين في جزيرة العرب وراء محاولة بناء مجد شبيه في مكان آخر غير جزيرة العرب..!
فصورة الاسلام الإعلامية والموجودة في المناهج التربوية العربية مثير لمخيلة هؤلاء أكثر من مخيلة العوام البسطاء..الرازحين تحت نير الفقر والاستبداد..!
لماذا..؟
لأنهم وأمثالهم هم من أنتجوا وصوروا وتحكموا بلغته بالرغم من استنادهم على الثوابت التاريخية، وبالتالي فان الدين الذي بين أيدينا هو دين السلاطين وحاشيتهم من شعراء وفنانين في العهود الماضيات...؟
لو طبقنا معادلات الهندسة التاريخية بالفعل لأيقنا إن المقدس الحقيقي الذي كان يستحق التقديس في ذلك القطع المظلم من ليل التاريخ هو: الفقر...!
ولو كان ثمة ملائكة تستحق منا الإجلال والاحترام هي طبقة الكادحين المسحوقة التي بني الاسلام بأكفها...!
المشكلة في إسلام " الفضائيات " الذي تبثه اليوم انه من طراز طوباوي لا يمت إلى واقع الاسلام الحقيقي بصلة، الاسلام الذي جاء أصلا ليلبي حاجة اجتماعية ملحة، هذه الحاجة التي لو نقلت بصورتها الحقيقية للعوام اليوم لما قدست شيئا ً في دنياها سوى نفسها هي ؟
لو علم الشعب الحقيقة، لقدس نفسه، فهو المقدس الوحيد في هذا الكون..لأنه هو الذي يصنع المقدس..ويغير مجرى التاريخ بالثورة..!
المجد، للديمقراطية المقدسة..التي تعني أن يقدس الشعب نفسه..!
إن وصول الجنس البشري إلى اعتناق الديمقراطية هو تعبير حقيقي وأصيل عن خلاصة تجربته التاريخية الطويلة التي جعلته يتيقن أخيرا..إن الشعب ورأي الأغلبية هو المقدس الوحيد في هذا الوجود..!!

من يخطط النظام ؟
التعريف الفلسفي للدين كما يقول محمد باقر الصدر هو:
أطروحة إلهية تهدف لتنظيم حياة البشر
لكن هل يمكن لنا أن نسال: ماذا لو تمكن الإنسان..من ابتداع أطروحة قادرة على تنظيم حياة البشر..وتسير حثيثا ً في طريق الإجابة على الأسئلة الخوالد..؟
العقل الدوغمائي " العاطفي “ هو العقل الذي يجيب بان المنظومات العقلية البشرية قاصرة عن الإتيان بمثل هكذا أطروحة، أما العقل الديكارتي – البيكوني صاحب المنهج العلمي الأكاديمي فيقول على لسان ديكارت:
لقد مضى ملكوت الرب، وحل على الأرض ملكوت الإنسان
المقصود بالملكوت طبعا مجمل الدين وفلسفته وتطبيقاته في ارض الواقع وصولا إلى تحقيق سيادة الكنيسة في أوربا اذبان العصور الوسطى وتأسيس دولة الخلافة الإسلامية في العهود الإسلامية المعروفة، أو إقامتها في عصرنا الراهن المتمثل بدولة طالبان أو الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران، صدح ديكارت بان تلك العهود ولت وبدأ ملكوت بني الإنسان، عصر الشريعة والأنظمة الوضعية من قبل البشر أنفسهم كتحقيق لذاتهم في وجودهم الدنيوي وهو ما يرفع شانهم أمام الله نفسه..!
هذه النزعة ليست نزعة الحادية مجحفة لحق الإله في الاحتفاظ بعلياء قدسه في نظر مخلوقاته، بل على العكس، إنها فرحة الأب " الله..الرب " بنضوج الفكر البشري ووصوله إلى مرتبة التشريع الذاتي والاعتماد المطلق على النفس في إدارة كافة شؤون الحياة..!
لقد نظر ديكارت، وفلاسفة عصر النهضة إلى المسالة من هذه الزاوية..زاوية بداية النضوج العقلي الآدمي كمنظومة كونية وانطلاقة مسيرة الاعتماد على الذات..!
الدوغمائية لا تمتلك أي دليل مقنع ٍ " ملموس " على صحة ادعائها، لم يشهد العالم تطورا في ظل الدين، وحتى النهضة العلمية في العهد العباسي إنما كانت حصيلة للتجربة الحضارية البشرية الفريدة المعتمده على المنهج التجريبي لاغير، حيث اعتمدت منهجا ً قريبا للديكارتية التي انتهت بان تطأ قدمي الإنسان القمر..وأثبتت البيكونية الديكارتية حضورها الحي الماثل في صميم الفلسفة القرآنية:

• اعندكم من سلطان بهذا أم تقولون على الله ما لا تعلمون..!
• إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان..!
