أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - الكَوْن -المطَّاطي-!















المزيد.....

الكَوْن -المطَّاطي-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2098 - 2007 / 11 / 13 - 11:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بفضل النظريات والتصوُّرات والمفاهيم الفيزيائية (والكوزمولوجية) الجديدة (والثورية) التي أنْشَأَها وطوَّرها آينشتاين، صار في مقدور البشر الذين طالما حلموا بغزو الفضاء، والقَصِيُّ منه على وجه الخصوص، أنْ يكونوا واقعيين وعِلْمِيِّين أكثر في رغبتهم وتفكيرهم في السفر بعيداً في الفضاء.. بعيداً عن "نظامنا الشمسي"، وعن مجرَّتنا (مجرَّة "درب التبَّانة") التي تَضُمُّ ملايين الشموس، أو النجوم، التي بعضها أعظم كتلةً وحجماً من شمسنا.

ولقد قَوَّى آينشتاين في نفوسنا هذا الأمل الكوني بعدما تسبَّبَ هو نفسه بإضعاف هذا الأمل كثيراً إذ قال لنا مُكْتَشِفَاً إنَّ الضوء هو وَحْده الذي يسير في الفراغ، أو الفضاء، بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، فليس من شيء (ليس من جسم أو جسيم) في الكون أو الطبيعة يُمْكِنه أن يكون أسْرَع من الضوء، فكيف، إذا ما صَحَّ قول، أو اكتشاف، آينشتاين هذا، وقد صَحَّ على ما يبدو، أو على ما يبدو حتى الآن، يستطيع الإنسان الوصول إلى كوكب يَبْعُد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية مثلاً؟!

لو كان في مقدور البشر، أو لو أصبح في مقدورهم، أنْ يَسْتَحْدِثوا "وسيلة سَفَرٍ فضائي" تسير بسرعة تَفوق كثيراً (وكثيراً جدَّاً) سرعة الضوء لَقُلْنا إنَّ الإنسان يُمْكِنه، بفضل هذه الوسيلة، أنْ يَصِلَ إلى ذلك الكوكب (الذي يَبْعُد عن الأرض 100 مليون سنة ضوئية) في زمن مقداره، مثلاً، 10 سنوات. ونقول، على سبيل التذكير، ثَمَّة مجرَّات تَبْعُد عن كوكب الأرض 15 ألف مليون سنة ضوئية.

آينشتاين، وفي استنتاج، من أهم وأعظم استنتاجاته، من النظريات التي جاء بها، قال إنَّ الإنسان، لو اسْتَحْدَثَ "وسيلة سَفَرٍ فضائي" تسير بسرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، أي بسرعة دون السرعة الضوئية قليلاً؛ لاستحالة السير بسرعة تَعْدِل أو تَفوق سرعة الضوء، لَتَمَكَّن من أن يَصِلَ إلى هذا الكوكب في زمن مقداره دقيقة واحدة فحسب!

في هذا الاستنتاج نَقِفُ على وجه من أهم وجوه الثورة الفيزيائية والكوزمولوجية التي أحْدَثَها آينشتاين. ويُمْكِن أنْ أرى في هذا الاستنتاج اكتشافاً لِمَا يُمْكِن تسميته "الكون المطَّاطي"، أو "مطَّاطيَّة الكون"، أو "مطَّاطية المسافات (أو الأبعاد) الكونية". لقد أبْدَع آينشتاين فكرة "نِسْبِيَّة المسافات (أو ألأبعاد) الكونية (أو الفضائية)".

لِنَتَحَدَّث عن "سرعة الضوء"؛ ولكن دَعُونا، قبل ذلك، نتحدَّث عن الضوء نفسه.

شُعاع (أو خيط) الضوء يَنْطَلِق من الشمس، مثلاً، فيسير في الفراغ، أو الفضاء، مسافة 150 مليون كيلومتر تقريباً قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلى كوكب الأرض، وإلى عيوننا. لقد انْطَلَقَ من جسم كروي عظيم الكتلة، هو الشمس، فسار في الفراغ، أو الفضاء، بسرعة ثابتة (لا تزيد ولا تنقص في الفراغ) مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، ثمَّ امْتَصَّه جسم كروي آخر قليل الكتلة، هو كوكب الأرض.

