أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد مهدي - مرثية ُ بغدادَ لبابل















المزيد.....

مرثية ُ بغدادَ لبابل


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 1365 - 2005 / 11 / 1 - 08:21
المحور: الادب والفن
    


عندما تقف على أطلال التاريخ متأملا ما تركه إنسان الماضي ، لربما يخامرك شعور ٌ بأنك أمام عربة خربة تربض على ارض إحدى الاصطبلات المنسية ..في بقعة نائية عن رحبة الحضارة العصرية ، لولا الرابط الروحي..والشعور العميق بحقيقة الانتماء لذلك التاريخ حيث يجعلك لا ترى التاريخ وكأنه مجرد حجارة أو لقى أثرية تعود لحقبة قديمة وإنما تكتشف إن ما يمثل أمامك من تاريخ هو رمز لا أكثر لبناء أعمق ماهية essence تتشكل منها ذاتك البشرية ، بل ستذهب أكثر من ذلك مصغيا لنشيد دواخلك فتجد فيه الحزن والسرور ، الألم واللذة ، البسمة والدموع التي امتزجت بصلصال ارض الرافدين لتصنع كل ذلك التاريخ ، انه نفس النشيد الذي لم تزل حتى اللحظة تغنيه بابل وهي تعزفه بلحن أوروك بقيثارة أمها الخالدة سومر ، هذا النشيد الذي لايمكن استشفاف روحه مالم تتحرر من كل قيم اللامبالاة والغرور بكل ما فيها من خيلاء تكنولوجيا الحاضر ووسائل الاتصال الحديثة ، هذا التحرر وحده هو الذي يجعلك تنصت ُ خاشعا ً ممتلئا بالنشوة والألم حيال ما تسمعه من نشيج مووايل بابل الحزينة..، قد يعتقد الكثير إن هذا الكلام مجرد تزويق سردي ..وتنميق عباراتي خالي من روح الحقيقة التي تـُـستحضر لا في راسي بل في قلبي وكل تشجرات عاطفتي وغرائزي وأنا اكتب عن بابل…عن الإنسان الذي جمع البساطة والحكمة..والسذاجة والقوة..!!
بكل قيمة للإنسان..بمجده..وألمه..وعظمته..اقسم.. إنني هذه اللحظات أصغي لبابل َ وهي تغني..فترد عليها بغداد ُ منشدة ً بقلمي..!
نشيدا لو سمعته الدنيا لضحكت مئة عام…وبكت ألف ألف سنة..!
بابل ٌ وهي تروي للقدر حكاية من أنجبتهم ميتة فلم يتسنى لهم أن يروها..مع إنها وراء كواليس الزمن تراهم هذه اللحظة .!
وبغداد التي تروي قصة الصمود والتحدي في عصر الانكسار والتراجع..!
بابل ٌ الاُم..والطفلة البريئة وهي تروي لله العظيم ذكريات صباها وعنفوان أنوثتها وثورتها الصاخبة المتمردة ..التي كانت نهايتها غريبة مثل نهاية أنثى العقرب …!
وبغداد التي خانتها ” الصحراء” فارة ً مذعورة على أسوارها..!
مأساة بابلَ كانت إنها انتحرت مثل أنثى ” العقرب” لكي يمزق أبناءها حشاها فيقتاتون على جسمها دون أن يدركوا إن التي يأكلونها اُمهم ..!!
لقد مررنا على أطلالها التي لا تكاد تبين حتى دون أن نصغي لكلماتها غير المفهومة وهي لا تنادي أبناءها من أهل العراق فحسب ، بل كل من امسك القلم وصلى في محراب المعرفة التي باركتها للإنسانية .
فمثلما تبنت العرب الشعر رمزا وتاجا تزينت به في حيز وجودها التاريخي ، كانت بابل تتمنطق بالمعرفة في بواكير الرحلة الإنسانية الأولى الشاقة في صعود سفح القوى الطبيعية الشامخة .
لم تزل بابل ُ تغني ..وحسبها إن بغداد سمعتُْ شجي صوتها بعد كل هذه الآلاف المؤلفة من السنين ، كي تروي لكم أي اُم كانت لكم تدعى بابل …!!
أي مبتلاة ممتحنة بالنكران ترى الناس أبناءها منكرين لعطائها وتضحيتها التي لا تضاهيها تضحية وهي متوارية خلف كواليس نقوشها المسمارية و منطمرة تحت أسس برجها العظيم وجنائنها التي لم تزل تقص لنا أسطورة الماضي الذي لا منتهى لسحره ولا حدود لإعجازه و لا نظير لعبق الورد في روض القه وبهائه الساحر الذي يغشي كل من أبحر في سطور ” روح ” التاريخ مصغيا لنشيد الخلود وهو يروي حكاية الحب والعطاء ، حكاية الصبر والوفاء ، قصة الإنسان وهو يتناغم مع الطبيعة تناغما لا يكاد يفرق بين الطين والماء والحياة بحيوانها ونباتها وآلهتها السعيدة المعذبة في نفس الوقت..!
في صورة اقترب منها مع انه لم يدركها شاعر الرافدين الكبير محمد مهدي الجواهري وهو يتحدث لدجلة.. دمعة ُ بابل َ الساكبة من أقصى العراق لأقصاها :

