مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2168 - 2008 / 1 / 22 - 12:16
المحور:
الادارة و الاقتصاد
التشوش النيو ليبرالي
كيف سندخل في هذا التشوش ؟
ترجمة مازن كم الماز
بقلم : جورج مونبيوت
29 أغسطس آب 2007
ز نت
للمرة الأولى يتجاوز دين المستهلك البريطاني الناتج القومي الإجمالي , أظهر تقرير جديد أننا مدينون ب 1,35 تريليون جنيه إسترليني . اكتشف المفتشون في الولايات المتحدة أن هناك 77,000 ألف جسر على الطرق في نفس الوضع الذي ينذر بخطر السقوط كذلك الجسر الذي انهار على المسيسييبي . و بعد إعصار كاترينا بسنتين ما يزال 120,000 شخص من نيو أورليانز يعيشون في بيوت متنقلة و نزل مؤقتة . و مع اقتراب تغير الطقس ترفض الحكومات أن تبادر لاتخاذ الإجراءات الضرورية . يهدد اشتداد انعدام المساواة بخلق أكثر المجتمعات انقساما عرفها العالم منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى . يمكن الآن لأزمة مالية ناتجة عن الديون غير المسددة أن تتسبب بطرد مئات الآلاف من بيوتهم و أن تستثير متتالية من الصعوبات الاقتصادية .
تبدو هذه الصعوبات و كأنها غير مترابطة , لكنها جميعا تشترك بشيء ما . فقد ظهرت جميعا إلى حد كبير نتيجة اجتماع عقد قبل 60 سنة في منتجع سويسري . وضع في ذلك الاجتماع القواعد لفلسفة حكم هي المسؤولة عن كثير من , و ربما معظم , أزماتنا المعاصرة .
عندما اجتمعت جمعية مونت بيرلين لأول مرة عام 1947 لم يكن لمشروعها السياسي أي اسم بعد . لكنها كانت تعرف إلى أين سيؤدي هذا المشروع . يلاحظ مؤسس الجمعية , فريدريك فون حايك , أن معركة الأفكار ستحتاج إلى جيل على الأقل لتحقيق النصر فيها , لكنه عرف أن جيشه الفكري سيجتذب داعمين أقوياء . لقد توافقت فلسفته , و التي عرفت فيما بعد بالنيو ليبرالية , مع مصالح فاحشي الثراء , بحيث أن شديدي الثراء هؤلاء وفروا لها الدعم .
تزعم النيو ليبرالية بأننا نخدم بأفضل ما يمكن بأقصى حرية للسوق و أقل تدخل من جانب الدولة . أن دور الدولة يجب أن يقتصر على خلق الأسواق و الدفاع عنها , حماية الملكية الخاصة و الدفاع عن مجالها . إن كل الوظائف الأخرى ستنفذ بشكل أفضل بواسطة الشركات الخاصة , و التي ستؤدي إلى توفير الخدمات الضرورية بدافع الربح . بهذه الطريقة يجري تحرير الشركات , و ستتخذ قرارات منطقية و سيتم تحرير الأفراد من القبضة اللا إنسانية للدولة .
هذه , في كل الأحوال , هي النظرية . لكن كما يقترح ديفيد هارفي في كتابه "تاريخ مختصر للنيو ليبرالية" , أنه حيثما جرى تطبيق البرامج النيو ليبرالية فإنها قد أدت إلى انتقال هائل في الثروة ليس فقط إلى الواحد بالمائة الذين في الأعلى , بل إلى عشر الواحد بالمائة الذين هم في القمة . ففي الولايات المتحدة مثلا استعاد ال 0,1 % موقعهم الذي كانوا يحتلونه في بداية العشرينيات من القرن العشرين . الشروط التي تضعها النيو ليبرالية لتحرر الناس من عبودية الدولة – أقل ما يمكن من ضرائب , تفكيك الخدمات العامة و الأمان الاجتماعي , إعادة التنظيم , سحق النقابات – يبدو أنها ذات الشروط التي لا بد منها لجعل النخبة أكثر ثراءا , فيم تترك كل شخص آخر ليغرق أو يسبح .
إذا هذه هي القضية . آخذين بعين الاعتبار أن الأزمات التي ذكرتها هي آثار متوقعة لتفكيك الخدمات العامة و إعادة تنظيم العمل و الأسواق المالية , و بأنها تلحق الضرر بمصالح كل إنسان تقريبا , فكيف أمكن للنيو ليبرالية أن تسيطر على الحياة العامة ؟
ذات مرة أجبر ريتشارد نيكسون على التسليم بأن "نا جميعا كينزيون اليوم " : حتى الجمهوريين دعموا العقائد التدخلية لجون ماينارد كينز . لكننا جميعا اليوم نيو ليبراليون . بقيت السيدة تاتشر تخبرنا "لا يوجد أي بديل" و بتطبيق برامجها من قبل كلينتون و بلير و براون و بقية القادة لما كان يعرف يوما بأحزاب تقدمية فإنهم يثبتون صحة قولها ذلك .
