أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أمينة النقاش - المفكر سمير أمين ل «الأهالي»: الطبقة الحاگمة في مصر تابعة بإرادتها واختيارها















المزيد.....



المفكر سمير أمين ل «الأهالي»: الطبقة الحاگمة في مصر تابعة بإرادتها واختيارها


أمينة النقاش

الحوار المتمدن-العدد: 2159 - 2008 / 1 / 13 - 06:05
المحور: مقابلات و حوارات
    


تنبأت في عام 1963 بما يسمي بـ «سياسة الانفتاح»
ولد الدكتور سمير أمين في القاهرة عام 1931 لأبوين طبيبين، وقضي طفولته وصباه في مدينة بورسعيد، حيث تلقي تعليمه الأولي في مدارس الليسيه الفرنسية، وفي عام 1947 سافر إلي فرنسا لاستكمال تعليمه الجامعي، واستمر بها عشر سنوات حتي حصل علي الدكتوراة في الاقتصاد، وعاد إلي مصر في عام 1957 وهو العام الذي وصفه بأنه عام الانتقال الكيفي في مصر من تجربة شبه ليبرالية مترددة إلي السياسة الناصرية الجذرية، ففي ذلك العام أنشئت المؤسسة الاقتصادية التي أوكلت إلي الدكتور إسماعيل صبري عبدالله مسئولية مديرها العام، وآلت رئاستها إلي أحد الضباط الأحرار وهو حسن إبراهيم، لكن المسئولية الفنية والسياسية ظلت في يد إسماعيل صبري عبدالله، ولأن سمير أمين كان زميلا له في منظمة «الراية» الشيوعية، وفي الدراسة في فرنسا، فقد اختاره «صبري» للعمل كمساعد له في المؤسسة الاقتصادية.
وحين بدأت حملة الاعتقالات الواسعة ضد الشيوعيين في يناير عام 1959، خاض دكتور سمير أمين تجربة مثيرة، فقد واصل العمل السياسي عدة أشهر بعد الحملة مع مسئوله المباشر «د. فوزي منصور» الذي أوصاه أن يهرب أي منهما، إذا ألقي القبض علي الآخر، وفور إلقاء القبض علي فوزي منصور، تمكن سمير أمين بمساعدة والده الذي كان يعمل طبيبا في ميناء بورسعيد وعدد من العاملين معه من الأبحار من الميناء إلي فرنسا.
لم يكن سمير أمين يرغب في أن يكون لاجئا سياسيا في فرنسا أو دول الغرب، فعمل في فرنسا. في المنظمات الطلابية، التي كانت تضم عربا وأفارقة من الطلاب الشيوعيين المعادين للاستعمار، وأثناء ذلك تعرف علي عدد من زعماء حركة التحرر الوطني في أفريقيا، وحين أعلن النظام الماركسي في مالي في سبتمبر عام 1960، ذهب إلي هناك للعمل في مشروعاته الاقتصادية التي تعثرت لنفس الأسباب التي أدت إلي تعثر التجربة الناصرية، إذ اتسم التقدم الاجتماعي الذي حدث بأنه فوقي، يأتي من سلطة حاكمة، لا تعطي وزنا لمشاركة الجماهير الشعبية.
ترك د. سمير أمين مالي واتجه للمجال الأكاديمي والبحثي، فعمل أستاذا للاقتصاد في الجامعات الفرنسية، ثم مديرا لمعهد التخطيط والتنمية التابع لهيئة الأمم المتحدة، وعندما بلغ سن المعاش (65 عاما) أسس مع زملاء آخرين له منتدي العالم الثالث، لبحث الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في بلدان العالم الثالث والذي مازال يعمل حتي الآن.
أصدر الدكتور سمير أمين عشرات من الكتب، ومئات من الدراسات التي نشرها في الصحف والمجلات العربية والأوروبية، وشارك في مئات من الندوات، والمؤتمرات التي تبحث في جذور مشاكل المنطقة والعالم الثالث، وتسعي لرسم طريق للخروج منها، وكان من الطبيعي أن ترسم هذه الرحلة الممتدة الحافلة بالثراء الفكري والغني الثقافي اسم الدكتور سمير أمين كواحد من أبرز المفكرين الاقتصاديين في العالم.
مصر الناصرية
-سألت د. سمير أمين: أصدرت بالفرنسية في عام 1965 كتابك الشهير «مصر الناصرية» باسم مستعار «حسن رياض» الذي تضمن رؤيتك عن التجربة الناصرية في ذلك الحين، فما هي الظروف التي واكبت تأليفك لهذا الكتاب؟
**كتبت هذا الكتاب عام 1963 لكنه لم يصدر إلا عام 1965، وكانت النظرة السائدة في الأحزاب الشيوعية في بلدان العالم الثالث تنطلق قبل باندونج، من نظرية تري أن دور البورجوازية الوطنية في تلك البلدان قد انتهي، وأن السبيل الوحيد للتطور الاجتماعي هو النمط الصيني والفيتنامي القائم علي الجمع ما بين مشروع التحرر الوطني وخطوات نحو الثورة الاشتراكية.
