أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد عبد الستار الأبيض - المخ وبنوية الابتكار و الاختراع















المزيد.....


المخ وبنوية الابتكار و الاختراع


محمد عبد الستار الأبيض

الحوار المتمدن-العدد: 2433 - 2008 / 10 / 13 - 04:48
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


مما لا شك فيه أن الاختراع والابتكار يتطلبان جهدا أكبر وأشق على المؤسسات التعليمية المعتمدة على التلقين والتكرار والتحول إلى الاختراع يعتبر بالنسبة إلى النظم التعليمية أشبه بالقفز في الظلام.

الاختراع هو الابن الشرعي للإبداع

إذا كان الاختراع هو فن الإبداع فأن الإبداع هو الابن الشرعي للتكوين المعرفي من هنا نبدأ بحثنا من مرجعية علم التكوين المعرفي فلكل باحث مرجعية علمية يناقش القضايا من خلالها ويبحث عبرها عن حلول كما يبحث المحتاج عما يسد حاجته ، ومرجعيتنا اليوم هي علم التكوين المعرفي سوف نبحث فيه ومعه عن أسباب قتل وموت الاختراع في مجتمعنا المعاصر ،وضعف المؤسسة التعليمية عن اكتشاف وتنميته المبتكرين والمخترعين ، مما يعود انعكاس ذلك على المجتمع بطرق وأشكال متعددة .
ويتجه علم التكوين المعرفي إلى هدف إنساني هام يتمحور حول إبداع وابتكار الحياة نفسها والفرح بها ! ، فينظر هذا العلم إلى أن يحيا الإنسان بقوة التفكير العلمي وهو ما يهدف للاختراع ويسر السلوك الحضاري وهو ما يهدف لاستخدام الاختراع والفرح بالحياة وقيمتها وهى مرحلة ما بعد استخدام الاختراع ورؤية الآخرين يستفيدون منه في حياتهم وهى مراحل هامة جدا ونتمنى أن يدرسها ويعيها كل إنسان يحب الإنسان بما هو إنسان ذو قيم راقية وحضارة متكاملة وأديان وثقافات متحاورة .
من هنا علينا أن نتعرف على معنى ومفهوم الاختراع ذاته كيف ينشأ في شكل ابتكار ثم يتحول لإبداع في ظل الإيبيستمولوجيا الإنسانية والتي حددها علم التكوين المعرفي ،
يذهب معجمنا الوجيز إلى أن اخترع الشيء : ابتدعه وبدعه – بدعا أنشأه على غير مثال سابق فهو بديع ، وفى الفلسفة نجد أن الإبداع هو إيجاد الشيء من عدم ونؤكد أن هناك نزعة إبداع لدى كل إنسان فلا يوجد شخص مبدع وآخر غير مبدع لكن الأمر يختلف بين حالة وأخرى حسب المواقف الدرامية الحياتية والاتجاهات والميول والرغبات ، والطبيعة المحيطة بالحالة ، فهناك من يجد الوسائل المناسبة والبيئة المشجعة وهناك من يجد البيئة القاتلة والمحطمة لجناحي الإبداع - الابتكار والاختراع – فهنا لا سبيل لتشغيل إشارات المخ الكهروكميائية بين الخلايا المخية لربطها ببعضها و تكوين الفور ميولا – النتائج – والقوانين الجديدة ، كما تعودنا أن يعمل الجهاز المعرفي - المخ – كما يطلق عليه علمنا فالمخ وظيفته المعرفة . ويسميه البعض الجهاز العصبي ! و تردد هذه الشرارات أو الموجات و الذي يقاس بعدد الدورات في الثانية، يتغير بتغير حالتنا من النشاط إلى التعلم، الراحة، الاسترخاء، النوم الخفيف، النوم العميق. هذه الموجات مقسمة إلى أربع أنواع من الموجات بأسماء إغريقية:
موجات بيتا.
موجات ألفا.
موجات تيتا.
موجات دالتا.
الجهاز المعرفي ( العصبي ) :
ويدعى أيضاً بالجملة العصبية، هو أهم الأجهزة التي تميز المملكة الحيوانية. يشاهد عند كل الكائنات الحية ابتداء من وحيدات الخلايا وحتى الثدييات حيث يكون مؤلفاً من دارات بسيطة عند وحيدات الخلايا ثم يزداد تعقيداً كلما صعدنا في سلم التطور ليصل إلى أقصى درجات التعقيد والكفاءة عند الإنسان. البنية الوظيفية العامة للجهاز العصبي بسيطة للغاية حيث يتألف من مستقبل،معالج،و مرسل.يقوم الجهاز العصبي باستقبال المعلومات الواردة من المحيط الخارجي بواسطة أعضاء الحواس ومن الأعضاء الداخلية بواسطة الحسية المنتشرة في المفاصل والعضلات والأحشاء، حيث تعالج تلك المعلومات بسرعة فائقة، ليصار إما إلى تخزينها كذاكرة وخبرة و/أو إصدار أوامر لأجهزة الجسم الأخرى بما يتناسب مع المعلومات الواردة.الخلية الرئيسية هي العصبون، أو ما يدعى بالخلية العصبية،التي تلعب دورا أساسيا في كل فعاليات الدماغ.
و الإنسان يملك ملايين العصبونات ، مكونة شبكة معقدة جدا ومسالكها متصلة ببعضها اتصالا مكثفا وفرعيا. وفيها تتم مختلف العمليات المعرفية. وببساطة يملك الإنسان ما لا يقل عن مليار خلية عصبية لا يستخدم منها إلا القليل جدا .

