أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مرح البقاعي - الشاميّة العالمية














المزيد.....

الشاميّة العالمية


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2356 - 2008 / 7 / 28 - 10:47
المحور: المجتمع المدني
    


لن أدّعي أني أباشر الورق اليوم بمصطلح سياسي جديد أُطلق عليه- بنرجسيتي الدمشقية المعهودة - اسم" الشاميّة العالمية". بل سأتحدث، وببساطة لغوية غير مسبوقة لنصوصي الجانحة غالبا إلى الترميز والتضميرالمدجّجين بالاقتباس، عن وصفة طعام مغربية، تصنع من الدقيق الذي يتم طهيه في قدر على نار لينة إلى أن يحمرّ، ثم تمزج معه بعض المكونات الأخرى التي تباع عند العطارين، مثل الجلجلان و النافع و الزرارع وغيرها، وتتم تحلية الخلطة بالسكّر المثلج، وتوضع على شكل قبة في إناء، ثم تنمّق بخطوط السكر، ويطلق عليها اسم الشاميّة العالمية!

لفتني اسم هذه الحلوى حين حدّثني عنها صديقي المغربي بنهم ذاكرة الطفولة، قال:"عندما كنت صغيرا كانت هذه الأكلة تباع في الأزقة وعلى أبواب المدارس. وكنا كلما رأيناها نتسابق إلى اقتنائها بريال أبيض. ومن كان لديه ريالات أكثر يشتري كمية أكبر بالطبع. وما كان يعجبنا في هذه الأكلة هو بالضبط مذاقها الحلو العجيب الذي كان يظل عالقا بأذواقنا ساعات بعد تناولها". وأردف مستذكرا:"أحيانا، كان أحدنا يحظى بامتياز أن تصنع له أمه الشاميّة العالمية في البيت، وحسب شطارة الطفل، فكان إما يبيعها، أو يوزعها مجانا على الأطفال لكسب مودتهم".

لا أعرف كيف حملتني براءة صور الطفولة تلك، بشاميّاتها، إلى عمق الخبث والتنظير السياسيين، في محاولة مني لتحديد معايير الطبخة السياسية السورية الدائرة هذه الأيام، ببعديها الإقليمي والدولي، والتي بدأت تؤتي أكلها ومذاقها "الحلو"، بدءا بماشهدناه من ترتيب البيت السياسي اللبناني على استعجال، ومبادلات الأسرى "الأحياء"، بالأسرى "الجثث" بين حزب الله " كمؤسسة مقاومة" واسرائيل" كدولة احتلال"، مرورا بجدلية الجلوس الأميركي إلى إيران - الظهير السوري غير المفوّض- على طاولة المباحثات في مدينة جنيف السبت الفائت، وبمشاركة من وكيل الشؤون السياسية في الخارجية الأميركية وليام بيرنز، ما يمثل تحولا في سياسة الولايات المتحدة تجاه طهران، بعد أن كانت قد أعلنت مرارا رفضها المشاركة في أية مباحثات مباشرة مع إيران ما لم توقف الأخيرة عمليات تخصيب اليورانيوم، وصولا إلى زيارة وفد سوري"غير رسمي" هذا الأسبوع إلى الولايات المتحدة للقاء بعض من "الرسميين" في وزارة الخارجية الأميركية، الأمر الذي نفت السفارة السورية في واشنطن مروره في أروقتها الدبلوماسية، لكنها أيدت فكرة الحوار- في حال حدوثه ـ " وعلى كل المستويات، دون أن تتحمل مسؤولية توزيع حلوى "الشاميّة العالمية" على صانعي القرار هنا، في عاصمة القرار!

ويردّني الأمر سريعا إلى بعد آخر للمسألة، بعد سياسي فقهي، إجداثياته تتموضع لدى المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي في رؤيته لتأصيل مفهوم المجتمع المدني مقابل السلطة الشمولية، ساعيا إلى خلق توليفة تضم القوتين المتجاذبتين، المدنية والسياسية، بهدف بناء مجتمع مدني يتحرك في فضاء الدولة دون أن تحتويه الدولة، أو تسيطر عليه، على اعتبار ان المجتمع المدني ( الأفراد) "يتشكل بالأيديولوجي، والثقافي، والرضائي، و يزدهر في ظل الديمقراطية، والليبرالية، لأنه يقوم أصلا على فكرة العقد، والقبول، والطواعية، والاختيار، عكس المجتمع السياسي (الدولة)، الذي يقوم على السيطرة والفرض، والقسر، والإرغام"، على حد تعبير غرامشي. وضمن هذا السياق السياسي التوليفي تتضح وظيفة المجتمع المدني في ظل "المركزية الديمقراطية" أو الدولة التي "تتمركز ديمقراطياً"، الدولة التي تحتسب في معادلاتها السياسية فاعلية الجماعات المدنية، وحراك الأفراد الشعبي .

