أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - جواد البشيتي - مع الحكيم














المزيد.....

مع الحكيم


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 11:16
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


في الأشرفية في عمان، وفي نهاية سنة 1968، التقيتُ بـ "الحكيم" أوَّل مرَّة. لقد طَلَبَ أن يراني بعد بضعة أيام من إبعاد السلطات الإسرائيلية لي من القدس إلى الأردن، بعد اعتقالها لي مدة ثلاثة أشهر على إثر إصابتي بجراح (واستشهاد رفيقي رياض جابر) في عملية نسف مقرِّ الحاكم العسكري الإسرائيلي في القدس، والتي كانت آخر عملية فدائية من 13 عملية نَفَّذْتُها ورفيقي رياض.

آنذاك كان عمري 13 سنة، وكان العمل الفدائي في بداياته. نَظَرَ إليَّ "الحكيم" وكأنَّه كان يخبِّئ مفاجأة لي قبل أن يخبرني أنني، بعد بضعة أيام، سأقابِل "شخصاً عظيماً"، ثمَّ سألني "هل تَعْرِف من هو؟". وقبل أن أفكِّر في الإجابة قال: "إنَّه الزعيم جمال عبد الناصر، فقد أرسل لكَ دعوة لزيارته".

ومع أنني كنتُ معجباً بعبد الناصر، وأواظِب على سماع خطاباته، فإنَّ الخبر لم يكن له وَقْع كبير في نفسي. أمَّا "الحكيم"، الذي لم يكن ماركسياً بعد، وكان مؤمناً بالفكر القومي، فقد بدا لي مهتمَّاً كثيراً بأمر هذا اللقاء. وقد حدَّثني عن أهمية تطوير العمل الفدائي، والتأسيس لـ "علاقة ثورية" بين "حركة القوميين العرب ("شباب الثأر") التي كان يقودها، والتي انبثقت منها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وبين "الحركة الناصرية" وزعيمها جمال عبد الناصر، على الرغم من الهزيمة الحزيرانية.

وبالفعل، سافرتُ إلى القاهرة، والتقيت بعبد الناصر في منزله، وفي نهاية اللقاء قال لي: "قُلْ لحبش (جورج حبش) إنني أشكره على هديته". لم أعرف ما عناه عبد الناصر بـ "الهدية"، حتى قابلتُ "الحكيم"، وأوضح لي أنَّه في مقابلة صحافية له قال إنَّه يهدي إلى الرئيس جمال عبد الناصر عملية فدائية نفَّذتها "الجبهة الشعبية".

وفي منطقة شاتيلا (مبنى "المكتب السياسي") في بيروت، سنة 1976، كان لقائي الثالث، وبعد طول انقطاع، مع "الحكيم". آنذاك كان "الحكيم" ماركسياً، يقود "الجبهة الشعبية" في عملية تحوُّلها من تنظيم قومي يساري برجوازي صغير إلى تنظيم ماركسي بروليتاري على ما كان يقول ويؤمن. على أنَّ ماركسية "الحكيم" لم تكن محدَّدة، فالصراع العقائدي بين موسكو وبكين كان على أشده. لم يكن "الحكيم" معجباً بـ "الماركسية السوفياتية"؛ ولكنَّه مال بدايةً إلى "التجربة الصينية"، ثمَّ بدا أكثر ميلاً إلى التجربتين الفيتنامية والكوبية.

وآنذاك، أيضاً، وعندما التقيتُ به، كانت الماركسية (التي تُعارِض التجربتين السوفياتية والصينية) هي التي تستبد بتفكيري؛ وكان يشقُّ عليَّ أن أُشاطِر "الحكيم" إيمانه بإمكانية أن تتحوَّل "الجبهة الشعبية" إلى "تنظيم ماركسي بروليتاري" على ما كان يريد ويطمح.

وأذْكُر أنَّ لقائي الثالث مع "الحكيم" قد استغرق خمس ساعات، كانت قضايا الفكر الماركسي على اختلافها مدار الحديث أو الحوار؛ وقد تخلَّله أكل كثير من "الخِيار"، فـ "الحكيم" كان يأكل منه يومياً كميات كبيرة. وفي نهاية اللقاء، اقترح عليَّ أنْ أعمل معه في صورة يومية، وأن نَعْقِد جلستين فكريتين كل أسبوع.

قَبِلْتُ الاقتراح، فبدأنا نعقد تلك الجلسات في شقة له في بناية في الفاكهاني. وقبل كل لقاء، أو جلسة، كان يُرْسِل لي ورقة كتب فيها بخط يده فكرة ما، وينهيها بعبارة "جواد للتفاعُل".

