أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - -تسونامي- السنة الجديدة!















المزيد.....

-تسونامي- السنة الجديدة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2132 - 2007 / 12 / 17 - 12:02
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


"الكاهن" لا تُعْجِزَهُ إجابة أي سؤال، فـ "الروح" دائماً هي أسهل وأبسط تعليل وتفسير لأعَقْد الظواهر، وكأنَّ كل ما نجهله يمكن ويجب نَسْبِهِ إلى "الروح"، وكفى الله السائل والمجيب شرَّ التعليل والتفسير.

إنَّ شَبَهاً من منطق الكهانة هذا نقف عليه في ما يدلي به "كهنتنا الاقتصاديون" من تعليل وتفسير لظاهرة استشراء الغلاء مع شروره كافة عندنا، فـ "العامل الخارجي" هو دائماً السبب والمسبِّب، فأفضل وأكثر ما "نستورد" إنَّما هو "غلاء الأسعار"، الذي من وقوده يستمدُّ "القِدْر الاجتماعي" من الحرارة ما يكفي لغليانه.

لن نقلِّل من شأن وأهمية "العامل الخارجي" في "صناعة الغلاء" عندنا؛ ولكن أليس من الأهمية بمكان أن نجيب عن السؤال الآتي: لماذا يؤثِّر هذا "العامل الخارجي" في حياتنا الاقتصادية على هذا النحو، وبهذا القدر، وكأنَّ جسمنا الاقتصادي لا يملك من المناعة ما يكفي لدرء مخاطر الأمراض "المستوردة" عنه، ولا يملك من الثقل ما يكفيه شر أن يصبح كريشة في مهبِّ الريح؟ إنَّ نزراً يسيراً من التفسير والتعليل نتوصَّل إليه إذا ما نَسَبْنا ما نعانيه من غلاء إلى عوامل خارجية (موضوعية لا سيطرة لنا عليها). ولكن التوسُّع في التفسير والتعليل، واكتمالهما، يستلزمان أن نقف على السبب الداخلي الذاتي الذي لولاه لنزلت علينا عوامل الغلاء الخارجية بردا وسلاما.

لقد أسَّسنا لاقتصاد يكفي أن يتفاعل تفاعلاً حرَّاً مع "العولمة الاقتصادية"، التي يرتفع فيها منسوب الوحشية الرأسمالية في استمرار وعلى نحو متسارِع، حتى يغدو كظِلٍّ فَقَدَ جسمه، أو كـ "طَوْفٍ" تصعد به وتهبط أمواج بحر تلك العولمة.

هذا الخلل الجوهري البنيوي في حياتنا الاقتصادية هو ما يَحُول بيننا وبين أن نعلِّل أنفسنا بوهم "علاج سرطان الغلاء بما يشبه حبَّة أسبرين"، التي هي كناية عن "حل زيادة الراتب مع كل زيادة في التضخم".

2008 لن تكون سَنَة اقتصادية (واجتماعية) عادية، فإنَّ ما يشبه "تسونامي (اقتصادي ـ اجتماعي)" سيُدشِّنها ويفتتحها؛ ونحن لم نفعل لمواجهته ودرء مخاطره عنا سوى ما يشبه، لجهة قوَّة تأثيره، صلوات كاهن توشك أن تنقض عليه صاعقة، وكأنَّ درء خطر الصاعقة يمكن أن يتحقَّق بالصلاة فحسب!

الآن، حيث "زيادة الرواتب"، مقداراً ونسبةً وطريقةً، هي ما يستبد بتفكير قسم كبير من مواطنينا، ليس بالأمر الذي يقع موقعا حسناً في النفوس أن نتحدَّث عن النصف الفارغ من الكأس، فاليوم خَمْر..

ومع ذلك سنقول "تنجيماً"؛ ونحن نَعْلَم أنَّ المنجِّمين كذبوا ولو صدقوا، إنَّ كل الزيادة في الرواتب لن تَقْدِر أن تُوازِن تأثير رياح الغلاء العاتية التي ستَهُب بعد، وبسبب، "تحرير" أسعار المشتقات النفطية، وسيتأكَّد، عندئذٍ، لكل من تقاضى "راتباً مضخَّماً" أنَّه قد تقاضى "أوراقاً خريفية" سرعان ما ذَرَتْها تلك الأسعار إذ حُرِّرَت، مُسْتَعْبِدةً، بالتالي، مَنْ زيدت، ومَنْ لم تُزَدْ، رواتبهم، وكأنَّ الغاية الكامنة في زيادة الرواتب هي ذَرُّ الرماد في العيون!

