أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد مهدي - الشرق والغرب .. بين الثقافة والسياسة















المزيد.....



الشرق والغرب .. بين الثقافة والسياسة


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2165 - 2008 / 1 / 19 - 11:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمهيد

يحاول الغرب السيطرة العالم ، إنطلاقاً من الإيمان بالتفوق ، وليس خفياً على أي سياسي في العالم إن الغرب لا يحاول إقامة شراكة موزنة وتعاون موزون مع دول الشرق ودول الشرق الأقصى وروسيا بالتحديد ، ناهيك عن علاقة الهيمنة الراسخة التي تجمعه مع العالم العربي ، و يعتمد الغرب على تفوقه الحالي إقتصادياً وتقنياً والمؤدي إلى التفوق العسكري بصورة طبيعية ، لكن ، هاجس القلق يخيم على العقل الغربي السياسي في رؤية المستقبل وما قد يضطر الغرب إلى تقديم تنازلات لا يحتمل غروره تقبلها خلال العقود القادمة ، قد تدفعه إلى القبول بالشراكة والعلاقة الموزونة مع الشرق !
ومع إن الغرب لا يستطيع لحد الآن تقبل هذه الفكرة ، وسيسعى بما أوتي من قوة ودهاء لمنع صعود أية قوة عالمية في الشرق ، فإن المتابع للسياسة و الإقتصاد العالمي يمكن أن يستشف صورة تعادل مستقبلية في القوة بين الغرب والشرق ، وقد لا تؤدي إلى الصدام الذي بشر به الفكر السياسي الغربي المعاصر بل قد يحدث العكس ، وقد يظهر نظام عالمي جديد متزن ، فالفكر الغربي المؤمن بالصدام الحضاري اليوم وهو نفس الفكر الذي توقع حدوث حرب ٍ عالمية ثالثة مع المنظومة الإشتراكية بقيادة السوفييت إذ بان الحرب الباردة .
الغرب اليوم ، ونتيجة لهذه العقلية ، المؤمنة بالتفوق بعد زوال السوفييت ، والناتجة عن حصيلة تطور تاريخي طويل للفكر الغربي يحاول الترويج لإسطورة الصدام كي يجمع الشعوب في الغرب ويجعلها مستعدة لليوم الأخير الفاصل الذي يتحسب فيه ساعة الصفر لإسقاط الصين كقوة عالمية صاعدة أو أية قوة أخرى ، أو حتى إيمان الإنجيليين الجدد بأن شيئاً ما قد يحدث وتزول قوة الصين كما حدث مع السوفييت ، هذا التنظيـــر الذي يجري اليوم ، بدأ بالإسلام بعد الحادي عشر من سبتمبر في تعبئة الشعوب الغربية ضد ” الإرهاب ” هذا المفهوم الغامض المعبر عن حقيقة القلق الغربي السياسي الذي هو في طريقه إلى أن يصبح حالة شعور جمعي عامة تتميز بها الحضارة الغربية بما نسميه في هذا البحث بظاهرة القلق الحضاري .

مقدمة

بإدعاء مفكري أمريكا و أوربا ، فإن الغرب هو التعبير عن هوية الليبرالية الديمقراطية للشعوب الأوربية الأمريكية ، رغم إن هذه الشعوب ، تختلف بقواسم ثقافية ولغوية كبيرة لكنها تشترك في النظام السياسي و الإقتصادي وطبيعة القوى السياسية المتحكمة التي ” تتقن” آلية الوصول للسلطة بالطرق الديمقراطية ، هذه القوى تجمعها أيضا ً عقيدة السيطرة وقلق المحافظة على القمة و فوبيا السقوط التي بدأت اليوم تتضح ملامحها تدريجيا ً..هذه الملامح من العقلية السياسية الغربية سنتناولها في مقالنا هذا عبر المحاور التالية :

حقيقة الهوية الحضارية الغربية
الدين والدولة في الغرب
القلق الحضاري .. محرك للسياسة
تعبئة الغرب
عين ٌ على الشرق
حقيقة ألازمة
ماذا تعلم الغرب ُ من تجربة اليابان ؟
الغرب والشرق .. إلى أين ؟
فوكوياما وشذوذ الحالة الألمانية في الغرب.

حقيقة الهوية الحضارية
في فترة مبكرة جدا من القرن العشرين كانت تسود الأوساط السياسية في الغرب إن الغرب مقبل ٌ على النهاية ، لتظهر من ثم ، عناوين كثيرة لمفكرين و أدباء غربيين مثل “تدهور الغرب” و ” سقوط الحضارة” وغيرها من الأفكار والرؤى التي كانت مشحونة بالمخاوف التي يطلقها الاقتصاديون والسياسيون من أن أوربا مقبلة على فقدان قبضتها على العالم ، وبالفعل ، تراجع نفوذ أوربا دوليا والتي كانت تمثل القوة الأساسية لما نسميه اليوم بالغرب مطلع القرن العشرين، لكن ظهور أمريكا كقوة عالمية وكذلك الإتحاد السوفييتي جعل من أوربا ساحة للصراع الإيديولوجي بين القطبين فتحولت الأخيرة إلى شرقية وغربية .
تدهور الغرب .. وكاد أن يصل إلى تدمير نفسه كليا ً بعد الحرب العالمية الثانية لولا تسابق الأمريكان والسوفييت عليه ، ليتحول المعسكر الأمريكي إلى “غرب” والمعسكر السوفييتي إلى ” شرق” ، بمعنى ، كانت هناك وعلى مسرح التاريخ جولة ٌ أخرى إضافية في هذه المعادلة … معادلة التدمير الذاتي للغرب ( أن يدمر الغرب نفسه بنفسه) !
فبعد الذي إعتبره الغرب إنتصارا ً بزوال الإتحاد السوفييتي و إنتهاء الحرب الباردة إنطلقت أمريكا لتقود هذا الغرب اليوم لنشر الديمقراطية ، ولكن هل لا يزال الغرب يعاني من عقدته القديمة … قلق النهاية .. والبحث عن عدو ؟
كما يذهب أحد المفكرين الأميركان (جان دانييل) إن الإمبراطوريات تصنع أعدائها لكي تحافظ على توترها، وهو برأيه أمر ضروري كي لا تسترخي إذا ما لاحظت أنه لم يبق سوى الفراغ أمامها.(1)
وما حقيقة أن يعتبر الغرب نفسه غربا ً بأقلام مفكريه مثل برنار لويس ، و فوكوياما و هنتغتون فيما يصر هؤلاء على عدم تسمية الشرق بالشرق بل يعمدون إلى قراءته مفككا إلى ” حضارات” متناقضة متضادة إلا حالة من ” إسقاط الشخصية” ولكن بنمط وعي جمعي حضاراتي ..!
الغرب غرب .. أما الشرق ُ فهو أجزاء ..!
الغرب يقنع نفسه بأنه متحد .. قوي .. فيما الشرق مفكك منقسم على نفسه ، ولن يكتفي بهذا ، بل يعمل الغرب على تفكيك الشرق وتحويله إلى ساحة ٍ للصراع لتدمير العمق الذي حرص الشرق على المحافظة عليه عبر التأريخ ، إنه يريد من الشرق أن يعيش في حقبة التفكك التي جعلت الغرب يعيش كل صراعاته الماضية قبل أن يسقط في حضيض ” التفسخ ” الكامل بالمقياس الشرقي ، والتحرر ” الليبرالي” بالمقياس الغربي ، ليصبح نسخاً مكررة عن الغرب ليس إلا ، نسخاً تابعة وليست منافسة ، حسبما تقتضيه المصلحة الغربية العليا !
يقول صموئيل هنتغتون في كتابه ” صدام الحضارات” :
ليس هناك أصدقاء حقيقيون بدون وجود أعداء حقيقيين ، فنحن مالم نكره الآخرين لن نستطيع أن نحب أنفسنا ..! (2)