السلطان الذي يحتج به القران ما هو إلا القيمة " الموضوعية " للحقيقة التي تتجلى بقيمها المعاينة المحسوسة، القابلة للمقارنة والمقاربة والإدراك، السلطان هو الحجة الدامغة في جانب الاحتجاج المعرفي الموضوعي في قوله " اعندكم من سلطان بهذا أم تقولون على الله ما لا تعلمون “، والقوة القاهرة في جانب الحضور الواقعي التطبيقي في قوله " انفذوا...لا تنفذون إلا بسلطان “، وفي كلا الحالتين يتأكد الاحتجاج الديكارتي الشكي في المثال الأول، و البيكوني المنهجي التجريبي في المثال الثاني، بمعنى أكثر وضوحا ً إن محمدا ً بن عبد الله أسند إلى الجنس البشري في عصر النهضة مهام الاعتماد على أنفسهم، عصر النهضة هو عصر الشك الديكارتي، أما عصر محمد فكان هو عصر السعادة الدوغمائي، لهذا السبب ترك لنا محمد الخيار مفتوحا ً حين وصلنا لعصر النهضة الشكي..هذا الوصول الذي يقع في محطة من محطات حركة التاريخ الخاضع للحتمية Determinism !!
ترك لنا الخيار ُ محمدا ً بدليل تركه ِ لباب الجدل مفتوحا ً على مصراعيه في قضايا الفلسفة المتعلقة بالأسئلة الخالدة هذه، ولم يلزم التحفظ على ثوابت بعينها إلا فيما يتعلق بالحقوق المدنية، كضمانة مؤقتة، اضطرت عمر وعلي إلى خرقها بالاجتهاد..لا لشيء إلا لضمان الحقوق المدنية..هذه الحقوق التي تمثل " الحد الأدنى" من رضا الضمير الإنساني في ذلك الزمن..وما يمكن تسميته بالخلق والذوق الاجتماعي العام نسبة إلى الفترة التاريخية التي يعيشها الفرد...كاستحداث السجن واختزال قطع أيدي السراق وتحريم الزواج المؤقت..!!

• أزمة السياسية الإسلامية بعد وفاة الرسول محمد
المشكلة هي إن الإسلام وشريعته تحول إلى أسطورة اركيولوجية لا ينبغي أن يجري عليها الحك والشطب..!
لقد خرج الإسلام للأسف الشديد بذلك عن غايته الأولى التي أرادها محمد وفق ما كان يطمح إليه الشعب: وثيقة متحضرة في قلب الصحراء تضمن الحقوق المدنية، وهي انتقالة نوعية من الــ" عرف" القبلي وملحقه العقائدي الموروث من السلف المتمثل بعبادة الأصنام إلى قانون مدني قد تجوز تسميته " العقد الاجتماعي – الدستوري " المسمى بالسنة بملحقه العقائدي الجديد “ القرآن “، الذي حصل في الإسلام هو " الردة “، هذه الردة التي تم التعبير عنها بعفوية بعد وفاة محمد بطريقتين اثنين:
• الردة السياسية الواضحة بنزع أعنة الولاء للحكومة الإسلامية في المدينة من قبل القبائل في البادية والقرى النائية، وقد عالجها أبي بكر بالحملات العسكرية.
• الردة الفكرية الباطنية، وهي الأخطر، وغير الواضحة، والخفية في التاريخ الإسلامي إذ انتهزت الشخصية الاجتماعية الصحراوية العامة غياب " محمد" وبدأت نهجها بتجميد " النصوص " والحقوق بتحويلها إلى أعراف تعطي الولاء بدلا من القبيلة الواحدة إلى قبيلة جديدة جامعة تدعى: الدولة العربية الإسلامية
حيث كانت هذه " القبيلة الجديدة الجامعة " قد شيخت أسرة واحدة من العوائل لتكون لها الريادة في قيادة أعنة العرب، ألا وهي: قريش..!
على الرغم من عمر بن الخطاب هو أكثر شخصية في التاريخ الإسلامي كانت تدرك إن محمد بشر، كانت سنته مبنية على خلاصة تجربته في الحياة، والدليل على ذلك كثرة اجتهاده بما يخالف هذه السنة في خلافته، إلا إن ما حصل بعد وصول السلالات القرشية إلى سدة الحكم الاسلاموي هو تجميد هذه السنة واعتبارها وحي ٌ يوحى..!!
لم تكن تلك الدولة دولة بالمعنى المتعارف عندنا عن الدولة ، لقد كانت بناءا وهيكلية هجينة بين القبلية والمدنية شبيهة إلى حد كبير بطابع بيئتنا الاجتماعية العربية في الوقت الراهن .
وباعتراف المفكرين الإسلاميين المعاصرين ، فأن التاريخ الإسلامي تميز بالدموية القبلية بدليل بسيط جدا :
عمر ، وعثمان ، وعلي ماتوا إما طعنا بالخنجر...أو تقطيعا بالسيف...أو ضربا بالصارم المسموم..!
إنها أدلة دامغة على إن الدولة التي كان يقودها أصحاب محمد كانت تحاول العودة إلى ذاتها الصحراوية مؤكدة شديد التصاقها بهويتها الطبيعية الأصيلة ، فقد انتهى الحال بما شيده عمر بلضم عقد الدولة كله بالانهيار ، بسبب وصول المجتمع الإسلامي إلى عتبات " وجوب " اندلاع الثورة ، وثارت الفتن في عهد عثمان ، وانخرط عقد الدولة الاجتماعي في عهد علي الذي لم يكن يحكم إلا إقليم العراق..الذي ثار عليه هو الآخر!!
حيث إن الطبقية التي سادت في عهد عمر والتي أسسها بنفسه ، حين طرح رؤيته الواضحة بقوله : ضعوا الناس في الدنيا مواضعهم
هي التي أدت إلى وصول الأمة إلى ما وصلت عليه أيام عثمان كما سنأخذ هذا المثال في الإجابة على تساؤل متى تندلع الثورة لاحقا.
