أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - عدنان / الصوة ..















المزيد.....

عدنان / الصوة ..


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 2276 - 2008 / 5 / 9 - 11:04
المحور: الادب والفن
    



لحاشية صمت المدن قلق يسيح منسربا في ظلام الزوايا ، يزبد في بعض الليالي ارواحا وهياكل شاخت بعجالة ... وربما بحكمة . . امام بوابة مقبرة المدينة ، ينصب امامي فجأة : عاريا ، مستغرقا ، ومتخففا .. زبد لعابه المتكلس على زاويتي فمه يقشط بسكين ، وعيناه الذاهلتان تنغرزان في صفحة الظلمة بعزم ورغبة درويش ...،، وذراعاه يصلبهما على صدره بطريقة مسرحية ، تحكم عليها بالغموض اكثر مما تحكم عليها بخبط الهبل والجنون .. اقترب منه متوجسا : ملامحه الغائرة في اعماق ذاكرتي تحفز مخيلتي لترسم صورة لوجه عتيق .. أ .. ع .. ر .. ف .. ه .. فجأة ينتفض بصرخة مقهقه ... يدير الي عجيزته المتربة ... يعفط مقلدا صوت هواء البطن .. يقفز في الهواء المغبر .. يمسك بشيئه المتدلي ويلوح به غامزا متضاحكا .. يقلد صوت شاحنة يدير مقودها باتجاه بوابة المقبرة ويغوص في هوة الظلمة مخلفا وراءه رائحة صنانه وزفارته وهالة من تراب ... تتلقف ذاكرتي اخيرا صورة الوجه الغائرة : عيون ذكية مجهدة وجبين حززته تقطيبة التفكير العميق ... انه وجه صديقي وزميل دراستي عدنان شكوري الحمال .

متن الحرائق :
""""""""
الرؤوس المسكونة بأمل الغد ، تتهدل حبال الذاكرة بها قبل سكون صراخها ..، والصدأ يأكل مساميرها دون لغط او ضجة ألم . كنا اطفالا بعمر سبعة اعوام ، نتحلق بتوجس امام بوابة المدرسة عندما تقدمت عربة خشبية مموسقة الصرير ، من تلك التي يجرها اصحاب الوجوه السمر الممصوصة بجذوعهم .. العربة يتوسط حوضحا صبي عملاق .. نتحلق حول العربة يدفعنا فضول الطفولة الراسب تحت جلودنا .. يصرخ الصبي العملاق بوجوهنا ناهرا شاتما ، بينما يبتسم لنا الوجه الممصوص بود وبلاهة . في منتصف الدرس الاول يقدم مدير المدرسة الصبي العملاق لنا : عدنان شكوري زميلكم الجديد .
ينغل في الزاوية القصية من الفصل ... وتبهره لعبة رسم الحروف والارقام ... ويلهث خلف دهشة كل جديد .. في الفسحة الثالثة يصطف عدنان خلف معلم التربية الدينية ليؤدي صلاة العصر .. وفي الحصة الخامسة يجادل معلم مادة الرياضيات في معنى الايات القرآنية التي سمعها لتوه ، الى حد الاغاضة والطرد من الفصل .. وكانت الجولة الاولى له في لعبة عالم الكبار .

""""""""""""""""""""""

