أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - محمود درويش .. والعابرون في كلام عابر














المزيد.....

محمود درويش .. والعابرون في كلام عابر


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2376 - 2008 / 8 / 17 - 11:49
المحور: الادب والفن
    


رحل عن عالمنا محمود درويش أعظم شعراء اللغة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ، وأعمقهم أثرا . وهو أثر يرتبط بوضع تاريخي ، أصبح فيه صوت الشاعر الفلسطيني صوتا لكل الشعوب المجبرة على حياتها المرة ، وحين كتب درويش " سجل أنا عربي .. " كان يعبر من الحالة الفلسطينية الخاصة إلي القانون العام للوضع العربي ، على امتداد وثراء ذلك الوضع ، جغرافيا ، وثقافيا ، وسياسيا ، ولغويا . ومن هنا اكتسب مكانته ، ليس فقط بإنجازاته في تطوير الشعر العربي ، ولكن أيضا لأن هذه الانجازات مرتبطة بقضية تاريخية ضخمة ، ومن ثم أصبح درويش خريطة وكلمات كل وطن محتل . شعراء قليلون عبر تاريخ الثقافة هم الذين استطاعوا أن يصبحوا رمزا عاما ، مثل بابلونيرودا ، ومايكوفسكي ، ومحمود درويش ، ولهذا يتدفق كل هذا الحزن الجارف على درويش في أنحاء الوطن العربي . ولا أريد هنا أن أعبر عن مدى حزني العميق لرحيل ذلك الفارس ، وشعوري بفداحة الخسارة ، لأنني بذلك لن أضيف جديدا إلي كل الأصوات الحزينة التي تفجرت بألمها في شكل قصائد ومقالات ورسائل قصيرة ، لكنني أريد أن أناقش العلاقة بين السياسي والشاعر في ظاهرة محمود درويش ، ذلك أن البعض انقض على درويش بعد رحيله ، وهاجمه بقسوة ، وبلا رحمة ، بسبب مواقفه السياسية ، هجوما يدل فقط على السطحية الشديدة التي نتعامل بها مع قضية كتلك . أنا ضد التطبيع هذا معروف ، وضد الصلح ، وأعتقد أن فلسطين لابد أن تعود كاملة لشعبها مهما طال الزمن ، وأن تحريرها بالمقاومة سيظل الحل الإنساني الوحيد ليس فقط للشعب الفلسطيني ، بل ولليهود الذين وفدوا إلي هناك بأحلام الغزو والاستيطان والحياة على حساب شعب آخر . لكنني أستطيع أن أتفهم تماما اليأس والاحباط في قضية معقدة مثل قضية فلسطين ، وأستطيع أن أتفهم تماما موقف محمود درويش الداعي للتسوية والمؤيد لفتح ، ومشاركته في حوار علني مع مثقفي " المابام " الإسرائيلي ، ودعمه لاتفاقيات أوسلو ، وغير ذلك . أستطيع أن أتفهم تماما أن صوت محمود درويش في مرحلة قصائد المقاومة الأولى قد اختلف، لأن المرحلة صارت أخرى ، ولم تعد المقاومة قادرة على إلهام من حولها كما كان حالها في البدايات . لكن موقف محمود درويش السياسي هنا - رغم الخلاف معه - لا يحدد قيمة محمود درويش . فموقفه هذا ، هو موقف آلآف ، إن لم يكن عشرات الالآف، الذين ليس من بينهم محمود درويش واحد . ولا تكمن قيمة الشاعر الراحل الكبير فيما يشترك فيه مع الآخرين ، لكن فيما يتميز به عنهم ، فيما يكتبه من شعر مشبع بالدعوة لتحرير الوطن بأعمق معاني تلك الدعوة وشتى أشكالها وثراء تناولها غير المحدود . من غير درويش كتب " عابرون في كلام عابر؟ " ومن غيره قال : " أيها المارون بين الكلمات العابرة ، أيها المارون في الكلمات العابرة ، احملوا أسماءكم وانصرفوا ، واسحبوا ساعاتكم من وقتنا وانصرفوا ، وخذوا ما شئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة ، وخذوا ماشئتم من صور ، كي تعرفوا ، أنكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من أرضنا سقف السماء .. فاخرجوا من أرضنا .. من برنا .. من بحرنا .. من قمحنا .. من ملحنا .. من جرحنا ! " . في هذا الشعر موقف محمود درويش ، وليس في غيره . أحيانا ما تنشأ في الأدب مسافة بين ما يعكسه الأدب في واقع الأمر ببنيته وتكوينه ورؤيته ولغته ، وبين حركة الكاتب في الواقع الاجتماعي والسياسي . كان عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية " الأرض " العظيمة مؤيدا لاتفاقيات كامب ديفيد ، وكذلك نجيب محفوظ بقامته التي لا تطال، لكن ذلك الموقف السياسي لم يسقط أبدا قيمة الأعمال الأدبية الفذة التي قدمها الاثنان، لأن تلك الأعمال كانت في واقع الأمر توحي بشيء مختلف يكفل لها البقاء والحياة والتأثير . ولن يبقى من الشاعر الراحل الكبير ذلك الشيء الذي اشترك فيه مع الآلاف ، لكن سيبقى منه ذلك الشيء الذي تميز به عن الآلاف ، شعره ، وقصائده ، التي مجدت كلها الحرية ، والجمال ، وأنبل المعاني . أما الذين وجدوا في رحيل الشاعر فرصة رخيصة لتسوية حسابات ، فإنهم " عابرون .. في كلام عابر جدا " لا أكثر . رحم الله محمود درويش خريطة الوطن التي فارقتنا ، وخريطة الشعر ، وطرح البركة في شعبه الأسطوري الذي تبزغ في أرضه معجزة البطولة كل ساعة .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيل سولجينتسين .. أسطورة المواجهة
- ثورة يوليو والثقافة
- الفن والكرامة
- ماذا كسب جورج البهجوري بزيارته لإسرائيل ؟
- د. محمد غنيم .. من أحلام مصر
- النقاش والطفلة
- وداعا أيتماتوف !
- دمياط تواجه حملة - أجريوم - الكندية
- رواية العمامة والقبعة لصنع الله إبراهيم .. زمن الغزو
- الآخرون .. ترف أم ضرورة ؟
- مصر .. أكواخ وقصور
- فلسطين في القاهرة اليوم
- كيف صارت أمريكا شيوعية ؟
- البدين والنحيف
- كرم العنب تحفة عبد الوهاب الأسواني
- الفن والحياة الاجتماعية
- الأدب في خطر !
- حصان فلسطيني أحمر
- حدثونا الان عن السيادة المصرية !
- فيلم - حين ميسرة - عندما يولد الفن ولا يعيش


المزيد.....




- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...
- الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو ...
- برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع التخصصات عبر ...
- دورة استثنائية لمشروع سينما الشارع لأطفال غزة
- تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا: معركة ضد مشروع استعماري متجدد ...
- انطلاق أولى جلسات صالون الجامعة العربية الثقافي حول دور السي ...
- محمد حليقاوي: الاستشراق الغربي والصهيوني اندمجا لإلغاء الهوي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - محمود درويش .. والعابرون في كلام عابر