هذا المفكر العملاق والمؤثر على الذهنية السياسية في الغرب ، هو من اشد المهووسين بفوبيا النهاية القائمة على الصدام كمبدأ في السياسة التي يوصي بها مراكز صنع القرار الغربية ” ضمناً ” في كتبه ، وهو أشد الأكاديميين الذين خرجوا عن الموضوعية في التاريخ كي يوهم الوعي الجمعي الغربي من إن الشرق لا يؤمن بالسلام ولا يمكن التعامل معه إلا على إنه ند أو عدو وكذلك بين مثل الكثيرين من إن الغرب واحد ، لا يتكون من أجزاء قومية ولغات ولهجات مختلفة .
فصل هنتغتون في كتابه (صدام الحضارات) الارثوذوكس المسيحي ( الروسي الصربي الشرقي ) عن الغرب .. فيما وحد الكاثوليكية والبروتستانتية المبطنة بالليبرالية والعقيدة الديمقراطية الرأسمالية التي يقودها عرق الإنكلوسكسون بمسمى الغرب ، جمع كل هذه التصنيفات في كلمة واحدة بسيطة.. الغرب !
ولكي يتم عملية الجمع لجأ إلى أسلوب العودة للحقائق البشرية الأساسية الأولية ، أن يتحد الغرب فيما يكره ويحب ، يتحد لمواجهة عدو واحد !
لكي نحب وجب علينا أن نكره ، ولكي يكون لنا أصدقاء يجب أن ” نخلق ” أعداء ، وفي الحقيقة فهذه هي حالة القلق الحضاري التي يعيشها الغرب مع نفسه ، وهي الحافظ لإتحاده المؤقت حتى الآن ، فالفكر الغربي فكر يميل إلى الحسية وترفيه الجسد والغرائز بالمقام الأول ويبني عقيدته ويؤسس حضارته ” الفردانية ” بهذا الإتجاه الذي تسميه الحضارة الغربية بالليبرالية أو التحررية الفردية، فهو لا يعيش الوعي السامي الذي يعيشه الشرق ( كما يراه الشرق سموا ً ويراه الغرب تشدداً) وإنما يهبط إلى مستوى الوعي الغرائزي ( دون البشري كما يراه الشرق والإنساني كما يراه الغرب) لتحديد نمط علاقته مع الآخر ، كيف نحب مالم نكره ؟ يجب أن نطلق العنان لكل المشاعر البيضاء والسوداء .. كي نكون آدميين .. بمقياس حضاري غربي !
عبارات قد تبدو طبيعية لأول وهلة لكنها تنطوي على نزعة تبريرية للعدوان و الإستعمار ، تبرير للخوف والقلق الحضاري الغربي وكذلك ” العداء ” الأعمى تجاه المسلمين والصينيين والقيم والثقافات الشرقية بما فيها المسيحية الشرقية، فالغرب .. كثقافة وعي جمعي عامة .. يعتقد إن مشاعر الكره والحب والعدوان والألفة هي الحقائق القديمة التي يدعو هنتغتون بالعودة إليها ، الكامن الغريزي الفرداني الحسي ، العودة إلى الغاب ، ليبرالية وتحرر الغاب ( بعين الشرق) ، ولا أدري بعد ذلك أي ُ ليبرالية يتنادى بها ليبراليونا العرب اليوم غير هذه المصنعة في أمريكا ومستوردة خصيصا للشرق الأوسط لأجل إسقاطه في دائرة الغرب ؟

هوية الحضارة الحقيقية .. الدين والدولة
يرى كـــيانير شاليغ ، من المعهد الديمقراطي الإسرائيلي ، بأن فهم الغرب للديمقراطية يكون على أساس إن الأخيرة هي المكون الأساسي لهوية الغرب إضافة للفكر التحرري الفرداني المعروف بإســــم ( الليبرالية ) ، إذن فالديمقراطية تبيح تسمية العالم كله بالغرب مادام يطبق الديمقراطية والليبرالية هي الإطار العام للدستور والقانون فيه ، هذا كله يعني وحسب الرؤية الغربية( والرأي لا يزال لشاليغ) إن الغرب بفصله للدين عن الدولة كان من المفروض أن لا تشير أغلب ” أعلامه” الوطنية للدين لتتخذ من الصليب رمزاً وطنيا ً لا يمثل التاريخ الوطني في حقيقته وإنما يمثل الدين مثل بريطانيا و الدانمارك والسويد ، ولذا فإن دول الغرب لم تفصل الدين عملياً عن الدولة وإنما جعلت الدولة مسيطرة على الدين بدلا من سيطرة الدين عليها كحال البلدان الإسلامية ، هذه السيطرة تدخل دائرة صراع ٍ طويل يشير خطه الصاعد في أمريكا مثلا إن الدين ربما سيسيطر على الدولة في يوم ٍ ما ، حيث أصبح الدين دعاية للحملات الانتخابية !
هناك إذن ما وراء الأكمة ما خفي ، الغرب ليس غرباً بالمعنى الديمقراطي الليبرالي المعلن ، الغرب غرب ٌ بما في الكلمة من معنى جغرافي – إجتماعي يتضمن البعد الثقافي التاريخي لمجموعة من الشعوب وحدتها الديمقراطية والليبرالية على أساس المسيحية التي وحدتها و أعادت تصنيف هذه الشعوب بعد زوال سلطتها الدينية إذ بان النهضة التي أنجبت مفهوم ” الإستعمار” ووحدت أوربا و أمريكا بعقيدة التفوق ونزعة السيطرة والبقاء أطول مدة ممكنة للمحافظة على هذه السيطرة ، فكانت الديمقراطية والليبرالية هي السمة الخاصة التي نمق بها الإستعمار بزته الحربية ، لذا فإن الخط التصاعدي لعودة ” الدين” إلى واجهة السياسية ” الغربية” يشير إلى وجود قلق ٍ خفي بسبب عودة الدين إلى الشرق بقوة ، حتى إسرائيل، التي أحياها الغرب من مقابر التاريخ ، كانت تحدٍ كبير لليبرالية الغربية لكونها دولة قامت على تباينات لغوية و إجتماعية وحدها ” السبت ” الذي حافظ على اليهود أكثر مما هم حافظوا عليه ، وإسرائيل بحد ذاتها التي يحاول الغرب إضفاء رداء ” الغربية” عليها هي وضمن دائرة إدراك لحقيقة الدين في إسرائيل ترسم صورتها كأمة ٍ شرقية بطراز ٍ ثقافي خاص يتصل بحبل ٍ سري مع ” الغرب” لكن مصيره الانفصال ..!
وعندما تنفصل إسرائيل عن الغرب ، وتعلن نفسها أمة ً شرقية ” محافظة” تكون أوربا و أمريكا قد وقعت في مرحلة ” التراجع” الحضاري في خط الحركة التأريخية ، وسبق أن مرت الحضارة الإسلامية ” كمثال” بهذه المراحل ، فهي أمم ٌ مفككة مثل أوربا وحدتها الرسالة الإسلامية التي حمل راياتها العرب بداية العهد الإسلامي ، ثم الفرس و الأتراك فيما بعد، كذلك المسيحية وحدت أوربا وبعد حمل الرومان لرسالتها قام الجرمان و الإنكلوسكسون بنهضة الإصلاح الديني ، ومثلما إنهارت الخلافة الإسلامية لتعود دويلاتها الجزئية إلى ” تاريخها ” الوطني صانعة لنمط ثقافي وطني-إسلامي خاص بكل منها، بدأ الغرب بعد تصاعد الوعي الديني الذي لا يزال في بدايته بالعودة إلى ما قبل الليبرالية ، وقريبا ً سيتفكك هذا التراص الذي حاول ” القلق” الحضاري الغربي بالتغلب عليه عبر ” الوحدة الأوربية” التي صدمت العالم كله بحقيقة الخلافات الجوهرية الكبيرة بين شعوب ” الغرب ” التي فضحت الخلاف الجوهري بين الثقافات ، وبينت في الوقت نفسه إن هناك شيء ٌ آخر لا نفهمه هو الذي وحد الحكومات ، خصوصا بعد رفض الفرنسيين للدستور الأوربي الموحد ..!
هناك ” قلقٌ” مشترك بين ساسة ما يسمى بالغرب فقط ، وليس بين الشعوب ، وبزوال نظم هؤلاء الساسة ، لن يعود الغرب غرباً أبدا ..
إذن فالغرب ليس مجرد ديمقراطية وليبرالية ، الغرب اكبر من ذلك بكثير ، دائرة الهوية أوسع مما نتخيل ” للشعوب ” الغربية المتعددة التي يعتز كل ٌ منها بتفرده وتميزه عن الباقين وقيام مراكز صنع القرار الغربي بتغييب هذه الحقيقة عن الأذهان لفترة طويلة يكشف عن مدى ” القلق الحضاري” والخوف الذي يعانيه السياسيون الذين جمعتهم المصالح .
وبالتحديد فإن مصلحة السيطرة والمحافظة على القمة هي ” الهوية الحضارية” الحقيقية لحكومات أوربا و أمريكا التي يقودها الإنكلوسكسون .. والتي يمكن أن نطلق عليها تسمية ” الغرب ” من الآن فصاعداً .