الاسئلة اغواء ..، والدوة التي تنغل ناخرة ، تسفح ليلا من متواليات النهم . الكتاب الاول ... صدفة ، الكتاب الثاني ... سرقة ، الكتاب الثالث ....
عنوة .. ومكتبة المدرسة هي التي اشرت موقعا لسوق الكتب المستعملة على خارطة المدينة . ويتوهج عدنان .. / ويتلظى .. الاب الذي احرقت عقله لوعة فراق الزوجة المبكر ، والمرافق لعدنان كظله ، يصير هما وعارا .. فيربطه عدنان الى جذع النخلة التي تتوسط باحة البيت .. وتأخذ
عدنان لعبة الكتب .. وبعد ان يقرأ المئة الاولى منها ، يقنعنا بمشاركته في لعبة يسميها : لعبة الاكتشافات ..، وهي الفترة عينها التي يتجاوز فيها وجود والده في حياته ، كجزء دائم من وجوده الشخصي ؛ ويقطع خلالها
علاقته ، والى الابد – كما قال – بمعلم مادة التربية الدينية وهو يردد ساخرا : هذا العجوز ، عطار يميز العطور باصابعه ! التففنا حوله وهو يغلي ويبرق مثل قصر من قصور الملوك : عنيدا ، متوقدا ، ومليئا بالاسرار .. وننساق مبهورين خلف لعبة الاكتشافات : من هو حفيد رودجيرو وبربروسه الذي سعى الى فصل الكنيسة عن الدولة الزمنية ؟
وعلى اية صخرة تتكسر الايديولوجيات ، على صخرة الرؤوس ام على صخرة الرغبات ؟ ومن هو كارل ماركس ؟ وما هي الماركسية اللينينية ؟
ومن هو القومي ... ومن هو الليبرالي ... ومن هو الاممي ... ومن وما
ومتى وكيف ولماذا ... والحصيلة قراءة مئات ومئات الكتب .. ويلتهب سعير المسافات الطويلة .. ويخصص عدنان ساعة عمل اضافية لامدادنا بالكتب .. وقبل لن نلتقط انفاسنا ، ينتقل عدنان الى لعبة جديدة : لعبة التحديق في الاعماق .. تترهل العقدة / تزبد فقاقيعها : احمر / اسود / اخضر مزرق / ... / ... / سحلية بحراشف لزجة تلتصق براحة اليد ...
تزبد فقاقيعا من لعاب كثيف لزج ... ولعبة الوقوف على الرأس ليرتد عدنان فزعا حائرا ... ونحن نلهث خلفه ... ولينتقل الى مرحلة صور ممثلات السينما والمجلات المهربة ومتابعة النساء ... ولعبة استرجاع الحقوق المستلبة .. ويدور ونلهث خلفه مأخوذين بوهج الاكتشاف ومرارة الحقيقة .. عدنان يستفهم احجية القدر / يمتدح شمعة جحا / يقترح على الجمل بلاطة من مرمر / يهدى المعري مرقابا / يزف هند بنت عتبة الى الجاحظ ... يدمي قفا السؤال ... يستمني دوخة الدائخين ويدوخ وينتحب ..
تخور عزيمته / تنضب الرغبة في داخله ..، فيدور حول نفسه محاولا القبض على خياله ... وتقبض الشرطة على عدنان بتهمة السكر في الشارع العام ..، وبتهمة السكر امام دار ..، وبتهمة السكر والتجديف ..،
وبتهمة السكر واطلاق الشعارات السياسية ..، وبتهمة السكر والتعري في الشارع العام ..، وبتهمة السكر على قارعة الاقدام ، كما سمى آخر تهمة اعتقال وهو يقهقه .

متن الاحتراق :
"""""""""

في سوق الخرداوات ، عدنان يعرض كتبه للمقايضة ، والمقايضة بالاحذية والسراويل الداخلية فقط !
ويصمت عدنان ..
يصمت قبل ان يبدأ لعبته الجديدة : لعبة الاجوبة .. ويطول صمته .. ينحني رأسه ... يزيد ساعات عمله لمساعدة المحتاجين منا .. وان تكلم تحت الحاحنا ، فهو لايزيد على عبارته التي صارت نادرتنا الملازمة : العودة من حيث اتينا افضل !
يسحب اوراق انتسابه الى الجامعة ويهبها الى عجوز تبيع البذور المحمصة ... ويتغيب عدنان اياما واسابيع ... والكلمة دمل ...............
...............................................................................................................................................................................
ومع انطفاءة حرقة الرغبة خلف الحمارة البيضاء التي اشتراها تحت ستار جر العربة ، تبدأ مرحلة صراخه وقهقهاته الساخرة / مرحاة السؤال
عن جدوى كل شيء / مرحلة حجز الاب داخل البيت وضربه ... عدنان
يجاهد .. عدنان يصارع .. عدنان يصارع حرقة العين التي يتسرب اليها البلل المالح .. عدنان يتغيب .. يغيب عدنان .. وتلقي الشرطة القبض على عدنان بتهمة التهرب من خدمة العلم .. شكوري وحيدا في الفراغ .. ينتظر باكيا ، كطفل غابت امه فجأة ... يصابر تحت نخلة عدنان .. يهترأ الانتظار
على عتبة الدار .. يبكي شكوري بحرقة فقد عدنان ... ويستوي الوقت تراب سعاد وغياب عدنان المفاجئ .
متن الكلمات :
""""""""

( ترى اي شوط كان علي ان اتقي لكي اتم اللعبة الى النهاية ؟
لارتكاب فعل الحياة وشوشة صارخة ، لها دفء الرغيف الساخن وصلادة الرغبة .. ولهارموني الاحجية جغرافيا عنيدة ، كثيفة ، عتيدة ، تفاصيلها ضافية والحاحها شرس .. كلا ! كلا ! ثمة نقطة يفترق عندها كل شيء ،
حتى الاحلام والابجدية ..، هذه النقطة هي نقطة الخطأ .. او بتعبير ادق مرتكز الخطأ الكوني القائم .. كنت مساعدا لقائد عربة تحميل ، اقود شكوري كما يحلو لي .. ، ولكني كنت ألعب كثيرا ايضا ..، والمدرسة كانت لعبة اخرى . منذ البداية ، هل كان لفيروس اللعبة مكان خاص في دمي ؟
ولتقبل الحكاية : يلزمك سلفادور دالي وبضعة آجرات ليقيم لك نصبا مزوقا على جذعك . ( الخطأ كلمة كانت ... ) .. ولتدي لك اصبعا في مؤخرة الحكاية ، يلزمك بضعة كيلو غرامات من الرصاص البارد وزجاجة معتقة ... ها ... ها ... ها !
الصورة : سلسلة من الافتراضات المزاحة / بدائل هاجعة مشذبة الحواف !
سعاد : افتراض : القدر يتوكأ على اكتافنا !
شكوري : اسراف الطبيعة : العلاقات القسرية .
عدنان : قدم كاذبة : هزيم الحماقات الليلية .
لكي لا تتحلل الجمرة – بغبش المجهول – الى ضريح ، سأطلق ساقي خلف الحكاية وامسد اوتادها ... الحبال مانشيتات تعوزها الفضائل ... ها ... ها .... ها .
كيف يبرر شكوري جنونه ؟
سعاد ضيق الرؤية حد الافاضة .. / تنور من الفخار .
شكوري : حيازة الجنون ..
في النهاية ، جنوننا وحده الذي يقف الى جانبنا .. ها ... ها ...ها !
سيبيلا : الجرأة على الاختيار ..
الطيش : استلال السؤال : صكيك حناجر وازيز هراوات ..
العريف حسين : الحرب تسع كل الخوذ المصنوعة .
سيبيلا : الاختيار .
صديقي عادل : كيف حال السؤال ؟ كلا ، كلا ! ليس ...) .