هذا الشُعاع، أو الخيط، يُمْكِن أن تتصوَّره على هيئة "خطٍّ مستقيم"؛ وهذا الخط يُمْكِن أن تتصوَّره على هيئة خطٍّ يتألَّف من ملايين النُقَط؛ وثمَّة فراغ بين نُقْطَةٍ ونُقْطَة. وتُسَمَّى كل نُقْطَة "فوتون" Photon. و"الفوتون" يُمْكِنُكَ فَهْمه على أنَّه "جسيم الضوء".

هذا "الفوتون" إنَّما هو "مقدار (أو وَحْدة)" من "مادة مخصوصة، أو من كُرَيَّات من مادة مُعيَّنة على سبيل التخيُّل"، على أنْ تَفْهَم تلك "المادة" بمنأى عن مفهوم "الكتلة" Mass.

هذا "المقدار (أو تلك "الوَحْدة")" غير قابلٍ للتجزئة، فلا يُمْكِنكَ أن تَحْصَل على نِصْفِه، أو رُبْعه، أو ثُلْثِه، فالضوء "يُطْلَق (من جسم)"، و"يُمْتَص (أي يَمْتصه جسم آخر)"، وهو على هيئة "مقادير"، أو "وَحْدات"، أو "رِزَم"، أو "فوتونات"، غير قابلةٍ للتجزئة.

تَخَيَّل أنَّكَ أمْسَكْتَ بـ "فوتون"، ونَظَرْتَ (بعينٍ اصطناعية ما) إلى داخله. إنَّكَ سترى هذا "الفوتون" على هيئة "جسيم"، يحتوي "مقداراً (غير قابل للتجزئة) من مادة مُعَيَّنة"، ولو كان هذا الجسيم (الفوتون) عديم الكتلة Massless.

هذا "الفوتون" هو، بحسب نظرية لآينشتاين، أسْرَع شيء في الكون أو الطبيعة، فهو يسير، في الفراغ أو الفضاء، بسرعة ثابتةٍ مقدارها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. إذا اعْتَرَضَ سَيْره جسم زجاجي، مثلاً، فإنَّ سرعته تقل قليلاً في داخل مادة الزجاج، ولكنَّه ما أنْ يَخْرُج من الزجاج (إلى الفراغ أو الفضاء) حتى يَسْتَأنِف السير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

إذا سار "الفوتون"، أو "الضوء"، في الفراغ أو الفضاء، فإنَّه يَقْطَع في الثانية الواحدة مسافة (فضائية) مقدارها 300 ألف كيلومتر، ويَقْطَع في ثانيتين مسافة مقدارها 600 ألف كيلومتر، ويَقْطَع في الدقيقة الواحدة مسافة مقدارها 18 مليون كيلومتر؛ ولكَ أنْ تتخيَّل مقدار المسافة الفضائية التي يَقْطعها في زمن مقداره، سنة، أو 100 سنة، أو مليون سنة، أو 100 مليون سنة، ..إلخ.

لِنَعُدْ الآن إلى المثال الذي تَكْمُن فيه الثورة الفيزيائية والكوزمولوجية التي أحْدَثَها آينشتاين.

أنتَ الآن سَتَنْطِلق في مَرْكَبة فضائية من كوكب الأرض إلى ذلك الكوكب الذي يُبْعُد عَنَّا 100 مليون سنة ضوئية. مَرْكَبَتُكَ، ومهما تسارعت، فلن تَبْلُغ أبدا سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة).

لقد انْطَلَقَت مَرْكبتكَ، وتسارعت، أي زادت سرعتها شيئاً فشيئاً، حتى بَلَغَت 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.

أنتَ الآن تَنْظُرَ إلى ساعتكَ لِتَحْسِب مقدار الزمن الذي سَتَسْتَغْرِقه رحلتكَ الفضائية. وها أنتَ تَصِل إلى ذلك الكوكب في زمن مقداره (بحسب ساعتكَ) 60 ثانية، أي دقيقة واحدة. ولقد قَرَّرتَ أن تعود فوراً إلى الأرض. وها أنتَ تعود إليها من ذلك الكوكب في زمن مقداره دقيقة واحدة.

لقد اسْتَغْرَقَت رحلتكَ الفضائية، ذهاباً وإياباً، دقيقتين اثنتين (120 ثانية). ولقد زاد عُمْركَ دقيقتين اثنتين فحسب، ففي خلال الرحلة نبض قلبكَ 140 نبضة فقط. ما أنْ تعود إلى كوكب الأرض حتى تُدْرِكَ أنَّكَ قد غادرته إلى ذلك الكوكب قَبْلَ ما يزيد عن 200 مليون سنة!