ثم جاء «باندونج» وكان مشروعا بورجوازيا ومشروع استقلال وطني، بدون مضمون اشتراكي، يأخذ في اعتباره الجانب الاجتماعي، ويقوم ببعض الإصلاحات في المجال الزراعي ويؤمم المشروعات الأجنبية الكبري، والأكثر من ذلك في هذا الإطار جاءت سلطة يوليو لتحقق التنمية الاقتصادية وتمنح الشعب امتيازات اجتماعية دون أن يكون مسموحا للطبقات الشعبية أن تنظم نفسها بنفسها، أي أن الامتيازات تذهب إلي الجماهير بشكل فوقي من سلطة حاكمة لا ترغب في أي مشاركة جماهيرية حقيقية.
النمط الصيني والفيتنامي ثم بعد ذلك الكوبي كان مختلفا، لأنه ينتمي للعالم الشيوعي، وعرفت الهند تجربة الديمقراطية البرلمانية الصحيحة وانتخابات حرة، لكن النظام الناصري ونظامي البعث في سوريا والعراق أو نظام بومدين في الجزائر وفي كل تلك الأنظمة لم تكن الديمقراطية علي جدول أعمالها، لكنها دخلت بعد باندونج في صراع مع التحالف الاستعماري الأمريكي - الأوروبي، بتأميم الشركات الأجنبية واتخاذ خطوات الإصلاح الزراعي وما إلي ذلك.
وكان الحوار السائد وسط التيارات الشيوعية يدور حول هذا التساؤل: هل انتهي دور البورجوازية الوطنية، أم أنها بعد باندونج وما تلاها مازال لها دور؟ خاصة أن توازن القوي علي صعيد عالمي والثنائية العسكرية ودور الاتحاد السوفيتي، والتحالف بين الاتحاد السوفيتي ودول باندونج في مواجهة الاستعمار، شجعت تلك النظم الوطنية ودفعتها إلي مزيد من الوطنية، لكن بدون ديمقراطية علي الإطلاق، ولم تنجز تلك الأنظمة أية تنازلات من أجل الحريات السياسية وهذان الرأيان كانا موجودين في الحركة الشيوعية المصرية دون أن يكون واضحا أين الفاصل، هل هذه النظم وطنية معادية للاستعمار وبالتالي لابد من مساندتها بدون تحفظ؟ أم هي مشروع لا مستقبل له؟ مشروع غير قابل للبقاء ومحكوم عليه بالانهيار، وهذا النقاش في داخل الحركة الشيوعية المصرية، تزامن مع ظهور النزاع بين النظرة السوفيتية والنظرة الماوية في تلك الفترة، وانتشرت النظرة المادية في أفريقيا وآسيا بشكل عام، لأنها قالت في تلك الأيام إن هذه النظم بالرغم من أنها دخلت في تناقضات مع الاستعمار، إلا أن تلك التناقضات محدودة، وأن تلك النظم ستبقي في مواجهة الجماهير الشعبية نظما رجعية، وبالتالي محكوم عليها بالفشل والانهيار.
«مصر الناصرية» هو كتاب أفتخر به لأنني كتبت هذا الرأي في عام 1963 في وقت مبكر وكان الحديث فيه يجري في مصر حول الاشتراكية والطريق الثالث وما إلي ذلك.. وما كتبته كان شبيها تماما بما سمي بعد ذلك باسم «الانفتاح» والعودة مرة أخري إلي حظيرة المنظومة الإمبريالية العالمية.
اللجنة الوطنية
-هل يعني هذا أن وجهة نظرك في الناصرية كما وردت في الكتاب لاتزال كما هي؟
**لقد ثبت بعد ذلك أن مسئولية الناصرية كانت أكبر من ذلك، بمعني أن المسرح السياسي المصري منذ عام 1919 حتي انقلاب 1952 كانت تحتله قوتان رئيسيتان القوة الأولي البورجوازية الليبرالية نصف الديمقراطية وهو الوفد والشيوعيون، هذا فضلا علي أحزاب الأقلية الصغيرة، والإخوان المسلمين الذين كانوا في ذلك الوقت تيارا ثقافيا دعويا أكثر منه تيار سياسي.
وتشكيل اللجنة الوطنية للطلبة والعمال في عام 1946 أثبت قوة الحركة الشيوعية المصرية آنذاك، وأصبحت القوة الرئيسية، وفرضت علي كل القوي الأخري التحرك، فتحرك الوفد جزئيا نحو اليسار، بينما خرج الإخوان المسلمون من اللجنة للسير في الاتجاه المعاكس، وانضموا لجبهة الملك والإنجليز في مواجهة الخطر الشيوعي كما كانوا يقولون في تلك الأيام.
فالناصرية كما وصفها تعبير بديع لمحمد سيد أحمد أممت السياسة ومنعت الجدل الاجتماعي وصفت التيارات الثقافية والسياسية التي كانت صاعدة في المجتمع المصري. كما ارتكب عبدالناصر خطأ حين لجأ إلي أسلمة المجتمع لمواجهة التيار الإسلامي الصاعد.