قلق الحضارة .. محرك سياسة الغرب

يرى الكثير من علماء النفس ، إن القلق أساس الإرتقاء العقلي وإن غالبية الناجحين في العالم كانت تتملكهم دوافع من ” القلق” المكبوت ( اللاشعوري) أو المعلن قبل أن يصبحوا أسماء لامعة ً في التأريخ ..
وإننا هنا لسنا بصدد الخوض في علم النفس لتحليل هذه الظاهرة ، ولكن سنحاول إستشفاف ظاهرة مماثلة في ” الإنثروبولوجيا ” الخاصة بالإطار المنظومي العام للفكر الغربي الأمريكي – الأوربي ، هذا الفكر الذي توحي حركته على مسرح التأريخ بأنه يعاني نوعا ً من حالة ٍ أسميناها : قلق الحضارة .. وربما ساعدت هذه العملية الفكرية-التأريخية التي تحدث بهدوء وبطئ في الوعي الجمعي الغربي على الإرتقاء والتقدم بعد الحرب العالمية الثانية وقيام النظام العالمي ثنائي القطب ، حيث لعب السوفييت دور القطب مصدر القلق للغرب ، إلا إن ما حدث بعد إنفراد الولايات بالعالم وتعاظم تخوفاتها من إفتراض وجود دول ٍ مارقة وأخرى محور للشر ورؤية الغرب لسيناريوهات محتملة للحرب العالمية الثالثة خصوصا ما طرحه هنتغتون في صدام الحضارات ، ومن خلال متابعة التطور التاريخي لهذه الحالة نجد إن هذا القلق تحول إلى ” فوبيا النهاية ” حيث بات الغرب اليوم مريضا ً بحالة متطورة عن هذا القلق بالشعور بقرب النهاية .. وضياع الحضارة الغربية ، فما حسبه الغرب انتصارا على السوفييت أول الأمر إعتبره ” المخططون ” للسياسة الخارجية الأمريكية إنتصارا للإسلام الذي وضع الغرب بدل الشيوعية أمامه لتصفية الحساب ..!
الغرب كان لا يرى الخطر الإسلامي قبل السوفييت وكان مطمئنا لصراع الإسلام مع الشيوعية و إنهيار الشيوعية المفاجئ ( بشهادة مفكري وسياسيي الغرب ) أدى إلى إضطراب ٍ كبير في سياسته تجاه العالم كله التي أضطر إلى تغييرها مئة وثمانين درجة بعد الحادي عشر من أيلول ، وبدأ القلق يتحول إلى فوبيا النهاية والشعور بالخطر القادم من أقصى الشرق ، لكن أمم الغرب لا ترى هذا الخطر في الصين وكوريا ؟
لذا ، كان لابد من “خلق” صورة قابلة للتصديق عن هذا الخطر ، وهو :
الإسلام !

تعبئة الغرب ..

كان سابقا ً قد حدث لألمانيا النازية تعمية الشعور القومي بوجود الخطر اليهودي الدولي لإعلان الثورة العالمية خصوصا ً بعد الإعلان عن تشكيل نادي فاندر بيرغ في العام 1934 قبل وصول هتلر والنازية للسلطة ، وهو نادي تأسس بسرية على وقع التوجه الأورو- أمريكي لإنشاء ما سمي بــــ”الحكومة العالمية ” ، هذه النظرية ، ومع إنها كانت مجرد فكرة ، روج لها الرايخ الثالث بعد وصوله للسلطة بالإنتخاب الديمقراطي كي يوهم الألمان بالخطر اليهودي، إذ كان لابد ومن أجل أن يقود الألمان نحو قيادة العالم من “خلق” نوع من ” القلق ” الأممي الذي يتساوق مع الشعور بالتفوق العرقي الذي حول الألمان كأمة ٍ إلى تتار العالم الديمقراطي المتحضر ، وهو نفس الذي يكرره الساسة في الغرب لتوحيد شعوبهم بالسيطرة على العالم عن طريق الخوف من الإسلام وهو خوف بلا معنى والإسلام اليوم اضعف من أن يـُـخشى منه !
بقي الكثير من الباحثين والمفكرين في الغرب في حيرة مما أسموه ” الظاهرة ” الألمانية ، أي الديمقراطية النقية التي أنتجت الشر الشمولي الإمبراطوري ، فقد إعتبرها ” فوكوياما ” مثلا في (نهاية التأريخ والإنسان الأخير) مجرد حالة شاذة وفريدة تسببت بها الديمقراطية .. فهو قد إعتبر من الديمقراطية نموذجا ً كماليا ونهائيا لنظام الحكم السياسي في العالم ، ولذا والحال هذه ، لابد من أن يبرر ” الإستثناء” أو ما يراه هو كذلك في الحالة الألمانية التي لا يجرؤ أحد ٌ من الغربيين تفسيرها ولا حتى مقارنتها بالحالة ” الأمريكية ” المعاصرة ، فتفسير الأولى بات مقرونا ً بتفسير هذه وكلاهما تقودانا إلى ” فوبيا النهاية الغربية ” فبدلا ً من اليهود المجرمين الذين يرومون تدمير الحضارة كما رآهم الرايخ الثالث يرى المحافظون الجدد الإسلام .. والمسلمين ، ولجوء فوكوياما إلى نحت كلمة ” نهاية ” إنما يشير إلى هذه الحالة من “الفوبيا” لا شعوريا ، فالحالة الألمانية كما يبدو ليست الإستثناء ، وإنما هي الحالة المتطورة عن حالة ٍ أساسية تعيشها الحضارة الغربية منذ فجر نهضتها الصناعية ذات جذور متأصلة في صليبية أوربا التي كانت في صراع ٍ مع الإسلام ، وهي تتعلق بمسار التطور الفكري للفكر الغربي منذ العصر الكلاسيكي للثقافة الغربية مرورا بالفترة الرومانتيكية الطبيعية ، وسنناقش هذا المسار في معرض قراءة في كتاب نيسيت ( جفرافية الفكر ) لاحقاً .
هذه الحالة من القلق الحضاري التأريخي وإذا ما واتتها ظروف ٌ ما تتطور فجأة في أمة ٍ من الأمم كألمانيا والولايات المتحدة لتتحول إلى فوبيا أو ” رهاب ” أممي يؤدي إلى تفجر نزعة هجومية ” إستباقية ” للسيطرة على وتدمير أي عدو محتمل .. والدليل أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة في العراق وملف كوريا وإيران النووي .
تحت عنوان (الطفل المسلم قنبلة موقوتة ) يقول ت. س. إليوت في كتابه ” الإسلام فوبيا ” :
“إن الغرب سينتهي ليس بانفجار بل بنشيج ، لعله نشيج طفل مسلم في مهده” .

فالخوف من الإسلام ليس خوفا ً حقيقيا ً يستند إلى معطيات موضوعية ، الإسلام والمسلمون اليوم لا يمتلكون تكنولوجيا النهضة ولا علوم هذه التكنولوجيا ، المسلمون أعجز من أن يأتوا بذلك ، وحتى إيران و الباكستان ، هناك من يقف وراء “بعض” التقدم فيها لإعادة ترتيب أوراق اللعبة بين المعسكر الشرقي الروسي الصيني والمعسكر الغربي الأوروامريكي ، لكن ، وعلى مستوى المعارف والعلوم النظرية فإن الشرق كله سواء في اليابان أو الصين أو البلاد الإسلامية عاجز ٌ عن التوصل إلى مجرد نظرية مثل نظرية الخيوط الفائقة في الفيزياء ..!
و فوبيا الغرب تجاه الإسلام ما هي إلا محاولة لا شعورية من الفكر المسيحي الكاثوليكي البروتستنتي الذي يقوده عرق الإنكلوسكسون لتوحيد هذا النمط من الثقافة بمسمى الغرب تجاه أعداء آخرين أشد فتكا و أعلى كعبا في العقود المقبلة.. ألا وهي الصين ( الكونفوشيوسية كما أسماها هنتغتون )وروسيا (الأرثوذوكسية كما أسماها نفس المفكر)، وهذا ، فيما يبدو ، ما شعر به الروس والصينيون ، خصوصا روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذي أصر على عدم نشر الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ العابرة للقارات في دول الغرب السوفييتي القديمة ، دول أوربا الشرقية .