فقد انطلقت الصحراء بايدولوجيا متطورة، أيديولوجيا " الافتراس المقدس “، صحيح إن سمة العالم القديم في ذلك العهد هي الافتراس، لكن الإسلام كدين...انتهج نهجا ً إمبراطوريا لم يكن يليق به كعقيدة سماوية – ضامنة لحقوق البشر..!
لقد تم تطبيق الميكافيلية الغائية في هذا الطريق..فنشر الدعوة يبرر الفتح بالحسام المهند..!
فالنهج الإمبراطوري عبارة عن نزعة أنانية المنطلق تبتغي المحافظة على وجودها أولا...وتطويره وتوسيعه ثانيا بأساليب متعددة، وجدت الصحراء في الإسلام ضالتها بإضفاء القدسية على نهجها..، هذه القداسة التي لم تكن لتكون بشريعة مدنية قابلة للتغاير ومتفاعلة مع الواقع، لابد من تحويل القرآن ومن بعده محمد إلى " ثوابت لا يمكن التعدي عليها" بل إن هذا النهج ألتجميدي وصل إلى حد اعتبار سنة عمر وأبي بكر جزءا من هذا النهج غير القابلة للنقاش عندما سئل علي قبل مبايعته عما ينهجه في خلافة الشيخين فقال: اعمل بكتاب الله وسنة نبيه واجتهاد رأيي، فقالوا له لا والله لا نبايعك حتى تعمل بكتاب الله وسنة نبيه وسنة الشيخين " أبي بكر وعمر “، رفض علي ذلك، خصوصا وهو الفيلسوف الذي قبل على مضض العمل بكتاب الله وسنة نبيه، فكيف ينحط إلى قبول سنة الشيخين..!!
إنها منهجية تحويل المتغيرات الآنية الدينية إلى ثوابت مقدسة...والثوابت بحقيقتها التواء على تسمية الأعراف القبلية ...أو إعادة العرف بطريقة جديدة..!
في حقيقة الأمر..لو تناولنا الدين الإسلامي بالتحديد، بظروف النشأة، والنهاية التي وصل إليها بإنجاب الدولة الإسلامية، من منظار انه ممارسات لطقوس الثورة، لا نجد أي فرق بينه وبين أي نظرية فلسفية – سياسية – اقتصادية معاصرة، سوى إن الدين الإسلامي كمنهاج ثوري البداية يتحول بمرور الزمن إلى عرف اجتماعي لا يجوز عليه الحك والشطب..سنعمد إلى تناول هذا في فقرة: متى تندلع الثورة..؟

• من هو المقدس في نظر العامة ؟ العراق في أواخر العهد الراشدي نموذجا
أنت تطلب المستحيل يا صاحبي .. وهو الثقة بوجود إنسان ٍ كامل أسطوري تتجلى به الحقيقة ومن بين يديه تفيض المحبة والعطاء لعموم الجنس البشري ..المؤسف في الأمر ..إن مثل هكذا مفاهيم ..هي من القدم إنها سابقة لمفاهيم تقديس الثورة الاجتماعية ..وتحويلها إلى عرف مقدس كما حصل في الاسلام ، إنها من القدم إلى درجة إنها تذكرني بكلكامش ..ومردوخ..وبوذا..والمسيح ..!
من المؤسف والمفرح في نفس الوقت إن عليا ً لم يكن سياسيا ناجحا ً وإلا كان قد نجح في تأصيل ثوابت إمبراطورية الصحراء أكثر حينها ما كان بامكانه أن يحظى بما يحظى به اليوم في قلوب أهل العراق ..!!
هل كان عليا الذي أضاف حد " السجن " في قانون العقوبات الإسلامي يروم تشييد عقد ٍ اجتماعي جديد بين المواطن والدولة ..؟
ما سر انتقالته إلى العراق ...حيث البعد عن الصحراء وردتها ، واقترابه من مفاهيم " المدنية " العصرية في حوض دجلة والفرات...؟
هل تعرف ما هي الأسباب الحقيقية التي جعلت عليا مقدسا في نظر أهل العراق ..؟
هل أخبرك احد إن عليا هو أول من ساوى بالعطاء بين سكان البلاد الأصليين الذين أسمتهم العرب بالموالي العجم " الهنود الحمر العراقيين " وبين أسيادهم الغزاة القرشيين " الانكلوسكسونيين "..؟
ألا يشكل هذا برأيك التفاتة ربانية " تستحق التقديس" لأهل العراق من بدوي يدعى " علي " جاءهم كغازي من غياهب الصحراء..؟؟
لم يكن عليا إلا رمزاً لرد مظلومية أهل البلد الأصليين ، مما أثار عليه سخط " المستوطنين " ؟
هل تعلم إن غالبية " موالي " العراق التي كانت تقدس عيسى بن مريم " أي كانت مسيحية" تحولت إلى تقديس علي بعد وفاته " صارت مسلمة شيعية بمزاجها هي وليس بمزاج العربي المحتل" ..؟؟

إن رفضه من قبل أهل الجزيرة ..والشام...وقبوله من قبل أهل العراق يشير إلى إن نهجه وبغض النظر عن ما كتبته أقلام التاريخ السلطانية الأجيرة إلى إن عليا ومفاهيمه كانت اقرب منها للمدنية المتحضرة منها إلى هرمية التقسيم الأرستقراطي الذي يفصل بين الأسياد والعبيد ويقسم كل طبقة إلى مقامات ومراتب ، وهو الذي ابتدعه عمر في صرف العطاء وتعيين موظفي الدولة..!