-وما هي الإجراءات التي تري أنها أدت إلي ذلك؟
**اتخذ عبدالناصر سلسلة من الإجراءات من شأنها الاقتراب من الإسلاميين بينها إجراءان سلبيان، الأول هو ما سمي «تحديث الأزهر» وهو ما أدي في نهاية الأمر إلي أسلمة التعليم، فيما يعد رجوعا إلي ما قبل عصر محمد علي، والخطوة الثانية، إلغاء المحاكم الشرعية ودمجها في المحاكم الوطنية، فقد كانت هناك قبل هذا الإجراء بعض الأمور محكومة بالشريعة كقضايا الأحوال الشخصية لكن بقية القضاء كان مدنيا - علمانيا قابلا للتغيير وللتكيف وللتطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع المصري، ودمج هذين الشكلين كان علي حساب التوجه العلماني للمحاكم الوطنية، وقد أدي هذا تدريجيا إلي أسلمة المجتمع المصري، وخاصة في مجالات التعليم والقضاء والقانون والإعلام، وجمال عبدالناصر هو المسئول الأول عما نحن فيه الآن لأنه هو الذي بدأ التوجه نحو هذا الاتجاه، وبطبيعة الحال، كان عبدالناصر شأن كل حاكم فرد يتصور أنه قادر علي التحكم في مسار ما يحدث في المجتمع، وهو تصور خاطيء بطبيعة الحال.
والذي حدث هو أنه أنتج بتصفية الشيوعية فراغا سياسيا وثقافيا ملأه فيما بعد التيار الإسلامي.
وبعد الانهيار العسكري في عام 1967 طالبت حركة الطلبة في عام 1968 بمزيد من الديمقراطية والراديكالية لكن خيار جمال عبدالناصر كان عكس ذلك نحو مزيد من الهيمنة البيروقراطية والانفتاح الاقتصادي، لإرضاء القوي الرجعية في داخل المجتمع المصري، فخلق الظروف التي أتاحت للرئيس السادات بعد ذلك أن يعتمد بشكل رسمي وعلني علي التيار الإسلامي من أجل تصفية نهائية للتيارات الليبرالية الديمقراطية ولليسار الناصري والشيوعي.
انقلاب لا ثورة
-يذهب بعض المحللين السياسيين إلي اعتبار حقبتي السادات ومبارك هي امتداد لحقبة عبدالناصر، مع تغييرات تتواءم مع تغير الظروف الدولية، بينما يراها آخرون وخاصة الناصريين انقلابا عليها، فكيف تنظر إلي الصلة بين الحقب الثلاث؟
**حقبتان مختلفتان تماما إدارة الاقتصاد من قبل التخطيط والتأميم في الأولي وإدارته في الثانية والثالثة من خلال الليبرالية والانفتاح وسيطرة رءوس الأموال الأجنبية شيئان مختلفان لا تستطيع أن تقول إنهما امتداد، لكنه ليس نتاج ثورة مضادة، لأنه لم تكن هناك أصلا ثورة، لكي يكون هناك ثورة مضادة عليها.
هما انقلاب علي تجربة عبدالناصر وليس مجرد امتداد، لكن ما حدث أثناء السادات وما يحدث في عهد الرئيس مبارك، هو مسيرة طبيعية لتجربة النظام الناصري، وهذه هي المقولة التي تنبأت بها منذ بداية ستينات القرن الماضي، وبمقارنة ذلك مع انهيار الاتحاد السوفيتي، لم يكن الانهيار ثورة مضادة، ولكنه للأسف الشديد انفجار للتناقضات التي تراكمت داخله، فمكنت يلتسين من قيادة انقلاب علي التجربة.
-وماذا عن سقوط دول المعسكر الاشتراكي الأخري؟
**هذه الدول فيما عدا يوغوسلافيا، كانت القوي الشيوعية بها ضعيفة، وهي تشكلت باعتماد أساسي علي الاتحاد السوفيتي من أجل تحرير البلاد من الفاشية من خلال الجيش السوفيتي، لكن الصين اتخذت طريقا آخر هو في واقع الحال تطور، لكنه ليس تطورا نحو اليسار بل نحو اليمين هو الآخر دون انقلاب حقيقي.
الطبقة الحاكمة في الصين بقيت هي نفسها، وهي مكونة من حزب شيوعي تهيمن عليه الدولة، ويتجه نحو اليمين لكن الصين لاتزال صامدة حتي الآن.
-تتجه نحو اليمين ممكن، لكن الاقتصاد الصيني يغزو العالم؟
**هو يتجه نحو اليمين لوجود بعض التناقضات، فقد حققت الثورة الصينية تغيرات اجتماعية هائلة، ولا مثيل لها في العالم فيما عدا التجربة الفيتنامية، تغيرات جوهرية في التكوينين الطبقي والاجتماعي، خاصة ضمان حق لجميع الفلاحين في الريف للحصول علي الأرض علي قدم المساواة المطلقة نظريا علي الأقل وهي قريبة من ذلك عمليا، وضمان من حيث المبدأ حق استخدام هذه الأرض لمصلحتهم هم كفلاحين بالأساس.
بينما كانت التجربة السوفيتية تعتمد علي قيادة للطبقة العاملة الصناعية، وإخضاع المجتمع الريفي لاحتياجات عملية تعجيل التصنيع، بينما كان الخيار الصيني يعطي توازنا بين مصالح الأغلبية الريفية من جانب وبين الأقلية الصاعدة من الطبقة العاملة والطبقات المتوسطة في المناطق الحضرية من جانب آخر، وهذا التوازن لم يكن موجودا في الاتحاد السوفيتي.