لو سألْتَ أهل الأرض عن سرعة مَرْكبتكَ لأجابوكَ قائلين: "إنَّها لَمْ تتجاوز 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة". ولو سألْتَهم عن المسافة الفضائية التي قطعتها ذهاباً وإياباً لأجابوكَ قائلين: "إنَّها تَعْدِل المسافة التي يقطعها الضوء في زمن مقداره 200 مليون سنة".

هذا بالنسبة إليهم؛ أمَّا بالنسبة إليكَ فالمسافة الفضائية التي قطعتها ذهاباً وإياباً تقل عن ذلك كثيراً، وكثيراً جدَّاً.

أنتَ متأكِّد تماما من أمرين: سرعة مَرْكبتكَ لَمْ تتجاوز 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ وعُمْرُكَ لَمْ يَزِدْ أكثر من دقيقتين، فالزمن الذي استغرقته رحلتكَ ذهاباً وإياباً لَمْ يَزِدْ عن دقيقتين (120 ثانية) بحسب ساعتكَ الدقيقة جدَّاً.

وعليه، لا بدَّ لكَ من أن تَسْتَنْتِج أنَّ مقدار المسافة الفضائية التي قطعتها ذهاباً هو 16800000 كيلومتر، فهذا الكوكب الذي يُبْعُد عن الأرض 100 مليون كيلومتر قد أصبح يَبْعُد عن مَرْكبتكَ، التي انطلقت من الأرض، والتي بلغت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، 16800000 كيلومتر فقط.

لقد اخْتُصِرَت (انْكَمَشَت، تقلَّصَت، صَغُرَت، تضاءلت) المسافة فأصبحت تَعْدِل، بالنسبة إليكَ، "سُدْس" المسافة "الأصلية". وهذا "الاختصار" ليس بـ "الوهمي". إنَّه اختصار حقيقي واقعي موضوعي؛ وإنَّ كل ما لديكَ (وأنتَ في المَرْكَبة المسافِرة) من وسائل وطرائق لقياس المسافات والأبعاد يُثْبِت لكَ ويؤكِّد أنَّ المسافة الفضائية التي قطعتها وصولاً إلى ذلك الكوكب لا تزيد عن 16800000 كيلومتر.

هذه هي "الظاهرة" الواقعية الموضوعية، فما هو تفسيرها وتعليلها؟ يُقال "كلُّ الطُرُق تؤدِّي إلى روما"، فثمَّة عشرات الطُرُق إلى روما مِنْ باريس مثلاً. بعض هذه الطُرُق هو الأطول، وبعضها هو الأقْصَر. وعليه، قد تَظُن أنَّكَ، في مَرْكبتكَ الفضائية، قد سِرْتَ في الطريق الأقْصَر إلى ذلك الكوكب.

إنَّكَ فِعْلاً قد سِرْتَ في الطريق الأقْصَر؛ ولكنَّكَ لَمْ تَخْتَرهُ اختياراً؛ وليس من سبب يسمح لكَ بالمفاضَلة بين طُرُقٍ عِدَّة، فَتَخْتار، في نهاية المفاضَلة، إحداها، وهي الأقْصَر.

مَرْكبتكَ تسارعت حتى بلغت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. وهذا "التسارُع"، الذي جَعَلَ مركبتكَ تبلغ هذه السرعة، هو الذي تسبَّب باختصار المسافة بين مركبتك وذلك الكوكب، فهو (أي التسارُع هذا) تسبَّب بانحناء، أو تقوُّس، الفضاء الذي فيه تسير مَرْكبتكَ متَّجِهةً إلى ذلك الكوكب.

وهذا الانحناء، أو التقوَّس، الفضائي هو ما يَخْلُقَ لمركبتكَ مساراً فضائياً هو الأقْصَر، فتسير فيه وصولاً إلى ذلك الكوكب. و"المسار (الفضائي) الأقْصَر" إنَّما هو "المسار (الفضائي) الأشدُّ انحناءً وتقوُّساً"، فكلَّما اشْتَدَّ (وعَظُمَ) تقوُّس الفضاء الذي تسير فيه مركبتك، بسبب تسارعها ذاك، ازداد تضاؤل المسافة الفضائية بين مركبتكَ وذلك الكوكب.

