أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - أفعى في بنطلون!














المزيد.....

أفعى في بنطلون!


مرح البقاعي

الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


ظلمة غرفتي عادةٌ سرّية لا يخرق رتابتها سوى ضوء مصباح خجول ينير غلاف كتابين أحفظهما قريبا من وسائد تزدحم على سريري الياباني الذي يقارب أرض الغرفة، أحدهما المجموعة الكاملة لأعمال غسان كنفاني، والثاني مجموعة مختارة من الشعر الرِوسي، مترجمة إلى العربية.

من أسرار السرير الياباني، وهو إطار خشبي يلامس الأرض وفي داخله فراش، من أسراره أنه يُداني من الأرض التي منها وإليها المستقر. حالة مثلى أن يكون السرير أقرب إلى قبرمكشوف، فالنوم هو حالة موت مؤقت كما ينسب إليه!. متعة هو الموت القليل، يحملك إلى عالم من ملح وزبد، عالم في المفترق بين الوعي والهذيان، حيث المكان مساحة مفتوحة من عشب صناعي مشذَّب بأناقة ذقن قديس، تحاوط قبرا بلا غطاء، تقوم على حراسته خمس نساء حبالى من طائفة المورمن!.

النوم غيمة من خمر ومَلل، وملاءات مشدودة إلى أقصيي القطيعة: قطيعة النور وقطيعة التشبّث. النوم انفلات من مُخمل التحكّم وتسليم لأظافر الشياطين تحكّ بنعومةٍ قاع الروح. النوم فرصة الذاهب في تعبه للوصول إلى حافة الارتخاء، وطي للمسافة في بقجة الراجع إلى تكوّر الرحم، النوم أيقونة المعابد المهجورة وطواف هاذٍ حول كعبة من ريش وتمر.

النوم انقلاب والصحوعادة.

في النوم تداهمني قصيدة "غيمة في بنطلون" تطوّفني في تلافيف دماغ فلاديمير ماياكوفسكي، ألاحق مسار الرصاصة التي اخترقت حاجز الدم والفاكهة من شعره. هل لشاعر مسكون "بالرضوض والعذابات" أن ينهي حياته بطلقة مسدس لو تسنّى له النوم في قبر مكشوف، كسريري الياباني؟

فلاديمير في نيويورك يكتب الناطحات في تعويذة كنسية، وأنا في واشنطن أخبّ بقدمي العاريتين في طميّ اللغة. وكلانا يختصر التجربة الأميركية في جرعة أخيرة يستقيل بها من لزوجة الممرات المعتمة.

ـ وحين انفجر غسان كنفاني على الإسفلت البيروتي، طارت العصافير من نخر في جمجمتي المسكونة بالعناكب ودبق الهالويين.

علّمني سريري الياباني أن أزج الضوء في قارورة وأرميها إلى ماء العدم. وما أن يداهمني النهار الأميركي حتى أنتصب أفعى في بنطلون. هو صباح يدورعلى شوارع المدينة اللاهثة بتسارع مواعيدها الرتيبة ولقاءاتها المبرمجة وشخوصها الباهتة، كلٌّ في فلك يسبحون. وأنا أنتصب كأفعى في بنطلوني الضيق، وأناورالمسافة في مضيق من المياه المالحة والطحالب. في مدينة الجمادات يختفي حفيف الأصحاب وواصلو الرحم ليرتفع أزيز العجلات المسرعة على الإسفلت الواشنطني السميك.

ـ حين هبطت أشلاؤه على حديد الشرفات، وظلال المارّة، وشجرات الدفلى، خرج غسان من خيمة عزلته واتكأ إلى الشمس، ليشهد فصول موته العسير.

أن تكون ـ مختاراـ وحيدا وأعزلا في مدينة كواشنطن، يعني أن تواصل الانجرار من عتمة نفق، إلى نفق، إلى نفق، حتى تتكسر أظافرك، ويتساقط شعرك، وينسد صمّام قلبك من نقص في دفق عسل الوصل!.

هي امرأة خبرت بعضا من رجالٍ، وذيّلتهم ببهلوان!. كانت تدوّره كقط مربوط من رقبته إلى حافة سريرها الياباني الشاسع، تتلهى بتفاصيل طاعته المستترة، وتتمدد على جسده كما الصوفي على سجادة من زجاج مهشّم. علّمَته أن يتهجى اسما أرادته له، وعلّمها أن تتقيء معاشرته!.

- لماذا لم تنفجرعلى ناصية سريري الياباني لأنقّط جلدكَ بمائي الذي لكَ من ورد وسكر.
ـ لماذا ترتفع الى أقصى قبة الزُرقة، وتخلّفني على إسفلت واشنطن السميك، ألدغ نفسي، وكل حيّ، كل صباح، ثم أختفي في بنطلون؟

الوقت ينزّ صدأً، وغيابكَ يضحد الحجر.
أزورك في هيبة الثلج، وتزورني في اندلاع شارات المرور.
أهرع إليك حتى لا أبتعد، فأصطدم بأعمدة الكهرباء.
أضواء المدينة تزيدني إبهاما، المارّون يسرعون إلى جهاتهم، وأنا أتلّوى في زواريب الكآبة.
كالأحصنة أصهل عن بعد:
إنه زلزالك، ولحمي دَوْس لحمك!
أم هو هذيان؟!.

واشنطن، ليل 1/7/2008



#مرح_البقاعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في رثاء البلد.. وأمي
- بعد الذهاب.. قبل الوصل
- شرق الغيب وغرب المعرفة
- المنتحرون ‍!
- وديعة رابين أم وديعة الأسد ؟
- لا عزاء للسيدات
- تحييد الإسلام السياسي
- أل التعريف والأندلس المفقود
- المحور الثالث يطلق مشروعه الجديد: الحوار العربي الأميركي
- الشبكة.. والغربان
- -حروب -المؤمنون الجدد
- مرح البقاعي: الشاعرالفرد في مواجهة العالم
- عين سوريا السينمائية
- ليس للمساجلة
- إعلان سوريا
- الشعر بين القبض على الماء أو الانسحاب في نجمة
- هي
- انقلاب رجالّي لإنقاذ سوريا
- إلى سجين
- سينما الهويات


المزيد.....




- رواية -الحرّاني- تعيد إحياء مدينة حرّان بجدلها الفلسفي والدي ...
- ضجة في إسرائيل بعد فوز فيلم عن طفل فلسطيني بجائزة كبيرة.. و ...
- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرح البقاعي - أفعى في بنطلون!