القلق الغربي ..وعين ٌ على الشرق

عند مطالعة رؤى الباحثين والمستشرقين الغربيين في السياسة وأحوال الثقافات والدين والحياة الإجتماعية للشرق الأوسط والشرق الأقصى والأدنى ، يستشعر القارئ ومنذ الوهلة الأولى أفق ” التفوق الحضاري” الذي ينطلق منه هؤلاء المفكرين والباحثين في تعاملهم مع القضايا الشرقية وحتى حكمهم على أحداث ٍ تأريخية لم يعاصروها ، وربما يكون من الإنصاف أن نقول إن القوم في عصر ِ تفوقهم .. ومن البديهي أن نستشعر ذلك كما كانت عليه كتابات بن خلدون في مقدمته و مؤلفات المتكلمين أو رؤى الرازي وبن رشد والغزالي وبن سينا وذلك الشعور الذي يدخل في نفـــــس القــــــارئ وجـود نبرة ” تفوق” حازته الحضارة الإسلامية في تلك القرون ، رغم هذا ، لا يجب أن يفوت علينا ما يمكن أن يجره هذا الشعور من وقوع في شرك ” العـُـجب” الذي ربما يقود المفكرين والباحثين إلى رؤية الآخر عبر ثقب ” حضاري” معين دون محاولة الحكم على هذا الآخر من خلال معايشة تجربته الخاصة بصدق .. في إطاره الحضاري ” الآخر” المختلف !
على سبيل المثال ، هاهو ” باتريك سميث ” في كتابه ( اليابان , رؤية ٌ جديدة) يجيد تصوير ” منطقة الفراغ” التي لم يستطع الإستشراق الغربي رؤيتها بين صورتين حكم عليها المستشرقون من قبل :
الصورة الأولى : اليابان القديمة ، يابان الساموراي وحدائق الزن ..
الصورة الثانية : اليابان الجديدة ، حيث الكفاءة العالية في الإنتاج و التكنولوجيا المتطورة ..(3)
لقد أجاد سميث وعبر حياته الطويلة في اليابان و ما شابها من عمل و إختلاط ٍ باليابانيين من تصوير ما رآه بعدا ً ثالثا يضاف إلى هذه الصورة ذات الوجهين عن الماضي والحاضر ، هذا البعد الجديد يتمثل عنده بالحياة الإجتماعية الخاصة التي يعيشها الياباني ، كان التصوير رائعا ً ومتجردا ربما بما يفوق طاقة السيد سميث العادية ، ولكن ، يبقى السيد باتريك سميث مهما عاش في اليابان غربيا ً ، وتبقى رؤيته لليابان عبر ثقب ” الفردانية ” الغربية ، فهو يحاول تصوير اليابان بما يستطيع من قدرة وما يمتلك من ” أداة” فكرية ومقاييس ذهنية زودته بها حضارته ما جعلته ربما يرى اليابان في كتابه قياسا ً للباقين الذين نظروا عبر الثقب ، ربما كمن يقف على نافذة يرى من خلالها فضاءاً أرحب للمجتمع الياباني ، مع ذلك ، بقي سميث يرى اليابان من زاوية نظر عالية جدا ً … فهو يستعمل عينين زودتهما به الحضارة (الغربية) للرؤية مثل أي مفكر يشعر بأنه ينتمي إلى فكر وحضارة أخرى خصوصا وإن هذه الحضارة ترى نفسها متفوقة ، فهو يرى إن اليابانيين رغم كل نجاحهم تعساء .. !
ويحاول أن يقيس هذا بما يتمتع الفرد العادي في الغرب من حرية تعبير ومشاركة في صنع الحياة السياسية للبلاد مقارنة مع الفرد الياباني الذي يصوره سميث وكأنه ” نائم” ولا يشعر بوجوده الفردي ، فالياباني بهذه النافذة مسير ولا يمتلك من الخيارات في حياته إلا القليل قياسا بالفرد في الغرب ، وبالتالي فالحكم الصادر على الأفراد في اليابان بالمقاييس الغربية بأن اليابانيين أناس ٌ تعساء .. دون أن يشعروا بذلك ؟
ولعلنا نصل إلى الفارق بين هذه الرؤية ” السلبية” المتعسفة بما يتعلق باليابان وبين الرؤية التي يرى بها الغرب الشرق الأوسط وعالمنا العربي بالتحديد ، فالعرب تعساء يشعرون بهذه التعاسة ، لكن ، أن يكون الفرد الياباني .. والشعب الياباني برمته منوم مغناطيسيا ً بهوس التكنولوجيا و الإندفاع لتحقيق الذات بإسم ” اليابان ” في طريق تعاسة أبدية .. وأزمة حقيقية تحتاج من الباحثين والمفكرين ومن ثم السياسيين في الغرب من إيجاد حلول لها ، فهذا شيء ٌ عجاب !
ثم ، أليس غريبا ً أن يكون ” واجب ” الغرب , كما كتب هو على نفسه , حل مشاكل الشرق؟
إن هذا يستدعي منا أن نرفع إشارة ً مرورية حمراء بوجه هذه الرؤية التي تكاد أن تكون مهيمنة ومسيطرة على ذهنية مراكز صنع القرار في الغرب ..!
من .. يحل قضايا من .. ؟ ولماذا ؟
نعم .. لنوقف الغرب لحظة تقف فيها عقارب الساعة ، وليستريح الزمان لبرهة ، ولنعيد القراءة خارج إطار الزمان والمكان لكي نعلن للذهنية الغربية دعوة التجرد من هذه ” المقاييس الحضارية ” الخاصة التي يشاهد الغرب بها الأشياء والعالم حوله .. إنها مجرد دعوة للتجرد في القياس وإصدار الأحكام لا أكثر !

فالغرب يرى اليابان والصين والشرق كله يعيش في أزمة حقيقية بسبب العلاقة بين الفرد والمجتمع ، بين الإنتماء والواجب الإجتماعي من جانب وبين الفرد و”أناه” الواعية أو عالمه الداخلي من جانب ٍ آخر ، أي الصراع بين إستقلالية الفرد والعائلة الممتدة الكبرى التي تسمى ” المجتمع ” .. هذا الصراع الذي لم تستطع التكنولوجيا والنظم والضغوط الغربية في الشرق والشرق الأوسط لا في عصر الحداثة ولا الذي بعده بالنسبة للشرق الأوسط أو الأدنى ولا في العصر الميجي ، عصر النهضة الصناعية اليابانية الذي بدأ حوالي 1868 م ، أي قبل الإحتلال الأمريكي لليابان عام 1945 ، لم تستطع نظم الغرب من تطويق و إحتواء التغاير والتمايز الطارئ في المجتمعات الشرقية التي سارت بطريق لم يعجب أميركا والغرب ، وعلى الرغم من صعوبة التشبيه بين شرقنا الأوسط واليابان ، إلا إن الصورة تكاد أن تكون واحدة من حيث الصراع بين “الأنا” و إستقلال الفرد من جهة وبين الموروث التأريخي للإسلام من جهة أخرى ، لا بما يمثله هذا الإسلام من دين ٍ في ظاهر الوعي الفردي لدى المسلمين والعرب خاصة وإنما بما يمثله لا شعوريا من عمق للهوية ” الحضارية ” المفقودة للإسلام … الإطار العام للشعور الفردي الشرق أوسطي بالكمال وحقيقة الوجود الذاتي الذي ينحت الشخصية العربية عامة والشرق أوسطية خاصة !
والسؤال الذي نريد أن نطرحه على الغرب في ظل هذه الوقفة التي لا يجري فيها الزمن وتختفي بها كل ملامح التأريخ :
لماذا يرى الغرب إن أهل الشرق في أزمة وفي صراع بين ” أنا” الفرد الواعية وبين ” النظام الجمعي” الموروث ؟
هل الغرب ينطلق بهذا ” القلق” من دوافع ” مجردة” محضة إنسانية ، ومنذ متى كان الغرب كذلك ؟
الغرب في حقيقة الأمر هو الذي يعيش في أزمة ، وتتمثل بالرؤية للعالم عبر ثقب الفردانية ذات الجذور اليونانية الرومانية المصطبغة حاليا بالنزعة المتطورة عن هذه الفردانية وهي ” الأنانية” الأمريكية ذات العقيدة الديمقراطية .. الخاصة جدا.. والعراق هو الدليل ..
فالغرب يعتبر الذوبان في ” الجماعة” إلى حد التماهي مشكلة كبيرة وعقدة لابد من حلها ، فهناك هواجس لا شعورية بالذعر من هذه العقدة ، لأنه يدرك إن الغرب مهما بلغت قوته فلن يكون سيدا على العالم مادام هناك نوع ٌ من البشر يتفوق عليه جمعيا ً (4)، فالغرب يرى الشرق كله شرق ٌ بما هو شرق ، ولذا فإن الوعي الظاهري الغربي كان يعيش بعد الحادي عشر من سبتمبر مغامرة ً لحل ” العقدة” الشرقية ، ما يعني إنه وفي باطن وعيه كان يشعر بأن هناك َ شيء ٌ ما مختلف ٌ في الشرق .. يقلقه ويخاف منه دون أن يشعر ، وهو ” الواعية الجمعية” المؤثرة في المجتمعات الشرقية كثيرا ً والتي تكون قادرة على تعبئته ليتحول إلى قوة كونية ما أن تواتيها الظروف ، وقد عبر الغرب عن هذا الخوف بمحاربته لما يسموه ” الفاشية” و ” الدكتاتورية” و” النظم الشمولية ” ، وقد تأتى إليه ذلك عبر تجربة سياسات حكوماته الطويلة في الشرق الأوسط خصوصا فعلى الرغم من تفوقه الكبير الهائل تكنولوجيا وسياسيا و إقتصاديا وعسكريا ، هناك قلق ٌ باطني يقض مضاجع الفكر الغربي والذهنية المهيمنة على مراكز صنع القرار فيه ، فربما الغرب لا يشعر بهذا الخوف ظاهريا ً وكذلك نحن ، ربما لا نشعر بهذا حينما نقرأ لكتابات مفكريه إلا إن ذلك أصبح لدينا واضحا ً جدا ً ونحن قد خضنا كل هذه المحن من معايشة التجربة في داخل بلاد النهرين مع الديمقراطية ( التفكيكية) التي طبقتها أمريكا في العراق .. !
حيث الكثير من المثقفين في العراق قد إنبروا في الفترة التي تلت سقوط حكومة صدام حسين في نيسان 2003 مدافعين عن ” الحرية” والديمقراطية القادمة للعراق ولو على متون البارجات وقاذفات البي ففتي تو B52 ، فالفاشية والشمولية شيء مقيت ، ولا يزال الكثير من هؤلاء ” الدعاة” لليبرالية الغربية والتحديث منكبين على مواقفهم بين من تأخذه العزة ُ بالإثم في داخل العراق أو بين من لم يزل مغمضا ً عينيه عن حقيقة ما يجري في العراق لأسباب لعل أكثرها منطقية .. إنه لم ير َ العراق منذ سنوات .. ويعتمد في قراءة ما يجري على ما يسمع أو من خلال من ينقلون له الصورة بالنيابة .
كنا لا نعارض أي نوع من الديمقراطية التي تأتي بها الأساطيل أو ” البساطيل” مادامت ستجعل من العراق كاليابان ، ولم نكن ندرك إن الغرب وأمريكا بالتحديد التي تدعي إنها صنعت اليابان غير راضية عن اليابان الحديثة ( التي صنعتها) ، تلك المشكلة التي حلتها بمشكلة أخرى جعلت من اليابان عقدة تقلق أمريكا والغرب كله باطنيا في سياسات حكوماته الخفية .. ، لم نكن لندرك هذا ولنعيش من ثم أمر َّ تجربة ٍ عاشتها أمة ٌ مطلع القرن الحادي والعشرين ، فبعد تدمير البنية التحتية للدولة ، وهو مالم تفعله أمريكا في اليابان إذ بان إحتلالها ، وبعد الوصول إلى المرحلة التي دمرت فيها المؤسسة التي تسمى ” دولة العراق” بالكامل ، بدأت المرحلة التالية بالعمل الممنهج بين الإحتلال ودول الجوار جميعا لتدمير ” الوعي” والثقافة الإنسانية لهذا الفرد وإكمال مسخ هويته الحضارية والوطنية التي بدأتها حكوماته غير المسئولة ليكملها القدر ، وعلى ما يبدو لا يزال الإحتلال يأمل في الوصول بالعراقيين الذين تفرقوا قددا إلى حد إنقطاع النفس السياسي وخروج الروح العقائدية المهيمنة عليه بالكامل ، الغرب نادم ٌ لأنه لم يتمكن من تطويع اليابان وجعلها راعية لمصالحه بل ومدافعه عنه في أقصى الشرق تجاه الأخطار الكورية والصينية المحدقة بآفاق المستقبل ، هذا الدور الذي يريد الغرب أن يسنده للعراق الجديد الذي كان يتلفظ به بول بريمر بالعربية ” مبروك إراك جديد ” أيام وجوده في العراق ، ربما يعيش الغرب ذات المشكلة مع العراق الجديد الذي لن يصبح كما أرادوا فيما يبدو ، حتى لو عمدوا إلى تقسيمه ، ربما لن يحل ذلك المشكلة ، لكون ساسة الغرب إكتشفوا أخيرا ً إن إزالة صدام كانت مشكلة كبيرة بحد ذاتها .. أكبر مما تصوروه .