كان عمر بن الخطاب أول من مد جناح الدولة الاسلاموية وبنى سياستها على أساس إن قريشا ً أفضل قبائل العرب لأنها تحملت نقل الاسلام للعالم ، ومحور فلسفة عمر بن الخطاب في ذلك هي مقولته المشهورة :
ضعوا الناس في الدنيا مواضعهم
إن اختلاف علي عن عمر في الرؤية السياسية والاقتصادية للمجتمع تشير إلى إن عليا ً كان يحمل فلسفته الخاصة ورؤيته المدنية التي تقوم على احترام العمل والإنتاج أكثر من اعتمادها على المكانة الاجتماعية " الفوقية" الأرستقراطية ، لم يكن هناك أنصار ، أو تابعين في دولة علي التي كانت إلى الاشتراكية اقرب ، كما إن شخصيته وفروسيته الفائقة قد ساعدت في جعله أسطورة الرافدين الجديدة المتطورة عن أساطير الأسلاف التي تمتد إلى قعر التاريخ الأول ، وفي الحقيقة لم يكن عليا ً بحد ذاته أسطورة إنما شعب الرافدين هو الذي كان بحاجة إلى مثل تلك الأسطورة التي يعزي فيها نفسه..!
ليس الإمام يا صاحبي هو الذي يظهر وجه الله ...بل إن العامة هي التي تبحث عن وجه الله في وجه الإمام ..!
الإمام مجرد إنسان بسيط ، العامة هي التي تخلق منه الأسطورة ، وأسطورة الأئمة العراقيين ما هي إلا امتداد لأساطير كلكامش ..ومردوخ..وعشتار ، لو رجعت إلى حقيقة الصياغة الأسطورية للعراقيين القدماء ستفهم على الفور إن الأمة هي التي تصنع الاستبداد والأصنام ..فأحيانا تكون هذه الأساطير عبارة عن شخصيات معتدلة أو مضطهدة كالأئمة ألاثني عشر في العراق أو في أحيان تكون شخصيات مستبدة إلى حد إن تغير حقيقتها الموضوعية فتتحول إلى أسطورة نقيضة للحقيقة مثل أباطرة الصين ..وشخصية " صدام حسين" كما انطبعت في الضمير العروبي القومي المعاصر..!
أنت تتعامل يا صاحبي مع الله على حساب " النية " وهذا حال اغلب المسلمين ، لكن الذي يحصل إن وجودك الإنساني على وجه البسيطة يتطلب منك التعامل على أساس ما تملك من طاقة ...وتوجيه هذه الطاقة إلى حيث يجب أن تكون ..؟
فالإمام في المذهب الجعفري مسلمة أكيدة النقاء ، لكنه في الواقع الموضوعي إنسان عادي يأكل مما نأكل منه ويشرب مما نشرب لا يستخدمه الله أبدا لإطلاق ذاته المقدسة فيه ، بل إن المجتمع هو الذي يستخدم الإمام للتعبير عن آماله وطموحاته في شخصه ..!
أنت ترى ما كان يختلج في نفس علي بن أبي طالب عند وصوله إلى الكوفة في العراق ، لكن الفرق إن عليا كان يراه اعتمالا إنسانيا مباركا من الله ...أما شيعة العراق اليوم فيرونه إلهاما إلهيا منزلا في قلب علي ..!
علي ٌ كان يشعر به ..على انه فلسفته الخاصة...أما شيعة العراق ، ورثة السومريين والبابليين فقد أرادوا أن يجعلوا منه " محمد أهل العراق " وهو ما تجلى أخيرا ً ونزولا عندما أراده أهل العراق على يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي أضاف النكهة الزردشتية على الفكر الشيعي الضارب الجذور في المسيحية النسطورية والمانوية والبابلية والسومرية ، وبرأيي الشخصي ، هذه الرغبة كانت مشروعة إلى حد ما ...وعلي ٌ نجده كذلك اليوم هو والأئمة من بنيه .. رسل الله الرب إلى أهل العراق !
فقد سبق لأهل العراق قبل الإسلام أن امنوا بالمسيح ربا ً ارضيا ...بعث لهم اثني عشر رسولا ...وهم حواريي عيسى المعروفين...منهم واحد فقط خائن توضع على اسمه علامة الاستفهام...؟
الطريف في أمر أهل العراق هؤلاء الذين كانوا مسيحيين نسطوريين قبل الاسلام ، إن لا شعورهم الاجتماعي تمكن من الاحتفاظ بهذه المنظومة.....منظومة الرب الأرضي...ابن الرب السماوي....ومريم البتول...والاثني عشر رسولا...والواحد من ألاثني عشر الذي توضع عليه علامة الاستفهام..؟
فالله هو الرب الأعلى....ومحمد هو المعجزة الأرضية الكبرى....والاثني عشر من الأئمة هم صورة الله وذاته المتجلية بين عباده ...وفاطمة البتول...وآخر الأئمة ألاثني عشر صاحب علامة الاستفهام الذي تحول من الخائن إلى الأمل الأعظم لإنقاذ البشرية...الإمام المهدي ..!!