هناك كثيرون يقولون إن الصين في أيام «ماو» كانت راكدة لأنها كانت تنكر الفاعلية المطلقة لآليات السوق والانفتاح علي التصدير والانضمام إلي المنظومة العالمية، وأن النتائج التي أنجزت خلال الثلاثين عاما الأخيرة انطلاقا من أوائل الثلاثينات جاءت نتيجة القطيعة مع التراث الماوي، وهذا هو الرأي السائد ليس فقط في أدبيات البنك الدولي وأدبيات البورجوازية، لكن إلي حد كبير أيضا في أذهان اليسار بدرجات متفاوتة، وأنا أزعم أن هذا الرأي لا علاقة له بالواقع علي الإطلاق.
إنجازات الصين اليوم، هي إلي حد كبير نتيجة الفترة الماوية، التي أسست لهذا الانطلاق الاقتصادي، لأنها نجحت في بناء تضامن اجتماعي، وأمة جديدة، ووطن جديد حقيقي وألغت العقبات الطبقية الأساسية وأدخلت الحداثة في المجتمع الصيني وبالتالي خلقت الظروف التي سمحت بالمعجزة الصينية.
-لكن هناك طبقة جديدة أثرت ثراء كبيرا في الصين الآن؟
**هذا الوضع بطبيعة الحال أنتج تناقضات جديدة، فهناك خصخصة جزئية في الصين لكنها خصخصة قوية، حيث ظهرت بوادر تكوين برجوازية جديدة من أصول مختلفة بدءا من الأصول الصينية التي عادت من الخارج فضلا عن صين الداخل.
والطبقة الجديدة ثرية لكنها قليلة العدد وليس لها وزن سياسي، فهناك خطر ماثل أن تكسب هذا الثقل السياسي في المستقبل لكن حتي الآن ليس لها وزن كبير، لأن الطبقة الوسطي هي التي تحظي بهذا الوزن الكبير، واستفادت هذه الطبقة بالفعل من هذه المعجزة الجديدة، فقد ارتفع عدد سكان مدن الحضر خلال 25 عاما الأخيرة من 200 مليون إلي أربعمائة مليون وهذا ارتفاع غير هين، وأكثر من ثلثهم هم من الطبقات الوسطي بالمعني الواسع لهذا المصطلح، بدرجات متفاوتة من الغني، وهؤلاء هم الذين أصبحوا القوي الرئيسية المساندة للتيارات اليمينية التي تطالب بمزيد من اقتصاديات السوق، بل إن هناك أطرافا تطالب بتصفية المكسب الرئيسي للثورة الصينية، والعودة إلي الملكية الخاصة للأراضي الزراعية، هناك ضغوط في هذا الاتجاه من أدبيات الأمريكان والليبرالية الصينية تركز علي ذلك، لكن القوي الشعبية في الصين قوية للغاية، وعلينا أن ننظرع إلي وجود نحو 300 مليون من الفلاحين المنظمين للدفاع عن حقهم في الحصول علي الأرض خارج الحزب الشيوعي وليس في مواجهته، وتلك ظاهرة اجتماعية أساسية وهامة، وهي التي جعلت نظام الحكم في الصين حتي اليوم، لم يتنازل عن هذا الضمان من حقوق الفلاحين ولم يخضع للضغوط الليبرالية في الداخل والخارج بل علي العكس من ذلك.
ففي المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي في سبتمبر الماضي، حدث إعادة توازن بين اليسار واليمين في داخل الحزب في اتجاه نحو مزيد من رأسمالية العلاقات الاجتماعية فيما يخص الاقتصاد الحضري في الصناعة والتجارة، بأشكال عنيفة من الاستغلال مع الاحتفاظ مع بملكية الدولة لضمان الأرض لجميع الفلاحين، من الجانب الآخر وهذا تناقض شديد، لأن الطريق الرأسمالي يتطلب بالضرورة تخلي الدولة عن ملكيتها لكل وسائل الإنتاج بما في ذلك الأرض، وهذا التناقض مرتبط أيضا بالخيار بين مزيد من الانفتاح أو مزيد من التركيز علي السوق الداخلية.
طبقة واحدة
-قلت إن الطبقة الجديدة في الصين غنية لكنها لا تؤثر تماما في القرار السياسي، فهل تعتبر حيازة رجال الأعمال علي القرار السياسي في مصر يؤثر علي مستقبل التطور الديمقراطي بها؟
**في مصر طبقة جديدة هي التي تحكم وهي طبقة كمبورادورية، أي أنها حليفة بوعي للإمبريالية العالمية بمحض إرادتها واختيارها ، وعندما نقول إن التنمية الاقتصادية فشلت في مصر فهذا كلام صحيح وغير صحيح في نفس الوقت، فهي فاشلة بالنسبة للجماهير الشعبية، وناجحة بالنسبة للأثرياء الجدد، الذين سيدافعون عن تلك الأوضاع إلي آخر مدي، وهم بطبيعتهم معادون لأية طبقة شعبية مهما كانت، لكن هذه الطبقة الحاكمة التي أسميها برجوازية تابعة لا ترغب في الاستقلال والتحرر من تلك التبعية، لأن الثروات التي كونتها جاءت من جراء هذا الاختيار، وترتدي هذه الطبقة الحاكمة زيا مدنيا من خلال حكم عسكري، يعتمد بالأساس علي القوي العسكرية والأمنية والإعلامية، والقوي الأخري ترتدي زيا إسلاميا، وإذا ما انتقلنا بصفة خاصة إلي الإخوان المسلمين هي قيادات مرتبطة تماما بالثروة البترولية في الخليج، وبنفس الخيارات التي يتبناها النظام الحاكم، فهم في الواقع جزء من نفس هذه الطبقة الحاكمة، والطرف الثالث من هذه الطبقة الذي يعرف نفسه بأنه ليبرالي دميقراطي هم رجال أعمال يتبنون النموذج الأمريكي بالكامل في كلامهم وطرق تصرفهم وسلوكهم الشخصي وتوجههم الثقافي، والأطراف الثلاثة يشكلون طبقة واحدة.