حيـــيــت سفحك عن بعــــد فحييني يا دجلـــة الخير يا أم البساتــيــن
حييت ُ سفحك ظمآنا ألـــــوذ بـــــه لــــوذ الحمائم بين الماء والطين ِ
يا سكتة الموت يا إعصار زوبعـة يا خنجر الغدر يا أغصان زيتـون

فإليك يا أم العطاء تحيتي…وعليك يا أم التاريخ والقدر شادية ً ..مطربة ً..باسمة ً سلامي ..، إليك تحيتي وإجلالي لنور الشمس وهي تنبعث من رحم ملتقى دجلة والفرات ، نعم دجلة والفرات ..دمعتيك يا بابل وهما تشقان ارض أوروك ( العراق) وآشور وأكد نازلة على وجنتيك السومريتين السمراوتين ، فرغم ما جرى ويجري لا زلت تبتسمين يا بابل ..!
يقولون يا بابل..وأي اسم في الوجود أحلى من بـــــابــل..؟
يقولون .إن أجمل ابتسامة تلك التي تشق طريقها وسط الدموع ..لقد شاهدتك تبتسمين والدموع حرى على وجنتيك يوم شاهدت الدنيا سقوط بغداد ودراما نهب التاريخ الغريبة ، لم أكن افهم المغزى من ابتسامتك تلك ..لكنني أيقنت بأنك وحدك من كنت تدركين إن بابل اجل وأعظم من أن تسرق…فالتاريخ لا يمكن سرقته أبدا ..!
كانت مديرة المتحف تلطم بيديها على رأسها باكية ناحبة ..لقد أبكت تلك المرأة العراقية الأصيلة كل أهل العراق ذلك اليوم…إلا أنت وحدك من فرحتي …لان بنوك قد بكوك أخيرا …يا ابنة الله… أدركت ُ حينها سر فرحتك وسط كل ما كنت تحيينه من الم .. رأيت الحزن في عينيك والبهجة في نفس الوقت وأنت ترين لأول مرة … شعبا يلطم الخدودعلى فقدك..!!