· إن الإنسان لم يستخدم حتى الآن الطاقة الإبداعية الكاملة لذات القدرة النشطة للجهاز المعرفي { المخ البشرى } الذي يقدر تكوين خلاياه بأكثر من 2بليون خلية تقريبا.

· حتى الآن لم يستخدم الإنسان سوى 5 % من قدرات العقل البشرى ( والعقل هو فعل الإدراك كوظيفة من وظائف الجهاز المعرفي كما يشير المعجم الوجيز 2000.

· أن الجهاز المعرفي مازال في حالة انتظار لتفجير الطاقات الكامنة فيه و اكتشافها.

· وهنا نتساءل أي الأجزاء في المخ البشرى هي المسئولة عن الابتكار والاختراع والإبداع .

و وظيفة النصف الأيمن من المخ هو إدراك ما وراء السياق البصري من مضامين اجتماعية، وهذا ما يجب على الفص الأيمن أداؤه إلى جانب الإدراك البصري. ويقول الدكتور انجان شاتيرجي، الأستاذ في مركز علم الأعصاب الإدراكي في جامعة بنسلفانيا، إن النصف الأيسر من المخ مهمته إدراك اللغة والكلمات والجمل، ولكن إدراك الفكاهة والسخرية والنكات من مهام الفص الأيمن من المخ.من هنا نتوقع أن عمليا التخيل والابتكار تبدأ في الفص الأيمن للمخ . ويذهب بحث آخر إلى أن القشر المخية متعددة الوظائف حيث تقوم القشرة المخية بوظائف هامة ترتبط بالأمور التالية ،
ـ الإحساس الشعوري ، الحركات الإرادية ، التعلم والذاكرة . ويلاحظ أن كلاً من هذه الوظائف يرتبط بمركز خاص يقع في مكان محدد من القشرة المخية فمركز الإبصار يقع في الفص الخلفي للمخ بينما يوجد مركز السمع في الفص الصدغي ومركز الحركة في الفص الجداري ومركز الإحساس بالحرارة واللمس والضغط في الفص الأمامي.ويذهب التربويون إلى آن العمليات المخية عندما تركز في علم ما تنتج وتتصل خلايا هذا الجانب العصبي بشكل جيد جدا وتكبر هذه الخلايا وتنمو جيدا في حين تضمر الخلايا التي لا يستخدمها الإنسان في التفكير والعمليات المعرفية . وذلك لعدم استقبالها إشارات تفعلها وتخرج منها الفكر المبدع .
الطبيعة و النزعة الإبتداعية:
يدعو التربويون الطبيعيون إلى نمطا تربويا يشجع على الابتكار والاختراع .فالإبتداعية – نزعة في جميع فروع الفن وتعرف بالعودة إلى الطبيعة وإيثار الحس والعاطفة على العقل والمنطق وتتميز بالخروج على أساليب جديدة مبتكرة ومن هنا دعا المفكر والفيلسوف التربوي جون ديوى إلى العودة إلى الطبيعة في طرق التربية الحديثة ، فقال – دع الطفل يحيا كفلاح ويفكر كفيلسوف وقد طبق نظرياته في كتابته عن الطفل أيميل بطل كتاباته الجميلة ، فإذا أخطأ أيميل فعليه أن يتحمل نتيجة خطئه ومن الممكن أن يكون العقاب قاسى وطبيعي كأن ينام أيميل بدون عشاء حتى لا ينسى العقاب البدني . وإذا أراد تفاحة من على شجرة فعليه أن يبتكر طريقة للوصول إليها و هنا يصل للتفكير بالتجريب ويختزن الفكرة المبتكرة كخبرة و ممارسة لا تنسى . ويقول الله تعالى في القرآن الكريم في سورة البقرة الآية 117 ( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) صدق الله العظيم
والبديع هو الاسم الثالث والتسعون من أسماء الله الحسنى فالإبداع والخلق والابتكار والاختراع صفة إلهية ، حباها الله و أودعها البشر ليعمروا في الأرض وليجعلوا الحياة ذاخرة بالوجود الجيد،وتسير بيسر وقوة وفرح كما أسلفنا من قبل ،وقد سخر الله الكون لخدمة الإنسان بعد أن حمله الأمانة وقد قال الله تعالى في سورة لقمات الآية رقم 20 ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض ) صدق الله العظيم .
