مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2238 - 2008 / 4 / 1 - 11:09
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
بقلم بيتر ستاودينماير
في أغسطس آب 1999 , قبل أشهر فقط من تحقيق الحركة المناهضة للرأسمالية المنتعشة من جديد انتصارا مؤقتا في سياتل , أطلق رجل أبيض عاطل عن العمل من الذين ينادون بسيادة جنسه اسمه بوفورد فورو النار على مجموعة من الأطفال في روضة أطفال يهودية في لوس أنجلوس . ثم انتقل فورو بعدها إلى قتل ساعي بريد أمريكي آسيوي قبل أن يسلم نفسه . وقع هذا الحادث المهلك بعد شهر من هياج عنصري فظيع على نحو مشابه في شيكاغو . تمثل مثل هذه الأعمال الوحشية بوضوح كل ما هو مخالف و مناقض لكل ما تؤيده هذه الحركة ضد رأس المال العالمي . لكن دوافع فورو , ظلامية كما قد تكون , تكشف عن علاقة خاصة مع الجوانب الرجعية و العنصرية للنقد المبهم "للمال العالمي" .
كان هناك تفصيل خاص في جريمة فورو أوضح بطريقة صادمة علاقته المقربة بمعارضة التيار اليميني "للعولمة" . وجدت الشرطة في سيارة فورو نسخة من كتاب باسم "دوائر الحرب - دوائر السلام" لمنظر معروف عن المؤامرة من اليمين المتطرف اسمه ريتشارد هوسكينز . يقدم الكتاب نفسه كتاريخ للربا ( إقراض المال مقابل فائدة ) و عن صناعة البنوك , مع تركيز قوي على الدور المزعوم لليهود في العلاقات المالية بين الشعوب . تمكن مراسل مقدام من صحيفة النيويورك تايمز من الاتصال بالمؤلف , السيد هوسكينز , عبر الهاتف و سأله عن تعليقه على ما قام به فورو . رد هوسكينز "لا أعرف ما هي علاقة كتاب في الاقتصاد بإطلاق النار على الأطفال في مركز رعاية نهاري" ثم أغلق الهاتف .
إذا ما هي علاقة "كتاب في الاقتصاد" بإطلاق النار على الأطفال في الملعب ؟ إن العلاقة ليست عرضية كما قد نرغب . هناك توجد بنية و منطق تحليل اليمين المتطرف للاقتصاد العالمي الذي يجب على معارضي الرأسمالية اليساريين أن يواجهوها . لكن كما أشار عددا من الرفاق من أوروبا و الهند و أماكن أخرى فإن الكثير من النقد اليساري للعولمة و هيمنة الشركات تتشارك فعلا مع بعض المقدمات الإيديولوجية و الأفكار الخطابية لليمين المتطرف . إن تركيز اليمين المتطرف الشعبوي قصير النظر على "المال العالمي" يفتح إمكانيات للعنصرية التي تهدد الظروف الحالية المتطرفة للاغتراب* بإطلاقها في أي وقت . تم إدراك هذه الإمكانية في آب الماضي عندما وضعت نظرية هوسكينز في التطبيق من قبل رجل كان قد دفع إلى أسفل من قبل الاقتصاد الحالي .
إن حوادث كهذه – و التي يبدو أنها تتزايد – تطرح مشكلة مختلفة على معارضي منظمة التجارة العالمية , صندوق النقد الدولي و البنك الدولي و بقية عملاء النيو ليبرالية الاقتصادية . ليست المشكلة فقط في أننا نحتاج إلى حماية حركاتنا , التي تهدف إلى العدالة و التحرر العالميين , من أن تخترقها قوى اليمين التي تريد أن تستثمر السخط العام . كما أننا بحاجة إلى فحص براهيننا و فرضياتنا .
هناك أنواع مختلفة من مناهضة الرأسمالية , و كل منها يأتي بحزمته الخاصة من القيم و الرؤى الضمنية . بني عدد من هذه الأنواع القوية تاريخيا من مناهضة الرأسمالية على قيم علينا أن نرفضها بذات القوة التي نرفض بها الرأسمالية نفسها . بعض هذه البدائل المزيفة التسلطية يمكن كشفها بسهولة على أنها مجرد شكل آخر من حكم النخبة , باستثناء الملكية الخاصة و اضطرابات السوق . لكن الصيغ الأخرى الرجعية من مناهضة الرأسمالية أقل وضوحا و قد تستهوي رؤية "شعب المجتمع" . إن الصور القائمة على المساواة التي تستند إليها هذه الرؤى تخفي أصولها الاجتماعية الحقيقية بشكل نموذجي في اقتصاديات الكراهية العنصرية .
في مقال عن معاداة السامية و الاشتراكية الوطنية ( الاسم الذي أعطاه النازيون لمبدئهم ) , يصف المؤرخ مويشي بوسطون "شكلا من معادة الرأسمالية يريد أن يتغلب على النظام الاجتماعي القائم انطلاقا من موقف يبقى ملازما في حقيقته لهذا النظام" . "بكلمات أخرى , هناك طرق لمهاجمة العلامات الأكثر ظهورا لهيمنة رأس المال على حياتنا , طرق لا تهدد – بل و قد تقوي – النظام القائم نفسه . إنه هذا الشكل من الاستياء الذي لا يصرح مباشرة و الطائش و الذي في ظل غياب نقد متناسق و محرر يصبح ضحية سهلة لوجهات النظر القومية و العنصرية عن العالم – المنطقة الكريهة التي التقى فيها بوفورد فورو و بات بوكانان .