ويعمل الاستعمار الأمريكي علي استغلال الكروت الثلاثة التي تكون تلك الطبقة للإبقاء علي الأوضاع كما هي، وهو يضغط بإحداها علي الأخري لتكريس بقاء النظام، فهو يستخدم النظام ضد الإخوان ويستخدم الإخوان لابتزاز النظام للحصول علي مزيد من التنازلات ولا نستطيع القول إن أمريكا اختارت النظام ضد الإخوان، أو الإخوان ضد النظام، لقد اختارت الاثنين معا.
ويؤسفني أن أقول إن هذا النوع من الوضع يمكن أن يستمر لفترات طويلة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت في مصر بوادر إيجابية منها حركة الإضرابات والاعتصامات الفئوية المطلبية، وحركة الفلاحين لمواجهة العدول علي قوانين الإصلاح الزراعي لكنها في الواقع حركات مطلبية فقط في أحسن الفروض وغير مسيسة وموسمية ومؤقتة ومفتتة ودفاعية، والانتقال من حركات دفاعية مطلية مفتتة إلي حركة اجتماعية تتوحد عبر التنوع ومسيسة، هو شرط تبلور بديل لهذا النظام، وهذا البديل لن يكون إسلاميا ولا ليبراليا بورجوازيا ولا بقاء النظام كما هو، فالبديل الحقيقي هو البديل الاشتراكي الذي يقدمه اليسار بكل تنوعاته.
عدم الانحياز
-خلال عملك في الأمم المتحدة، تابعت صعود وانهيار ما كان يعرف بـ «العالم الثالث»، فما هي في رأيك الأسباب التي أدت إلي تفككه وانهياره، وهل تعود المسئولية عن ذلك إلي النظم الثورية التي كانت قائمة، أم لعدم تقبل القطبين الدوليين لفكرة عدم الانحياز؟
**بالأساس هي عيوب في النظم الثورية نفسها، ففي قراءاتي للقرن العشرين أجد أنه يمثل الموجة الأولي من الاشتراكية والتحرر الوطني، والاثنان مرتبطان ارتباطا وثيقا ولا يمكن الفصل بينهما، لأن التحرر الوطني دون اشتراكية مستحيل، والاشتراكية دون الأخذ في الاعتبار الطابع الإمبريالي المميز للرأسمالية القائمة مستحيلة أيضا، فالنضال من أجل التحرر الوطني، والنضال من أجل الاشتراكية هما أمران مرتبطان ارتباطا وثيقا، وما حدث بعد الحرب العالمية الثانية هو نوع من التقارب والتحالف بين جبهة عدم الانحياز وبين المعسكر الاشتراكي، ففي باندونج شارك شوين لاي وناصر وتيتو ونهرو وتقرب الاتحاد السوفيتي من هذه الجبهة وساندها عسكريا وسياسيا، مما وضع حدا لردود الفعل الاستعمارية العسكرية، وحرب العراق وغزوه مثلا ما كان يمكن تصور حدوثه في ظل وجود المعسكر الاشتراكي.
لكن حركات التحرر الوطني والنظم الثورية التي كانت تمثلها سقطت بعد ذلك بنحو ثلاثين عاما وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي، تآكلت داخليا ثم انهارت بأشكال مختلفة عبر الانقلابات أو التطورات الطبيعية نحو اليمين.
-وما هي الأسباب الرئيسية لهذا الانهيار؟
**هناك عدة آراء تنسب الانهيار إلي عدد من الأسباب منها الرأي السائد عالميا وهو أن هذا الانهيار كان محتما سواء كانت هذه النظم اشتراكية مثل الاتحاد السوفيتي والصين، أو وطنية جذرية، مثل تجارب البعث والناصرية وغيرها وأنها لم تحترم المبدأ الأساسي الذي هو الفاعلية المطلقة لآليات السوهق، وبالتالي كان محكوما عليها بالفشل، وهذا الرأي أنا أرفضه بشدة رغم الأخطاء الكثيرة التي وقعت فيها تلك النظم في معاملتها مع آليات السوق.