وكما اهتدينا لمعرفة مفهوم الاختراع والإبداع وتحديدهما فنجد أن المرادفة الثالثة الابتكار وتعنى أن ه ابتكر الشيء بمعنى ابتدعه غير مسبوق إليه ، وهنا نجد أن الاختراع والإبداع مترادفات متكاملة موضحة لبعضها عند استخدامها معا و المبتكر هنا هو المفكر الأول والمخطط لها والمخترع هو المنظم والمنسق والمطبق لها عمليا وعلميا ، و يطلق على ذلك الإبداع إذا توجهت الفكرة والنتيجة لخدمة الإنسانية وتمدنها وراحتها كما تمكن جيمس واط مثلا سنة 1775فى بريطانيا من اختراع الآلة البخارية وبذلك وضع الطاقة في خدمة الجهد البشرى والعمل على راحة الأبدان إذا لم يكد القرن التالي ( التاسع عشر )يطل على أوربا وأمريكا حتى تتابعت في غضونه المخترعات الآلية ، فنزلت أول سفينة بخارية سنة 1807 في أمريكا و مشت أول قاطرة بخارية في إنجلترا سنة 1825 ودارت أول سيارة سنة 1887 في فرنسا وعمل اللاسلكي في إيطاليا 1890 ،ولم ينته هذا القرن حتى كانت المدينة الحديثة تعرف الآلة الكاتبة في أمريكا 1867، وآلة اللينوتايب امريكا1883 – وكان يوحنا جوتنبرج قد اخترع آلة الطباعة سنة 1450 في ألمانيا – كما عرفت المدنية آلات حلج القطن و الحصاد و مانعات الصواعق في إنشاء المباني و التلغرافات والتليفون ثم الطائر في أوائل القرن العشرين وتتابعت الاختراعات والإبداعات حتى ظهرت لنا الحياة الإلكترونية ، ومنتظر المزيد ... !ولك أن تتصور منزلك وقد خلا من المدنية والاختراعات ، مثلا التيار الكهربي والشارع خلا من المركبات والمواصلات ومقدار ما تعنيه من تعب وشقاء نتيجة الجهد الشاق المضني الذي تقوم به في سبيل قضاء مأربك وأغراضك المعاشية من مأكل و مشرب وملبس ومنزل مريح وبهجة التسلية من البرامج الإذاعية و التلفزيونية والإنترنتية و مستجدات المدنية الترفيهية .
سمات الموهوبين والمخترعين :
نجد الطفل المخترع فى مرحلة معرفية متكاملة النضج ويكون واع لما حوله .
يفكر الطفل وينتقد للآخرين و أفعالهم بطرق شيقة ولذاته أحيانا .
نجد لدى الطفل المبدع حب القيادة ونزعتها وحب تطويع الشيء لأرادته .
يفكر المبدع والمخترع دائما فى توليد أفكار وأشكال وانساق معرفية جديدة و عديدة لمثير معين .
ومن سمات المفكر المبدع انه يستخدم كلمات كثيرة بمعنى مهارة اكتساب لغوية مبكرة وانه يركب جملا طويلة ومعقدة أحيانا .
يحب المشي والتسلق والركض بصورة متوازنة فى سن مبكرة وهو جزء هام من المهارات الحركية ، حيث يستطيع التحكم فى أدوات صغيرة مثل المقص - القلم .
وفى المجالات العقلية نجد الطفل يحل مسائل رياضية ويسأل لماذا وكيف .
يشفق على الآخرين ويتعاطف معهم فهو مجاملا وعاطفيا لدرجة جيدة وواثق بنفسه وهو ما يجيده فى المجالات الاجتماعية .
يتمتع بخيال قوى خصب ويستخدمه فى المجالات الإبداعية ويستمتع بالعب بالكلمات والأفكار بإبداع .
دائما يبحث الطفل الموهوب عن كل جديد للإطلاع والمعرفة بدافع ديناميكي ذاتي .
ويرى المتعقل لحديثنا أننا ذكرنا عددا كبيرا من الإبداعات الغربية ولا ننسى أبدا الإبداعات العربية وعلماء العرب الأفاضل والتي بدأت بهم النهضة ولكن نحن نبحث هنا عن مبدأ الاختراع ودوافعه وسماته ، فنجد أن الحرية هي السمة الأولى لظهور المخترع والاختراع .