إننا لا نجادل في أهمية وضرورة "التضحية".. أن نضحِّي جميعاً، وأن نعاني جميعاً، وأن نشدَّ جميعاً الأحزمة على البطون، وأن نتقشَّف جميعاً، توصُّلاً إلى "نموٍّ اقتصادي"، يذهب بالأسباب التي حَمَلَتنا على قبول كل هذا الشرِّ الاقتصادي ـ الاجتماعي. ولكن شتَّان ما بين تضحية من هذا النمط و"التضحية المتناسلة المتكاثرة الدائمة"، فَجَعْلُ التضحية قاعدة وهي التي يجب أن تكون "استثناء" إنَّما يعني جَعْل المضحِّي عبداً!

ليس بالأمر الذي يَعْدِل "معجزة اقتصادية" أن تؤسِّس الدولة لـ "أمن اقتصادي ـ اجتماعي" لمواطنيها كافة، فالدولة، ولو كانت لا تُشْرِك بإله "السوق الحرَّة"، يُمْكنها وينبغي لها أن تتوفَّر دائماً على تحقيق شيئين: سوقٌ فيها دائما ما يكفي من السلع والخدمات التي يستهلكها المواطنون تلبيةً لحاجات أساسية جوهرية، وتمكين كل مواطن من الحصول على ما يلبِّي حاجاته هذه من تلك السلع والخدمات.

وأحسبُ أنَّ الدولة بعملها هذا لا تنتهك "حرمة السوق الحرَّة"، وإنَّما تُوازِن، ولو قليلاً، بهذا "الالتزام الإنساني"، وحشية "السوق الحرَّة" التي استشرت في مناخ "العولمة الاقتصادية".

نحن لا نعلِّل أنفسنا بوهم أنَّ "إنسانية" الدولة يمكن أن تَغْلِب "انحيازها الطبقي"، فتقف مع "الأجور الزهيدة" ضد "الأرباح الفاحشة"، ولكننا ندعو إلى شيء من "الأنسنة" للعلاقة بين طرفي "السوق الحرة".. بين "قمَّتها" و"قاعدتها".

ثمَّة سلع تُنْتَج، أي يُمْكن ويجب أن تُنْتَج، من أجل أن يستهلكها المواطنون تلبيةً لحاجاتهم الأساسية (من مأكل وملبس..). وهذه السلع يجب ألاَّ تكون لـ "التصدير"، ابتغاء معدَّل ربحٍ أعلى، أو جَمْع مزيد من "الورقة الخضراء"، التي ما عادت بخضراء.

"السوق الحرَّة" يجب ألاَّ تظل مع قوانينها ومبادئها "حاكِماً أوتوقراطياً"، فالدولة المسؤولة عن رعيتها ينبغي لها تَسْتَحْدِث نظاماً لـ "الأمن الاقتصادي ـ الاجتماعي"، يُحْظَر بموجبه إفقار أسواقنا مِمَّا نُنْتِج من سلع ومواد استهلاكية أساسية.

وبموجبه، أيضاً، ينبغي للدولة أن تلعب لعبة "السوق الحرَّة" بما يعود بالنفع والفائدة على غالبية مواطنيها، فأين هي "المصلحة العامة" التي تمنع الدولة من أن تكون "تاجراً كبيراً" ينافِس، في مبيعاته من تلك السلع والمواد، تُجَّار "القطاع الخاص"، مُرْغِماً إيَّاهم، بالتالي، على خفض الأسعار، فالتوحُّش في السعي إلى رَفْع "معدَّل الربح" إنَّما هو من أهم الأسباب "غير المستوردة" لاستشراء الغلاء؟!

و"الأنسنة" الاقتصادية ـ الاجتماعية المدعوة الدولة إلى الأخذ بها يجب أن نرى أثرها واضحاً في إعادة توزيع الأعباء الضريبية المباشرة وغير المباشرة بما يُفْقِر الأغنياء ولو قليلاً، ويغني الفقراء ولو قليلاً، فأين هي "المصلحة العامة" في منع الدولة من أن تكون "الرحيم" في علاقتها الضريبية بالفقراء وذوي الدخل الضئيل؟!