أول فائدة كبرى حققها النيو ليبراليون كان نبع لا ينضب من النقود . الطغم ( الأوليغاركيات ) الأمريكية و مؤسساتها – كور و أولين و سكايف و بيو و غيرها – قد دفعت مئات الملايين لإقامة قواعد فكرية و أسست مدارس للعمل و حولت أقسام الاقتصاد في الجامعات إلى معاقل للتفكير النيو ليبرالي الشمولي . مؤسسة الإرث ( هيريتيج ) , و مؤسسة هوفر , معهد الشركات الأمريكية و كثير غيرها في الولايات المتحدة , و معهد الشؤون الاقتصادية , مركز الدراسات السياسية و معهد آدم سميث في المملكة المتحدة أنشأت جميعها للترويج لهذا البرنامج . كان الهدف من إنشائها تطوير الأفكار و اللغة التي سوف تغطي على النية الحقيقية للبرنامج – استعادة قوة النخبة – و إعدادها كرزمة واحدة على أنها اقتراح من أجل تحسين الإنسانية .
جرت مساعدة المشروع من قبل أفكار ظهرت في جانب مختلف تماما . فقد طالبت الحركات الثورية لعام 1968 أيضا بحريات فردية أكبر , و كثير من أبناء الستينيات أولئك رؤوا في الدولة المستبد الذي يضطهدهم . و كما يظهر هارفي فقد استعار النيو ليبراليون أفكارهم و لغتهم . بعض الأناركيين الذين أعرفهم ما زالوا يتحدثون عن أفكار متطابقة تقريبا مع تلك التي يملكها النيو ليبراليون : الغاية مختلفة , لكن النتائج متشابهة جدا .
كان حواريو حايك قادرين أيضا على الاستفادة من الأزمات الاقتصادية . جرت واحدة من أول تجاربهم في مدينة نيو يورك , و التي أصابتها في عام 1975 ضائقة كبيرة في الميزانية . طالب مصرفيوها المدينة أن تتقيد بوصفاتهم : اقتطاعات هائلة في الخدمات العامة , تحطيم النقابات , إعانات عامة للشركات . في المملكة المتحدة سمح التضخم النقدي المصاحب للركود و الإضرابات و الانهيار في الميزانية لمارغريت تاتشر , التي قام مساعدها النيو ليبرالي كيث جوزيف بتأطير أفكارها , بأن تهرع للإنقاذ . لقد نجح برنامجها لكنه خلق مجموعة جديدة من الأزمات .
إذا لم تكن تلك الفرص كافية فإن النيو ليبراليين و داعميهم سيستخدمون الرشوة أو القوة . في الولايات المتحدة جرى تحييد الديمقراطيين بقوانين جديدة تخص تمويل الحملات الانتخابية . لكي يتنافسوا بشكل ناجح مع الجمهوريين كان عليهم أن يعطوا الشركات الكبيرة ما تريده . جرى تطبيق أول برنامج نيو ليبرالي كاملا في تشيلي بعد انقلاب بينوشيت , بدعم حكومة الولايات المتحدة و الاقتصاديين الذين علمهم ميلتون فريدمان , أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية مونت بيرلين . كان حشد الدعم للمشروع سهلا للغاية , إذا لم توافق , سيجري إطلاق النار عليك . استخدم صندوق النقد الدولي و البنك الدولي سلطتهما على الشعوب النامية لتنفذ ذات السياسات .
لكن الداعم الأكثر قوة لهذا المشروع كان الإعلام . معظمه يملكه المليونيرات الذين استخدموه لنشر الأفكار التي تدعم مصالحهم . أولئك الذين هددوا خططهم إما تم تجاهلهم أو تسفيههم . عبر الصحف و قنوات التلفزيون أصبحت الأفكار الهدامة اجتماعيا لمجموعة قليلة من المتطرفين تبدو و كأنها أشبه بالفطرة السليمة . قام مفكرو الشركات ببيعنا المشروع بإعادة صياغة لغتنا السياسية ( لمعرفة كيف جرى هذا , انظر كتاب جورج لاكوف , لا تفكر بالفيل ! ) . هذه الأيام أنا أسمع حتى أصدقائي التقدميين يستخدمون تعابير مثل خالقي الثروة , تخفيض الضرائب , الحكومة الكبيرة , ديمقراطية المستهلك , الروتين الحكومي , ثقافة التعويض , الباحثين عن العمل , خداع المعونة . هذه العبارات , التي تم وضعها بشكل متعمد أو ترويجها من قبل النيو ليبراليين , أصبحت شائعة لدرجة أنها تبدو اليوم محايدة تقريبا .
إن النيو ليبرالية , إذا لم تجري إعادة النظر بها , سوف تخلق أزمة تلو أخرى , كلها لا يمكن أن تحل إلا بتلك الوسائل التي ترفضها : تدخل أكبر من جانب الدولة . في مواجهتها علينا أن ندرك أنه لا يمكننا أن نحصل على مصادر كتلك التي حصل عليها أعداءنا . لكن فيم تتقدم الكوارث التي تسببها فإن الناس سيحتاجون إلى إقناع أقل من ذلك الذي احتاجوه لكي يقعوا ضحية الخداع .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.zcommunications.org/znet/viewArticle/14605
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