ولو نظرنا إلى هذه المنظومة من زاوية ثانية نجد إن صورتها لا تطابق بمساقطها الاجتماعية والبنى التي انبثقت منها تماما ثوابت المنظومة الفلسفية المسيحية كما وصلت إليه في أوربا ، وإنما مصحوبة بتأثيرات ديانات الرافدين القديمة و وجود الطابع الإسلامي الواضح ذو النزعة الفلسفية المحمدية ...لكنها بعموم الحال تمثل قرانا عقائديا غريبا وفريدا في كل الكرة الأرضية بين :
بابل...والمسيح....ومحمد
يحتاج التعمق بها والإمساك بجذور خيوطها في قعر محيطات التاريخ إلى بحث منفصل

• لقمة العيش والدين والثورة
أنت تلاحظ الآن ربما يا صاحبي ، إنني لا ابحث عن هذه الذات التي حيرت أهل العرفان مطلقا ً ..؟
ليس لدي بصراحة الوقت الكافي كي ابحث فيما وراء الكون ووجوده...وشعبي يتضور بنار الفتن..والسعي وراء لقمة العيش ...؟
فمن منطلق اجتماعي بسيط وساذج..وتافه...انطلقت في بحثي عن " الذات البشرية " المظلومة ، وتركت العالي العظيم في علو علياءه، تركته لملائكته وتسبيحهم ، لنور عظمته وإشراقه في قلوب العارفين المستنيرة بألق بهائه ، ولي الشرف العظيم إني تعلمت هذا كله من " محمد" ..!
نعم ، محمد هو الذي علمني إن الحقائق تبنى بموضوعية و حل أي المشاكل ينطلق من صميم معاناة الإنسان ، لو لا الخبز ما عبد الله ، أي تفاهة بنظر العارفين هذه..؟
وأي عظمة تطوي خلفها محمدا ً الذي استشعر الآم الجياع...وفرض على العباد الصوم في رمضان مذكرا ً بحقيقة الدين وغايته الأساسية....وهي...ضمانة الحقوق المدنية...وأولها....الخبز..!
حيث كان شهر الصيام...هو شهر القرآن....شهر الجياع....هو شهر الله..!
هناك تعمد " محمدي" واضح بربط القداسة الإلهية بالجوع...وهو خميرة فكر فلسفي لم تتم تنميته وزراعته في عموم التاريخ الاسلاموي بل تعمد المفكرون طمره وإخفاءه لسبب بسيط...!
لأنه أساس انبثاق الثورة..والتغيير...وهو ما يتعارض مع مصالح السلطات المتعاقبة في تاريخ حضارتنا الاسلاموية المجيدة ..!
لهذا السبب وخصوصا في عهود " الجوع العثماني " تم تحييد الفكر الإسلامي عن أرضية غايته الثورية إلى تضييعه في غياهب الغنوص العرفاني الموغل بالذات الإلهية المقدسة ، ولولا خروج هذا الغنوص عن السيطرة لما رمي أصحابه بالهرطقة التي حاولت سحب البساط من تحت الفقهاء بادعائها حلول الذات المقدسة فيها..!
لقد تعلمت يا صاحبي من "محمد" إن الجوع هو منطلق التفكير...والرؤية...والفلسفة...، لقد علمني محمد ( الفيلسوف..الإنسان وليس النبي) وقرآنه ورمضانه .. وأيام الجوع التي عشتها في ظل الحصار والحرب في عراق صدام حسين ...إن البقاء..وما يتطلبه من أدنى الحقوق هو أساس الفكر الفلسفي والديني وأساس رسالته وأساس جهده واستقتاله في سبيل دعوته ، لم يكن محمد ٌ ممن يطلبون الآخرة ، وإلا ما كان يكتب له النجاح ، بل إن محمداً ممن يطلبون الدنيا لهم ولغيرهم ..وهذا هو الفرق بينه وبين أصحاب الدنيا..المؤثرين بها لأنفسهم...محمد كأي قائد ثوري..مثله كمثل " فلاديمير إلتش لينين " ورغم فارق التوحيد والإلحاد بين الرجلين إلا إن القاسم المشترك ...انهما قائدين لثورتين ..اساسهما الطبقات الكادحة، العارية، الفقيرة، الجائعة ، كلا الثورتين كانت موضوعية...وكلا الثورتين كانت ساذجة تافهة بمكانتها الاجتماعية أول الأمر ، لكنهما سرعان ما تحولتا إلى فكر ينتشر في العالم ، كلا الثورتين أفلتت الزمام وضيعت طريق توجهها الأصيل الأول ...وبدلا من أن تكونا منارا لإشباع الجياع في العالم...تحولتا إلى مدرسة أو أكاديمية لتخريج الأباطرة المجرمين وبثهما في كل أرجاء العالم ..!!
• متى تندلع الثورة ..؟
في هذا الموضع أخبرك يا صديقي بما استنتجته من عموم ما عرفته عن حركة التاريخ ، ولن أقدم لك الأدلة كاملة حاليا ، ستكون هذه الأدلة بصورة تفصيلية أكثر مستقبلا إن بقيت حيا ارزق ، اعتبره رأيي الشخصي في الموضوع.
وفق هندسة الميكانيك التاريخي ، فان المعادلة الاجتماعية قائمة سياسيا واقتصاديا على التوازن بين عاملين اثنين :
طاقة الطبقة الكادحة..وسلطة الدولة أو الأسياد ، حيث إن طاقة هؤلاء الأسياد من القوة ما يحافظ على قوة الكادحين للبقاء تحت سلطانها وإلا...؟
وإلا فان تعاظم وتنامي قوة الكادحين على حساب الأسياد يؤدي إلى انفجار الثورة...!!