الأسئلة المطروحة اليوم على مائدة إلحاح "اللحظة" أو "الوجبة" التاريخية الدسمة، هي في حدها الأدنى: هل إطلاق سراح ناشطَين سياسيَين اثنين مؤخرا في دمشق هو نوع من المقبلات السياسية لحملة أوسع تشمل تسريح كل سجناء الرأي من معتقلاتهم التعسفية، سوريين كانوا أم غير سوريين؟ وهل يتصالح المجتمع المدني الشعبي السوري مع القبضة السياسية الرسمية السورية في محاولة "ديمقراطية" لإعادة بناء الدولة التي نخرتها بيروقرطية العصبيات والترسبات الشللية، وغيّب مؤسساتها المدنية عفن الطفيليات التي نبتت على رطوبة النفَس "الأمني" العصابي القاصر؟ وهل ستتزامن المصالحات الجماعية السورية مع العالم، وبلا استثناءات لدول "معادية" بعينها، مع مصالحات مع "الداخل" المغلوب على أمره؟ هل من وصفة سحرية تفكّ طلاسم "السكتة السياسية" التي دفع المواطن السوري ثمنها ، لعقود خلت، ضمورا في حنجرته، ورغيفه، ومستقبل أبنائه؟

أبناء سوريا ينتظرون الشاميّة العالمية على بوابات الغد، فهل من "طاهٍ" استثنائي يحضّر، على نار هادئة، وصفة بحجم أحلام البلد؟ هل من صانع حاذق لوصفة المصالحة الوطنية السورية، وصفة تشكّل نموذجا ورديفا لمصالحات إقليمية ودولية موازية قادمة؟!

في واحدة من زياراتي - التي انقطعت - إلى دمشق، ومن الأشخاص الذين لم تكن لتستوي إقامتي في مسقط رأسي إن لم أقم بزيارته، كان المرحوم الفنان التشكيلي العالمي فاتح المدرس. قرأت مرة عبارة كتبها على حائط مرسمه ـ المرسم الذي كان على وزارة ثقافة رشيدة أن تحيله إلى متحف للفن الوطني وأن تحتفي بتاريخ حقبة فنية غنية ورائدة في الفن السوري قبل أن يُغيّب معالمه طلاء الجدران الأبيض السقيم ـ قرأت العبارة التالية: "بإمكان رجل واحد أن يخرج أمة من التاريخ". وأنا أقول اليوم: وبإمكان "رجل" أن يعيدها إلى دورة التاريخ من جديد! فهل من رجل؟!




#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة الابن الضال
- في القراءة الأصولية
- امرأة غوانتانامو
- أفعى في بنطلون!
- في رثاء البلد.. وأمي
- بعد الذهاب.. قبل الوصل
- شرق الغيب وغرب المعرفة
- المنتحرون ‍!
- وديعة رابين أم وديعة الأسد ؟
- لا عزاء للسيدات
- تحييد الإسلام السياسي
- أل التعريف والأندلس المفقود
- المحور الثالث يطلق مشروعه الجديد: الحوار العربي الأميركي
- الشبكة.. والغربان
- -حروب -المؤمنون الجدد
- مرح البقاعي: الشاعرالفرد في مواجهة العالم
- عين سوريا السينمائية
- ليس للمساجلة
- إعلان سوريا
- الشعر بين القبض على الماء أو الانسحاب في نجمة


المزيد.....




- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي
- مصر وأيرلندا: غزة تعاني المجاعة وغير قابلة للعيش
- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...
- انتشال 19 جثة لمهاجرين غرقى بسواحل صفاقس التونسية
- غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مرح البقاعي - الشاميّة العالمية