أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - الركض خلف هوة السؤال( قراءة في قصة -هل قلت انه يساعد ؟- للقاص عدي حاتم )















المزيد.....

الركض خلف هوة السؤال( قراءة في قصة -هل قلت انه يساعد ؟- للقاص عدي حاتم )


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 2288 - 2008 / 5 / 21 - 03:36
المحور: الادب والفن
    



النص
اعرفها جيدا ، تلك الصباحات الآفلة ، توهج الرغبة ، وتقهقرها عند الظهيرة . كلها صباحات منخورة بالنمل . قالها بصدق ؛ اركض .. فالركض يساعد .. مكاني تسمرت وتوترت نظرتي ، لم اركض؟ ، اركض فأمامك ميدان فسيح ، أنه يساعد .. عدوت وأنا أعرف أنه لن يساعد ، أو أني افترضت ذلك ..شكرا كانت نصيحتك متعبة ، قال : ليست دائما ، فإذا كنت مؤمن بأنه يساعد فسيكون كذلك ..
وفي صباح آخر قبل أن اخرج ،أوصدت الباب .. باب القفص السلكي على سنجابي بعد أن أطعمته.. تسللت راكضا وأنا أقول: أنه يساعد ..لكنه الشهيق الذي يسرع بدفع الزفير ليتلقف شهيقا آخر كبلني وزادني ثقلا ..هذا كل ما في الأمر . وأن يكن فان كل ما ساعدني به هو أفول الصباحات المشرقة ..
كنت اتلوى من مغص يأكل أحشائي بجبن فلم أذهب إلى المدرسة في احدها .. كنا نتقاسمها شتاءاً / تلك الصباحات المسرفة في الاشراق حتى ظننته كذباً . سقط ذلك اليوم من حقي .. ركعت وانا الهث ؛ عليك اللعنة .. انه لن يساعد ، فالنوم احياناً كثيرة يساعد اكثر . ورغم ذلك لن اعود مبكراً فالسهر يغضب الاباء وهو ايضاً يساعد . جلسنا عندها على جرف عالٍ من نهاية بستان يحفه نهر ما ، تغطس الشمس خلفنا لتضيء ظلاماً هناك وتأفل هنا . على الارجح انها اشرقت على الجنادب و الدعاسيق التي أمضت الليل تحت الاعشاب الندية نائمة .. تحلم ان يصبح أحدها (خيدعوراً) ؛ فالركض فوق الماء أيضاً يساعد . ومن المؤكد ان الشمس الان قد بدأت تكشف عن اسرار اثنين اثنين ، فالنصف الاخر من الكرة الارضية يسرف بالاسرار ، أو أنها لم تكشف … لم تكشف .. تباً تباً للضوء لم يكون لكل اثنين اسرار . اترك يدي هذا الجرف مخيف ، وربما مغرٍ ايضاً .. سأركض .. فان الركض يساعد . لم أكد اخرج المفتاح من جيبي حتى سقط على السلم .. يالسوء الحظ ، خارت قواي .. لا أقوى على التقاطه .. فتحته اخيراً ، لكن نسيت أهم شييء ؛ طعام السنجاب . أغلقت الباب …
انه لذيذ ومسلٍ / سأستمر في الركض .
ابتعت طعام السنجاب ولكني لم اعد .. هل نسيت ؟ .. لم اكن متأكداً من اني اريد الدخول في المقهى حين توقفت امامه ، ترى هل يقدمون الكحول ، فلا ارغب بالمرطبات .. اريد كحولاً … فانا اذكر جيداً ان المرطبات تحتوي على المرض .. وانا اكره الطبيب ، خاصة عندما حذرني من المرطبات .
جلست وانا ارتدي ملابس رياضية ، لااذكر شيئاً سوى اني بالمواجهة مع الجدار .. مرت ساعة وشعرت بالجوع ، قلت للنادل : ماذا لديك
• لقد نفد كل ما لدي .. أنا آسف .
• اذن فطعام السنجاب لذيذ اذا لم يكن هنالك غيره ……………
كأني اسمعه يركض على دولابه يطارد نفسه .. أهو جائع ؟ أو أنه كان يطارد بندقة للتو سقطت من شجرة هزتها الريح … كلا انه صوت قرص الهاتف .. أكان صوته .. أنه سنجابي .. نــعم .. ماذا ؟ هل .. كلا .. كلا .. انها صافرة .. انها سيارة اسعاف .. نعم انها كذلك أعرفها انها الصباحات المريضة .. لم المستشفى بالذات ؟ لمَ لمْ أؤخذ إلى المنزل مثلاً أو إلى أي مكان اخر غير صباحات المرض / صباحات الشفاء .. كلها صباحات افلة . عند الظهير خطوت على عتبة باب المستشفى .. نافد الصبر أو كأني كذلك . اركض : قلت لنفسي ركضت . اشتريت طعام السنجاب وركضت نحو المنزل ، سبقتني دراجة لم ألحظ منها سوى صوت الدولاب الذي يخش فوق الحصى الناعم / فوق الاسفلت ، ومؤخرة راكبها / هو ايضاً كان يركض . ترى هل يساعد ؟
دخلت البيت وعيني على الثلاجة تدق كما يدق الدم في رأسي ..عطش .. عطش شديد ، أشعر بفمي جاف تماماً .. أدنيت من قنينة الماء البارد شفتي ، واول قطرة حركت عيني نحو القفص السلكي الذي يجثم فوق السنجاب ولكن .. اين السنجاب ؟ سقطت القنينة من يدي فاقتربت منه :
كان هو الاخر يركض طوال الليل ، لكنه فقط هذا الصباح فقد اخر خطوة من ركضه الدائم في المكان نفسه .
الم اقل لك ؟ . من قال انه يساعد ؟...


