أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - وداعا أيتماتوف !














المزيد.....

وداعا أيتماتوف !


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2321 - 2008 / 6 / 23 - 06:14
المحور: الادب والفن
    



لم أستطع حين علمت برحيل الكاتب الكبير جنكيز أيتماتوف أن أنحي من ذهني صورة لقائي به في موسكو عام 1978 ، عندما كنت أنهي رسالة الماجستير وكانت روايته الشهيرة " جميلة " جزءا أساسيا من بحثي . وقد كان الانطباع الرئيسي الذي تركه في هو أنه إنسان واقع تحت ضغط شديد . في حينه لم أستطع تفسير اسباب ذلك الانطباع القوي. لكن السنوات اللاحقة أظهرت تلك الأسباب. فقد ولد أيتماتوف عام 1928 في بداية المرحلة الستالينية في قرية شكير المتواضعة في بلد جبلي فقير نشأت ثقافته تحت تأثير الثقافتين العربية والتركية ، وكان والده توريكول أيتماتوف كاتبا اعتقلته السلطات عام 1937 وأعدمته بعد ذلك بسنة. وربما يكون الخوف الشديد أو الحذر هو الذي رسم خطوات أيتماتوف لاحقا ، فقد أنهى معهد للاقتصاد الزراعي في قرغيزيا ثم عمل سكرتيرا لمجلس سوفيت بإحدى القرى، ولم يكف بعد ذلك عن تأكيد ولائه للسلطة السوفيتية التي رفعته إلي القمة بعد صدور أولى رواياته " جميلة " عام 1958 ، فقد منح جائزة لينين في الأدب عام 1963 ، وكل الألقاب التي كانت تمنح بدءا من كاتب قرغيزيا الوطني وانتهاء ببطل العمل الاشتراكي إلي أن أصبح عضوا في مجلس السوفيت الأعلى وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي القرغيزي ، وتقلد منصب مستشار الرئيس جورباتشوف عام 1989 . حينذاك كان أيتماتوف يتحدث كثيرا عن أهمية " النظام الاشتراكي والأيديولوجية الشيوعية " كوسط اجتماعي في تربية موهبة الكاتب، وفي المقابل حرصت الدولة على تصدير أعماله الأدبية مترجمة إلي مائة وخمسين لغة ، خاصة عندما قل عدد الكتاب السوفيت الموهوبين وسط جيش من أدباء الدعاية. وكان أيتماتوف موهوبا ، ومخلصا لعمله بشكل مذهل، وفي الوقت ذاته كان يمثل أبلغ رد على القول بأن روسيا تحتل الجمهوريات الآسيوية ، لأن أغلب ماكتبه كان يمثل بالفعل النزعة " الأوراسية " التي جمعت بين منجزات الأدب الروسي الأوروبي وتقاليد آسيا ومزجت بين الخصائص القومية المحلية والنزعة الإنسانية . وكان أيتماتوف يكتب باللغتين القرغيزية والروسية، وعام 1965 كتب روايته " وداعا جولساري " بنفسه بالروسية . وبدءا من روايته " جميلة " التي قال عنها الشاعر الفرنسي أراجون إنها " أعظم قصة حب في العالم " استمرت رواياته في الظهور " شجيرتي في منديل أحمر " ، و السفينة البيضاء " و " الكلب الأبيض الراكض على حافة البحر" ، و" يمتد اليوم أطول من قرن " ، ثم " النطع " وأخيرا " نمر من ثلج". وحافظ أيتماتوف في معظم أعماله على حذره ، وتفادي الصدام مع الأوضاع السوفيتية ، لكنه حين انهارت الدولة أخذ يتحدث عن " الأخطاء الاستعمارية لموسكو في قرغيزيا " ، ثم تخير العمل سفيرا لقرغيزيا في أوروبا حيث ظل هناك في شبه هجرة لمدة ستة عشر عاما كأنها قطيعة مع الماضي الذي لم يستطع أن