أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - البكاء على الأشرطة الأمريكية














المزيد.....

البكاء على الأشرطة الأمريكية


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2129 - 2007 / 12 / 14 - 10:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم أر في حياتي ندابة مآتم في ثوب ملون فاقع ، ولم يسبق لأحد أن رأى جامع قمامة في رداء يفوح بالعطر كالفل ، ولا شاهد أحد " ميكانيكي " سيارات بيدين خاليتين من الشحم . ذلك أن كل عمل يفرض وسائله المحددة للقيام به ، وهذه الوسائل ليست شكلا خارجيا يمكن فصله عن طبيعة الدور فهي تعبير عن جوهر وهدف العمل . فليست هناك مهمة محزنة بدون دموع، ولا عملية جراحية بدون مشرط ، ولا توجد مهمة نبيلة بدون لحظات صفاء أقرب إلي قصائد الشعر. إن الوسائل تكاد أن تكون العمل ذاته. وقد أدهشتني دهشة الأمريكيين وغضبهم بسبب التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز وجاء فيه إن المخابرات الأمريكية ( سي آي إيه ) أتلفت أشرطة تسجيل تثبت استخدام طرق غير مشروعة أثناء التحقيق مع المعتقلين في " جوانتانامو" أشهر معتقل للعولمة الجديدة حيث لا يميز الجلادون بين البشر بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة أو الانتماء القومي . وأشارت الصحف بذلك الصدد إلي استحداث المخابرات الأمريكية لطريقة تعذيب تسمى " الإغراق بالمحاكاة " التي تغمر السجين أثناء التحقيق معه بالإحساس بالغرق ! ويتم التحقيق مع السجناء المعزولين من كافة بلدان العالم بما فيها الصين بناء على برنامج سري للاحتجاز والاستجواب يسمح باستخدام وسائل مجهولة ، وهو البرنامج الذي قالت عنه الناطقة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو إنه " برنامج قاس وقانوني " ، فجعلت من القسوة وليس العدالة جوهر القانون ، وأقرت بأن القسوة هي جوهر السياسة الأمريكية التي تتشدق بالحديث عن حقوق الإنسان وتغمر أفراد منظمات المجتمع المدني في بلادنا بملايين الدولارات لمواصلة التشدق ذاته . وقد بررت الحكومة الأمريكية إتلاف المخابرات الأمريكية لأشرطة التسجيل أثناء التحقيق بأن ذلك جاء لحماية هوية ضباط المخابرات المكلفين بالتحقيق من أي انتقام محتمل. لكن السيناتور الديمقراطي ديك ديرين رفض ذلك التبرير قائلا : " نحن نعلم أنه من الممكن وبسهولة إخفاء هوية المحققين من أي شريط فيديو ، لكن يبدو أن الأشرطة التي دمرت كانت تحتوي على ما هو أكثر من ذلك " . وأكد السيناتور دوربان المعنى ذاته بقوله : " لاشك أن الشرائط كانت تحتوي على أمور مزعجة للغاية وإلا لما تم إتلافها " . ووصف كارل ليفين تبرير الناطقة باسم البيت الأبيض بأنه " مثير للشفقة " ، أما السيناتور الديمقراطي أيضا إدوارد كيندي فصرح بأن : " إدارة بوش ضربت بقيمنا وبالقانون عرض الحائط على مدى السنوات الست الماضية " . أقول لقد أدهشتني صحوة ضمير الديمقراطيين من أعضاء الكونجرس الأمريكي ، وغضبهم ، وحديثهم عن أن بوش ضرب بالقيم الأمريكية عرض الحائط ، واحتجاجهم الشديد ، كأنهم لم يسمعوا من قبل عن معتقل أبي غريب في العراق ! أو أن كل ما أغضبهم هو التحايل على القانون الأمريكي بإتلاف شرائط تسجيل ، فانتهاك القانون عندهم هو المشكلة ، أما تعذيب الناس في " جوانتانامو" فليس مشكلة طالما لم يتلف أحد أي شريط فيديو ! كما لم تثير قلقهم التهديدات ألأمريكية المستمرة لإيران، وسوريا ، ولبنان ، وتدخلها في السودان ، وحصارها لكوبا ، وتلويحها بالقوة في مواجهة كوريا ، ودعمها إسرائيل بكل الوسائل . المهم الحفاظ على " القانون الأمريكي " ، لأنه أمر يخص " عظمة الأمريكيين " ويمثل اعتداء على حريتهم ! أما الاعتداء على حريات الشعوب الأخرى فأمر يمكن التغاضي عنه !
أدهشني أيضا غضب ونفاق المنظمات الحقوقية مثل هيومن رايتس التي اعتبرت الأمر " تدميرا لدليل مادي " ! كأن إنشاء معتقل كامل مغلق لا يسمح للمراقبين بزيارته أمرا كان يحتاج إلي أدلة على ما يحدث بداخله ! ولم أسمع خلال تلك الحملة صوتا يحتج على احتلال أمريكا العراق ، أو يحتج على القتل اليومي للفلسطينيين بدعم أمريكي ، أو المجازر التي تنفذها القوات الأمريكية في أفغانستان. كأنهم يريدون " استعمارا " بالقانون وليس بانتهاك القانون ! فلو أن الإدارة الأمريكية لم تتلف الشرائط ، ولم تتحايل على القانون ، لأصبح كل شيء ممكنا : الاحتلال ، والتقسيم ، والقتل . لكن المهمات تستدعي وسائلها، وقد كان التاريخ الاستعماري بأكمله ظاهرة عنيفة استدعت معها كل طرق القسوة والتعذيب ولم ترافقها قوانين أخرى غير الوحشية. إنهم يوافقون على المهام ويحتجون على طريقة تنفيذها، يؤيدون دور الندابة لكنهم يريدون لها أن تكون في ثوب ملون مفرح وهي تنعي القتيل !