وبينها الرأي الذي أسميه «ثقافوي» بشكل إسلامي في مصر، أو بشكل هندوسي في الهند وهو نموذج قوي جدا، وبشكل شبه علماني في مناطق أخري تنسب الفشل، أو الانهيار إلي أنها لم تحترم الخصوصية المحلية والهوية الثقافية، وأرفض هذا التحليل أيضا ولا أقبل بالرأيين معا، فالسبب الرئيسي لانهيار تلك التجارب يعود في رأيي إلي نقص الديمقراطية ولا أقصد بها الوصفة الغربية للديمقراطية، التي تختزل الديمقراطية في احترام بعض حقوق الإنسان وتعددية حزبية وانتخابات برلمانية وانتخاب الرئيس والقيادات العليا ولا أكثر من ذلك، لكن أقول إن الديمقراطية هي أبعد مدي من ذلك، فهي التي تجمع بين مقرطة المجتمع والتقدم الاجتماعي لصالح الطبقات الشعبية من جانب آخر أي الجمع بين الحريات السياسية والديمقراطية الاجتماعية، ولا تمنح من قبل السلطات العليا، وإنما تلك التي تكسبها الجماهير الشعبية من خلال نضالها الاجتماعي والطبقي، أي إتاحة مطلق الحرية للجماهير الشعبية لكي تنظم نفسها بنفسها للدخول في النضال الطبقي وهو جوهر الديمقراطية ولا ننسي أن الديمقراطية الغربية تكونت نتيجة الصراع الطبقي في نهاية الأمر.
ولم تمنح من البرجوازية الحاكمة والحركات الشعبية الكبري التي قادت ثورات باسم الاشتراكية مثل الثورة الروسية والثورة الصينية والكوبية والفيتنامية، أو حركات شعبية قوية من أجل التحرر الوطني كما حدث في مصر الناصرية كانت في مرحلتها الأولي ديمقراطية بمعني أنها فعلا حركات شعبية وتتمتع بالتالي بدرجة مقبولة من التحرك، لكن عندما أصبحت الثورة الاشتراكية أو حركات التحرر الوطني نظام حكم اتجهت إلي إلغاء دور الشعوب وإلغاء حقوقها الأساسية في التنظيم الحر للطبقات الشعبية من أجل تنظيم نفسها بنفسها.
نحن الآن ندخل في موجة ثانية لم تتبلور بعد، لكن هناك بداية تبلور لموجة ثانية تعطي للديمقراطية بهذا المعني الصحيح أهمية حاسمة في تكوين البديل الذي يوازن بين العدل الاجتماعي والحرية السياسية.
-في ظل عولمة الإنتاج الاقتصادي، يسود الآن الاعتقاد، بأن فكرة الحفاظ علي السوق الوطنية، واتخاذ إجراءات حمائية لدعم الصناعة الوطنية، أصبحت فكرة غير ذات موضوع فهل تعتقد أن هذه المقولة صحيحة؟
**لا أقبل هذا الرأي علي الإطلاق وأعتقد أنه كلام أيديولوجي لا علاقة له بالواقع، فالنظم الرأسمالية السائدة مازالت دولا وطنية وقوية للغاية، بما في المقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخري لا يمكن فرض العولمة الليبرالية الإمبريالية، إلا من خلال سلطات محلية هي دول قوية أيضا وغير ديمقراطية مثل النمط السعودي والباكستاني، فالكلام عن إنهاء دور الدولة الوطنية كلام أيديولوجي بحت وغير علمي.
-كيف يمكن إذن تحقيق تنمية اقتصادية مستقلة في ظل تلك الظروف؟
**انطلاقا من تعديل التوازنات الاجتماعية في داخل المجتمعات المختلفة، ومن خلال الصراع الطبقي، وتطويره وتعميمه علي صعيد أقوي، بحيث تعدل التوازنات ولا أقول بطبيعة الحال إلغاء الرأسمالية، ولكن أقول تعديل التوازنات، فأنا أنظر إلي عملية الانتقال من الرأسمالية إلي الاشتراكية بأنها عملية طويلة الأجل وعلي مراحل وتحتاج ربما لأكثر من قرن فليس هناك ثورة تحل جميع المشاكل فورا وفي آن واحد. وبدون تعديل التوازنات الاجتماعية داخل المجتمعات لن يحدث تغير علي الصعيد العالمي أو علي الصعيد المحلي، وهذا هو ما بدأت الحركات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية تفهمه، ولذلك أنجزت خطوات إيجابية خلال العقد الأخير.
كلاهما لا يصلح
-عاد اليسار علي النطاق العالمي لبعض الانتعاش، وفاز بالأغلبية عبر صناديق الانتخاب في أكثر من دولة، فهل يرجع ذلك إلي عودة الأحزاب الشيوعية، إلي فكرة الاشتراكية الديمقراطية، وهل يعني ذلك أن الصيغة اللينية كانت تنطوي علي أخطاء؟
**أعتقد أن التصور الاشتراكي الديمقراطي علي النمط الغربي والتصور الليني علي النمط السوفيتي، لا يناسبان الظروف الموضوعية الراهنة، فالاشتراكية الديمقراطية استطاعت أن تنمو وتفرض نفسها كحل في ظل المراكز الرأسمالية التي تتمتع بامتيازات الموقع الإمبريالي السائد عالميا، فالاشتراكية الديمقراطية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا والدول الاسكندنافية أو حتي في الولايات المتحدة دون أن تعلن ذلك، كلها في المراكز الرأسمالية الاستعمارية، والمساحة المطروحة للحركات الشعبية في ظروف سيطرة الإمبريالية علي صعيد عالمي، غير موجودة عندنا، وبالتالي النمط الاشتراكي الديمقراطي مستحيل تنفيذه في الجنوب، أما النمط الليني الذي يقوم علي الثورة باسم الاشتراكية التي تحل جميع المشاكل وديكتاتورية البروليتاريا وسيطرة الدولة علي كل وسائل الإنتاج هذا النمط أيضا انتهي، وهذا هو الجانب الإيجابي في تجارب أمريكا اللاتينية، حيث أبدعوا نمطا جديدا لاهو اشتراكي ديمقراطي، ولا هو نمط ليني، ولا هو شعبوي بالمعني التقليدي للكلمة أي رئيس يتمتع بكاريزما ويفرض سياساته بطرق فوقية لصالح الطبقات الشعبية، لكن هذا النموذج الخلاق جاء نتيجة الحركات الاجتماعية الجماهيرية في أمريكا اللاتينية، وطبعا الوضعية مختلفة من بلد إلي آخر، فالتجربة البرازيلية مختلفة عن تجربة فنزويلا مختلفة عن الإكوادور وعن بوليفيا مختلفة عن الأرجنتين، لكن حاصل جمع كل هذه البلاد مع بعضها البعض يشكل منطقة كبيرة من المنظومة العالمية.
