الشاعرة السويدية كارين بويةKARIN BOYE
كانت لها صورة عن الإرهاب في زماننا
تتناول كارين بويه في شعرها المسائل اليومية البسيطة ، من قبيل كيف يعيش الإنسان و كيف يجب أن تُعَاشَ الحياة . فشعرها تعبير عن ألم و معاناة الإنسان من النقصان و اللاكمال ، و تطلعه إلى الكمال . "نعم، بالطّبع ، إنه أليم" ، تقول في أحدى قصائدها الشهيرة. فعلاً ، من المؤلم أنه لا يمكن لكائن ما أن يصبح ما يبغي أن يكون . إنه ألم النقصان الذي ، انبثقت منها قصائدها و خرجت إلى الحياة. أغلب قصائدها هي في الغزل ، و قوة الإلهام فيها أقوى من الكلمات التي تصورها . و القصائد الأخرى كتبتها بنفس الإسلوب و تتميز بشفافية ، تعبر فيها عن رؤيتها عن الكون والحياة . " الإبتلاء بالنّقاء " صيغة لتصوير سعيها المتواصل لفهم اللغز المؤلم لتناقضات الحياة.
فليس هناك نقاء أو خلوص في الحياة . لكن قد يتواجد النقاء في الفنّ ، و في الشّعر حيث " أرادت رسم ملعقة خشبية ، بطريقة تعطي للناس فكرة عن الإله". إنّ تلقي شعر كارين بويه يلزمه ادراك ثنوية الحلم و الواقع . فكلمات قصائدها في غاية الخفة و الجمال ، و قصائدها تتراقص مع الموسيقى الداخلية فيها . لكنّ خلف هذه الكلمات الجميلة و هذه الموسيقى، يشعر القارئ بقلقها و تشتت روحها . فالحياة ما كانت قط لتعاش هكذا . فالواقع يهرب من أحلامنا مارا في دروب منخفضة ، بعيدا عن السّحب التي خلقتها في قصائدها الأولى . فهذه المفارقة هي التي وهبت لشعرها الحياة الأبديّة . وحين نقرأ قصائدها اليوم ، نتعرّف على ذواتنا ا خلال الخير و الشر . كارين بويه تحضر دوما في حياتنا عبر رؤاها في الجميل و القبيح ، فالثنوية في حياتنا تجعل من هذه الشاعرة تحيا برفقتنا دوما.
ففي قصيدة لها مشهورة ، تقول :
اليوم المجيد ليس الأعظم أبدًا .
فأفضل يوم هو يوم عطش .
إن في رحلتنا لمعنى و نيات،
لكن الطّريق هو ما يحمل المجد .
خير هدف هو راحةُ طوال مساء،
حيث تُشْعَل النّار و يقطّع الخبز بسرعة .
وفي أمكنة حيث ينام المرء لمرّة واحدة،
يصبح النّوم آمنًا و الحلم مفعما بالأغاني .
هلموا ، هلموا ! يبزغ اليوم الجديد .
و مغامرتنا العظيمة تدوم أبدا .
« ها قد يبزغ اليوم الجديد» كانت رسالة كارين بوية (1900-1941) التفاؤلية والتي قدمتها في قصيدتها المعروفة "في الحركة" المطبوعة عام 1927حين تخلت عن عقيدتها المسيحية و شرعت تكتب مقالات تضمنها آراءها وتناقش قضايا مختلفة في مجلة « كلارتيه » الاشتراكية. و كرست جل اهتمامها لنصرة قضية المرأة ، مهاجمة ما أطلقت عليه " ثقافة النفاق البرجوازية" فكتبت قصائدها وترجمت الكثير من شعر الحداثة الأجنبي إلى السويدية . كانت كارين بويه تناضل بلا هوادة لتغيير المجتمع و حياة الإنسان نحو الأفضل و في سبيل المساواة بين الرجل والمرأة في علاقات مساواة وحرية ، مما كان عملها في هذا الميدان، و في تلك الظروف تنطوي على مخاطر جسيمة .
