أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيلة بورزق - لمن أشكو ضيق صدري














المزيد.....

لمن أشكو ضيق صدري


سهيلة بورزق

الحوار المتمدن-العدد: 2224 - 2008 / 3 / 18 - 07:51
المحور: الادب والفن
    


عبثاً كنت أحاول تصديق رؤية العرّافة الأمريكية السوداء وهي ترسم لي خارطة أيامي القادمة، كانت صديقتي "فلورانس" ترمقني بنظرة مبتسمة تكاد تنفجر سخرية من كلامها، تمسك العرّافة بيدي وتقلِّبها في جميع الجهات باحثة عن خط الحظ وهي لا تعلم أن خطوط يدي كلها فجيعة عمر. لم يكن الحظ بمفهومه المطلق يعني لي أكثر من معناه، لكنها استمرت بإقناعي أن خلال شهر أو أكثر سأتحول إلى امرأة جد غنية.
وصلت بيتي وبداخلي غصّة فراق "فلورانس" التي غادرتني إلى نيويورك حيث وظيفتها الجديدة، فأنا لست اجتماعية بالقدر الكافي، خاصة في هذا البلد المفتوح على العلاقات الإنسانية طولاً وعرضاً، مشكلتي أنني أختار أصدقائي بدقة مقرفة، وأمتحن صدقهم ألف مرّة ثم أعلنهم بداخلي أصحاب روحي، وعندما أغرق فيهم لا يخلصني غير الموت، لكنني لم أمت وهاهي "فلورانس" تغادر فرجينيا وتغادرني معها، هي واحدة من الأصدقاء الذين شاركوا في تعديل أفكاري المتخلفة عن عالمهم والتي تسببت لي في متاعب كثيرة خلال أول سنة لي في أمريكا، كان كل شيء بارداً ومختلفاً ومتحركاً بسرعة البرق، وكنت بارعة في نقد الأمور كلها وكأنني عالمة كون، اختلفت مع تركيبة بشر من طينة ثانية لا يعترفون بالهزيمة أبداً، لكنّهم لا يتركونك تعبرهم من دون أن يتركوا فيك آثار فعاليتهم التي غطت العالم واختصرته في قبضته.
كنت بحاجة إلى سماع "فيروز" في غربتي وحزني الذي يشبه الطيش والفوضى والحلقة المفرغة، غنّت لي" فيروز" ودموعي الثكلى تعيدني إلى طفولة ضبابية الصورة وأنا أحلم بالمستحيل، كانت أحلامي غير عاقلة وغير هادئة ولم تكن عرائسي تعني لي شيئاً على الإطلاق. كبرت وتحولت إلى قنبلة على قول أحد أعمامي وانطلقت.
تلك العرّافة السوداء التي خدشت حظي بنبوءة بنكية ستتعب تفكيري لأيام وأنا أقلب بريدي اليومي علّي أعثر على شيك بمليون دولار أخطأ عنوانه إليّ. أحب البحر وأتخيله أعمق من قراراته بكثير، فهو السكينة والتمرّد والصفاء والارتواء والعطش إلى أجساد منهكة لنساء عاريات فيه، ليتني أستطيع شراء بحر، البحر كالرجل في شهوته، لكنّه لا يخون الجمال، والمرأة هي جمال الكون كلّه، البحر كالرجل في تمرّده، لكنّه حالم ووديع وغير جارح، إذن على الشيك الذي من المقرر أن يخطئ عنوانه إليّ أن يكون بلايين بأقل تقدير رغم أن الدولارات لن تتحمل ملوحة البحر، وستذوب أرقامها في زرقته التي لا ترضى بغير النساء أجساداً أو الشيكات العارية من الأصفار الفارغة المعنى والملتاعة بالعد المناقض للإنسانية.
لست بحاجة إلى قطعتي المايوه كي أناشدك أن تبتلع جسدي فيك، أنت الغول الأزرق المبتسم في سخاء، سأغرق في جوعك وأنا عارية تماماً كدهشة ينقصها بعض مليمترات من الانتباه. دوخَّتني تلك العرّافة وأفزعت خسائري التاريخية كلها، ها أنا أصل مكتب المحاماة للاستفسار عن رسالة مستعجلة وصلتني هذا الصباح تقول (أحضري عنوان هذا المحامي فوراً)، اندهش المحامي الآسيوي من جنسيتي العربية، فزاد من ارتباكي وتخيلت الموضوع له علاقة بابن لادن فقلت له (لا علاقة لي بابن لادن)، كشّر في وجهي ثم تركني وذهب يوشوش في أذن صاحبه، فارت أعصابي من طريقة معاملتهم لي فصرخت مرة واحدة وكأنني الوحيدة الموجودة في المكان، وقلت (ما المشكلة هنا؟ لماذا هذه العنصرية في معاملتكم لي؟ أريد أن أفهم ما الخطأ في كوني عربية ؟)، حينها همس أحدهم في أذني: (ألديك علاقة بفلورانس تريفل؟).
قلت: (هي صديقتي)، قال: (القصة وما فيها أن صديقتك قبل وفاتها كتبت لك ثروتها كلها والتي تعادل بليون ونصف البليون دولار أمريكي). اجتاحتني رعشة موت كادت توقف أنفاسي وقلت: (فلورانس ماتت؟ كيف ماتت؟ متى ماتت؟)، ردَّ عليّ أحدهم: (هذه أمور يطول شرحها، هلا أعطيتنا معلوماتك البنكية كي نحول المبلغ لك؟).
قلت: (هذه مسخرة وقلّة أدب سأطلب لكم الشرطة حالاً).
قال أحدهم: (يا سيدتي هذا مكتب محاماة محترم، وإذا كنا أخطأنا في حقك فليس لكونك عربية، اقرئي الرسالة وستفهمين جيداً الالتباس الذي نحن فيه).
والرسالة تقول أمنح هذا المبلغ لفلانة.. وعلانة.. الساكنة.. الحاملة لجواز.. البيضاء اللون من أصل آسيوي.
قلت ودموعي منهمرة: (كيف ماتت فلورانس؟).
قال أحدهم: (انتحرت)، ثم أردف (هل أنت عربية أم آسيوية؟).
قلت: (أنا بطيخ). وتركت المكان وخرجت أجري وغصّة فلورانس تكبر، تكبر وتكبر.
رنّ محمولي النقال، استفقت من غفوتي مفزوعة:
- ألو.
- هاي سهيلة.. أنا فلورانس لقد وصلت مطار نيويورك.
- هل أنت بخير؟
- مشتاقة إليك.
-وأنا أيضاً عزيزتي.
-هل تمانعين إذا طلبت منك سلفة مادّية؟
- أكيد لا.
- أنا بحاجة إلى خمسة آلاف دولار.
- سيصلك المبلغ غداً أعطني عنوانك.
- اكتبي... شكراً جزيلاً سهيلة.
- أنت صديقتي لا تشكريني أبداً.
لمن أشكو كذبة العرافة؟
ولمن أشكو ضيق صدري؟
ولمن أشكو إفلاسي يا بحر؟



#سهيلة_بورزق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنثى لجميع الاستعمالات
- ليلة دخلة الزعيم
- الكتابة العشق
- كأس ... بيرة
- ليلة القبض على الحب
- مصحة عقلية لكل عربي
- الرغبة
- هنا الغربة
- سلطة المقروئية
- فضاء الكتابة
- هيلوين


المزيد.....




- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيلة بورزق - لمن أشكو ضيق صدري