|
إسرائيل من غزة لأوسيتيا الجنوبية
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 2406 - 2008 / 9 / 16 - 00:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحرب الروسية الجيورجية التي دارت بسبب أوسيتيا الجنوبية استهدفت ما هو أبعد بكثير من حدود تلك المنطقة الصغيرة التي يقطن فيها فقط مائة ألف أوسيتي ، يفصلهم عن إخوانهم في " أوسيتيا الشمالية " خط حدود روسي . أوسيتيا الجنوبية بحد ذاتها لا تعني الكثير، ولا تمثل بالنسبة لروسيا منفذا على بحار أو ثروات ، لكنها مجرد بوابة صغيرة تفضي بروسيا إلي جيورجيا التي تعد قلب القوقاز . جيورجيا هي التي تطل على البحر الأسود ، وهي المرشحة لدخول الناتو ، وهي التي سحبت من أرض روسيا كل خطوط نفط بحر قزوين إلي أرضها . وكانت تلك الخطوط تمر عبر روسيا ، فأقام الأمريكيون خطا جديدا من باكو عبر جيورجيا إلي تركيا حيث يضخ النفط هناك ، بينما تقف روسيا متفرجة. ويعتزم الأمريكيون بناء خط آخر جديد عبر أذريبجان التي رفضت مؤخرا المشاركة فيه بعد أن لمست الحزم الروسي في الحرب الأخيرة . وبالطبع فإن روسيا لا تستريح للوجود العسكري الأمريكي المكثف على حدودها مباشرة ، أي في جيورجيا وأكرانيا وغيرها . ومن ثم فإن الحرب التي اختبرت فيها موسكو قدراتها في مواجهة أمريكا كانت رسائل متبادلة حول قضايا أخرى : مصالح روسيا وحجمها ودورها ومناطق نفوذها . وقد اختلفت مواقف القوى السياسية داخل روسيا من الحرب، ومن قرار موسكو الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية ، فقد اعتبر الديمقراطيون الجدد أن روسيا لم تضع في اعتبارها " أولوية " العلاقة مع الغرب، وأنها زعزعت تلك العلاقة باجراءاتها العسكرية والدبلوماسية . أما القوميون الروس المبتهجون بأن اقتصاد بلادهم صار الخامس في العالم ، فإنهم يروون فيما حدث درسا للغرب من أجل علاقة ينبغي أن تقوم فقط على الاعتراف المتبادل بمصالح كل طرف. الشيوعيون الروس – حسب موقفهم الذي عرضه آليج كوليكوف في جريدة " برافدا " يرفعون سقف التمني إلي ضرورة وضع سياسة مختلفة لحماية الأمن القومي الروسي في العالم. وقد لخص جينادي زوجانوف زعيم الحزب الشيوعي رؤيته بقوله : " لقد ولي زمن العناق، فالقوات المسلحة لحلف الناتو على حدودنا مباشرة ". وخلافا للحروب الإقليمية الصغيرة التي تختبر فيها الأطراف الدولية قوة خصومها ، فإن ثمة جانبا هاما في تلك الحرب يمسنا نحن العرب مباشرة ، أعني به الدور الإسرائيلي في الحرب الذي يلقي الضوء على طبيعة إسرائيل كقاعدة عسكرية تقفز من ضرب الفلسطينيين إلي قصف الأوسيتيين ، ومن لبنان إلي طهران ، ومن الجولان إلي جنوب السودان، لتؤكد طبيعتها كقاعدة عسكرية لتنفيذ السياسة الاستعمارية أينما تطلبت تلك السياسة خدمات المرتزقة . وربما التبس الأمر من قبل على الرأي العام الأوروبي والروسي فيما يتعلق بدور إسرائيل ، طالما أن عدوانها مرتبط بالمنطقة العربية ، وبأساطير معقدة دينية وسياسية ، وبصراع تاريخي تسربل بالأكاذيب العميقة، لكن ما الذي يدفع إسرائيل للمشاركة في حرب بعيدة كل هذا البعد عن كيانها ؟ إلا إن كانت تلك المشاركة استمرارا لحقيقة دورها الذي لايقتصر على المنطقة ؟ . وقد أدركت النخبة الروسية تلك الحقيقة إلي حد كبير، ونشرت صحيفة إزفستيا في 8 أغسطس أن تل أبيب تلقت شكوى روسية بشأن الطائرات الإسرائيلية التي تعربد في جيورجيا ، وفي 9 أغسطس يكتب فلاديمير باجدانوف في " الجريدة الروسية " أن جيورجيا تعاقدت مع أمريكا وإسرائيل على 24 دبابة ، و 97 مدرعة ، وحوالي مئة ألف قطعة سلاح خفيفة ، وتنشر ازفستيا مرة أخرى في 11 أغسطس صراحة أن إسرائيل تزود جيورجيا بمختلف الأسلحة . أما وسائل الإعلام الإسرائيلية ذاتها فقد كتبت أن تل أبيب زودت جيورجيا ب 23 طائرة تجسس، وبعدد من دبابات " ميركافا" كما أشرف مدربون عسكريون إسرائيليون على تدريب الجيش الجيورجي من بينهم الجنرال إسرائيل زيف. ولا ينكر الجانب الجيورجي الدعم الإسرائيلي ، فقد صرح الرئيس الجيورجي ميخائيل ساكشفيلي لصحيفة " هآرتس " الإسرائيلية بقوله " لدي إسرائيليان اثنان من أعضاء حكومتي ، أحدهما وزير الدفاع دافيد كيزيراشفيلي ، والثاني وزير شئون التكامل الذي يعمل في المفاوضات تيموري يعقوبشفيلي ، وهكذا فإن موضوع الحرب والسلام عندنا هنا في أيدي يهود إسرائيليين " ! لاشك أن للحرب الروسية الجيورجية أكثر من صدى، وتأثير ، وتحليل ، إقليمي ودولي ، لكن ما يهمنى منها الآن هو أن تلك الحرب توضح طبيعة إسرائيل ، الطبيعة التي تقودها إلي تقديم خدماتها هناك بعيدا عما تدعي أنه حدود مشاكلها ومآسيها .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مارينا تسفيتايفا .. الشعر والموت
-
فالنتين راسبوتين .. بحثا عن الحقيقة
-
المعلمون في مصر يطالبون بحق الحياة
-
محاسبة المطبع مع إسرائيل جورج البهجوري
-
محمود درويش .. والعابرون في كلام عابر
-
رحيل سولجينتسين .. أسطورة المواجهة
-
ثورة يوليو والثقافة
-
الفن والكرامة
-
ماذا كسب جورج البهجوري بزيارته لإسرائيل ؟
-
د. محمد غنيم .. من أحلام مصر
-
النقاش والطفلة
-
وداعا أيتماتوف !
-
دمياط تواجه حملة - أجريوم - الكندية
-
رواية العمامة والقبعة لصنع الله إبراهيم .. زمن الغزو
-
الآخرون .. ترف أم ضرورة ؟
-
مصر .. أكواخ وقصور
-
فلسطين في القاهرة اليوم
-
كيف صارت أمريكا شيوعية ؟
-
البدين والنحيف
-
كرم العنب تحفة عبد الوهاب الأسواني
المزيد.....
-
صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران
...
-
إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
-
كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت
...
-
دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
-
أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في
...
-
لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير
...
-
-الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ
...
-
سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
-
خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج
...
-
زلزال يضرب غرب تركيا
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|