مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2061 - 2007 / 10 / 7 - 12:47
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ميخائيل باكونين*
كتابات باكونين
الفصل التاسع - الإله أو العمال : المعسكران
إنكم توبخوننا بسبب عدم إيماننا بالإله . نحن نتهمكم بالإيمان به . إننا لا نحكم عليكم لهذا , بل إننا حتى لا نظن بكم . إننا نرثي لكم . لأن زمن الأوهام قد ولى . لا يمكن أن نخدع بعد الآن .
من تجدون تحت راية الإله ؟ الإمبراطور , الملوك , العالم الرسمي و غير الرسمي , كبار الملاك و النبلاء , كل المفسدين المحظوظين في أوروبا الواردة أسماءهم في الألامانا دي غوتا , كل خنازير العالم الصناعي , التجاري و البنكي , البروفيسورات المرخصين لجامعاتنا , موظفي الخدمة المدنية , ضباط الشرطة الكبار و الصغار , الدرك , السجانين , السيافين قاطعي الرؤوس أو الشانقين منفذي الشنق , من دون نسيان الرهبان , الذين يشكلون الآن الشرطة السوداء التي تستعبد أرواحنا لحساب الدولة , الجنرالات المعظمين , المدافعين عن النظام العام , و أخيرا كتاب الصحافة الخسيسة .
هذا هو جيش الإله !
من تجد في المعسكر المقابل ؟ جيش الثورة , المانحين الجريئين للإله و منكري كل المبادئ التسلطية و المقدسة ! هؤلاء الذين هم لذلك , المؤمنين بالإنسانية , المدافعين عن الحرية الإنسانية .
إنك تلومنا على كوننا ملحدين . إننا لا نشكو من هذا . ليست لدينا أية أعذار لنقدمها . إننا نعترف أننا كذلك . بما يسمح به الكبرياء للأشخاص السوقة - الذين كالأمواج العابرة التي ترتفع فقط لتختفي من جديد في المحيط الشامل للحياة الجماعية – إننا نفتخر بكوننا ملحدين . الإلحاد هو الحقيقة – بل إنه بالأحرى الأساس الحقيقي لكل الحقائق .
إننا لا نتوقف لنتأمل في النتائج العملية . إننا نريد الحقيقة عن كل شيء . الحقيقة للجميع !
إننا نؤمن على الرغم من كل التناقضات الظاهرة على الرغم من كل الحكمة السياسية المرتبكة للبرلمانيين – و النزوع إلى الشك في أوقاتنا – أنه يمكن إيجاد الحقيقة لأجل السعادة الواقعية للناس . هذا أول بند في إيماننا .
يبدو كأنك غير راض عن تقرير إلحادنا . إنك تقفز إلى الاستنتاج بأنه يمكننا أن لا نحمل أي حب أو احترام للجنس البشري معلنا أن كل الأفكار أو المشاعر العظيمة التي أبقت , في كل العصور , القلوب نابضة هي رسائل ميتة بالنسبة لنا . أننا مكرهين في مواجهة وجودنا التعس , نزحف أكثر من كوننا نسير كما تريد أن تتخيلنا – إنك تفترض أننا لا نعرف مشاعر أخرى غير تلبية حاجاتنا الحسية و الرديئة .
هل تريد أن تعرف مقدار حبنا للأشياء الجميلة التي تبجلها ؟ اعلم إذا أننا نحبها بشدة ذلك أننا غاضبون و متعبون من رؤيتها متدلية , بعيدة عن المتناول , من سمائك المثالية . إننا نشعر بالأسى أن نراها و قد سرقت من أمنا الأرض , و قد حولت إلى رموز لا حياة فيها , أو إلى افتراضات بعيدة يستحيل إدراكها . لم نعد راضين عن تخيل الأشياء . إننا نريدها في حقيقتها الكاملة . هذا هو البند الثاني من إيماننا .