وأين هي "المصلحة العامة" التي تمنع الدولة من أن تكون "القسوة" في علاقتها بـ "الفساد" الذي هو أهم من قانون "العرض والطلب" لجهة علاقته السببية باستشراء الغلاء، فالفساد الاقتصادي يُمْكِن أن يُنْتِج من الغلاء أكثر بكثير مِمَّا يُنْتِجه "العامل الخارجي"، الذي لا نرى مُتَّهَماً غيره بإضرام نار الغلاء؟!

عيد الأضحى ما عاد بالعيد، فالأضاحي كانت قديماً من الخراف، أمَّا اليوم فهي من البشر الذين يأكل التُجَّار لحومهم بهذا الغلاء الفاحش مع أنَّ أمل الموظَّفين في نَيْل الـ "100 دينار" قد خاب هذه المرَّة إذ تأكَّد لهم أنَّ "الخبر" كان عارياً من الصحَّة!

وها هُمْ ينتظرون، فموظَّفو الدولة من عسكريين ومدنيين ينتظرون الزيادة في رواتبهم لعلَّها تُطفئ شيئاً من نار الغلاء؛ وموظَّفو "القطاع الخاص" الذين فوَّضت الدولة أمرهم إلى أرباب "القطاع الخاص" ينتظرون نَزْراً من "العدالة الرأسمالية"، فرئيس غرفة تجارة الأردن وعدهم بأن يحذو "القطاع الخاص" حذو الحكومة في زيادة الرواتب مع كل زيادة في التضخم، فهلاَّ يُبَرُّ بالوعد.. وهلاَّ نرى نهاية للتناقض الآتي: كل ربِّ عملٍ يريد لغير العاملين عنده أن تزداد أجورهم ورواتبهم، ويجاهِد في سبيل بقاء أجور ورواتب العاملين عنده من غير زيادة!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولكم في -قِصَّة إبليس- حِكْمَة يا أولي الألباب!
- قنوط رايس!
- قرار صبُّ الزيت على نار التضخم!
- هل تريدون مزيداً من -الإيضاحات- الإسرائيلية؟!
- -التقرير-.. مسمار دُقَّ في نعش!
- بعضٌ من جوانب صورة الكون في مرآة -النسبية-
- حتى لا ينفجر -لغم أنابوليس- بالفلسطينيين!
- رِفْقاً بحاويات القمامة!
- كيف للسلام أن يَحْضُر في غياب -المفاوض العربي-؟!
- بعضٌ مما سنراه ونسمعه اليوم!
- قرار -قطع الشكِّ باليقين-!
- مجلس نواب يُمثِّل 560 ألف مواطن لا غير!
- يوم تكون -الوعود- كالعهن المنفوش!
- الانتخابات معنى ومبنى!
- هذا الخيار التفاوضي الجديد!
- لا اعتراف بها بوصفها -دولة يهودية-!
- الزهار في حضرة عرفات!
- الكَوْن -المطَّاطي-!
- -الثلاثون من شباط-.. ليس ب -سياسة-!
- -انحناء الزمان المكان-.. بعيداً عن الميثولوجيا!


المزيد.....




- التخطيط: الاعتماد على النفط نموذج هش ويهدد استدامة الاقتصاد ...
- مالي تبدأ في بناء مصفاة جديدة للذهب بالتعاون مع روسيا
- مواجهة إسرائيل وإيران تعرقل الطيران في دول عربية
- بخلاف البنكرياس.. عضو آخر في الجسم قادر على إنتاج الإنسولين! ...
- تصنيف إسرائيل الائتماني مهدد بخفض ثالث بسبب الحرب مع إيران
- كالكاليست: إسرائيل تتجه إلى عجز مالي وتضخم في الدين العام
- مواجهة إسرائيل وإيران ترفع أسعار الغاز في أوروبا
- الخطوط القطرية أفضل شركة طيران بالعالم للعام 2025
- سوريا وألمانيا تتفقان على تأسيس مجلس اقتصادي مشترك
- على أبواب انطلاقه.. منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي يؤكد جاذ ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - -تسونامي- السنة الجديدة!