أُنْظُر إلى نقطتين على سطح بالون أدْخَلْتَ فيه مقداراً من الهواء، فتمدَّد بما يتناسب مع هذا المقدار من الهواء المُدْخَل فيه. قُمْ برَسْم خطٍّ "مستقيم" بين النقطتين، فتراهُ منحنياً. قِسْ طول هذا الخط، فترى طوله 5 سنتيمتر مثلاً.

أَدْخِل الآن في البالون مقداراً آخر من الهواء، فتراه قد ازداد تمدُّداً. قِسْ طول الخط الذي رسَمْتَهُ من قبل، فتراه 8 سنتيمتر. قِسْ مقدار انحنائه، فترى أنَّ انحناءه قد قلَّ؛ فكلَّما قلَّ "الانحناء" زاد طول المسافة (الخط) بين النقطتين.

أفْرِغ الآن البالون من معظم الهواء الذي أدْخَلْته فيه، فتراه قد تقلَّص. قِسْ طول الخط بين النقطتين، فتراه 2 سنتيمتر. قِسْ مقدار انحنائه، فترى أنَّ انحناءه قد زاد؛ فكلَّما زاد "الانحناء" تضاءل طول المسافة (الخط) بين النقطتين.

"النقطتان" في هذا المثال إنَّما هما "مَرْكبتكَ" و"ذلك الكوكب"؛ و"مادة البالون المطَّاطيَّة التي تتمدَّد وتتقلَّص" إنَّما هي "الفضاء" بين مَرْكبتكَ وذلك الكوكب. و"تضاؤل مقدار الهواء الذي في البالون" إنَّما هو "تسارُع" مركبتكَ التي بلغت سرعتها 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. هذا "التسارع" لمركبتكَ مع بلوغها سرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة هو الذي قَصَّر المسافة بين "النقطتين" إذ جَعَلَها أكثر انحناءً وتقوُّساً.

وهذا "التسارُع" يُنْتِجُ، في الوقت نفسه، ظواهر أُخْرى، فـ "الزمن" في مركبتكَ يتباطأ حتى تَعْدِل الثانية الواحدة فيها (أي في مركبتكَ) سنوات أرضية مثلاً؛ و"كتلة" مَرْكبتكَ تزداد وتَعْظُم، و"جاذبيتها"، بالتالي، تزداد وتَعْظُم؛ و"طول" مَرْكَبتكَ يُخْتَصَر في الاتِّجاه الذي تسير فيه، فيتضاءل "حجمها" الذي يميل إلى أن يصبح في شكل "كروي"، فيؤدِّي تضاؤل حجمها مع زيادة كتلتها إلى تعاظُم "كثافتها"، فيتضاءل "نصف قطرها".

أنا الذي أُراقِب مَرْكبتكَ من على سطح الأرض أرى أنَّ طولها يزداد تقلُّصاً؛ أمَّا أنتَ فتراه ثابتاً لَمْ يَزِدْ ولَمْ يَنْقُص؛ لأنَّ "المتر" الذي معكَ، والذي به تقيس الأطوال والأبعاد قد تقلَّص هو أيضاً بِنِسْبَةٍ تُماثِل نِسْبَة تقلُّص طول مركبتكَ.

أنا وأنتَ نَتَّفِق في نتيجة قياسنا لسرعة الضوء، فإذا انطلق ضوء من مركبتكَ، أو من كوكب الأرض، أو من أي موضع في الكون، فإنَّ سرعته، بحسب قياسكَ لها، وبحسب قياسي لها، تظل 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. مِتْرك ومتري اختلفا طولا؛ الزمن عندك والزمن عندي اختلفا سرعة؛ ومع ذلك أتَّفِق أنا وأنتَ في نتيجة قياسنا لسرعة الضوء (أي ضوء).

عالمكَ الداخلي، أي عالمكَ في داخل مركبتك، لَمْ يَصْغُر بالنسبة إليكَ، فأبعاده، بحسب قياسكَ لها، لَمْ تتغيَّر، أي لَمْ تتضاءل. عالمكَ الداخلي هذا إنَّما صَغُرَ بالنسبة إليَّ أنا الذي أُراقبكَ من على سطح الأرض.

عالمكَ الخارجي، أي الذي يَقَع في خارج مركبتكَ، هو الذي صَغُرَ بالنسبة إليكَ، ولَمْ يتغيَّر (أي لَمْ يَصْغُر) بالنسبة إليَّ.