برمينا بلقب الماديين , أنت تعتقد أنك قد دفعتنا إلى الحائط . لكنك مخطئ كثيرا . هل تعلم ما هو مصدر خطأك ؟
ما تسميه أنت و نسميه نحن بالمادة شيئان مختلفان تماما . إن مادتك هي خيال . و هي بذلك تشبه إلهك , شيطانك , و روحك الخالدة . إن مادتك ليست بشيء أكثر من الحقارة التافهة , الجفاف القاسي . إنها كائن تعجيزي , مستحيلة مثل روحك النقية – "غير المادية" , "المطلقة" ؟
كان المفكرون الأوائل للجنس البشري بالضرورة لاهوتيين و ميتافيزيقيين . لقد تشكل عقلنا الأرضي بحيث أنه بدأ بالصعود تدريجيا - وسط متاهة من الجهل , بواسطة الأخطاء و الهفوات – إلى امتلاك فهم تفصيلي عن الحقيقة . هذه الحقيقة لا تزكي ( تستحسن ) "ظروف الماضي العظيمة" . لكن لاهوتيينا و ميتافيزيقيينا , بسبب جهلهم , أخذوا كل ما بدا لهم أنه يشكل القوة , الحركة , الحياة , الذكاء , و من خلال قيامهم بتعميم إجمالي , سموه الروح ! أما ما يتعلق بالبقية التي لا حياة فيها و لا شكل لها و التي لاحظوا أنها بقيت بعد ذلك الانتقاء الأولي – و التي تصدر بشكل غير واعي من كل عالم الواقع – أعطوها اسم المادة ! عندها أصيبوا بالدهشة ليشاهدوا أن هذه المادة – التي مثل روحهم توجد فقط في مخيلتهم – تبدو بلا حياة و غبية بالمقارنة مع إلههم , الروح الخالدة ! لنكن صريحين , إننا لا نعرف هذا الإله . و لا يمكننا إدراك هذه المادة .
من عبارات المادة و المادية نفهم نحن جميع الأشياء , التسلسل الكامل للواقع المدرك بالحواس كما نعرفه , من أبسط الأجسام غير العضوية و حتى الوظائف المعقدة لعقل إنسان عبقري , العواطف الأجمل , الأفكار الأسمى , أكثر الأفعال بطولة , أفعال التضحية و التفاني , الواجبات و الحقوق , نكران الذات و حب الذات في حياتنا الاجتماعية . تظاهرات ( تجليات ) الحياة العضوية , ميزات و خصائص الأجسام البسيطة , الكهرباء , الضوء , الحرارة و الجاذبية الجزيئية , ليست جميعها بالنسبة للعقل إلا تحولات عديدة جدا لمجمل الأشياء التي نسميها المادة . هذه التحولات تتميز بترابط شديد , وحدة القوة المحركة .
إننا لا نعتبر هذه الشمولية للشيء و للأجسام على أنها مادة أبدية و مطلقة , كما يقول القائلون بوحدة الوجود . لكننا نعتبرها على أنها النتيجة , و التي دائما كانت تتغير و ستبقى تتغير , لمجموعة متنوعة من الأفعال و ردات الفعل , و للفعل المستمر للأشياء الحقيقية التي تولد و تعيش في وسطها الفعلي . على النقيض من قانون الإيمان المسيحي للاهوتيين فأنا أعرض هنا هذه المسائل :
1 – أنه إذا كان هناك إله خلقها – أي المادة , المترجم - فإن العالم لم يكن ليوجد .
2 – أنه إذا كان هذا الإله حاكما للطبيعة فإن القانون الطبيعي و الفيزيائي و الاجتماعي ما كان ليوجد و كنت لأقدم عرضا عن مشهد من البلبلة التامة . لو أن هذا العالم يحكم من الأعلى و إلى الأسفل لكان يشبه الفوضى المحسوبة و المصممة للدولة السياسية .
3 – أن القانون الأخلاقي هو أخلاقي , منطقي و حقيقي فقط طالما كان يصدر عن حاجات المجتمع الإنساني .
4 – أن فكرة الإله ليست ضرورية لوجود و فعل القانون الأخلاقي . بعيدا عن هذا فإنها فكرة مشوشة و عامل تثبيط اجتماعي .
5 – أن كل الآلهة , في الماضي و الحاضر , يدينون بوجودهم إلى المخيلة الإنسانية غير المنفصلة عن قيود حيوانيتها البدائية .
6 – أن كل إله , ما أن ينصب على عرشه يصبح لعنة للإنسانية , و حليفا طبيعيا لكل الطغاة و الدجالين الاجتماعيين و مستغلي الإنسانية .
7 – أن اندحار الإله ضرورة لانتصار الجنس البشري . إن إبطال فكرة الإله سيكون نتيجة حتمية لانعتاق البروليتاريا .
من وجهة نظر الأخلاق , فإن الاشتراكية هي بدء الاحترام الذاتي للجنس البشري . إنها تعني زوال الإذلال و المقدس .