فإذا نظرنا إلى قيم المجتمع الأمريكي الجوهرية نجد شعار ( الحرية ، العدالة ، المساواة ) هو المسيطر على القيم و الفكر التطويري هناك منذ نادت الثورة بهذا الشعار لتقاوم الاستعمار الإنجليزي ، سنة 1776 والحروب الأهلية في الولايات ( 1861-1865 ) وعند النظر إلى أوربا نجد شعار ( الحرية ، الإخاء ، المساواة ) وهى قيم الثورة الفرنسية التي رددتها منذ 1798 ، وصدرتها إلى معظم الشعوب الأوربية . فنجد دائما القاسم المشترك هو الحرية والمساواة . و يؤكد الأستاذ الدكتور محمد محمود الدش في كتابه نحو قيم جديدة في التربية ،أنه من اليسير أن نربط بين هذه النهضة المدنية العارمة وبين مبدأ الحرية بعد أن نتجاوز عن مبدأ المساواة لأن الحرية في مضمونها إقرار بالمساواة وامتدادا لها في نفس الوقت ، إذ أن هذا التقدم العلمي ما كان ليخطو خطوة واحدة على الأمام لولا أن الذين اضطلعوا به أمنوا بالحرية العقلية ، وتحملوا من أجل هذا الإيمان عنتا شديدا ، من سلطة الكنيسة ، ومضايقات مضنية وعذابا كبيرا من الجماهير العامة الجاهلين ، بل من الخاصة المثقفين الذين تصدوا لمعارضتهم والإيقاع بهم .
التربية و التكوين المعرفي و المخترعين :
نشير نحن التكوينيين العاملين بنظريات علم المعرفة الوراثي للمفكر والفيلسوف التربوي السويسري الفرنسي جان بياجيه 1896 - 1980
>
ونظرية التكوين المعرفي للفيلسوف التربوي والمفكر المصري / كمال زاخر لطيف (1924 – 2007 ) إلى أن النطفة الأمشاج تحتوى بداخلها على البرنامج الكامل لتخليق الإنسان مسطورا على مورثات الصبغيات المختلطة القادمة من الأب والأم ، وهو ما يؤكد أن المعرفة جزأ كبير منها متناقلا نقلا وراثيا وهو ما يؤكده علم المعرفة الوراثي ونظرياته التابعة له ، ويؤكد دكتور عبد الباسط العصر أستاذ بيولوجيا الخلية بجامعة القاهرة في حديثه عن مادة العقل ، أن العقل ما هو إلا حصيلة العمليات البيوكميائية التي تحدث في المخ ، لا يوجد عقل الإنسان في فراغ بل يتعلق وجوده بكيميائية المخ وتقترن جميع انفعالاتنا ومشاعرنا ووجدانا بهذه الكيميائية . إذا لا يمكن أن نفكر أو يصيبنا انفعال بدون حدوث تغير كميائى . ونجد أن قسوة الظالم وحقد الناس ووداعة المحب ورحمة المؤمن ليست إلا نتيجة لعمليات كيميائية مخية ولا يمكن بأي حال من الأحوال مهما حاولنا أو أردنا أن نفصل العقل عن المادة , وأن المخ عبارة عن معمل كميائى حيوي فى غاية التعقيد ومادته اللينة التى تشبه العجينة إنما هى خلاصة تغيرات مستمرة لا تنقطع حتى أثناء النوم وهو ينسج مادة حياة الإنسان وأفكاره وانفعالاته ، ويؤكد دكتور / محمد بهائي السكري فى كتاب المخ أنه تؤكد نظريات مختلفة أن المخ يتغير دوما من الناحية الوظيفية نتيجة لتعرضه المؤثرات المختلفة ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة وثانية بثانية وان مخ الإنسان مثلا قبل قرأه صفحة من كتاب أو الاستماع لمحاضرة معينة يختلف إلى حد ما بعد الانتهاء من القراءة أو سماع المحاضرة . وهو ما يثير الفضول فينا لنتساءل هل التربية ومناهجها المستخدمة حاليا لها تأثير على فكر وثقافة المخترع ؟ هل تؤثر عليه إيجابيا أم لا تأثير لها أم تأثيرها سلبيا ؟ وهو ما تثيره قضية بحثنا التى نحن بصددها
· أن الاختراع والابتكار يتطلبان جهدا أكبر وأشق على المؤسسات التعليمية المعتمدة على التلقين والتكرار والتحول إلى الاختراع يعتبر بالنسبة إلى النظم التعليمية أشبه بالقفز في الظلام. وهو ما وضحه المفكر المصري كمال زاخر حين فرق بين عملية التربية وعملية التكوين المعرفي وقد وضح الفرق بين توجهات كل فكرمنهما واثر ذلك على تعلم الإنسان وإبداعه فيوضح فى كتابه التكوين المعرفي نداء القرن إلحادي والعشرين العنوان التالي .