حقيقة الأزمة

مع إننا نشهد بأم أعيينا كيف يتم نحـــرُ أمة ٍ ووطن ، إلا إننا ورغم ذلك ، في هذا الموضع من الحديث لن نطيل الكلام بعد فقد قررنا أن التاريخ قد ركد وأصبحنا متجردين خارج الزمان والمكان وسنكمل ما بدأناه في تحليل حقيقة الأزمة .. هل هي مع الغرب .. أم إن الغرب هو الذي يعيش مع الشرق أزمة ؟
المشكلة الحقيقية ليست في العراق ، أو الديمقراطية في الشرق وإنما في الغرب الذي يرتعش خوفا ً من الشرق ، هذا الخوف الذي عبر عنه مفكر المحافظين الجدد في أمريكا فوكوياما في كتابه الصادر في العام 1991 ( نهاية التأريخ .. والإنسان الأخير ) (5) فعلى الرغم من إن ظاهر العقل الغربي يطغى عليه الشعور بالمغامرة ونشوتها وهو يخوض معاركه لتحرير الشرق إلا إن باطنه مرعوب ٌ خائف ٌ من إتساع البناء الإجتماعي – السياسي في أقصى الشرق في اليابان وكوريا والصين من أن يمتد ليشمل الشرق الأوسط في الوقت نفسه الذي يخشى فيه تعاظم نمو الشرق بنسقه الياباني والصيني ما يشكل بحد ذاته تهديدا ً للغرب كله بسبب النافذة التي يرى من خلالها الآخر .. فالآخر لابد أن يفكر بما يفكر هو به .. الإستعلاء والسيطرة .. الغرب في أزمة قيمية مع نفسه فكيف مع الآخر ..؟
ففي نهاية التأريخ التي طرحها فوكوياما قبل خمسة عشر عاما ً كان يرى إن الديمقراطية مع كل ما جلبته للغرب من تفوق وتميز إلا إنها تحمل بين جوانحها شيئا ً خطيرا ً ومرعبا ً .. وهو الشعور العالي بالفردانية لدى الشعوب المتمدنة في الغرب ما يجعلها تكره الحروب وتنفر منها بصورة يصعب السيطرة عليها ، حيث يميل الناس للعزلة عن بعضهم وهو ما يجعلهم ينفرون من مفاهيم الحرب التي تتطلب التكتل والتوحد ، على العكس من شعوب الشرق التي لديها المؤهلات ” الجمعية” و الإستعداد للحرب حتى لو لم تكن تمتلك قوات وجيوش ، ففوكوياما وسواه يرون إن نموذج المجتمع الإستهلاكي لا يميل للحرب إلا إذا حدث طارئ أو محنة داهمة تعصف بشعب من الشعوب من الممكن أن تعيد صياغة ذهنيته الفردانية إلى ذهنية جمعية من جديد ولو مؤقتا لترص صفوف إجتماعيته إستعدادا ً للحرب ، خصوصا ً وقد سبقنا في الإشارة إلى ” النازية ” التي وحدت وجمعت الألمان تجاه الخطر اليهودي العالمي ، تعود ديمقراطية ” النهاية” لتوحيد الشعب الأمريكي والأوربي ضد الإرهاب الإسلامي بعد أن عبأت النازية شعبها ضد ” الكيد” والخبث اليهودي في العالم .. والذي لم يكن حقيقيا ً أيضا ً !
واليوم وبغض النظر عن الأسباب التي سببت الحادي عشر من سبتمبر ومن يقف ورائها ، هل إن المخاوف والقلق الغربي تلاشى أم هي تكرست بصورة أكبر .. ؟
ربما أيقض أؤلئك المفكرون روح الخوف بصورة اكبر من بواطن العمق اللاواعي للشعوب الغربية التي باتت اليوم بعد تلك الأحداث تدرك بوعيها الذاتي الظاهري بصورة أكبر وجود خطر قادم من الأصولية والفاشية في الشرق وليس الإسلام وحده ، أما الحكومات الغربية فهي ماضية على ما يبدو في طريقها الذي رسمته لنفسها بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ألا وهو الجري وراء هواجس القلق التي تحرق كل جهودها ومخططاتها ليكون هذا القرن أمريكيا تنعم أوربا به بالسلام .. !
وبدلا من محاولة التحاور مع الإسلام التي يُـنـــظـِّـر لها ليبراليونا العرب من طرف ٍ واحد تمت وبعملية منظمة وحثيثة إستعادة الصورة النمطية التاريخية عن الإسلام في الذهن الغربية والتي تعود جذورها للقرون الوسطى ، وهي صورة مشوهة جدا عن الإسلام والمسلمين ، وعندما نشهد الحملات المتسلسلة للتصريحات ضد الإسلام أو سيناريوهات الرسوم المسيئة ، لابد أن نتذكر إن هذا لا يدخل ضمن نظرية المؤآمرة بل إن العقلية الغربية تحمل ما هو أسوأ عن نبي الإسلام في وعيها الباطني الذي لا يزال قريبا في عقلية العصور الوسطى ولننظر ماذا قاله ” دانتي” في جحيمه عن النبي محمد قبل قرون ، فهو موضوع في حلقة مثيري الفتن وحاصدي الأوزار في جهنم دانتي التي إقتبسها أصلا من مشاهد النار التي رواها نبي الإسلام في الإسراء والمعراج ، وكما يقول إدوارد سعيد فإن تحذير النبي لدانتي في قصته من شخص يدعى فرادوليشينو وهو متهم في التراث المسيحي في ذلك العصر بإدعائه المكانة الدينية العالية في نفس الوقت الذي يفرط فيه بشهوانيته ومن ثم فهي نفس الصورة التي رسمتها الكنيسة عن الإسلام ونبيه في تلك العصور ، وبالتالي ، فما يجري اليوم هو محاولة لإستعادة هذه الصورة وسواها كثير و إستحضارها في الرسوم المسيئة للرسول ، إنها خطى ورؤية هنتغتون التي رسمها في كتابه ( صدام الحضارات ) ، هذه الرؤية التي تشحن الذهن الغربي والأمريكي خاصة بنوع من النشوة في خوض المغامرات غير الموزونة التي يتفوق فيها الغرب تقنيا كما في العراق من جانب والقيام بتعبئة طويلة الأمد تجعل الغرب شعوبا ً وحكومات مستعدة في كل لحظة لمواجهة الشرق كله في الشرق الأوسط من جانب آخر .. لا لشيء ، إلا لدفع القلق المزمن تجاه الصين والنمط الإقتصادي الذي تنهجه والذي يخشى الغرب أن يحدث فيه تطور يوحد شرق آسيا كله عسكريا ً وثقافياً ، فالمفكرون في الغرب لم يكونوا بقادرين على إقناع الذهنية الغربية الواقعية بحقيقة الخطر القادم من الشرق إلا بعد إستحضار صورة الإسلام النمطية الموجودة في الذهنية الكنسية للعصور الوسطى الكاثوليكية والبروتستنتية في أوربا ، و التي رافقت العقلية الأوربية خصوصا ً منذ عهود طويلة تقع في حقبة الحروب الصليبية المقدسة والذي كان قد تلاشى طيلة القرن العشرين وتحول تجاه الشيوعية السوفييتية حتى تحول إلى الإسلام من جديد مطلع هذا القرن بعد إنهيار الشيوعية ، حيث عاد القلق للظهور من جديد في رؤى وبحوث المفكرين الغربيين في الفترة بعد 1991 تجاه الإسلام ، هذا القلق تأكد بعد إعتداءآت أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن ..
وبالتالي فالحكم الذي نصدره على الحضارة الغربية إنها حضارة ” قلقة” ذكية تعيش بوهم الإتحاد ضد خطر ٍ ما ، وعدو ٍ ما، تعيش بذهنية الغابة ، وهي تؤمن بأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم ، ولا يمكن للعقلية السياسية الغربية العيش دون قلق ولو أزاحت كل أعدائها فهي ستعاود خلق عدو جديد محتمل لها مرة أخرى .. وهذه نقطة ضعف كبيرة ستؤدي بالغرب في النهاية إلى التصادم المحتوم مع قوى الشرق الكبرى النامية رغم كل ما يطفو على المشهد السياسي من مفاوضات وسياسات ، ولعل تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية ” رايس” عقب المفاوضات الأخيرة مع بوتين بشأن الدرع الصاروخية بأن أميركا ستدعم حقوق الإنسان في روسيا كعصا تلويح ضد روسيا إنما ينم عن سطحية وقلة خبرة لا تتناسب مع حجم الولايات المتحدة الأمريكية ويكشف عن حقيقة القلق المزمن الذي تعيشه أمريكا وأوربا تجاه العالم كله .. والذي جاء بردود فعل لم تكن تتمناها رايس ولا الإدارة الأمريكية من الرئيس الروسي فيما بعد ، و أمثال هذه اللقاءآت ستكرر في المستقبل المنظور بين ساسة أميركا ودول ٌ أخرى ، ومن غير المرجح إن الولايات ستتخلى عن سياسة القوي والضعيف ، فيما روسيا والصين وربما دول ٌ أخرى لن تبقى راضخة لمفهوم الهيمنة الأمريكية وقد تطالب بنظام ٍ عالمي جديد وما تعنيه هذه الكلمة من خراب ٍ جديد للعالم !