تحية من نزيف جرح ” العراق ” ابنتك التي أسمتها اُمك سومر ” أوروك ” واعذتيها وذريتها من الشيطان الرجيم ..يا أم عشتار..و مريم…والزهراء ، تحياتي المقدسات كل فجر ٍ متجدد ٍ بنور الشمس التي تنزل ممشطة ً جدائل سنبلك الذهبية ، تحية لشمسك الغاربة في آفاق النوى ، تحية الوصل والفراق والفرحة والدموع التي لا تكففها مسرات الدنيا ، تحية الرقاب التي ترزح تحت نطع الغادرين الذين احتضنتيهم فخانوا واكرمتيهم فعضوا..واويتهم من شمس ” الصحراء” فأبوا إلا أن يسلبوك وينهبوا ، فكنت كأم عامر…التي اخطات عندما ظنت إنها ستغلب طبائع الصحراء…!
تحية من شعب الوفاء يا درة الخير والوفاء ، من بنيك الرازحين تحت حراب المحتل ونيره وغطرسته وجبروته..ومكره و ” خبثه” ..تحية من جبال كوردستان الشم ونخل البصرة الباسقات ، تحية من اهوار جنوبك السخية ، تحية من أميرة التاريخ ، وقبلة الحضارة والوجود بعل داد ( بغداد) ، مدينة بعل مردوخ ، بغداد التي ورثت عنك الحزن والألم…والأنوثة الصاخبة والتمرد…!
بغداد التي لم تزل تذكرك…وتندبك كلما حل يوم الثالث عشر من تشرين الثاني ، يوم أطلقت توراة موسى صيحتها :
سقطت ..سقطت..سقطت بابل…!
وا أسفي عليك يا ربتي..وملهمتي ..امن مثلك يزول يا بابل ..؟
صدقيني…لم يزل الجنس البشري بأسره…يتشاءم من الرقم ” 13″ اليوم الذي غابت فيه شمسك في تشرين ..دون أن يعرفوا لماذا…!!
لم تزل ساعاتهم تحتفظ بالرقم ” 12″ المقدس لديك مع إن أيامهم بأربع وعشرين ساعة…لم تزل أعراف عرسك البهي يجريها كل زوجين في العالم ، لقد أصبحت اليوم ملحمة كلكامش سفيرك في حضارتنا العصرية ، أما بغداد…وما أدراك ما بغداد..؟؟
إنها بعل داد نفسها ، غربت شمسها بعد غروبك مرتين…!
مرة بقيادة ” هولاكو”…وهذه المرة بقيادة ” بوش”..!
كان آخرها في التاسع من نيسان …. أجمل أيامك التي كنت تحتفلين بها ، وكان أهل العراق يومها بين محتفل بفجر جديد…وخائف من مستقبل مجهول ، وبغداد تذكرتك يومها وبكت على فقدك واشتاقت للقاءك بعدما حل بها ما حل بك قبل آلاف السنين..، لم تزل بغداد يا ” اُماه ” جرحا نازفا في قلوبنا ..ولم تزل هي الأخرى يا سيدتي تفجر ابتسامتها وسط الدموع ، وتصفق فرحا رغم ما تعانيه من الم ، بغداد على العهد يا بابل لم تزل تهتف مع إن الأصفاد في أيديها ..والسوط في ظهرها يحكم ُ ولم تزل تتغنى بذكراك منشدة..

هذي دماك ِ على فمي تتكلم ُ…ماذا يقول الشعر ُ إن نطق الدم ُ؟

اعذريني إن لم أجد سوى هذه اللغة كي أحدثك بها…واغفري لي ولعي بدموعك ، فلن تصدقي كم تكوني جميلة حينما تترقرق عينيك بالدموع ويحتفظ محياك بالبهاء والبأس في الوقت نفسه…كلبوة ٍ..غاضبة.. جريحة الكبرياء !
اغفري لي لو أخبرتك ..إنني لا اشتهي تقبيلك إلا حين تغضبين..!
ارحمي يا معبودتي، صبابتي وشوقي عندما أبوح لك ..كم تكوني ساحرة وأنت تستعيضين عن الكلمات برنو عينينك وبريق السنا في محياها ، كم أنت مثيرة وأنت تتغنين بهوى الغريزة السومرية المقدس ، كم أنت فاتنة ورائعة حينما تتمايلين راقصة ” سكرانة ” بخمر تاريخك العتيق..يا شمس الله الغاربة..واثق ٌ أنا من انك عائدة..لتشرقي من ” الغرب ” مكسرة كل نواميس القدر منادية في وادي النسيان :
يا صحاف التاريخ الصفراء والبيضاء..من عرفني فقد عرفني…ومن لم يعرفني..
فانا هي بابل ٌ…اُم التاريخ والقدر.



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- في الطريق الى عقيدة ليبرالية عربية ج1
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- الديمقراطية والحداثة في العالم العربي
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- بابلٌ تتحدث...فلتنصتي لها يا صحراء
- سيد الارض المعظم..ليتقدس اسمك..ليات ملكوتك على الارض ايها ال ...
- حقيقة الدين بين الوحي والفطرة
- الدخول الى فضاء العقل الكوني
- سفينة ٌ تبحث عن مرفأ
- الإعلام العربي.....بين مصداقية الشرف المهني...وطوفان العولمة ...
- نظام اسلامي في العراق.....محطة لابد من المرور عليها
- تناقض مفهوم العقلانية الإسلامي...الديمقراطية والتصحيح
- قناة الجزيرة....عادت تتحرش بالعراق مرة اخرى ؟؟
- ما يجب أن تكون فعلته أمريكا بعد احتلال العراق..إنها الأسرة . ...
- العراق بين ثورتين
- الاستمناء الثقافي العربي..تعريف جديد للارهاب ؟؟
- إقليم ســــومــــــر....بين الإمكان من عدمه ..؟؟


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد مهدي - مرثية ُ بغدادَ لبابل