-ما السمات المشتركة التي تجمع بين كل تلك التجارب؟
**أولا تنظيم الجماهير الشعبية بأشكال مختلفة، وتسييس التنظيم الشعبي، وما نسميه في منتدي العالم الثالث الالتقاء بالتنوع أو الوحدة بالتنوع، أي ليس هناك حزب واحد، ولا أحزاب مختلفة، وتكتفي بالدخول في المعارك الانتخابية، لكن قوي شعبية منظمة مثقفة سياسيا، وهذا أدي إلي انتصارات انتخابية.
ما حدث في البرازيل هو محصلة تلاقي علي الأقل حركات اجتماعية واسعة والنقابات العمالية قادت صراعا طبقيا قويا ومنظما ومسيسا في اتجاه شيوعي بالمعني الواسع للكلمة، دون أن يكون تابعا لحزب شيوعي رسمي يسيطر عليهم كما كان لحركة الفلاحين دون أرض دورا هاما وهي حركة واسعة قوية ومسيسة تماما، ثالثا حركة فقراء المدن والقطاعات غير الرسمية من خلال منظمات خاصة وهنا لعب لاهوت التحرير دورا مهما مساندا للحركات الاجتماعية والشعبية والصراع الطبقي وحزب سياسي هو حزب العمل وتيار في الأوساط المثقفة واليسار التقليدي، والتلاقي بين تلك القوي الخمس هو الذي أدي لتغير هام في البرازيل.
أما في فنزويلا، فقد اختلف الأمر تماما، إذ كان هناك عدد من الحركات الشعبية، نصف تلقائية لعب الشيوعيون بها دورا، ليس باعتبارهم حزبا قائدا وطليعيا، ولكن بدخولهم، في الحركات الشعبية المتفتتة، من أجل دفع الصراع الطبقي لصالح الطبقات الشعبية، وقوة تلك الحركات الشعبية هي التي أدت إلي فوز شافيز في الانتخابات ويواجه الآن النظام الفنزويلي صعوبة تتمثل في كيف يبدع مع تلك الحركات الشعبية أشكالا جديدة من السلطة ومن التنظيم الشعبي، وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجه «شافيز».
ومنذ أكثر من عشرين عاما بدأت حركة الفلاحين في بوليفيا بشكل منظم وهي تضم نحو 5 ملايين عضو يعملون باستقلال تام عن التيارات الليبرالية البرجوازية المختلفة التي كانت تريد أن تلعب دورا في مواجهة الديكتاتوريات المختلفة، ومستقلة أيضا عن الحزب الشيوعي الذي كان ضعيفا، وقد أدت حركات الفلاحين المستقلة في بوليفيا إلي انتصار الفيوموراليس، والتحدي الذي تواجهه بوليفيا الآن هو كيف تنتقل من حركة فلاحية نشطة، إلي حركات اجتماعية تضم سكان الحضر والفئات الاجتماعية الأخري، بما فيها الطبقة العاملة وفقراء المدن وفئات من الطبقات الوسطي، وما يدعو للتفاؤل أنه يوجد في بوليفيا حركة ثقافية سياسية قوية جدا، تعمل من أجل إيجاد حل لهذا التحدي الجديد.
-بعد أحداث 11 سبتمبر، تصاعدت دعوات لتحديث النظام السياسي العربي، كي يتحول إلي نظام ديمقراطي علي النسق الغربي، لكن تلك الدعوات تواجه بمقاومة من داخل النظام ومن بعض قوي المجتمع، بدعوي أن هناك خصوصية عربية تتطلب صيغة ديمقراطية تتواءم معها، فأين تقف من دعاوي تحديث النظام السياسي العربي؟
**الديمقراطية مفهوم عالمي، وليس خاصا بمجتمع دون غيره، وأطروحتي في هذا السياق معروفة وهي تقوم علي أن المجتمعات العربية والإسلامية لم تدخل بعد في نطاق الحداثة، ولم تدرك حتي ما هو معني الحداثة، فالحداثة كما عرفتها أوروبا في عصور النهضة والتنوير، هي قطيعة تاريخية مع أفكار ما فوق الطبيعة، تقوم علي مبدأ أن البشر هم الذين يصنعون تاريخهم، وعلي أساس هذا المبدأ تشكلت الديمقراطية بمفهومها العالمي عبر قرنين من الزمان، من خلال الصراع الطبقي القادر علي أن يطور وعيا مستقلا عن الثقافة المحلية، وقدرة علي الإبداع بعيدا عن التقيد بأي موروثات سلفية سواء كانت دينية أو ثقافية أو عرقية أو قبلية أو غير ذلك.