عندما يجد الاغتراب تعبيره في رهاب الأجانب , و عندما يولد عنف الاستغلال الرأسمالي عنف الإقصاء الأثني , فإنه الوقت لنقوم بنظرة عن قرب لأشكال معاداة الرأسمالية السائدة في ثقافتنا . خصوصا تلك التي تركز على الصناعة المصرفية العالمية و المؤسسات المالية تملك غالبا شحنة يمينية قوية , إن شجبها الغامض لكن العنيف لديه أصل تاريخي مشبوه . هذا هو السبب لماذا يمكن أن يكون المعادي المبتدئ للرأسمالية أكثر خطورة حتى بطريقة ما من اللا مبالاة البسيطة تجاه وقائع الرأسمالية . على الضد من هذه الصيغ الرجعية لمعاداة الرأسمالية يؤكد بوسطون أن "هناك حاجة لمقاربة تستطيع أن تميز بين ما هي الرأسمالية المعاصرة و الشكل التي تظهر نفسها به" .
سواء للأفضل أو للأسوأ تتطلب هذه المهمة منا نظرية" أكثر لا أقل , مستوى أعلى من التجريد لا التبسيط . إن تعقيد النظام الرأسمالي المعاصر يفرض هذا , بالإضافة إلى قدرته الخاصة على تغطية عملياته الفعلية خلف أشكال قد تبدو بديهية ظاهريا . إن تحليل المظهر الخارجي للرأسمالية هي خطوة ضرورية في فهم و محاربة جذورها الحقيقية .
إن التقاليد السياسية لليسار التحرري تتضمن الأدوات النظرية الضرورية للقيام بهذه التمييزات الضرورية , بالإضافة إلى بناء مقاربة بديلة و تحررية تقوم على رؤية عالم متحرر من الهيمنة بأي شكل . هناك دور هام يمكن للثوريين أن يلعبوه داخل الحركة العالمية ضد هيمنة رأس المال و هو الدفع نحو تمييز واضح و قاطع لحججنا من تلك التي يستخدمها اليمين . هذا سيعني أن نوسع في نفس الوقت تحليلاتنا و أن نجعلها أكثر تحديدا , بحيث أن ردود الفعل الجزئية تجاه المؤسسات المالية العالمية يجب أن تدمج في نقد أوسع و أكثر تحديدا للمنظومة الرأسمالية ككل .
إن معارضة "المال العالمي" ليست نفس معارضة الرأسمالية , و هي من دون جدال تكتيك خطر خارج المقاربة المناهضة للرأسمالية صاحبة المبادئ و القائمة على المعرفة . بتحديد العرض خطأ على أنه سبب , و بخلط هوية مجردة بعلاقة اجتماعية ملموسة , بالتفريق المثير للسخط بين رأس المال "المضارب" و "الصناعي" , إنها جميعا تقوي تلك المقاومة الزائفة التي تقوم بها مجموعات اليمين . إن فهما تحرريا راديكاليا للرأسمالية ليس هناك ما يجمعه مع هذا التراث , و يجب أن نفصل أنفسنا دوما من أولئك الذين يغذون هذا التراث أو يقعون ضحية له . قد يتطلب هذا إعادة النظر بشكل شامل في الحجج التي تتصدر عادة الحملات المناهضة لسيطرة الشركات و للعولمة . إن أي شيء آخر قد يجعلنا نشارك في خطيئة تضليل و غموض رؤية العالم التي يشكل تعبيرها الأكثر تطرفا – ليس بعيدا عن السطح – في العنف العنصري .
بيتر ستاينماير طالب في معهد الإيكولوجيا الاجتماعية , و هو مشارك نشيط في الحركات الأناركية و البيئية في ألمانيا و أمريكا منذ الثمانينيات . كتب محاضرات عن التاريخ , الاقتصاد , النظرية السياسية , و شارك مع جانيت بيهيل في كتابة "الفاشية البيئية : دروس من الخبرة الألمانية" إصدار آكي .
* الاغتراب ( أو الاستلاب ) alienation : مفهوم يصف تحويل خصائص و قدرات الإنسان إلى شيء مستقل عنه و تشويه العلاقات بين الأشياء و الظواهر في أذهان الناس . قدم هيغل التفسير المثالي الأكمل عن الاستلاب , حيث يبدو العالم كروح مستلبة , و اعتبر فيورباخ الدين استلابا للماهية الإنسانية , أما ماركس في مخطوطاته المبكرة 1844 فقد ربطه بالملكية الخاصة و تقسيم العمل . إن الوعي الزائف المشوه هو نتيجة تناقضات فعلية في الحياة الاجتماعية الواقعية .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.social-ecology.org/article.php?story=20031202115115686
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