(( كيف يتم أظهار شكلة بهذه الصورة البشعة في التلفزيون ؟ لايليق بزعيم عربي مهما كان دكتاتوراً أم طاغية أم ديمقراطي أن يتم أنتهاك أنسانيته وخصوصيته ليظهر بهذا الشكل غير المقبول ، وأنا أشعر بالأحباط والآسى لأن الأمريكان هم الذين قبضوا عليه بهذا الشكل المأساوي )) .
بهذه الكلمات المغلفة بالتردد والأضطراب وعدم الدقة والخالية من الأقناع أدلى صاحب جريدة عروبية بائسة تصدر في لندن .
(( أنني أعتقد أن صدام حسين كان تحت التخدير ، ومن يدقق في أستجابته وتنفيذ أوامر الطبيب الفاحص يستدل على أن لاقدرة عقلية في تلك اللحظة لهذا الرجل الصعب المشهور بالرفض وعدم تقبل أستلام الأوامر ، وأن عملية القبض عليه لم تتم الا بعد أن نشرت القوات الأمريكية غازات مخدرة فعلت فعلها ولم يتوقف نفاذها الا بعد ساعتين ، وهو الوقت الذي تطلبه نقل الرئيس صدام )) .
بهذا التحليل التخيلي والقص الخيالي الشعري الذي يضفي الحبك القصصي على الحدث صرح أحد المحللين والسياسيين العرب بعيداً عن المنطق والواقع والمقبول في التحليل والأستنتاج .
أن تخيل سيناريوهات وتبريرات متعددة غير صعب البتة ، كما أن تجهيز الشكوك لن يبدأ بعملية القبض عليه أو أستجوابه .
فاذا قاوم صدام مثل الرجال ومات برصاص الأمريكان فستطبل الأبواق الزاعقة أن الرجولة والشجاعة العربية والمباديء هي التي دفعت بالطاغية أن يقاوم بالرغم من معرفته بأن معركته خاسرة وأنه منهزم لامحال ، ولكنه قضى شهيداً بيد الأمبريالية العالمية مسجلاً اسمه الى جانب عمر المختار وجيفارا .
وأذا قتل فسيتم التطبيل أن الشبيه هو الذي قضى حين تبث أحدى القنوات التلفزيونية شريطاً صوتياً يؤكد أن الأمريكان يخدعون الشعب العربي والعراقيين حين يجدون دمية أصطناعية تشابه صدام أو انهم وجدوا من يشبهه ليتم عرضه على التلفزيون ، وحين لايتم العرض يبدأ التشكيك من كون الرواية تفتقر للدقة والموضوعية وأنها عبارة عن مسرحية مفبركة القصد منها أحباط ويأس في نفوس أنصار الرئيس البائد ولو كان بمقدورهم أن يظهروه على التلفزيون .
وحين يتم عرض صورته على التلفزيون يبدأ العزف على أوتار حقوق الأنسان وكون جثث الموتى لايتم عرضها على الناس أكراماً لحرمة الميت ووفقاً للشرائع الدينية السماوية وأنسجاماً مع الأعراف الأجتماعية التي يلتزم بها أهل العراق .
وحين يتم عرض صورته حياً على التلفزيون منعاً للتشكيك وتخليصاً للتبريرات ستجد من يرسم لك صورة التخدير محاولاً أن يبذر في ذهن المتلقي العربي أن صدام البائد لم يكن بهذه الصورة الحقيقية التي تم القبض بها عليه ولافي طريقة التعامل الطوعي حين أستجاب بيسر للطبيب الفاحص ليريه ندبه في رأسه تدلل على أنه صدام الحقيقي وليس البديل أضافة لما أظهره الحامض النووي والفحص الشعاعي للأسنان .
وقد يظهر من يقول أن صدام البائد وجد أن طريقة تسليم نفسه وقبوله بالمحاكمة سيخلق له فرصة لم يكن يتمناها أو يحلم بها يشتم فيها الأستعمار والأمبريالية والصهيونية والعملاء وربما الغوغاء والشهداء والعراق كله أثناء جلسات المحاكمة التي ألتزمت السلطات أن تقوم بها محكمة عراقية وعلنية وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ .
ولم يكن مخطيء أحد المشاهدين من أهل اليمن حينما طالب بأطلاق سراح صدام ومحاكمة الشعب العراقي بديلاً عنه فهو الذي يتحمل المسؤولية على حد تعبيره مادام أهل العراق قد انتخبوا سابقاً صدام بنسبة 100 % أو دون ذلك بقليل فالرجل كان مخدوعاً وواهما ولم يزل كغيره بخراعة بالية أسمها صدام حسين في العراق .
ثمة من يقول أن خيانة مؤكدة وقريبة ساهمت في القبض على صدام البائد ولايمكن لرجل أستطاع أن يختفي كل هذه المدة أمام قوات تنتشر في كل أمتار الأرض في مدينة تكريت وضواحيها طيلة فترة الثمانية أشهر دون أن تتمكن من التعرف على مكان وجوده .
