أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قراءة في قصة(أحماض الخوف)ل(جليل القيسي)















المزيد.....

قراءة في قصة(أحماض الخوف)ل(جليل القيسي)


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 06:28
المحور: الادب والفن
    


بات النص الأدبي يشكل هوية سرّية للكاتب ،كونه يتوارى فيه أو يتخذ من الشخصيات أقنعة لتحرير ما يؤرقه من هموم أو طروحات فكريه،وليس من السهولة بمكان الوصول إلى الغايات والمداليل ما لم يتم احتواء النص من عدة جوانب،والكل يدرك أن النص مهما كانت إجناسيته ـ شعراً أم نثراً ـ هو نزيف ذاكرة اكتوت بنيران معرفة صادمة تتقاطع مع ما يجري على أرض الواقع والنص ـ إن جاز التعبير ـ هو قيئ لجراحات تولدها التوترات الحياتية والأزمات النفسية ، هذه الجوانب لم تهملها التحليلات النقدية النفسية،ون الظروف المحيطة بالكاتب هي الحاضنة لإفرازات العقل،والكاتب لابد من أرضية تحمل بذور أفكاره وتخصبها قبل دفعها إلى سطح الواقع ومهما حاول للنأي من واقعيته تراه يغور فيها ويضيف إليها ،أن دليل الولوج إلى أي نص إبداعي يقترح استحضار جملة أمور،بيئة الكاتب ..زمن كتابة النص..توجهاته الفكرية..أسوق هذه السطور قبل قراءة قصة(أحماض الخوف)للكاتب ( جليل القيسي ) لما طوت من نهج مشفّر خلاف ما عودنا عليه في قصصه المنتجة خلال السنوات الأخيرة،كونه كان يسرج عربة خياله ويمخر عباب المتاهات بحثاً عن أسماء سكنت ذات يوم في ذاكرته ،جرّاء قراءاته الثرّة وثقافته الموسوعية وأسفاره ومغامراته ،بدأ يستدرج تلك الأسماء والتي دفعت بذاكرته إلى إقامة جحيم أسئلة ما يزال يبحث عن أجوبتها عبر محاولاته التجريبية،ليقيم معها علاقات جدلية لا تخلو من المبارزة المعرفية،في هذه القصة نجد القاص يمرر نداءً مشفراً ورغم فنيّتها المتعالية ،جاءت كرسالة محسوسة تنزف بمعاني وتجليات ذاتية تبتغي لفت انتباه الزملاء،تبدأ القصة(قبل أن يهبط الظلام بدقائق)وهي إشارة تعني الكثير فالوقوف على مشارف الظلام يقابله وقوف الكاتب على مشارف الحياة،خصوصاً وهو يتذمر من عزلته ومتاعبه الصحية ونسيانه من قبل رفاقه،(هيفاء تنتظر الحبيب،سماء ترسل وابل المطر،مشاجرة ما بين رجل مهلهل الثياب وشاب،قطتان تتغزلان،الرجل يقتل الشاب،تستجيب هيفاء لطرقات الباب بلهفة،الرجل يداهمها ،يقتلها،ترعد السماء،تموء القطط،طرقات تتواصل على الباب)،يتبادل القاص الدور مع شخصية(هيفاء)كون المرأة أكثر فاعلية وحساسية بسبب تكوينها الفيزيولوجي،وهي أكثر ديناميكية لتوظيف الجسد لصالح التعبير،أختار(هيفاء)لتكون لسان حاله وحمّلها همومه وأفكاره وأرادها وسيلة اتصال مع من يعنيهم،ثمة إشارة(ألقت نظرة هادئة حزينة إلى السماء)هي نظرات الوداع لمن يحتضر وهي نظرات ألم لزمن يغادر،زمن تجلت فيه حياة حافلة بالمجد والرفقة،تقول(هيفاء):(بمجرد أن أسمع صوته أغفر له هجرانه)،يمنح الكاتب فرصة المغفرة رغم دنو الظلام،وهي كناية عن الموت،في وقت(أصبحت المدينة في قبضة الظلام)وتردد(هيفاء)للاستعانة بالهاتف هو تردد الكاتب وتمسكه الأخلاقي وعدم اللجوء إلى بث ما يسكنه من جراء التهميش والنسيان علناً ،فيختار النص الأدبي لتمرير رغبته،الأمل في عودة الأدباء لمعاودة الاتصال به وتسليط الضوء على ما أنجزه(قبل أن يهبط..)