من وجهة نظر عملية فإن الاشتراكية هي الإجابة الأخيرة لمبدأ عظيم يقوم برفع المجتمع يوما إثر يوم . إنها تصنع نفسها أكثر فأكثر بواسطة الضمير العام . لقد أصبحت الأساس للبحث العلمي و التقدم و للبروليتاريا . إنها تشق طريقها في كل مكان . باختصار هذا المبدأ هو كما يلي :
أن ما سميناه بالعالم المادي , اللا عضوي – الميكانيكي , الفيزيائي و الكيماوي – هو العنصر الحاسم للمادة العضوية – النباتات و الذكاء الحيواني – تماما مثل المادة في العالم الاجتماعي , تطور المسائل الاقتصادية كان و ما زال يشكل الأساس الذي يحدد تطورنا الديني و الفلسفي و السياسي و الاجتماعي . في هذه النقطة يتفق باكونين مع ماركس .
هذا المبدأ يقضي بجرأة على كل الأفكار الدينية و الاعتقادات الميتافيزيقية . إنها ثورة أكبر بكثير من تلك التي ظهرت في فترة النهضة و القرن 17 تخسف بكل العقائد المدرسية – التي كانت يوما الحصن المنيع للكنيسة و للملكية المطلقة و النبلاء الإقطاعيين – و التي تجلب الثقافة الدوغمائية لما يسمى بالعقل المطلق المفضلة جدا عند حكامنا العصريين : الطبقة البرجوازية . لذا فنحن نقول من خلال الأممية : إن الاستعباد الاقتصادي للعمال – من أولئك الذين يسيطرون على ضروريات الحياة و وسائل الإنتاج , الآلات و الأدوات – هو السبب الأصيل للعبودية المعاصرة بكل أشكالها . إليها ينسب الخضوع السياسي و الانحطاط الفكري , لذلك فإن الانعتاق الاقتصادي للعمال هو الهدف الذي على أية حركة سياسية أن تسخر كل وجودها تحديدا كوسيلة لتحقيق تلك الغاية . هذه باختصار الفكرة المركزية من الأممية .
www.marxists.org/reference/archive/bakunin/works/writings/indexنقلا عن :
ترجمة : مازن كم الماز
*ميخائيل باكونين : "فوضوي" روسي ( 1814 – 1876 ) ولد في عائلة أرستقراطية , أصبح اشتراكيا أثناء دراسته الفلسفة في ألمانيا في أوائل الأربعينات , ثم سلم إلى روسيا بعد أن حكم بالإعدام بسبب مشاركته في ثورة 1848 في ألمانيا حيث قضى 3 سنوات في أقبية سجن بطرس و بولس الشهير ثم أربعة في سجن آخر قبل أن ينفى إلى سيبيريا . قبل أن يفر إلى اليابان فأمريكا ثم أوروبا حيث عاود نشاطه الثوري و أصبح في عام 1867 عضوا في رابطة السلام و الحرية ثم انشق مع رفاقه المناصرين للأفكار الاشتراكية و شكلوا التحالف العالمي للاشتراكية الديمقراطية عام 1868 . و في نفس العام أصبح عضوا في فرع جنيف للأممية الأولى و في 1869 حل التحالف العالمي و انضم أعضاءه فرادى إلى الأممية . في 1870 قاد انتفاضة فاشلة في ليون ستكون البشير بكومونة باريس بعد عام واحد , و التي ناصرها بقوة و دافع عنها و رأى فيها "ثورة ضد الدولة" رافضا بذلك كلا من الدولة و الديكتاتورية الثورية . أدى اشتداد خلافاته مع ماركس إلى طرده من الأممية عام 1872 بعد أن هزم في التصويت أمام أنصار ماركس في مؤتمر هاغ . رغم أن باكونين أقر تحليل ماركس الطبقي و نظرياته الاقتصادية لكنه انتقد "اشتراكيته التسلطية" و ديكتاتورية البروليتاريا التي رفضها بشدة :
"إذا أخذت أكثر الثوريين حماسة , و عهدت إليه بالسلطة المطلقة ففي غضون سنة سيكون أسوأ من القيصر نفسه"
( الاقتباس نقلا عن دانييل غورين : الأناركية من النظرية إلى التطبيق – 1970 , new york , monthly review , ) الصفحة 25-26
توفي باكونين في 1876 في برن بسويسرا .
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