هذا الاشتداد في انحناء الفضاء، أو في انحناء "المكان ـ الزمان"، والذي يُنْتِجه "تسارُع" الجسم الطبيعي أو الاصطناعي، نراه أيضاً بصفته نتيجةً لِعِظَمِ كتلة الجسم (النجم أو المجرَّة..).

لو زادت "كتلة" الشمس لاشتدَّ انحناء وتقوُّس "المكان ـ الزمان" فيها وعندها ومن حَوْلها. ولو زادت "كثافتها" فحسب، أي لو ظلَّت كتلتها ثابتة وتَضَاءَل حجمها، لَرَأيْنا هذا الانحناء يشتد ويَعْظُم.

تَخيَّل أنَّ كوكب الأرض، الذي يَبْعُد عن الشمس 150 مليون كيلومتر تقريباً، قد تسارَع (في دورانه حَوْل نفسه أو في دورانه حَوْلَ الشمس) حتى بلغت سرعته 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، أو أنَّ "كتلته"، أو "كثافته"، قد زادت زيادة كبيرة جدَّاً؛ فهل تبقى الشمس تَبْعُد عنه 150 مليون كيلومتر؟ كلاَّ، إنَّها لن تبقى بعيدة عنه هذا البُعْد. عندئذٍ، قد تَبْعُد عنه مليون كيلومتر مثلاً.

والمراقِب من على سطح الشمس لن يتَّفِق مع المراقِب من على سطح الأرض في أنَّ مقدار المسافة الفضائية بينهما 150 مليون كيلومتر؛ لأنَّه يقيسها، بما لديه من وسائل وطرائق للقياس، فيرى مقدارها أقل. وسبب ذلك إنَّما هو أنَّ كتلة الشمس أعظم كثيراً من كتلة الأرض، وتُحْدِثُ، بالتالي، تقوُّساً أشد في "الزمكان" فيها، وعندها، ومن حَوْلِها.

ثَمَّة مسافة (فضائية) بين الشمس والأرض؛ وهذا إنَّما هو "الثابت" و"المُطْلَق" في الأمر. أمَّا "المتغيِّر" و"النسبي" فهو طول هذه المسافة. إنَّ طولها يَقْصُر إذا ما تسارعت الأرض، أو زادت كتلتها، ويزداد إذا ما تباطأت الأرض، أو قَلَّت كتلتها.

ولو تَطَرَّفْنا في نظريات آينشتاين، استنتاجاً وتصوُّراً وتخيُّلاً، لوَجَدْنا أنَّ "مطَّاطيَّة الكون"، حجماً وأبعاداً وعُمْراً، تسمح لمراقِب ما بأنْ يَعْتَقِد أنَّه أقْدَم وجوداً من الكون نفسه، فإذا انْطَلَق إنسان، عُمْره 30 عاماً، على مَتْن مَرْكبة فضائية، من على سطح الأرض، لِيَدور حَوْلَ كوكب الأرض، في مدارٍ هو الأقرب إلى هذا الكوكب، فإنَّه بَعْدَ بضع دقائق من انطلاقه، ومن تسارُع مركبته حتى بلوغ سرعتها 290 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، قد يتوصَّل، بَعْد قياسه (بما لديه من وسائل وطرائق لقياس المسافات والأبعاد) للمسافة الفضائية بين مَرْكبته (التي في جوار كوكب الأرض) والمجرَّة الأبْعَد في الكون، إلى أنَّ تلك المجرَّة لا تَبْعُدَ عنه 16 ألف مليون كيلومتر، مثلاً، وإنَّما 90 مليون كيلومتر فقط، فشعاع الضوء الذي وَصَلَ إلى عينيه الآن من تلك المجرَّة قد قَطَعَ مسافة فضائية مقدارها 5 دقائق ضوئية.

وهذا الشعاع قد انْطَلَقَ منها "بُعَيْدَ" نشوء الكون، الذي، في هذه الحال، لا يزيد عُمْره (إلاَّ قليلاً) عن 5 دقائق. أمَّا عُمْر هذا المراقِب فلا يقل عن 30 عاماً وبضع دقائق. لقد تضاءل، بالنسبة إليه، حجم الكون وعُمْره.