ماذا تعلم الغرب من تجربة اليابان ؟

بالعودة إلى باتريك سميث وما طرحه من رؤية في كتابه السابق فإنه ربما يكون قد وضع إصبعه على النقطة التي جعلت اليابان مختلفة عن اليابان التي أرادتها أمريكا ، اليابان التي بهرت العالم ، كل العالم !
حيث يستشهد بمقولة أول وزير تعليم ياباني في العصر الصناعي الميجي ، أرينوري موري ” حوالي 1885 م ” :
التعليم في اليابان ليس الهدف منه تكوين أناس ٌ يتقنون تقنيات العلوم والآداب والفنون وإنما هو تصنيع الأشخاص المطلوبين للدولة
ومن تعليق سميث على هذه المقولة :
(( نحن في الغرب لا نرى ” الخطر” الكامن في نظام ٍ كرس لتأسيس وبناء جماعة سكانية لخدمة الأمة )) ، كما يحمل السيد سميث المسؤوليين الأميركان غداة وبعد إحتلال اليابان مسؤولية المآل الذي آلت إليه تلك البلاد ، فهو يعتقد إن الأمور كانت تسير نحو تكريس ” الفردانية” الغربية الأمريكية في مناهج التعليم اليابانية بعد 1945 إلا إن ما جرى مطلع الخمسينات هو قيام الحكومة الأمريكية بإفساح المجال للتراجع العكسي السياسي لليابان ، ويعلل أسباب ذلك هو تطور اليسار الياباني وتفشي الماركسية فيه ، أي ، السوفييت مرة ً أخرى !
ويقصد بالتراجع السياسي العكسي هو تمكين النخب السياسية والعسكرية التي كانت حاكمة لليابان قبل الإحتلال الأمريكي و تهميش الديمقراطية مما أدى ، ودون إنتباه من الحكومات ومراكز البحوث والدراسات الأمريكية في ذلك العهد إلى بروز مناهج التعليم ” السحرية ” التي كانت موجودة منذ العصر النهضوي الياباني الميجي بحدود 1868 م ، ومن خلال عرض سميث لجولاته الميدانية في مدارس اليابان المختلفة يجد أن أنظمة المدارس اليابانية حتى مطلع هذا القرن هي ” ثكنات” عسكرية مصغرة هدفها تأهيل الصغار ليكونوا ” جنودا” صناعيين لخدمة الدولة ..أو الأمة ..!
لقد ذهب سميث بعقدة ” القلق الحضاري” بعيدا جدا إلى درجة إنه شبه السترات التي يرتديها الطلبة في إحدى مدارس اليابان بالستر العسكرية القديمة الغامقة التي كان يرتديها الجيش البروسي .. !
وبصراحة وعلى الرغم من شعور سميث بالخطر من هكذا أمة ، وعلى الرغم من تباكيه على حقوق الفرد الياباني ومسخها وضياعها في ظل هكذا مؤسسة تقوم بتصنيع الأجيال على نسق مدروس و ممنهج ، إلا إن الذي يقرأ كتابه يستطيع أن يستشف حقيقة التفوق الياباني على باقي أمم الشرق .. بل العالم كله ..

فالمجتمعات ذات ” الوعي الجمعي ” الفعال والمؤثر خصوصا المجتمعات اللاتينية والشرقية لا يمكنها النهوض الصناعي والتقني إلا بإتباع منهج عملي في التربية والتعليم مماثل في أهم أسسه وأركانه لنظام التعليم الميجي الياباني !

وعلى الرغم من إن المؤسسات التعليمية الأمريكية والغربية بصورة عامة لم تخف إعجابها بالتعليم في اليابان إلى درجة أن بعض المسؤولين في حكومة ريغان أدعوا إنهم وراء النجاح والتفوق التقني والتعليمي الياباني ، إلا إن باتريك سميث يؤكد في كتابه المهم هذا إن اليابان أصبحت اليابان التي نعرفها بفضل رجوعها أوائل الخمسينيات إلى نفس نظام تعليم أواخر القرن التاسع عشر …!!

قلق الحضارة .. إلى أين ؟

وعلى الرغم من فداحة المشهد ، مشهد القلق الغربي وما يجره من نزعة ” عدوانية” تدعي ” الإستباقية” ، والمعاناة الإسلامية عامة والتي تعيشها شعوب الشرق الأوسط خاصة إلا إن ما يجري من تطورات على المشهد الإقليمي والعالمي يشير إلى إن الغرب وقع في شراك نصبها لغيره وأضحى أسيرا ً لمخاوفه وشكوكه ، فيما اليابان تستمر هي اليابان ، والصين تنفض عن تأريخها الغبار لتعلن ظهور التنين كقوة في هذا القرن ، كذلك روسيا ومحاولاتها الحثيثة وبمنهج طويل المدى لإستعادة المكانة السوفييتية، وفيما يبدو ستعود الشمس إلى الشروق في الشرق وقد يؤذن الغرب بغروبه مرة أخرى لا لشيء إلا لإنسياقه اللاعقلاني خلف أوهام التأريخ ..التي تستحضر ذهنية الحروب الصليبية في القرن الحادي والعشرين .. !
فليست الأمة الإسلامية هي التي تعيش التراجع ، فالغرب ينام ويصحو بهاجس الفوبيا الإسلامية وكذلك فوبيا ” عائلة الدولة اليابانية ” التي لا يفهمها ولن يفهمها في يوم من الأيام مادام ينظر للعالم من ثقب فردانيته التي تترادف مع معنى الغروب ، وكذلك فوبيا ” الصين ” وتحولها إلى أكبر إقتصاد عالمي لو سارت الأمور عليها رخاء في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين كما يقول دانييل بورشتاين و أرنييه دي كيزا في كتابهما ” التنين الأكبر ” ، (6) فدراستهما الموسعة جدا حول إقتصاد وسياسة وثقافة الصين تشير إلى إن الحكومة الأمريكية لم يكن يشغلها شاغل قبل الحادي عشر من سبتمبر غير الصين الكونفوشيوسية الشيوعية كما يسمونها هناك بناءا على السيناريوهات التي كتبها الغربيون ” المتطرفون” بقلقهم الحضاري عن الحرب العالمية الثالثة التي تتجلى بالسيناريو الآتي كما جاء في ” صدام الحضارات ” لهنتغتون :

يتحد الصينيون و اليابانيون والكوريون بعد إجتياح الصين لتايوان وإخضاع الهند التي تعجز عن مواجهة حلفاء الصين المسلمين في باكستان وإيران والخليج الذي تقطع إمداداته البترولية عن الغرب ، وهذا يؤكد حقيقة القلق الحضاري الذي تعاني منه أمريكا والغرب ، فلا بد من وجود عدو يهدد المصالح القومية ..!