ملك الموت،ومثلما يتوارى القاص خلف(هيفاء)نجده يصرّح بذلك(غير أنها بكبرياء أنثى مجروحة المشاعر تصورت أن مبادرتها هذه تعني ضرباً من الاستسلام)وهي إشارة لما ذهبنا إليه بخصوص رفضه المكاشفة العلنية بما يرغبه،ولكن من المعلوم أن المرأة أسرع نفاداً للصبر،وهل يعني أن القاص الذي تماسك وحافظ على هاجسه،بدأ صبره يتهشم..؟!أن تردد(هيفاء)هو تردد القاص ويمكننا الاستدلال بما تقوله:(كيف أفهم أعماق هذا الأديب الغامضة)،وتعلمنا من خلال قصص الكاتب أنه ينشطر إلى شخصيتين،شخصية يستحضرها من الماضي ويتلبسها أمام شخصيته الواقعية ،كذلك يفعل في(أحماض الخوف)،حين يكون هو الحبيب القادم وهو(هيفاء)المنتظرة،والحبيب هم الصفوة والتي يبحث عنهم (جليل القيسي)ويراهم كما تصرح به(هيفاء)بغموضية أعماقهم كون الزمن السابق تجلى بصور حياتية ووشائج باتت مفقودة في زمن صار في قبضة الشجارات العلنية والموت السهل وبمساندة مطر يمحي اثر الجريمة،في القصة تتفاعل الدراما وفق إيقاع موسيقي وتنسجم مع التوتر المتنامي لـ(هيفاء)وهي رغبات ما قبل الموت ،كون حلاوة الحياة لا تكتشف إلاّ أوان الضيق والأزمات ،نكتشف جملة شهوات تتعاضد لرسم الفضاء القصصي الملغوم ـ شهوة امرأة تريد الاتصال بالحبيب ـ شهوة رجل يبغي القتل ـ شهوة سماء تريد تفريغ (منيها) لإخصاب الأرض ـ شهوة قطط تريد دحر البرد المتدفق في عروقها ـ شهوة ليل يزحف لقهر النهار ـ ووراء هذه الشهوات لابد من شهوة مقصودة،هي شهوة الكاتب والتي دفنها داخل النص لاعتبارات فنية،وترد جملة(لم يقبل الحب كل هذا الذل)ما الذي يعنيه الكاتب بـ(الذل)وهل الإهمال والإغفال في اعتباراته المهنية ككاتب له زملاء يساوي(الذل)فمحكومية العزلة آيلة للاحتضار واحتدام الرغبات دفعت إلى رغبة الاتصال عبر الهاتف قبل الأحجام،وما مراقبة(هيفاء)للشجار و إلتماعات نصل المدية إلاّ مراقبة القاص لما يجري من تدهور في العلاقات وتهميش لمن نذر نفسه ووهب عصارة حياته لصناعة الفرح للآخرين،وغالباً ما يلتجأ القاص للمفارقات كي يحافظ على التوتر الفني ولهفة قارئه،وهذه المفارقات هي جماليات قصص الكاتب عبر مسيرته الحافلة بالإبداع،ابتداءً بـ(صهيل المارة حول العالم)مروراً بـ(زليخا البعد يقترب)و(في زورق واحد)وليس آخرها(مملكة الانعكاسات الضوئية)وفحوى معظم حوارياته ومسرحياته،(هيفاء)تهرع استجابة لنقرات على الباب وكلها لهفة أن الحبيب أخيراً قد وصل،والقاص يدرك استحالة تحقيق رغبته وهو يائس من احتمالية عودته إلى ذاكرة الزملاء،لذلك يستعين بالمفارقة ويجعل(هيفاء)تصطدم بـ( الرجل) المهلهل الثياب