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل رمسيس لبيب
- فرصة سعيدة
- تشيخوف والمثقفون .. نص لم ينشر
- الخطر الذي يهدد الصحافة المصرية
- في محبة الوهم
- من أطلق لرصاص على هند علام .. لكي أشكره ؟
- من أطلق الرصاص على هند علام ..لكي أشكره ؟
- من الأردن إلي شيكاغو
- سلاطين المماليك وخيال الظل
- روايات الكاتبة الروسية ناتاليا فيكو
- الدولة والإخوان في مصر
- احتباس حراري واجتماعي
- النقد والمجتمع
- ماتروشكا للاستبداد
- أحمد عبد المعطي حجازي وقضية الحرية
- فن الكذب
- التعذيب للجميع .. مشروع قومي
- معبر إلي وطن
- الباب المغلق
- معارك نقدية


المزيد.....




- شبيه جيف بيزوس يسرق الأضواء في شوارع البندقية.. قبل زفاف الم ...
- سان جورجيو ماجوري.. الجزيرة الساحرة التي اختارها بيزوس ليومه ...
- إسرائيل ترصد صاروخا من اليمن والمتحدث باسم قوات الحوثي يعلق ...
- إيران تُشيع قتلى الحرب مع إسرائيل بموكب جنائزي ضخم في قلب طه ...
- توجه لحظر حركة -فلسطين أكشن- في بريطانيا، فماذا نعرف عنها؟
- مجلس الشيوخ يجهض مساعي الديمقراطيين لتقليل صلاحيات ترامب في ...
- خلف ستار الهجمات الإسرائيلية على إيران: كيف أعد جواسيس الموس ...
- تشيع رسمي وشعبي في إيران لقادة عسكريين وعلماء نوويين قتلوا ف ...
- وزير الخارجية الإيراني يندد بـ-النوايا الخبيثة- لمدير الوكال ...
- ترامب يرى أن وقف إطلاق النار في غزة بات -وشيكا-


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - البكاء على الأشرطة الأمريكية