وهذا لا يعني إلغاء الماضي، ولكن معناه الاجتهاد في رؤية هذا الماضي بعين ناقدة مبدعة.
ولم تكن النهضة العربية في القرن التاسع عشر بداية لإدراك ذلك، لأنها قامت علي تصور أن التحديث ممكن من خلال العودة إلي الأصول وليس القطيعة معها.
-ألا يوجد في الأصول ما يمكن الاستفادة منه؟
**المشكلة أن هذه النظرة تفترض أن ما كان في الماضي هو شيء متكامل فقدناه وابتعدنا عنه تدريجيا، ولابد من العودة إلي هذا الماضي لبناء المستقبل، بدلا من بنائه بشكل مستقل عن هذا الماضي دون أن ينفيه تماما، ومعني ذلك أن المجتمعات العربية والإسلامية لم تفهم علي الإطلاق معني الديمقراطية التي تقوم علي فكرة الأغلبية والأقلية في الرأي فقط وتتغير فيها نسب الطرفين بحسب الظروف والتطورات، فليس في الديمقراطية أغلبية ثابتة وأقلية ثابتة، وفي برنامج الإخوان المسلمين الأخير، سنجد أنه معاد من الأصل لفكرة الديمقراطية، وقولهم إنهم يقبلون بالديمقراطية والانتخابات هو من قبيل العمل الدعائي، فهم يدعون في برنامجهم إلي تشكيل مجلس علماء يشرف علي جميع السلطات، كما يحدث في نمط ولاية الفقيه الإيراني، ولكن في قطاع السنة هذه المرة.
والقول بالخصوصية العربية والإسلامية والعودة إلي الأصول، من شأنه أن يحدث في مجتمعاتنا تفتيتا لا نهاية له، وهذا ما نراه بشكل واضح الآن في العراق، فحين أصبح الدين هو المرجعية انقسم المجتمع إلي سني وشيعي، ثم سني وهابي وآخر غير ذلك، ثم انقسام إلي سني مالكي وآخر شافعي وثالث حنبلي ورابع حنفي، هذا فضلا عن الانقسام الشيعي بين العلوي والإسماعيلي والاثني عشرية وغير ذلك، ومعني ذلك هو أن تحل صراعات مصطنعة، محل الصراع الطبقي المعبر عن مصالح حقيقية، وهذا هو بالضبط المشروع الاستعماري، وهو نفسه مشروع صراع الحضارات.
زحف متنام
-أوشكت فكرة الدولة الوطنية القومية علي التلاشي، في مواجهة الزحف المتنامي للأصوليين الإسلاميين، الساعي لإقامة دولة دينية، فما هو في تقديرك المبرر التاريخي لتراجع فكرة الدولة الوطنية، ومن هو المسئول عن هذا التراجع؟
**علينا أن ننظر بإمعان لتجربتي الهند وباكستان، فالأخيرة صناعة إنجليزية استعمارية، اختارت من اليوم الأول أن تكون دولة دينية وهي تعيش منذ نحو ستين عاما في ظل أنظمة حكم استبدادية بينما اختارت الهند نظام الديمقراطية العلمانية، فأصبحت المسافة شاسعة بين النموذجين أحدهما ترزح في براثن التخلف، بينما تتقدم الهند بخطوات محسوسة يوما بعد آخر.






#أمينة_النقاش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاهندة حين تحكي
- السودان بين حصارين
- الزهد حتى المنتهي
- بدلاً من القفز نحو المجهول
- التلويش السياسى
- أولويات المعركة
- أجواء سبتمبرية
- أشواق السودان
- بعد اتفاق قرنق - طه.. هل إنتهت الحرب الاهلية فى السودان؟؟
- جناة ومتهمون
- ليته ما تكلم .
- مواجهة المسكوت عنه
- رسالة الى الرئيس مبارك
- الإرهابيون يصوتون لبوش
- السودان يحترق
- الماهر
- ومتي يحين الوقت المناسب؟
- برنامج الوفد للإصلاح
- دعاة الاستبداد
- فهرنهايت


المزيد.....




- هكذا أنشأ رجل -أرض العجائب- سرًا في شقة مستأجرة ببريطانيا
- السعودية.. جماجم وعظام تكشف أدلة على الاستيطان البشري في كهف ...
- منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي محذرًا: الشرق الأوسط ...
- حزب المحافظين الحاكم يفوز في انتخابات كرواتيا ـ ولكن...
- ألمانيا - القبض على شخصين يشتبه في تجسسهما لصالح روسيا
- اكتشاف في الحبل الشوكي يقربنا من علاج تلف الجهاز العصبي
- الأمن الروسي يصادر أكثر من 300 ألف شريحة هاتفية أعدت لأغراض ...
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب -نشاطات تخري ...
- حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره ويستهدف مواقع للاحتلال
- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.. من التعاون أيام الشاه إلى ا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أمينة النقاش - المفكر سمير أمين ل «الأهالي»: الطبقة الحاگمة في مصر تابعة بإرادتها واختيارها