والقاتل،وهو انسجام إيقاعي ما بين الظلام الذي أرخى سدوله والموت الذي اغتصب جسد الشاب وانتهاء وقود شهوة(هيفاء)المتمثلة كما أشرنا(محكومية العزلة) للقاص وانتهاء السماء من شهوتها،هذه التراجيديات صنعت ما يبرر النص وتحويله إلى نص إخباري تشبه إلى حدٍ ما مدوّنة قصدية تنذر بكارثية المستقبل والأسباب كما أشار إليها حسياً لا صراحة في(أحماض الخوف) ،ومن المعلوم أن ملك الموت يستلم ما أمر به برفق وتأني لاعتبارات غيبية،نجد القاص يرسم المشهد التمهيدي للموت أيضاً،(هيفاء)تسبح في واديٍ والرجل يبغي استكمال مشروعه التدميري،ويبقى السؤال هل هذا الفاصل يتكافأ مع حوار الموت مع الجسد ،تسقط(هيفاء)في فلك الموت وبنفس آلة القتل التي فتكت بالشاب الذي يساوي براعم الحياة الجديدة والزمن الجديد الذي يبغي إزاحة أغلال الماضي ونجد انتصار الماضي يتواصل على كل ما هو قادم طالما هناك فتور وإهمال وتغافل من لدن الناس تجاه بعضهم وكان القاص ممن مسه الحيف رغم استعداده المتواصل لإعطاء المغفرة لمن يأتي إليه ولو بعد حين،وموت(هيفاء)موت الرغبة،والتخلص من(هيفاء)هو التخلص من شاهد عيان والذي يساوي القتل المتعمد لإبداع المبدعين وهي طريقة متفشية تتناصر ـ ربما بوعي أو بلا وعي ـ أقلام لإهمال نتاج كاتب ما كي يطويه النسيان،نجد الفواصل المتلاحقة عند المشهد الختامي للقصة هي قيامة جنائزية ـ البرق والرعد ـ مواء القطط ـ رنين الجرس ـ هيفاء..هيفاء.. ـ أليست هذه تشبه حفلات التأبين وراء المبدعين بعد نسيانهم في الحياة..؟ وهل بات التأبين أشبه برمي جمرات السخرية على الجسد،لقد ظلّ المبدع(جليل القيسي)أميناً أبياً لمحبوبته(القصة القصيرة)لا مكترثاً بالمجاملات وظلّ يشق متون الورق كي يوصل(صهيله..)الأدبي إلى العالم في زمن بات الإبداع سلعة يتلاعب بها كل من هب ودب،وما ( أحماض الخوف)إلاّ واحدة من القصص التي تؤكد حضور القاص وتواجده في قلب المشهد الحياتي رغم ما يجري من تهميش وإلغاء للمبدعين،أجدني هكذا قرأت القصة وهكذا شعرت بالشفرات السرية استنادا لما رصدته من معاناة الكاتب وعساني لم أحد عن رؤية الآخرين..!!
***



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا كلب ينبح بوجه مولانا
- ما رواه عبيدال//قصة قصيرة
- من أجل سلّة رغيف
- أحزان صائغ الحكايات..حين يفضح النقد أسرار السرد
- خوذة العريف غضبان//مونودراما//
- مواسم الهجرة إلى الأمان
- تلك من أنباء القرى التي أنفلت
- الرابح يأتي من الخلف
- ربّاط الكلام
- أين موقع أنكيدو
- شاعر البلاط الرئاسي
- من كتاب اللعنات
- تحقيق الرغبة في رواية(غسق الكراكي) لسعد محمد رحيم
- إلى ذلك نسترعي الإنتباه
- الأوراق لا تأتي في خريف الرغبات
- رب نافعة ضارة أيضاً
- امرأة الكاتب العراقي
- الصديق الأخير
- فن النصر
- بيت كاميران


المزيد.....




- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - قراءة في قصة(أحماض الخوف)ل(جليل القيسي)