أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - مرض يدعى -المظهرية-!














المزيد.....

مرض يدعى -المظهرية-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2196 - 2008 / 2 / 19 - 12:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المظهر هو الشكل الخارجي للشيء أو الإنسان، أو الصورة التي يظهر فيها.. والتطور، في معنى ما، هو حل التناقض بين المحتوى والشكل، فلا بد للشكل، ومهما عصى المحتوى من أن يخضع له ويمتثل، فالفرق بين المريض والمتمارض إنما هو ذاته الفرق بين شكل يوافق المحتوى وشكل يخالفه.

قلت هذا لعلَّني أُوفَّق في قول ما يجب قوله في مرض ثقافي وسلوكي وتربوي نعانيه هو مرض "المظهرية"، الذي هو مرض شرقي في المقام الأول، ولا نخطئ إذا ما نظرنا إلى النزعة المظهرية على أنَّها سبب لتخلُّفنا الاجتماعي والحضاري، أو نتيجة له، فالأمران سيان.

الرجل كان عظيما، وقد شهد له التاريخ على عظمته.. لقد أتى مجلسا، فجلس عند الباب، فجاء أحدهم إليه ليُجلِسه في صدر المجلس، قائلا له: "سيدي، لك الصدارة"، فأجابه قائلا: "الصدارة حيث أجلس"!

هذا الرجل إنَّما كان ممتلِئا كمثل غصن ممتلِئ ثمارا، ولا بد له، بالتالي، من أن ينحني. أمَّا المصابون بمرض "المظهرية"، في مجتمعاتنا الشرقية، فلا يعرفون تواضع ذلك العظيم، أو ذلك الغصن الممتلئ ثمارا؛ لأنَّهم غصون لا تحمل شيئا من الثمار، فديدنهم إنَّما هو الصدارة في كل شيء، والمظهرية، وكأنَّهم في حرص دائم على أن يلبسوا اللباس المفضَّل لـ "الصفر" وهو الغرور.

إنَّهم كمثل "الإعلان التجاري"، يُظهرون أنفسهم، أو يظهرونهم، على أنَّهم خير الناس في صفاتهم وخواصهم الوظيفية حتى إذا خضعوا للاختبار الوظيفي الحقيقي والموضوعي حلَّ بهم ما حل ببضاعة ثبُت لدى استعمالها، أو استهلاكها، أنَّ صفاتها وخواصها الحقيقية لا تمت بصلة إلى صفاتها وخواصها في الإعلان التجاري.

لقد أخذت "الوظيفة"، في مجتمعاتنا، من البيروقراطية أسوأ ما فيها، حتى غدت الشر الخالص للبيروقراطية، وموضعا وعملا يتركز فيهما ويتجلى الفساد الإداري مع كل ما يعنيه هذا الفساد من فساد أخلاقي وسلوكي وتربوي.

إنَّ عظمة الأمة تكمن في قدرتها على تمييز العظيم من الصغير، والصغير من العظيم، فالأمة العظيمة إنما هي التي تزن أبناءها بـ "ميزان المتنبي"، الذي فيه نرى العظيم شخصا صغُرت في عينه العظائم، والصغير شخصا عظُمت في عينه الصغائر. ولا ريب في أن صغائر الأمور هي التي فيها تضرب المظهرية جذورها عميقا، فالمكان، في معناه الإداري والبيروقراطي، هو كل شيء، أما الذي يشغله، ويستحقه، بحسب معايير الفساد الإداري والوظيفي، فيجب أن يكون لا شيء. وشتان ما بين الذي يعظم بالمكان والذي يعظم به المكان، فالأول يظل جَمَلا مهما تزركش، بينما الثاني يفهم الصدارة على أنها الموضع الذي يجلس هو فيه ولو كان هذا الموضع موضع قمامة.

إنني لم أرَ عظيما لديه ولو نزر من نزعة المظهرية، فنبْذ المظهرية، في شكله وعمله ونمط حياته، إنَّما هو الشيء الذي فيه، وبه، تتأكد عظمته وتظهر. أمَّا فاقدو المحتوى الحقيقي للعظمة فتراهم يتلهون عن عظائم الأمور بصغائرها، وكأنَّ "الماكياج البيروقراطي" هو شغلهم الشاغل، والهدف الذي من أجله يعيشون، وفي سبيله يصارعون ويهادنون!

هؤلاء إنما هم أنماط من الشخصية الفردية والاجتماعية قضت مصالح تافهة بخلقهم، فخلقتهم على مثالها. وخالقوهم إنما خلقوهم عملا بمبدأ "إذا أردتَ أن تملك شخصا فملِّكه". أما الطريقة فهي أن تأخذ ممن يستحق لتعطي من لا يستحق!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَقْفَة تستحق الإشادة والتقدير!
- اغتيال مغنية.. ما ظَهَر منه وما استتر!
- -نار الغلاء- فاكهة الشتاء!
- -المواطَنة- في -الوطن العربي-!
- -حرية العقيدة- بين تركيا وبريطانيا ومصر!
- بوتين يرى العالم بعين لا يغشاها وهم!
- مع الحكيم
- إعادة فتح وتشغيل معبر رفح هي التحدِّي الأول!
- الحركة والسكون في الكون
- حتى لا يأتي هدم -الجدار- بما تشتهي إسرائيل!
- طريقان متوازيتان يجب أن تلتقيا
- بوش: للاجئ الفلسطيني الحق في التعويض عن حقِّه في العودة!
- رئيس بونابرتي أم لحود ثانٍ؟!
- -بقرة بوش- لن يَحْلبها غير إسرائيل!
- -الحُجَّاج- مشكلة تُحل بتعاون الفلسطينيين ومصر
- -الإعلاميُّ- و-الحاكِم- عندنا!
- اللعب الإسرائيلي على الحَبْلين الفلسطينيين!
- عاصمة -الغلاء العربي-!
- فساد ثقافي وتربوي!
- -متى- و-أين-.. فيزيائياً وفلسفياً


المزيد.....




- لماذا لا تقيم قطر علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل؟ الأنصار ...
- الشيخ موفق طريف في بلا قيود: للأسف لا توجد نوايا حسنة حتى ا ...
- اُتهمت بسرقة التبرعات.. مؤثرة فلسطينية تواجه انتقادات بعد مغ ...
- إسبانيا وإسرائيل..تحالفات تتصدع ومصالح تتشابك بسبب حرب غزة
- -ما وراء الخبر- يتناول رفض مجلس الأمن تمديد رفع العقوبات عن ...
- مالي تلجأ إلى محكمة العدل الدولية والجزائر ترد
- مباحثات -مثمرة- بين ترامب والرئيس الصيني
- كيف تحل الخلافات بين الأطفال على طريقة -ميمامورو- اليابانية؟ ...
- ماذا بعد رفض تمديد رفع العقوبات عن إيران؟ محللون يجيبون
- نازحو غزة على شاطئ الموت.. بين البحر وقسوة الحرب


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - مرض يدعى -المظهرية-!