حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)
الحوار المتمدن-العدد: 723 - 2004 / 1 / 24 - 05:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سدنة الأصنام و الأوثان قبل الإسلام كانوا يعون جيدا أنها ليست بآلهة مثلما كانوا يروجون لها و يخدعون بسطاء الناس فيدفعونهم لعبادتها و تقديم القرابين لها و الذود عنها حينما تتعرض إلى مخاطر مما ينعتنونهم بالأجنبي و الصهيوني . و مثلما كانوا يخلقون آلهتهم ، كانوا يخلقون في الوقت ذاته الكفار بها . القرابين بلا شك كانت تعود للسدنة و قد كان أعداء الآلهة اناسا يزاحمونهم هؤلاءالسدنة في تجارتهم و مصادر الرزق و النهب و استغلال الرعية.
و الأوثان لا تلبث على شكل واحد في كل العصور ، بل تتغير لتطلع باشكال تناسب كل عصر و العقلية السائدة فيه. و لا يمكن خداع الناس و استغلالهم باسلوب واحد و بنفس الخديعة لأمد طويل . و إن الأوثان يمكن أن تتحول إلى شرف أو إلى وطن أو قبيلة أو قومية ، بحيث تخدم مصالح الطبقات التي تستغل جهود رعاياها و تنهب انتاج تعبهم و كدحهم.
ترى ما هو السبب الذي يدفع الإنسان ليقتل إنسانا آخر لا يعرفه قط ، ولم يسئ له أبدا و بذريعة الدفاع عن أرض لا تعنيه أبدا و على الأغلب يعيش عليها مضطهدا و ذليلا . و لماذا هرع العديد من ضحايا النظام البعثي للدفاع عنه و المشاركة في قادسيته بأشكال مختلفة ، سواء بحمل السلاح ، أو باسهالات شعرية مقززة ، أو بصقات غنائية ؟ " الوطن في خطر" ، الشماعة الأبدية التي يستخدمها الطغاة لسحق مخالفيهم و الهاء المضطهدين عن قضاياهم الشريفة ، و تخديرهم عن المطالبة بحقوقهم. و حبذا لو سأل هؤلاء أنفسهم متى لم يكن ( وطنهم – آلهتهم) في خطر في ظل المستبدين؟ إني أرى سر بقاء النظام البعثي لعشرات السنين ، و قوته في وطنيته و قوميته ، فلم يكن هناك من يباريه في هذا الميدان ، الوطنية و القومية – دين أنظمة الاستبداد و معارضيها في العصر الحديث. هذه الوطنية بهرت أحد فطائس الوطنية بحيث دعا كل ضحايا النظام أن ينسوا كل ما يزعلهم من النظام القومي البعثي و التجحفل مع جيشه" البطل" الذي يخوض حربا شريفة ضد" العدوان الفارسي المجوسي" ، مهما كانت عواقب هذا التجحفل مع القوات البعثية .
لقد سحب النظام البعثي بقوميته الصادقة و وطنيته التي ليست سوى و طنية ما كان يسمي بالمعارضة الوطنية القومية ، لكن ( غير تقدمية) البساط من تحت أرجل القوميين و الوطنيين ، و حصرهم في زاوية الدفاع عنه ، طالما يدعون بنفس الوطنية و القومية و العراقة و الأصالة و الأمجاد.
الوطنية و القومية تبرر أكبر الجرائم بحق البشرية. فالوطنيون الأمريكيون لا يعتبرون قصف مدينتي هيروشيما و ناكازاكي بالقنبلة الذرية و قتل عشرات الألاف من اليابانيين جريمة بحق الإنسانية ، بل عملا وطنيا شريفا للدفاع عن الوطن الأمريكي و الأمة الأمريكية . و إن القوميين العرب و و طنييهم يضيفون قادسية صدام إلى أمجادهم الخالدة ، و يرون فيها حربا شريفة لحماية البوابة الشرقية و البوابة الغربية للأمة العربية ، و أن ضحايا هذه الحرب يستحقون الموت في سبيل أمجاد فارس أمتهم ، و أن كل جرائمه ليست بجرائم بل صرامة لا بد منها من اي حاكم وطني شريف غيور على امته و شرفها الرفيع . و هكذا يرون في جريمة قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية ، و هجمات الأنفال اجراءات ضرورية لصيانة وحدة الوطن و شرف الأمة ، طالما أن ما يسمونهم بالأكراد قد تعاونوا مع "العدو الفارسي المجوسي" ، و بكل فخر و اعتزاز يضيفون جرائم القائد الفارس إلى أمجاد أخرى من قبيل قادسية عمر عمر و حطين و قناة السويس و غيرها و مجازر حماة و السودان و اليمن التي ارتكبها عبد الناصر .