متن الانتظار :
"""""""
الليل فجيعة ..
وصبر النهارات المتوالية يتكسر على شهقة الليل .. الليل متكأ الخديعة / ارجوحة الامل .
قبر الزوجة الذي صار شاهدة غياب ، يدفأ شكوري ( امله ) بخشب التوابيت المهترئة .. يقدم لي سيجارة ويحدثني عن الليل و سعاد وليل الحروب .
عدنان يا عدنان : غيبوبة الزمن الذي صار مصطبة لزبد قيلولات مسائية لا تنفطم / لا تفطم .. / ارتجاجة الاستباحات المعنونة بأسماء سماوات غير شاخصة .. / شهقة الانتظارات المقاومة .
في الصباح ، كانت سعاد قد مدت يدا لشكوري وعيونه ما تزال تسفح دموعا غير مسماة .. وكان عدنان ما يزال هناك ... والحرب ايضا ما تزال .. واصابع الليل ايضا ما تزال مغموسة في دم النهار المذبوح على قبلة الشرق .

حاشية لمتن الانتظارات :
"""""""""""""
وعاد عدنان ..
عاد عدنان بعينين من زجاج ..، تضرجه قهقهات باشطة وشهقة عرضها النهار والليل .. عاد عدنان مستوي اليدين والذاكرة ... وبلا تضاريس .
يطبع قبلة شكر على جبين الحمارة ويسرحها .. في النهار يلملم ظلال اوقات كانت .. كتب ستقرأ ، كتب ستؤلف ، وفرص آتية ، وحكايات ستقال .. وفي الليل يلقي على شكوري حكايا المقولات ومقولات الحكايا ، وعتابات مخذولة ..، ويجتر ذكريات مخلة .. يدور حول نفسه وقبضته مضمومة حد تفصد العروق .. وفي اوقات الاستراحة ، يحفر في ظهور القبور المحدودبة مسالك لشهوات عنيدة .
عاد عدنان ليضع الحروف تحت النقط ... فالحديث ذو جنون .. ويقهقه عاليا .
وبعد اسبوع من ذكرى رحيل شكوري الاولى ، وبينما هو يقرأ على ضوء نار التوابيت ، يلقى القبض عليه بتهمة التجاوز على حرمة المقابر .

القبور متوالية عددية ام كتب ؟

وتتوالى الصباحات ... صباحات الحروب والغياب .. وتتوالى الانتظارات ..
وعدنان قهقهات تستصرخ رحم السماء لولادات موعودة ... / لولادات / لانتظارات طال بها الانتظار !
... وتنكفأ انتظاراتنا شبحا يتقافز على اسيجة المقابر .

""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
يونيو /حزيران / 1983



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارصفة البطالة تحتفل بانجازات العمائم
- نطف مهملة البصمات
- الانفلات في بنية اللون( قراءة في قصة -فتاة البسكويت- للقاصة ...
- سياسة تصفية الارقام المناوئة
- جبهة التوافق ولعبة المكاسب
- طرقة على مجاهيل غابة طائر النوء( قراءة في قصيدة طائر النوء ل ...
- العراقيون ومرض حمى صدام حسين
- احجية امن الحدود العراقية
- عطفة الحكاية
- بخور لنشوة الحرائق
- حلول سياسية على الطريقة العراقية
- افق سياسي من كتل الخرسانة
- والجسد اذ يتخفف من عبء السؤال( قراءة في قصيدة -دعوة الى عشاء ...
- ليجهر الحبر برفيف جنوني
- طور جديد من ا لحرب الاهلية العراقية
- اغمس نافذتك في ومضة الجسد
- بولهها المتشاكل ، تتسلل الانثى غازية( قراءة في قصيدة كيف ندخ ...
- احتراب البصريين لمصلحة من ؟
- وحواء اذ تهذي بجراح صلبها ( قراءة في قصيدة بوح الانثى الاولى ...
- الانفلات في خاصرة الغابة


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - عدنان / الصوة ..