يواجهه ، والأكثر من ذلك أنه كان مجبرا على دعمه بقرار شخصي منه . هناك أدباء سوفيت كثيرون أجبرتهم المرحلة الستالينية على الصمت، فلزموا الصمت ، لكنهم لم يتطوعوا بقول ما لا يعتقدونه ، وقد لا يجوز أن نحاسب أيتماتوف الأديب الكبير من هذه الزاوية السياسية ، لكن هذه الزاوية تحديدا هي التي حددت أفق كتاباته الأدبية ، بحيث تظل دائما منطوية على جزء من الحقيقة دون أن تعلو بهذه الحقيقة إلي سماء الأعمال الخالدة التي بلغها كتاب آخرون مثل ميخائيل بلجاكوف في رائعته " المعلم ومارجريتا " ، لكن موقف بلجاكوف كان مختلفا ، فاختلف مصيره واختلف إبداعه ، ودفع ثمن ذلك عندما ظلت أعماله حبيسة خزائن اتحاد الكتاب السوفيت لأكثر من ربع القرن دون أن ترى النور . وبرحيل جنكيز أيتماتوف ، ابن الجبال القرغيزية القاسية ، يختفي آخر الكتاب السوفيت العظام بعد أن رحل من قبله فاسيلي بيكوف ، ويختفي من تاريخ روسيا ذلك النمط من الكاتب الحذر ، الموهوب ، الذي يريد لكنه لا يستطيع أن يقول كل شيء إلي النهاية ، الكاتب التراجيدي بكل تناقضاته ، وبحيرته بين وأد موهبته أو التعبير في حدود المتاح .
كان أيتماتوف قبل وفاته بأسبوعين يتابع في قازان تصوير مشاهد من فيلم عن روايته " ويمتد اليوم أطول من قرن" ، ثم نقل بالتهاب كلوي إلي مستشفى محلية، وبعدها بثلاثة أيام إلي ألمانيا حيث توفي هناك في العاشر من يونيو عن ثمانين عاما . وصية أيتماتوف الوحيدة كانت أن يدفن إلي جوار والده الذي أعدم ظلما ، هكذا قرر أيتماتوف أن يعود إلي الحقيقة التى خيرته الظروف بين إعلانها والتوقف عن الكتابة ، أو كتابة الجزء المتاح من الحقيقة . وفي كل الأحوال فإن رحيل الكاتب القرغيزي الكبير يظل كما قال الرئيس الروسي السابق بوتين " خسارة لا تعوض.. فقدنا بها كاتبا عظيما ومفكرا ومثقفا ذا نزعة إنسانية " . أما في قرغيزيا بلاده ، فقد أعلن يوم الرابع عشر من يونيو يوم حداد قومي تنكس فيه الأعلام في كل مكان.

***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
[email protected]



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمياط تواجه حملة - أجريوم - الكندية
- رواية العمامة والقبعة لصنع الله إبراهيم .. زمن الغزو
- الآخرون .. ترف أم ضرورة ؟
- مصر .. أكواخ وقصور
- فلسطين في القاهرة اليوم
- كيف صارت أمريكا شيوعية ؟
- البدين والنحيف
- كرم العنب تحفة عبد الوهاب الأسواني
- الفن والحياة الاجتماعية
- الأدب في خطر !
- حصان فلسطيني أحمر
- حدثونا الان عن السيادة المصرية !
- فيلم - حين ميسرة - عندما يولد الفن ولا يعيش
- مقالات د. محمد مندور
- أبوتريكة يسجل هدف التعاطف مع غزة
- الدب الروسي يثير القلق
- الشاعر أحمد حجازي و - استحالة حوار -
- بنات علم وكرامة
- البكاء على الأشرطة الأمريكية
- رحيل رمسيس لبيب


المزيد.....




- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...
- تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان -نسمات ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - وداعا أيتماتوف !