هذا الخلل في منطق مُعْتَقَدِه لا بُدَّ له من أن يُصَحِّحه؛ وتصحيحه إنَّما يكون على النحو الآتي: إنَّ المجرَّة الأبعد في الكون إنَّما تَبْعُد عن مركبته مسافة مقدارها الآن، أي قَبْلَ 5 دقائق، 90 مليون كيلومتر (أي 5 دقائق ضوئية). ولكنَّ تَمَدُّد الكون لَمْ يَجْعَل تلك المجرَّة على هذا البُعْد إلاَّ بَعْدَ ولادته بنحو 16 ألف مليون سنة مثلاً، أي أنَّ تَمَدُّد الكون كان، بالنسبة إليه، في منتهى البطء.

في "المَرْكَز" Singularity من "الثقب الأسود" أو بين "مَرْكَزِه" و"محيطه (أو سطحه، أو "أُفْق الحَدَث")" Event Horizon يَبْلُغ انحناء أو تقوُّس الفضاء والزمان نهايته العظمى، أو حده الأقصى، فالجسيم هناك، ولو كان "الفوتون"، لا يُمْكِنه أنْ يسير إلاَّ في مسارٍ هو الأشد انحناءً.

والمسار الأشد انحناءً إنَّما يشبه محيط دائرة في منتهى الصِغَر، فإذا انْطَلَق جسيم، هناك، ليسير في مسارٍ كمحيط الدائرة هذه فإنَّه يعود، على الفور، إلى حيث انطلق، فلا يتمكَّن، بالتالي، من مغادرة "الثقب الأسود" إلى الفضاء الخارجي.

وللمقارَنة، نقول إنَّ الجسيم، أو "الفوتون"، المنطلق من الشمس يسير في مسارٍ أقل انحناءً بكثير، يشبه محيط دائرة نصف قطرها أكبر من نصف قطر الشمس بملايين المرَّات.

إنَّ المسافة الفضائية بين جسمين في الكون تشبه خطَّاً منحنياً، يشبه جزءاً أو مقطعاً من محيط دائرة كبيرة جدَّاً، فإذا تسارَع أحد الجسمين، وبَلَغ به التسارع سرعة "شبه ضوئية"، أو إذا عَظُمَت كثيراً كتلته، أو كثافته، فإنَّ هذه المسافة تَقْصُر؛ لأنَّها تصبح أشد انحناءً، وكأنَّها غدت جزءاً أو مقطعاً من محيط دائرة صغيرة جدَّاً، فكلَّما اشتدَّ انحناء أو تقوُّس الفضاء والزمان في (أو حَوْل) مَوْضِع كوني ما تضاءلت المسافات الفضائية بينه وبين سائر الكون، فحجم الكون نسبي، ويتناسب عَكْساً مع كتلة، أو سرعة، المَوْضِع الكوني الذي منه يُقاس.

كل ما في الكون من مجرَّات ونجوم.. إنَّما يشبه "نُقَطاً" مرسومة على سطح جسم كروي، فإذا زادت كتلة، أو سرعة، إحدى "النُقَط"، تقلَّص، بالنسبة إليها، طول محيط الدائرة، أو الكرة الكونية، أي اشتد انحناءُ ما يَفْصِل بينها وبين سائر "النُقَط" من خطوط (فضائية) منحنية.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الثلاثون من شباط-.. ليس ب -سياسة-!
- -انحناء الزمان المكان-.. بعيداً عن الميثولوجيا!
- إشارات إلى -اختراق كبير-!
- بلفور.. العربي!
- في -الكوزمولوجيا- القرآنية
- حتى ينجو الفلسطينيون من -مؤتمر الخريف-!
- صورتنا كما نراها في -مرآتنا الانتخابية-!
- الحرب إذا ما شنتها تركيا!
- أزمة أردوغان في شمال العراق!
- ثرثرة في -عرس انتخابي-!
- ثورة -الإلكترون-!
- بعض من الجدل الذي أثاره بحث: سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
- سؤال -كيف خُلِقَ الإنسان؟-
- عندما يُبَشِّر بوش ب -حرب عالمية ثالثة-!
- بعض من الجدل الذي أثاره موضوع: الأرض ليست -كروية- في القرآن. ...
- الأرض ليست -كروية- في القرآن.. وإليكم الأدلَّة!
- -الوثيقة- في شكل -عمود فَقْري-
- كَذَبَ -المؤوِّلون- ولَمْ يصدقوا!
- كيف يؤسِّسون مَنْطِقاً لفرضية -العلَّة غير المحتاجة إلى علَّ ...
- ال -فَوْفضائي- Hyperspace


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - الكَوْن -المطَّاطي-!