الفارق الجوهري بين التوجه التربوي و التوجه التكويني:

الفارق في عملية التعلم يتمثل ببساطة في المبدأ التالي: هل نحكم من الخارج؟ و هذه هي التربية، أم من الداخل؟ و هذا هو التكوين المعرفي...
التعلم إذا هو النقطة التي ينطلق منها خطا الزاوية: كلما أمتد خطا الزاوية، اتسعت المسافة بينهما ليمضي كلا منهما في مسار مغاير و ربما مضاد للمسار الآخر و من ثم يصبح العالم الذي يشكله مفهوم التربية فيما بعد مختلفا تماما عن العالم الذي يشكله مفهوم تكوين المعرفة.
فبينما يقول أفلاطون الذي كان يرى أننا لا يمكن أن نسوس المدينة إلا بحكام أفاضل ليس في وسعنا أن نحصل عليهم إلا بتربية طويلة حيث أن الغرض من علم السياسة هو بيان نظام التربية اللازم لهذا الهدف، و يقول:
" إن المبدأ الأعظم بالنسبة للجميع هو أن أي شخص لا ينبغي عليه أن يحيا بلا قائد، و لا ينبغي لعقل أي شخص أن يعوده على فعل أي شيء على الإطلاق بمبادرة خاصة منه... بل عليه أن يوجه ناظريه لقائده و أن يتبعه بإخلاص، و حتى في أصغر المسائل عليه أن يمتثل للقيادة. فعليه مثلا ألا يستيقظ أو يتحرك أو يغتسل أو يتناول وجباته إلا إذا أمر بذلك و بعبارة واحدة يتعين عليه أن يروض نفسه بمران طويل على ألا يحلم أبدا بالإتيان بفعل مستقل ". (المجتمع المفتوح أعداؤه- ترجمة الدكتور سيد نفادي ص 15).
هذا بينما يقول هر برت ريد:
" إن النظام التربوي يمكن أن نصفه عامة بالتربية التي تؤدي إلى الفرقة بين الناس و يضيف قائلا: إن السبب الذي من أجله يعمل المسئولون عن التربية هو أنهم يؤكدون على تثبيت دعائم السلطة المركزية و نظام الطائفية، و من ثم كان محورها النهي والردع ". (التربية و التعليم في خدمة السلام- ترجمة الدكتور محمد الشبيني ص 15)... من هنا على الدول العربية والمؤسسات التعليمية أن تستفيد من كمية التجارب والأبحاث والتراكم المعرفي الهائل عبر العقود المتتالية ونحدد وجه الاستفادة كالتالي .