ولكن بعد ثلاثين عاما من كتابة قصيدتها التفاؤلية « في الحركة» صدرت قصتها ( كالوكايين .. رواية من الألفية الثالثة ) و التي قد كتبتها كما تقول " تحت تأثير غثيانات باطنية " و مذ ذاك تحولت كليا عن الإيمان بالتفاؤل بالمستقبل ، إذ تعتبر «كالوكايين» إحدى الروايات السويدية الأكثر سوداوية ، و رؤية مرعبة لمجتمع المستقبل .
تجري أحداث الرواية في « دولة العالم » حيث سكانها الذين يطلق عليهم "العساكر" تلزمهم تراخيص خاصة صادرة عن العالم العلوي لكي يغادروا إليه من عالمهم السفلي بكل ما يحويه من منازلهم ومحلات أعمالهم ، فالدولة تتحكم بكل ما يقوم به المواطن أو يتفوه به بواسطة عيون وآذان البوليس . كما تتم تربية الأطفال في دور حضانة لتخريجهم عساكر مطيعين .
الشخصية الرئيسية في الرواية هي« ليو كال » الكيماوي الناجح في المدينة الكيماوية رقم 4 وقد اكتشف عقار الحقيقة "كالوكايين " الذي تستخدمه الدولة للاطلاع على ومعرفة ما يجول في خاطر المواطن والتحكم فيه. ويبقى ليو كال لفترة مقتنعا بعمله و اكتشافه الجديد ومدافعا عنه . فكيف للأفكار والمشاعر أن تكون قضية الفرد ؟ فما دام العساكر يتبعون الدولة فمشاعرهم يجب أن تتبعها أيضا و قد أصبحت الدولة بفضل الاكتشاف الجديد تمتلك الوسيلة لذلك .
تمر شخصية ليوكال بعد عمله في الكالوكايين بتغيرات خطيرة، فبعد أن يتم إجراء التجربة علي الكثيرين لا ينفكون يحلمون أحلام ممنوعة ، من قبيل انهم ينعمون بحياة هنيئة في مدينة سحرية في البرية، حيث الناس يعيشون حياتهم في محبة و صدق دون إكراه على شئ . «فمنّا الحياة واليكم الموت » يقول أحد الذين أجريت عليه التجربة بعقار الكالوكايين وهو عضو في حركة مقاومة سرية . فبعدئذ يدب الشك في ليو و يقلقه الأمر اكثر حين يعلم انه حتى زوجته تحمل كراهية لدولة العالم و تنشد عالما آخر .
« ربما يقوم عالم جديد من أمهات – سواء كانوا رجالا أو نساء ، سواء كان لهم أولاد أم لا . لكنهم أينهم ؟! »
كتبت كارين بويه كالوكايين عام 1940 العام الذي احتلت القوات النازية الدانمارك والنرويج آخذة في الحسبان و التفكير النازية و الفاشية ، حين قامت بتصوير الإرهاب في دولة العالم .
كان كالوكايين النتاج الأخير لكارين بويه قبل أن تنتحر عام 1941.
ومن شعرها:
نعم، أنه أليم آن تتفتق البراعم ،
و إلا لماذاَ يتوجس الربيع ،
و شوقنا الحارق سجين النظرات المريرة الجامدة؟
فالبرعم طوال الشتاء هي الملاءة ،
فما هذا الجديد الذي يستهلك ويتفجّر؟
نعم ، أنه أليم آن تتفتق البراعم..
ألم للذي ينمو.. و ألم للذي يترعرع .
وكم أليم حين تسقط القطرات ؛
ترتعش من الخوف ؛ تتدلى ثقيلة
تتشبث بالأغصان ، تنتفخ و تتلاشى.
كيفما كانت متسلقة فالثقل يهوي بها.
صعب أن تتردد خائفا ممزقا وان تشعر بالبرد العميق و رجفة العظام ،
وأن تجلس فقط مرتعشا .
ومن العسير أن تختار البقاء والسقوط ،
ففي أسوأ الحالات ؛ وحين لا يشفع أي شئ ، تنفجر البراعم نشوانة .
وإذ ليس ثمة خوف أو خشية ؛ تسقط القطرات من أشواكها منيرة ؛
ناسية أنها كانت مرعوبة من الجديد الآتي ،
ناسية عذاب رحلتها ،
إنها تشعر بابتهاجها الهائل لحظة تكون في الهناء الذي يخلق العالم .
21/2/01
مالمو –السويد