وبعد .. فهذا هو الشرق العظيم .. القديم العريق بعمق تأريخه و مورايثه التي تمكنت من إعادة صياغة نفسها في أقصى الشرق في الصين واليابان في ظل حضارة ٍ جديدة ، رغم الألم ومثالب الديكتاتورية التي سيسعى الشرق بما أؤتي من قوة للتغلب عليها والعودة للمساهمة في التاريخ في جديده ، والذي تعلم من الغرب فيه قباحة وسماجة الشمولية ، مع ذلك ، فالسعادة الحقيقية الكبرى للشرق هي في قديمه بـ ” الجماعة” حيث الكلانية المطلقة التي يحسبها الغرب تعاسة .. فالفردانية ترى الشعور الجماعي شمولا و إستبدادا ً دون أن تدرك إن أمة ً بأسرها مثل اليابان لم تضيع ذاتها كما يرى الغرب بمقياسه بل وجدت حقيقة وجودها كجماعة في عائلة كبيرة تدعى اليابان وكذلك هي شعوب الشرق الأوسط ستجد نفسها في النهاية بعد شروق شمس عالم ٍ جديد .. يترادف فيه معنى الشرق مع بزوغ عصر حضارة ٍ قادم .. وربما لن يتلاشى قلق الحضارة الغربية هذا إلا بالمواجهة الحتمية التي قد تجر مالا تحمد عقباه على الغرب والعالم برمته ، مع ذلك قد يكون هناك أمل ٌ في ظهور إنسجام عالمي يضطر فيه الغرب إلى التخلي عن فكرة التفوق والسيادة في التاريخ مقابل عالم جميل تتمناه كل شعوب الأرض .

فوكوياما وشذوذ الحالة الألمانية ؟

هنا نصل إلى إجابة السيد فوكوياما عن شذوذ الحالة الألمانية ، حيث الديمقراطية أنتجت توتاليتارية – عسكرية ، عنصرية ، لأن مسار الفكر الغربي كان قد إنتهى بالسوبرمان النيتشوي الألماني ، وهذا السوبرمان تمثل بالجنس الآري، والذي تجسد في ألمانيا النازية ، وهاهو اليوم يعود للتجسد في الهيمنة الأمريكية وسعيها إلى الإنفراد بالقطبية الدولية ، لكن هذه المرة كإستمرار وتحول للحالة الألمانية إلى أفق أوسع من سوبرمان ألمانيا يشمل كل ما يسمى في الغرب غرباً ، حيث يؤمن الغرب الجديد بقيادة أميركا بحتمية الصدام الحضاري وحتمية تعميم نموذج الديمقراطية الليبرالية الغربي على كل العالم !