كيف تستفيد الدول العربية ومؤسساتها من التراكم المعرفي:

الدول الرأس مالية و الدول الاشتراكية قطعت أشواطا فى مجال التربية والتعليم وساعدتها على ذلك الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة و قواها البشرية المدربة وفلسفتها التربوية الحرة و الواضحة المعالم و الأهداف وتحقيق ذلك بأساليب علمية مدروسة فيذهب الأستاذ الدكتور عرفات عبد العزيز سليمان فى كتابه الاتجاهات التربوية المعاصرة إلى آن هناك نظم للتخطيط ترتكز علي أسس موضوعية و هناك وسائل التنفيذ وطرائقه ثم هناك المتابعة والتقويم التى تؤدى للعمل الناجح و علينا أن نهتم بالتقدم العلمي – والتكنولوجي – ومتطلبات العصر بل و إتاحة ذلك لكل التلاميذ بشكل أو بأخر حسب احتياجاتهم هم ، وبالطرق التى يرونها مناسبة لهم حيث إن مناهج الدول العربية ومحتواها الدراسي يميل إلى الجانب النظري دون التطبيقي ، حيث معدل التعلم العام أعلى من التعلم المهني .
وهناك أيضا الضغط الجماهيري تجاه التعلم العام والفكر التقليدي نحو عدم الخروج عن القاعدة والتعلم كما تعلم الأباء بنظريات تربوية قديمة ، كما أن البعد عن التعلم المهني يشكل حاجزا فيجب استحداث أنواع من التعليم والتدريب تناسب الفكر المعاصر واتجاهات البحث والاختراع .