وفي إحدى تلك الجلسات، سألْتُهُ هل يؤمِن حقَّاً بأنَّ "الجبهة الشعبية" يمكن أن تتحوَّل إلى تنظيم ماركسي، فكان جوابه: "نعم، ولكن علينا ألاَّ نتسرَّع، ففي داخل الجبهة قيادات ومناضلون مهمِّون، لا تعجبهم الماركسية، وعلينا، بالتالي، أن نجرِّعها لهم تجريعاً". وقال لي أيضا: "إنَّكَ تَعْرِف الحاج فايز جابر (استشهد بعد ذلك في أثناء قيادته لعملية عنتيبي في أوغندا). إنَّه من أبرز القياديين المناضلين في الجبهة، ولكنه لا يتقبَّل أبداً فكرة تحوُّل الجبهة إلى تنظيم ماركسي. وهناك كثيرون مثله".

لقد أدركتُ أنَّ "الحكيم" يريد لهذا التحوُّل أن يكون بطيئاً سلساً، آمناً مستقراً، فالجبهة عانت كثيراً من الانشقاقات، التي بعضها كان له صبغة ماركسية، كانشقاقي "الجبهة الديمقراطية" و"الجبهة الثورية".

وتوالت الجلسات؛ وفوجِئتَ، في إحداها، بسؤال "الحكيم" لي: "لماذا لا تلتقي بأبي علي مصطفى، فهو من أكثر القيادات في الجبهة إقبالاً على قراءة الفكر الماركسي؟". ثمَّ فوجئت بانضمام أبو علي مصطفى، وأبو أحمد اليماني، إلى تلك الجلسات الفكرية.

وكلَّما توالت الجلسات كنتُ أزداد تشكُّكاً في إمكانية هذا "التحوُّل" الذي كان يشغل تفكير "الحكيم". ويبدو أن "يساريتي" آنذاك كانت تمنعني من أن أكون "صبوراً" في حجم صبر "الحكيم"، فأرسَلْتُ إليه كتاب استقالتي، الذي ذَكَرْتُ فيه أنني فَقَدتُ كل ثقة بجدوى "عملية التحوُّل".

وعندما مرض "الحكيم" زرته، فقال لي وأنا أصافحه: "إلى متى ستظلُّ نظرياً؟". فَهِمْتُ قصده، فهو طالما أرسل لي وريقة كتب عليها قول لينين: "إنَّ خطوة عملية واحدة أهم من عشرة برامج سياسية".

لقد كان "الحكيم" من نمط القيادات التي يمكنكَ وصفها بأنَّها "قيادات تاريخية"، في حجم التحدِّي التاريخي الذي يواجهها، وكان، بالتالي، أكبر، وأكبر كثيراً، من التنظيم الذي أسَّسه وقاده. وفي زمن "الفساد القيادي"، يُريكَ "الحكيم"، مع قلَّة قليلة من أمثاله، كيف يمكن ويجب أن يكون القائد في منتهى النظافة الأخلاقية والسلوكية والمبدئية.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة فتح وتشغيل معبر رفح هي التحدِّي الأول!
- الحركة والسكون في الكون
- حتى لا يأتي هدم -الجدار- بما تشتهي إسرائيل!
- طريقان متوازيتان يجب أن تلتقيا
- بوش: للاجئ الفلسطيني الحق في التعويض عن حقِّه في العودة!
- رئيس بونابرتي أم لحود ثانٍ؟!
- -بقرة بوش- لن يَحْلبها غير إسرائيل!
- -الحُجَّاج- مشكلة تُحل بتعاون الفلسطينيين ومصر
- -الإعلاميُّ- و-الحاكِم- عندنا!
- اللعب الإسرائيلي على الحَبْلين الفلسطينيين!
- عاصمة -الغلاء العربي-!
- فساد ثقافي وتربوي!
- -متى- و-أين-.. فيزيائياً وفلسفياً
- هل أعاد بوش السيف إلى غمده في مواجهة إيران؟!
- -تسونامي- السنة الجديدة!
- ولكم في -قِصَّة إبليس- حِكْمَة يا أولي الألباب!
- قنوط رايس!
- قرار صبُّ الزيت على نار التضخم!
- هل تريدون مزيداً من -الإيضاحات- الإسرائيلية؟!
- -التقرير-.. مسمار دُقَّ في نعش!


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - جواد البشيتي - مع الحكيم