إن ظهور الرسول محمد بن عبد الله القرشي بالتوقيت الذي تعاظمت به قوة الكادحين ، بالاظافة إلى عبقرية محمد التي سعت إلى تضخيم هذه الطاقة أو القوة بالانبعاث الثوري المحفز " كالليزر" بتأكيده على الجماعة والعمل الجماعي قد غير مجرى تلوي أفعى التاريخ وهي تمر على رمال صحراء العرب ، لتولد تلك الحضارة وسط كل التناقضات والصراعات التي ذكرناها ، ولعل هذه من الظروف والعوامل لم تؤاتى للمسيح في حركته في فلسطين..!
وهي بالضبط العوامل التي أدت إلى تفسخ الدولة الراشدية الأرستقراطية العمرية ، وكانت النتيجة قيام الحكم الأموي الاستبدادي الذي بدأ رحلة الاستبداد الاسلاموي الأسود حتى يومنا هذا ، لم تتوقف عند هذا الحد أفعى التاريخ ، بل عادت الثورة بتعاظم ثقلها بعد حين تحت الألوية السوداء ، من ارض خراسان حيث وصل بني العباس إلى السلطة بمعايير ومفاهيم جديدة ، ومع إنها لم تختلف في استبدادها وشمولها ، إلا إن تذويبها وتخليها عن مفاهيم القومية العربية قد أدى إلى بسط سلطانها ليطال نصف الكرة الأرضية فكانت الوجه المشرق للحضارة الإسلامية رغم كل سلبياتها الأخرى..!!
أما أفعى التاريخ الساحرة فعند نقطة معينة قررت أن تستريح..!
هناك حالة من التوازن بين الأسياد والعبيد ، يتكافأ بها الطرفان بالقوة حينها يكون الاضطراب كما في عهد علي وعثمان..أو حين تتفوق قوة الأسياد على العبيد قليلا ..حينها يعم المجتمع السكون وتجري الحياة بوتيرة مملة ، إلا إن الدولة في حينها تكون على أهبة الاستعداد للانهيار بوجه أي غزو خارجي فسقطت بغداد بيد هولاكو...كما سقطت بيد بوش..!
فهل إن عالمنا العربي اليوم يدخر الثورة ..؟
وكيف بالامكان معرفة التوقيت الملائم لتهيئة الجيل والعمل على التغيير.... ؟
كل الذي أستطيع قوله في هذا المقال ، إننا في مرحلة السكون ، الذي يمهد للانهيار بوجه قوى التغيير الأجنبية ، أما كيف يكون التغيير من الداخل في ظل هذه الظروف ..!
وكيف بالامكان قراءة واقعنا السياسي برؤية مغايرة لما نعهده اليوم ..!
كيف نصل إلى مراكز التحكم في حركة التاريخ..؟
تناول هذا في دراسة موسوعية شاملة وخاصة تأخذ في الاعتبار هندسة التاريخ والعوامل الظرفية بالمقارنة مع الثورات قديمها وحديثها أمر لا بد منه ..!
والآن هل لي أن اسالك يا صاحبي...أين سر الخلود والنور والبهاء والضياء من كل هذه المآسي والدموع ..؟
أين المحبوب الذي تهيم فيه عشقا من كل هذا ؟
فان قلت لي ..علينا بترك التفكير بهكذا مواضيع والعزلة بمباشرة نوره الأعظم في القلوب فتلك مصيبة ، أما إن أخبرتني انك ببلوغ غاية المراد وبلوغ مراتب الرضوان تعرف الحقيقة وتحل البعض من مشاكل العالم فالمصيبة أعظم..!!



• الشريعة والحياة

هل الإنسان يمتلك القابلية على التشريع ؟
هل يمكن أن تكون شريعته كاملة وصحيحة؟
لا يمكن للشريعة البشرية أن تكون كاملة....ولا حتى الشريعة الربانية..!!
لا توجد شريعة إلهية ثابتة أثبتت نفاذيتها في الزمان والمكان على مر الأزمنة والعصور ، فلو نظرنا إلى الإسلام ووجود حكم الناسخ والمنسوخ فيه دليل واضح على عدم "خارقية " هذا التشريع التي أضفيت عليه في الآية : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ..!