و إن القوميين الإيرانيين لا يرون في مذابح نادر شاه في الهند جراءم ، بل أمجادا يفتخرون بها ، طالما منّا و بينا و من عندنا صدام حسين.
و أن القوميين الأكراد لا يريدون أن يتصوروا أن ما قام به امير سوران محمد باشا الكبير من جرائم و مظالم ضد الشيعة الأكراد و اليزيدية و المسيحيين انتهاكات لحقوق الإنسان و جرائم ضد الإنسانية ، بل أعمال بطولية لخلق مجتمع كردي متجانس و تأسيس أمبراطورية حلم. و كذلك يرون في جريمة اسماعيل آغا في قتل باتريارك السريان مار شمعون و أنصاره ، نفس الرأي.
فكل القوميين و الوطنيين يعتاشون على خلط الأوراق ، و الخداع و التموية و الدجل . فالإنسان بطبيعته يحن إلى أهله و مسقط رأسه و أصدقاء الطفولة . فهم يموهون الناس بأن أعداء الوطنية و القومية يريدون حرمانهم من الشعور الجميل تجاه أهلهم و أصدقاءهم و مسقط الرأس و بعض عاداتهم المحببة إلى قلوبهم ، كقيلولة النهار و الباجلة و الدهن و لبس الدشداشة و سواها .
الوطنية و القومية وباء خبيث ، ليس من عواقبها سوي التفريق بين البشر و نشر العداوة و البغضاء بينهم ، إنهالاحقا أفيون الشعوب بعد أن حل محل الأديان .
القومية و الوطنية لا ينبغي للإنسان أن يفتخر بها أبدا، بل يجب عليه أن يمقتها لكي يعيش كإنسان مع إخوانه البشر و لخير الجميع . إنها الوباء الذي هب على البشر من قبل أناس استطاعوا استغلال الفروق التي خلقوها بين البشر الذين ليس لهم ناقة و لا حمار في القومية و الوطنية. عجبا أن تنخر أفكار القوميين المعادية لإنسانية الإنسان حتى من يدعون الأممية و الشيوعية. أعجب من أناس يرفضون أن يطلقوا كلمة " الشقيق" على إنسان يقيم في تركيا مثلا ! فالتركماني العراقي في عرف القوميين العرب أجنبي ، و ليس مواطنه الذي يساويه في الحقوق و الواجبات.
لا أدري كيف يبرر إنسان عداءه لإنسان آخر فقط يختلف عته شيئا ما في لغته او لهجته أو شكلع. ؟ !
سمعت كثيرا من القوميين العرب حين استفسرت منهم عن دواعي مواقفهم القومية العنصرية ، لم يكن جوابهم سوى " لعد الأكراد ، الأكراد ، ليش ما تكول الهم ما تكول النا ؟ او ليش المسيحيين هالكد يفتخرون بعشيرتهم ؟ )
عندما قال فهد مؤسس الحزب الشيوي العراقي . " عندما أصبحت شيوعيا ، أصبحت أشعر بوطنيتي أكثر" ، كان الوضع مختلفا جدا عن الوضع الحالي ، و إن فهدا ليس بنبي معصوم عن الخطأ . و انه لم يكن شيوعيا بكل ما تعنيه الشيوعية ، ، بل كان وطنيا شديدا و بتوجيه الرفيق ستالين، و لو كان يعيش إلى يومنا هذا ، لكان عضوا بارزا في المقاومة الوطنية إلى جانب .............. ، ، إن لم يغير افكارة الوطنية ، التي يرثها اليوم كثير من المعادين للشيوعية ، وإن فهدا لم يكن إلا و طنيا غيورا على وطنه ، الفكرة التي فرضها الكومنترن على الأحزاب الشقيقة لها ، بالضد من مصالح كادحي الشرق وعماله.
#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)
Hamid_Koorachi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