الركض خلف هوة السؤال
( قراءة في قصة "هل قلت انه يساعد ؟" للقاص عدي حاتم )

لهفة القفز في هوة السؤال ، كطيش الرغبة ، تخضنا من كل اطرافنا ... وتستدرجنا الى موارد عصية على التفسير .
كثيرة هي الايهامات المبهمة التي تستدرجنا الى مهاوي القبول ..، واكثر منها اوجه الرغبة في البحث عن البدائل التي تتنازعنا .
الركض ( خلف ماذا ...؟) أحد تلك ( الايهامات ) التي يحاول القاص عدي حاتم تجربتها في قصته : ( هل قلت انه يساعد ؟ ) . صيغة السؤال الاستفزازي ، المتشكك ، التي يتخذ منها القاص عنوانا لقصته ، تضعنا في مواجهة تحدي ( ايهامي ) مركب : تجربة ايهام النفس بتجربة حل ايهامي مقطوع بايهاميته !
لعبة الحياة تجبرنا على ، في احيان كثيرة ، علىممارسة اشواط خبرنا نتائجها منذ لحظة الاستيقاظ الاولى !
هل قلت انه يساعد ...؟ حسنا ، سأجرب ، رغم ان دوامة السؤال التي تعصف بي ، لم تلطف من حدة انوائها ، كل كتب الفلسفة مجتمعة ، وتراثها الذي لم يدون بعد ايضا ! القاص لايعرف هذا وحسب ، وانما يعيه بدقة خبير ..، ولكن هو الان ( في الزمن المتحول ) يجد نفسه مجبرا على اعادة تجربة حلول خبرنا نتائجها ! ليس امامه من خيار بديل عن الانكباب على الاستمرار في البحث عن اجابة للسؤال .
هل قلت انه يساعد ؟ ، العنوان يجترح السؤال رغبة من الكاتب – وهو هنا كاتب مخصص ، عدي حاتم – في اخلاء طرفه من مسؤولية السؤال ووضعنا في مواجهته ، كسؤال مواجهة ، وليس كسؤال افتراضي ..
هل قلت انه يساعد .../ يساعد بماذا او على ماذا ؟
وهذه الجدلية دال هيمنة افتراضية على سلسلة موجية السؤال داخل النص السؤال : هل قلت انه يساعد ؟
ولعملية اقتراف السؤال لدى عدي القاص ، هيمنة تشعبية تتغلغل في جسد النص ، دون ان تخدش فنية النص وانسيابية الحكي وجمالية محايثاته الفنية – يجدر بي هنا ان اذكر القاريء بخلفية القاص الفنية كفنان تشكيلي يحترف ضربة اللون الى جانب فعل القص – وهي تسبر وتبني هيكلية النص وحزم اشاراته ورموزه الاشارية وبنية الحدث ودلالاته الرمزية . عدي حاتم يشطر بنية الحدث والحكي الى شطرين ودالين يتساوقان في فعل بناء النص والحدث ، في عملية تقابل سلمي متزاوج لانضاج الحدث وحبكته : البطل / الرجل ، والبطل / ( سنجابه ) الذي يقاسمه رحلة ( الدوران الحياتية ) – رمزيا – بدورانه (المزمن ) في وحول دولاب لهوه ( داخل قفصه السلكي ) ، ذلك الفعل الذي يقابل رحلة دوران البطل داخل منظومة (السؤال) التي تشكل ( الجوهر الاشكالي ) لحياة الانسان في رحلة بحثه عن المعنى لحياته وتفسير اسبابها واهدافها ، وهي تدور حول نفس المحور لدولاب الحياة الدائب الحركة ، (داخل قفص السنجاب وخارجه ) ، على حد سواء ، بنفس الآلية البنيوية ، والتي يختصرها القاص بحذق : ( توهج الرغبة وتقهقهرها عند الظهيرة ) والتي يحكم عليها : ( كلها منخورة بالنمل ) .
السؤال العام او الشامل الذي يدلل من خلاله القاص على البنية السببية ( الفكرية ) لفعل القص ، من خلال العنوان : ( هل قلت انه يساعد ؟) ، يتشظى داخل النص الى سلسلة تراتبية مولدة من الاسثلة التي تقود النص – في بنيته الفكرية – الى ذروته ، وهي تتفرع بهيكلية مدغمة من السؤال الام : لم اركض ؟ وبأي اتجاه اركض ؟ والى أي غاية اركض ؟ والى أي ذروة او نتيجة سيقودني الركض ؟