ما جرى من تحريم لمتعة الحج و متعة النساء في عهد عمر ، ومفهوم القبض والبسط في التشريع الذي اضطر علماء الإسلام إلى استخدامه وما يواجهه الدين الإسلامي اليوم أمام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، ما هو إلا دليل على إن هذه الشريعة عبارة عن شريعة مطاطية تمكنت من التوسع لأكثر من ألف وأربعمائة سنة لكنها اليوم وفي القرن الحادي والعشرين أذنت أن تتقطع فهذا هو الحد الذي لا يمكن أن تمتد إلى أكثر منه ، إننا إذ نطأ عتبات القرن الحادي والعشرين ، قرن الدجتال ، قرن العولمة والسوق الحرة و" الإرهاب" ، قرن التسارع والانعطاف في حركة التاريخ بعد السكون في المنطقة العربية الذي ساد في القرن العشرين وهو يشهد حالة التوازن بين طرفي معادلة الثورة التي كان من نتيجتها الانقلابات العسكرية المتعاقبة ، ووصولنا اليوم إلى مرحلة التهيؤ الكامل لانهيار النظم بالفعل الخارجي والغرق من ثم بفوضى اللاتوازن بسبب تطور تقنيات القوة التي بامكان الميليشيات المسلحة حيازتها ، بحاجة فعلية إلى إيديولوجيا متحضرة قادرة على الصمود أمام الحركة التاريخية وتضمن لنا ولأبنائنا المستقبل وذلك لن يكون إلا :
إعادة الدين ( الإسلامي ) ( ولا أقول أي دين ) إلى مفهومه الثوري الأول الهادف إلى التنظيم وبسط النظام دون اعتباره عرفا ً مقدسا غير قابل ٍ للتعديل
الموازنة بين ثوابت الدين الفلسفية التي تجيب على الأسئلة الخالدة ..وبين الحقائق العلمية المكتشفة حديثا .
اعتبار العبادة والطقوس هي الرابط الروحي الذي يغذي الصلة بين الله والإنسان بالطريقة المناسبة التي يرتأيها الإنسان..دون تمييز أو إجبار ، فالأخلاق قيم بشرية ربما يساعد الدين في تثبيتها لدى بعض الأفراد " المثاليين " لكنها تعطي المبرر للتجاوز على حقوق الغير لدى غالبية البشر ...وما أكثر الناس ..ولو حرصت ..بمؤمنين..!



• ما هي العــَلمانية ؟
العلمانية ليست تعبيرا عن تطلعات وطموح الميول العلمية والشكية أبدا ...إنما هي مرحلة التوفيق في المجتمع الواحد بين الشكيين والدوغمائيين ليكونوا تحت سقف واحد لا أكثر...!!
فالشكي وصاحب الرؤية العلمية للكون من حقه أن يحيا بالنظام الذي يؤمن به ، كذلك الدوغمائي السعيد ( المتدين ) ، من حقه أن يعيش هذا ، العلمانية وحدها التي تكفل أن يكونا تحت سقف ٍ واحد ..!
مشكلة الفرد المسلم انه يؤمن بان الدين هو رادعه الأخلاقي الوحيد ، مع انه لو قرأ التاريخ يجد إن الدين لم يكن كذلك بحصيلة تجربته في عموم المجتمع ، ولو أمال بنظره قليلا إلى أوربا يجد إن تلك البلاد نهضت دون هذا الرادع الأخلاقي وعلى الرغم من سلبيات أفرادها ، إلا إن حسن الخلق هو النتيجة التحصيلية للتجربة الأوربية العلمانية ، فلماذا يكون الأوربيون أفضل من العرب..هل هم حقا كما يدعي البعض جنس متفوق يحترم النظام والقانون بغض النظر عن الرادع الأخلاقي المعروف باسم الدين ...!
من الأولى برأيك يا صديقي ...صلاح الباطن وخراب الظاهر...كما يحصل لدينا نحن العرب ، أم خراب الداخل وصلاح الظاهر كما عند الأوربيين...!
فنحن بدواخلنا مثاليون...مؤمنون...نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، نصوم رمضان ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، وبلادنا خربة ..تتفشى فيها المحسوبية ..والرشوة والفساد الإداري والفقر والبطالة ...وووووو..الكثير من المشاكل والهموم ..!!
لماذا هذه المعارضة للعلمانية ؟؟
لماذا تعتبر العلمانية كفراً بالله الواحد الأحد ..مع إن محمد بن عبد الله القرشي كان علمانيا بانطلاقته الأولى ، وقولته المشهورة : انتم اعلم بأمور دنياكم مني ..بحادثة تأبير النخل المعروفة..الدليل الواضح على فصل الدين عن الدولة ..ولو بمواضع معينة فقط.!!
ألا يؤخذ اتساع الدولة وتطورها التكنولوجي في الحساب لنفهم إن مفاهيم الثورة لا يجب أن تجمد بل تبقى تسيل لتعيد توزيع الحقوق بين طبقات وفئات المجتمع ؟
فحتى العلمانية هي الأخرى معرضة للجمود لتتحول إلى " عرف " وثوابت ، إننا أمام أزمة لا تحلها مثل هذه المقالات ..لكن بالامكان أن نجد أنفسنا على الطريق المؤدية إلى حلها من خلالها.
إن ما ذهبت إليه يا صاحبي بقولك :
مهمة الإمام ( أو الكتاب والسنة ) هو جمع الإنسانية حول مفهوم وجودي أصيل وهذا الأصل هو الذي جعل الفيلسوف يبدع كل تلك النظريات الوجودية من أجل استخلاص روح المعنى الحقيقي للوجود.
هو بالتحديد المعنى الواقعي لحكم الشعب أو " الديمقراطية" ...فالديمقراطية هي التي تجمع الإنسانية حول مفهوم وجودي أصيل ..يتيح للمبدعين أن يبدعوا لأنه يعبر بصراحة ووضوح عن محصلة التجربة البشرية الكاملة ..ولا يترك مجالا للشك ..!