هناك من يبرر أن عدد من أقطاب جهاز المخابرات العراقي من تعاون في أن يدل القوات الأمريكية على مكان أختباء صدام البائد ، وهناك من يقول أن الأستخبارات الكردية التي جسدها سائق تكسي كان أحد المرافقين الذين يختبئون مع صدام قد استأجره ونزل في منطقة أبعد من البيت ليخلق شكاً لدى السائق الذي أخبر قيادته الأمنية والتي راقبت المنطقة بأكملها بدقة حتى حددت منطقة تواجد الطاغية في الجحر الذي تم القبض به عليه .
ثمة من يقول أن تعاون أكيد بين عناصر من اهالي تكريت وقريتي العوجة والدور هم من أخبر عن تواجد صدام البائد في ريف هاتين المنطقتين .
وثمة من ينسب بطرافة التوصل الى مكان الأختفاء بواسطة الديك الذي فضحه بالصياح حين كان صدام البائد يقوم بتسجيل شريطة المرسل الى قناة العربية ، ونفس الديك بقي يصيح في الفجر الذي تلي القبض على صدام البائد ، وكأنه يريد التأكيد بمشاركته حول كشف مكان أختباء الطاغية في الجحر الذي لايتسع لأحد غيره .
سيتصدى عدد من التباكين على النظام البائد أن طريقة القبض على صدام طريقة مخالفة لحقوق الأنسان وللأعراف والمواثيق الدولية .
وسيتصدى آخر للتصريح بأن المحاكم العراقية غير مؤهلة لأجراء محاكمة صدام البائد وأعضاء زمرة السلطة المقبوض عليهم او الهاربين من العدالة العراقية .
وسيصرح آخر بأن صدام حين أرتكب هذه الأفعال فأنه يمثل نفسه وسيحاسب عنها شخصياً ولايتحمل حزب البعث البائد ولاقيادته السياسية مسؤولية ماحدث .
وسيقول آخر أن صدام بالرغم من كل ماحصل في العراق يبقى عربياً ومسلماً لاينبغي أن نقف مع الأمريكان ضده .
وسيكتب آخر قائلاً أن من العار على العرب أن يتم أعتقال زعاماتها من قبل الأجانب والأعداء الأمريكان .
وسيخيب صدام البائد ظن العديد ممن كان يتصور مقاومته ومقاتلته التي طالما طالب بها الناس والتي خانته في اللحظات الأخيرة التي كان يحتاجها في مثل هذا الفعل ، لكنهم سيجدون التبرير أنه يستعد لجهاد أكثر قساوة وأكثر تأثيراً حين سيتقدم أمام وسائل الأعلام العالمية التي ستتيح له الظهور للمرة الأخيرة أمام شاشات الفضائيات العربية والعالمية ليدلي بتصريحات كلامية تزيد من وهم بعض المتوهمين وتخدع بعض السذج من العرب ، غير أن الرجل يحقق آخر مايحلم به في حياته التي أمتلأت بمآسي الناس وأحزانهم حين يظهر في هذه الصورة عالمياً وهو ماكان ينفق عليه أموالاً طائلة من أجلها .
سيواجه صدام البائد العدالة العراقية التي طالما أنتهكها وأستخف بها ، وسيبرر بعض الأعراب أن المحاكم العراقية غير شرعية فهي لايمكن أن تحاكم صدام لقصور في تشكيلها ولعجز في أدائها ,أضافة الى عدم شرعية في تسميتها وقاصرة الصلاحية والقرار ، وحين تتم محاكمة صدام البائد كمجرم حرب ومنتهك للجرائم ضد الأنسانية فأن التشكيك يبدأ في أنتهاك سيادة وقضايا العراق الداخلية واستخفاف بالقضاء الوطني العراقي .
وشكك بعض في طريقة المحاكمة قبل أن تبدأ فجزم أنها لن تكون علنية وأنها لن تبث على الهواء مباشرة ، وانها لن تؤدي واجبها الحقيقي في العدالة ، وشكك أخر في قضاة المحكمة التي ستباشر أعمالها بمحاكمة صدام البائد وأقطاب العهد البعثي قبل أن يتعرف على أسماؤهم أو أصنافهم أو تاريخ عملهم القضائي في العراق .
ستمتلأ الصحف الصفراء بالتشكيكات والتبريرات ، وستبح أصوات المحللين والسياسيين الحالمين بحكم صدامي آخر في العراق في أن يسردوا أحلامهم بعودة الطاغية العادل الذي يليق بشعب العراق .
وسيبرر بعض ما أقدم عليه صدام البائد فيقولوا أن جثث الشهداء في المقابر الجماعية تعود لقتلى من الحرب العراقية الآيرانية لكنهم أسقط في يدهم حين خالفهم صدام الذي أعتبر أن شهداء المقابر الجماعية في العراق ماهم الا سراق ولصوص وهاربون من الخدمة العسكرية ، اما بقية الشعب العراقي فلايعدو الا غوغاء وهمج وكأنه يوحي بذلك انه لايليق للعراق سوى صدام الدكتاتور .