توصيات للمؤسسات التربوية العربية :

1. إلغاء الحواجز و البيروقراطية بين المجتمع والمؤسسة التعليمية .
2. دمج التعليم الفني و المهني والتعليم العام فى كافة مسالك التعليم .
3. إنشاء برامج مفتوحة للتعلم بالاكتشاف والتعلم التعاوني والتعلم بالأقران والتعلم النشط تفعيل ودمج الأنشطة الصفية واللاصفية ضمن إطار عام للعمل التربوى الفعال .
4. مراعاة احتياجات الأفراد و الفروق الفردية والمميزة والسرعة التحصيلية .
5. تحسين نوعية الحياة بتمكين الفرد من توسيع أفقه الفكري .
6. الاستثمار فى التعلم واكتشاف المواهب .
7. تعريف الأطفال الصغار بمعنى قيم احترام العمل اليدوي والابتكار وطرقه وإحياء الأشياء و إعادة الدورة لها بفكر متطور علمي .
ونوضح ضرورة النشاط فى الكشف المبكر عن الموهوبين و المبتكرين و المخترعين وتنمية المواهب وثقلها ودعمها عن طريق المؤسسة التربوية كذا نوضح المعوقات التى يجب تلافيها وسد ثغراتها .


مراجع البحث العلمية :
· التكوين المعرفى للإنسان المعاصر نداء القرن الحادى والعشرين د / كمال زاخر لطيف /مطبعة رؤوف /الحسين /القاهرة .
· نحو قيم جديدة فى التربية د / محمد محمود الدش / الهيئة المصرية العامة للكتاب .
· الاتجاهات التربوية المعاصرة د / عرفات عبد العزيز سليمان /مكتبة الإنجلو المصرية.
· الموهبة والتفوق والإبداع د / فتحي عبد الرحمن جروان / دار الكتاب الجامعي .



#محمد_عبد_الستار_الأبيض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تغير حياتك ؟
- التعلم بالاكتشاف الموجه
- التدريس الفعال كيف يكون
- كوم الدكة الحى التاريخى
- حي كوم الدكة التاريخي
- رحلة إنسانية
- الإنسان ذو الوجدان الكوني
- 6 إبريل تظاهرة ضد الغلاء فى مصر !
- ثقافة الخبز لماذا ؟!
- مؤشر الهوية و الانتماء
- التنمية الإنسانية من مدخل علم التكوين المعرفي
- القيم الأخلاقية و التكوين المعرفى للإنسان المعاصر
- تكوين المعرفة
- التعلم الدرامى
- حرروا أطفال العالم أولا
- من العقل إلى بيت جحا وبالعكس يا قلب لا تحزن
- حالات السلوك الإنساني .
- نظرية إنسانية
- النشاط الصفي و اللا صفى أهدافه ومعوقات التطبيق


المزيد.....




- مقتل 5 أشخاص على الأقل وإصابة 33 جراء إعصار في الصين
- مشاهد لعملية بناء ميناء عائم لاستقبال المساعدات في سواحل غزة ...
- -السداسية العربية- تعقد اجتماعا في السعودية وتحذر من أي هجوم ...
- ماكرون يأمل بتأثير المساعدات العسكرية الغربية على الوضع في أ ...
- خبير بريطاني يتحدث عن غضب قائد القوات الأوكرانية عقب استسلام ...
- الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لمسيرات أوكرانية في سماء بريان ...
- مقتدى الصدر يعلق على الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريك ...
- ماكرون يدعو لمناقشة عناصر الدفاع الأوروبي بما في ذلك الأسلحة ...
- اللحظات الأخيرة من حياة فلسطيني قتل خنقا بغاز سام أطلقه الجي ...
- بيسكوف: مصير زيلينسكي محدد سلفا بوضوح


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد عبد الستار الأبيض - المخ وبنوية الابتكار و الاختراع