في قراءتي ، ارى ان الركض الى / وخلف هوة السؤال ، استنادا الى البنية الجدلية التي تحكم حياة الانسان منذ مغيب شمس سادس ايام الخلق ، استنادا الى الاسطورة التوراتية والقرآنية ، والفهمان يتفقان على اطلاق عجلة السؤال في اليوم التالي ليوم راحة الاله ( استنادا الى رواية التوراة ، واستوائه على العرش – استنادا الى رواية القران . اذن ، حياة الكائن ، انسانا كان ام سنجابا ، محكومة بالركض خلف سلسلة تراتبية متوالدة من الاسئلة .... والكائن ليس له الا ان يركض اليها ... والركض حد الموت ايضا !
( عليك اللعنة ! انه لن يساعد .. . فالنوم احيانا كثيرة يساعد اكثر .... سأركض ..... فالركض فوق الماء ايضا يساعد ..... سأركض .....فان الركض يساعد .... كأني اسمعه يركض على دولابه .....او كأنه يطارد بندقة للتو سقطت من شجرة هزتها الريح ..... وركضت نحو المنزل .......سبقتني دراجة ( والدراجة تركض على دواليبها ) لم ألحظ سوى صوت الدولاب الذي يخش فوق الحصى الناعم ومؤخرة راكبها .......هو ايضا كان يركض .....ترى هل يساعد ؟ اين السنجاب ........فكان هو الاخر يركض طوال الليل ، لكنه فقط هذا الصباح ، فقد آخر خطوة من ركضه الدائم في المكان نفسه على الدولاب .... الم اقل لك ... من قال ان الركض يساعد؟).
سلسلة الركض هذه ( والانسان محكوم بها بصورة من الصور ) لاتتوقف الا بالسقوط عن دولاب الحركة – الاحالة الرمزية عند عدي – الدائر ابدا.... بفعل الموت او بحلوله كنهاية !
وسلسلة الركض / السؤال التي بدأها عدي بسؤاله ( الراكض ) هل قلت انه يساعد ، يختتمها بالسؤال الاشد اثارة والحاحا ، السؤال عن قرار وحكم الركض هذا : من قال ان الركض يساعد ؟ وهو ما يقود الى سلسلة جديدة من الاسئلة ، التي حاول النص اضاءة عتمة بعض صور حضورها ، عبر اشارات النص وبنيته الترميزية في الصورة التي لاحقها في يوم من حياة البطل ، وما تظمنه من استرجاعات وذكريات وصور (لهاث) خلف فعل الحياة المولد لحركية دورة السؤال التي تحكم حياة الانسان وتحدد ، بموجبها ، دورة استجاباته لذلك الفعل .
ببراعة فنان حاذق ، وبلغة تشف عن نفس شعري رقيق ، ينقل لنا القاص عدي صورة غضة ومحكمة البناء عن دورة السؤال : هل قلت انه يساعد ، المسبوق بسلسلة اسئلة لاتنتهي .. ولكن من يستطيع ان يجيبنا على ذروة اسئلته التي توالدت على طول (دولاب) فعل القص : من قال ان الركض يساعد ؟



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى بنت الطباخ
- جرح يتوضأ بزمزم الطفولة : التياع( قراءة في قصيدة -الى امرأة ...
- انقلاب ائتلافي موحد
- عدنان / الصوة ..
- ارصفة البطالة تحتفل بانجازات العمائم
- نطف مهملة البصمات
- الانفلات في بنية اللون( قراءة في قصة -فتاة البسكويت- للقاصة ...
- سياسة تصفية الارقام المناوئة
- جبهة التوافق ولعبة المكاسب
- طرقة على مجاهيل غابة طائر النوء( قراءة في قصيدة طائر النوء ل ...
- العراقيون ومرض حمى صدام حسين
- احجية امن الحدود العراقية
- عطفة الحكاية
- بخور لنشوة الحرائق
- حلول سياسية على الطريقة العراقية
- افق سياسي من كتل الخرسانة
- والجسد اذ يتخفف من عبء السؤال( قراءة في قصيدة -دعوة الى عشاء ...
- ليجهر الحبر برفيف جنوني
- طور جديد من ا لحرب الاهلية العراقية
- اغمس نافذتك في ومضة الجسد


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - الركض خلف هوة السؤال( قراءة في قصة -هل قلت انه يساعد ؟- للقاص عدي حاتم )