وبالتالي ، فالمحاولة الغربية لغربنة الشرق westernization of east ما هي إلا محاولة لــ” مسخ ” المسار الطبيعي للعقل الشرقي والذي ” يتناغم ” ويتحد مع المسار الغربي المادي القائم على القوة والثبات في تكوين الوعي البشري ” الكلي ” الجامع منذ آلاف السنين من حركة التاريخ ، والذي ليس بالشرقي ولا بالغربي !
فالرؤية الشرقية للغرب إذن ، بشهادة نيسيت ، هي رؤية تناغم و ألفه ، فالشرق يرى نفسه يكوِّن مع الغرب العالم ، فيما الغرب يرى نفسه هو العالم !
إن الغرب الذي بكى دماً على تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان ، هو نفسه الذي يحاول نسف المسار الذي خطه بوذا والطاو و كونفوشيوس في الشرق ، الفرق هو رؤية الغرب للعالم و كما وصفها نيست تماما ً ، يرى الحياة والعالم بمقياس الثوابت (إستاتية) ، فهو يقدس تماثيل بوذا لكنه لا يستطيع رؤية المسار الذي تركه بوذا ويعتبره من بقايا محاولات أولية للحضارة ، ويرى المسار الغربي في شكل تحوله النهائي على يد فوكوياما و هنتغتون ، نهاية الحضارة بالليبرالية الغربية وحتمية الصدام مع الشرق والعالم الإسلامي ، وهذا هو نفس العقل الغربي السوبرماني النيتشوي المتجسد في أفلام رامبو الأمريكية ، حيث للقوة كلمة الفصل !
إن الزاوية الجديدة التي نريد أن نضيفها لنتائج السيد نيسيت ، هي إنه مهما حاول التجرد فهو يميل إلى رؤية العالم ” الإستاتية” الثابتة إنطلاقاً من نمطية الثقافة العلمية الغربية التي نشأ عليها ، السيد نيست ربما ينطلق في دراسته لكي يفهم كيف يتم التوفيق بين ثقافات العالم ، إذ أشار إلى فوكوياما و هنتغتون ، وحاول التفاؤل بإمكانية التحول إلى ثقافة جديدة تجمع بين الشرق والغرب بدلا ً من رؤية الغرب في صدام ٍ مع الشرق ، إلا إن غالبية دراسات المفكرين الغربيين تنصب وفق المسار البراكماتي – النيتشوي الطبيعي للغرب في بحث إمكانية السيطرة على الشرق كله وتحويل مساره الفكري إلى مسار جديد ( يتلائم ) مع الطموح والنفعية الغربية ، وربما يعتقد الغربيون إنهم يسدون بالحسنى لأهل الشرق إذا ما جعلوهم متحضرين على طريقتهم ، ولكن ، وهذا ما لم يلاحظه نيسيت وسواه ، إن المسار الغربي الحديث في الفكر ، والحضارة العصرية الغربية ما كانت لتكون لولا لقاح الشرق فيها ، منذ عهودٍ ليست بالقديمة جداً !
حتى لو اقر بعض الباحثين الغربيين اليوم ، وتخلصوا من نرجسية التعالي الغربية بأن الشرق هو الذي قدم الحضارة للغرب ، فإن الذهنية الإستاتية الغربية العامة ، أي ، الوعي الجمعي العام في الغرب ، سيبقى لا يرى إلا ” الإستاتية ” الثابتة من تأريخ الحضارة ، المشهد أو اللقطة الفوتوغرافية الجامدة ، ولن يعتقد بحضارته إلا كما قال قارون : إنما أوتيته على علم ٍ عندي !
فيما الشرق ، ووفق ما هو مهيأ له ذهنياً عبر مسار تطوره الإجتماعي هو المؤهل لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين ، بشهادة السيد ريتشارد نيست من حيث لا يدري ، فالشرق يقدس العلاقات أكثر من عبوديته للمواجهة والصدام والتحكم المغروسة في الذهنية الإجتماعية الغربية ، ويدرك الشرق أيضاً إنه لا يستطيع أن يحيا إذا لم يكن هناك غرب ، والغرب كذلك ، لكن ، الأخير يحاول الإستئثار والقوة بكل طريقة ويحاول بلا وعي لحقيقة التاريخ مسخ الشرق ، ولو تم للغرب بالفعل مسخ الشرق وتحويله إلى شرق محدث وفق آليات الغرب الفردانية المتحررة ، فإنما يؤذن ذلك بزوال الجنس البشري بعد فترة وجيزة ، لأن تطور البشرية وحركة التاريخ ما كانت لتتم وفق الثباتية ( الإستاتك) الذي يراه الغرب في العالم ، وإنما بفعل حيوية التفاعل بين الغرب والشرق عبر التاريخ ، وهذه المسالة من أهم القضايا التي كانت تنقص كتاب نيسيت ، و في تقييمه للحضارة الصينية القديمة بأنها كانت مبنية على الملاحظة الحسية التبسيطية في حين كان الإغريق يميلون إلى التجريد الجدلي الفكري ، ما جعل الصينيين والشرقيين بعامة في العراق ومصر القديمة يلجئون على التجربة ونتائجها الملاحظة حسياً منذ البداية ، وما لم يتنبه له مؤلف الكتاب ، كيف وصل الغرب إلى الملاحظة الحسية في إعتماد العلوم والمعرفة بعد عصور في عصر النهضة والتنوير ؟
إن هذا بالضبط ما نسميه ” إعادة الخلط ” في الحضارة ، حيث تتمازج القيم والمفاهيم وحتى طرق التفكير لتدخل ضمن نسق القطبية الثنائية للوعي الجمعي الإنساني ، المتمثلة بكلانية الشرق و فردانية الغرب ، فالملاحظة الحسية قيمة كلانية ، نابعة من طبيعة الترابط الإجتماعي الشرقي و إعتماده على المشاعر والأحاسيس في بناء المجتمع ، وبعد إعتماد الغرب لهذه القيمة ، نتيجة الإحتكاك بالعالم الإسلامي والشرقي بصورة عامة ، تمكن الغرب من بناء المجتمع الغربي الحديث وحول هذه القيمة إلى أساس معرفي وثقافي تعتمده الحضارة الغربية المبنية اليوم على الشك والقلق !
فيما نجد العكس في العالم الإسلامي ، والذي كانت بقاعه في يوم ٍ من الأيام شرقية خالصة ، أيام السومريين والمصريين القدماء ، حيث كانت الحسية قوية ، والترابط الإجتماعي شبيه بما هو عليه الشرق الأقصى اليوم ، نجد إن العالم الإسلامي في بواكير نهضته وبسبب الإحتكاك مع الروم ، وميل ذلك المجتمع للروم كما أشار القرآن ، أخذ عن الغرب التفلسف والتفكير المجرد ، والذي هو اليوم مأساة الجمود في الفكر الجمعي الإسلامي ، فقد قتل َ الغرب ُ أرسطو ، فيما لا يزال العالم الإسلامي يتمنطق بمنطقه من حيث يدري ولا يدري ، ولا عجب أن نجد في التيار السلفي الإسلاموي نزعة إلى نبذ التمنطق و المناطقة و إعتبار التفلسف كفر !
فالإرتداد السلفي نحو التاريخ ، دفع السلفية نحو أعماق الوعي الجمعي الشرق أوسطي ما قبل الإسلامي ، حيث ظهر حجة الإسلام الغزالي في نبذه للفلسفة وكتابه ( إحياء علوم الدين ) و كتاب المشهور (تهافت الفلاسفة ) خير مثال ، وقد عده جورج سارتون في كتابه ( رحلة العلم) أحد أقطاب المعرفة في عصر الرواد ، فالغزالي ، ذو المنشأ الفارسي من الإقليم الإسلامي ، حيث القرب من الشرق ، لم يعر أهمية في أواخر حياته إلا للتصوف ، وكما هو معروف فالعرفان والتصوف يسبق ظهور المسيحية وهو إمتداد للكهانة الحدسية في حضارات الشرق القديمة ، كما وإن الإمام احمد بن حنبل من قبله قد ترك القياس العقلي ، وهو أساس الفكر السلفي المعاصر ، وهذا الموضوع بالتحديد نفرد له دراسة خاصة ، إذا شاء الله ، لكن في هذا الموضع نذكر إن المعرفة و الإكتشاف العلمي لا يقومان على الملاحظة الحسية وحدها ، بل لابد من إعمال العقل والذي يحتاج إلى تأمل وتفكر .. وجدل .. وحتى تفلسف ، أي إن إستمرارية و دينامية التلاقح بين القطب الشرقي الكلاني والقطب الغربي الفرداني هو الضامن لتطور البشر وتخطي الإنسانية للمشاكل والعوائق التي تعترض مسيرتنا في الحياة على هذا الكوكب ، ويخطئ الغرب حين لا يؤمن بإسلام ٍ ناهض وشرق ٍ متقدم ، فالفائدة في النهاية تعم كل البشر وتدفع بالتاريخ نحو عصر مشرق ٍ جديد ، لكن ، الغرب بحاجة إلى تفهم ” الكلانية ” ودورها العلائقي في تحريك التأريخ ، والحل الوسط الذي سيرتشح في النهاية هو ظهور ديمقراطية شرقية ، أو ديمقراطية إسلامية دون ظهور ” ليبرالية ” تحررية على غرار ما موجود في الغرب ، ستبقى الليبرالية الفردانية خصيصة تتميز بها الثقافة الغربية إلى ما شاء الله ، وسيتحول الإسلام إلى بناء فكر سياسي تتداول فيه السلطة ودستور يحفظ الموروث القيمي الأخلاقي الإسلامي والذي هو ، كما الفكر الغربي ، يمتلك مساراً تطورياً خاصاً ، على غرار المسار النيتشوي الهنتغتوني الفوكويامي الحديث الممتد الجذور في روما واليونان ، فإن الفكر الإسلاموي ذو المسار السلفي الحنبلي وفكر المذاهب الإسلامية والفكر الشيعي الإمامي هو مسار الثقافة الشرق أوسطية ويضرب بجذوره في العراق ومصر القديمة ، وسيبقى خصيصة ” وسطية ” بين الشرق الأقصى والغرب إلى ما شاء الله ، حيث وكما سنلاحظ في بحث قادم يتعلق بدراسة مسارات الفكر العالمي و ديناميتها عبر التاريخ إن العالم الإسلامي سيكون صمام الأمان التوافقي الوسطي بين الشرق والغرب ، وسيلعب دور الفاعلية في تنظيم الثقافة العالمية ، ورغم ضيق الأفق لدى الغرب اليوم ، لا يزال يحدونا الأمل أن يظهر فيهم أمثال ريتشارد نيسيت من تكون له القابلية على الرؤية الدينامية المتغيرة ، الفاعلة في رؤية التحولات في الفكر العالمي بدلا ً من الرؤية الإستاتية الجامدة التي تؤطر الذهن السياسي الغربي الحالي .

الهوامش :
(1) يؤكد غازي دحمان مفهوم التوتر والقلق الإمبراطوري هذا في مقاله : روسيا بوتين قطب دولي أم دولة ممانعة ؟
عن الجزيرة :
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/7A39F8A0-0D1C-49E4-8C60-24222CCE0EB8.htm
(2) صدام الحضارات ، صموئيل هنتغتون , بترجمة الدكتور مالك أبو شهيرة ، ط 1 ، الدار الجماهيرية ، ليبيا ، (1999) .
(3) اليابان : رؤية جديدة ، باتريك سميث ، بترجمة سعد زهران ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت (2001) .
(4) يرى فوكوياما في ” نهاية التأريخ والإنسان الأخير” إن الشمولية التي كان عليها الإتحاد السوفييتي تمكنت من بناء أقوى إقتصاد منافس للولايات المتحدة في فترة قياسية صغيرة تمتد لربع قرن ٍ فقط ، بين 1925 والعام 1950 ، حيث بلغ السوفييت من القوة خلال ربع قرن إقتصاديا وعسكريا ما بلغته الولايات المتحدة خلال مئتي عام ..!
وهنا لم يتمكن فوكوياما من رؤية شيء جديد في حركة التأريخ التي يقدسها بنمطها الهيجلي ، وهو إن ” المجتمع ” بتوحده على غرار ما تدعو إليه العقيدة الإجتماعية الشرقية العامة ، قادرٌ على عبور الزمن والقفز بزانة ” التوحد الجمعي ” فوق موانع حتميات التاريخ ، وكما يقول شاعرنا العربي الخالد أبو القاسم الشابي :
إذا الشعب ُ يوما ً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر
أنظر : نهاية التأريخ والإنسان الأخير ، فرنسيس فوكوياما ،ترجمة د.
حسين الشيخ ، دار العلوم العربية ، بيروت ( لا توجد سنة النشر ).
(5) نفس المصدر السابق .
(6) التنين الأكبر : الصين في القرن الحادي والعشرين ، دانييل بورشتاين &
إرنيه دي كيزا ، بترجمة شوقي جلال ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت
(2001) .






#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجهة نظر في : جغرافيّة الفكر لريتشارد نيسيت ، ورسالة إلى الل ...
- المعرفة ُ الشرقية (1)
- المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((4))
- المعرفة ُ في الشرق ...هل لها مستقبل ؟ ((3))
- المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((2))
- المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))
- النظرية ُ الإسلامية ِ...سوء ُ تطبيق ٍ ..أم سوءُ تخطيطٍ رباني ...
- المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعل ...
- صراع الحضارات ، حوار الحضارات، مستقبل الحضارات، هذا العالم.. ...
- الدخول إلى فضاءات النفس الداخلية وفق الطريقة البابلية
- محاكمة صدام....ام محاكمة التاريخ ؟ للمرادي والبعثيين الجدد ب ...
- مرثية ُ بغدادَ لبابل
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- في الطريق الى عقيدة ليبرالية عربية ج1
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- الديمقراطية والحداثة في العالم العربي
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر ...
- بابلٌ تتحدث...فلتنصتي لها يا صحراء


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وليد مهدي - الشرق والغرب .. بين الثقافة والسياسة