المشكلة يا صاحبي إن الدوغمائية الدينية جزء من المجتمع البشري في نفس الوقت الذي تكون فيه الشكية جزءا أيضا ً ..؟
الشكيون يقبلون الدوغمائيين في حياتهم وتعايشهم معا ، المشكلة هي إن الدوغمائيين هم من لا يقبل الشكيين ..ويريدون جر العالم بأسره إلى عقيدتهم ودوغمائيتهم الخاصة ..؟
العلمانية ليست تعبيرا عن تطلعات وطموح الميول العلمية والشكية أبدا ...إنما هي مرحلة التوفيق في المجتمع الواحد بين الشكيين والدوغمائيين ليكونوا تحت سقف واحد لا أكثر...!!
العلمانية هي الحل الوسط الذي نتوصل إليه بين المنهج العلمي التجريبي الشكي وبين الميل العاطفي التاريخي المحافظ على الموروث والقيم الأصيلة ، على الفكر الاسلاموي أن يفهم انه بتكفيره للآخر ...سواءا أكان شكيا أم دوغمائيا بأسلوب غير أسلوبه هو فانه يعرض نفسه للعزلة عن حضارة الجنس البشري وتجربتها الحية ويضع نفسه بمواجهة فك أفعى التاريخ التي تجعل مستقره في جوفها لامحال..




ما هي العبودية؟
هل العبودية مفهوم سماوي..انزله الله من السماء..فتلقفه البشر..وطبقوه في واقع حياتهم فكانت هناك إماء وعبيد..؟
ولماذا كان الله يسمح تحرير البشر من ربقة استعباد البشر...ولا يقبل تحرير الفكر البشري من العبودية له هو ..؟
هل هي حالة خاصة فقط بالله الواحد الأحد..؟؟
لو كانت العبودية لله فقط....كيف تغاضى الاسلام وكل الديانات عن تحريم الرق..بل استفاض في تحديد القوانين التي تحكم الإماء والعبيد..؟؟!!

الحقيقة..إن العبودية مفهوم ارضي...وجد مع انبثاق فجر الحضارة ، وكان نتيجة حاجة اجتماعية ملحة ، فمثلما الخبز ضروري ليحيا به الإنسان ، فان العبودية هي " خبز" الحضارة..!!
تحول هذا الخبز في عصرنا الراهن بدلا من الطاقة البشرية المتمثلة بالإماء والعبيد...إلى الآلة أو الماكينة التي هي اليوم خبز الحضارة..؟؟
وبالتالي ، فمن الأولى أن تتحول العبودية السابقة للثوابت الإلهية المقدسة ...إلى المغيرات البشرية الوضعية..!
هذه هي فلسفة عصر النهضة...وهذه هي الرؤيا التي سيرى بها محمد عالم اليوم....!
اعتقد يا صاحبي انك عرفت إن قصدي ...من كل هذا الحديث هي تبيان الفرق الشاسع بين الغور في عمق الذات المقدسة وبين العمل والكد والتعب لتوفير الأمن والنظام ، وبذلك فعبوديتي الحقة التي ربما تكون تافهة بنظرك هي الالتزام بالنظام والذوق الاجتماعي العام ..!
يبقى إن الالتزام بالاستغراق فيما وراء الكون مرحلة خاصة بمن يستغني عن هذا العالم وهم قلة بين الناس ، ولهذا أقول لك إن العبودية هي عدو الإنسان حتى لو كانت لله..!
فالإنسان مجبول على الحرية ، يكره القيد إلا فيما يتعلق بالحقوق المدنية التي هي في النهاية ضمانة له هو ..؟
يقول بتشلر : القوة في السذاجة...فرأيي علي الرغم من سذاجته بنظرك، إلا انه قوي لأنه يحرث في ارض الواقع..!!
اعلم بأنك دوغمائي سعيد بثوابتك المقدسة، تحب أن تبقى مقدسة إلى آخر عمرك وحتى تلقى الله ، ليست عندي أي مشكلة في ذلك..المشكلة إني شقي..اشك في أن يكون الله على حق فيما يدعيه على لسان الأنبياء، كذلك لي ولع أن اختبر هذا العالم بنفسي، فهل تتقبلني أنت يا صاحبي في عالمك مثلما تقبلتك؟
أي نظام يمكن أن نحيا به سوية ً أنا وأنت..؟
العلمانية هي الحل...لأنها تحترم ثوابتك...وتقدس حريتي ومجد الحضارة البشرية...!



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع الحضارات ، حوار الحضارات، مستقبل الحضارات، هذا العالم.. ...
- الدخول إلى فضاءات النفس الداخلية وفق الطريقة البابلية
- محاكمة صدام....ام محاكمة التاريخ ؟ للمرادي والبعثيين الجدد ب ...
- مرثية ُ بغدادَ لبابل
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- في الطريق الى عقيدة ليبرالية عربية ج1
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- الديمقراطية والحداثة في العالم العربي
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- بابلٌ تتحدث...فلتنصتي لها يا صحراء
- سيد الارض المعظم..ليتقدس اسمك..ليات ملكوتك على الارض ايها ال ...
- حقيقة الدين بين الوحي والفطرة
- الدخول الى فضاء العقل الكوني
- سفينة ٌ تبحث عن مرفأ
- الإعلام العربي.....بين مصداقية الشرف المهني...وطوفان العولمة ...
- نظام اسلامي في العراق.....محطة لابد من المرور عليها
- تناقض مفهوم العقلانية الإسلامي...الديمقراطية والتصحيح
- قناة الجزيرة....عادت تتحرش بالعراق مرة اخرى ؟؟


المزيد.....




- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - وليد مهدي - المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية والاسلام