إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 2049 - 2007 / 9 / 25 - 12:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الطلاق, ظاهرة بدأت تغزو معظم الأسر في مجتمعاتنا, والسبب في ذلك أنه لم يعد" عيباً ", بل بات تطوراً طبيعياً في علاقة زوجين يؤدي تدهورها إلى الانفصال النهائي, ومن دون أيَ وزن للأولاد في قرار الطرفين, لأنهما مدركان أن لهذا تأثيراً كبيراً عليهم- الأولاد-
لكنهما سيحددان حتماً دورهما الإيجابي أو السلبي الطريقة التي سيعيشها الأولاد بعد هذا الانفصال, وطريقة تعامل الأولاد مع طلاقهما, نظراً لوجود نقاط أساسية تتحكم بهذا الدور.
فالمطلوب منهما أن يكونا على أتمَ الاستعداد للاستماع إليهم في أيَ وقت( ليل, نهار) كي يُحس كل منهم أن مكانته محفوظة في حياة الوالدين مهما تقلبت الظروف. كما تجب مصارحتهم وإخبارهم عن سبب الانفصال بكلمات يفهمونها ويستوعبونها, ومن الأفضل أن يكونا معاً حتى تتطابق الرواية كلياً بحيث يتم التأكيد لهم ومن الطرفين أن الطلاق ليس ذنبهم أبداً, وأنهم مرغوبون ومحبوبون من قبل الأبوين. إضافة إلى قضية هامة, وهي أن لا يسمح أحدهما بما يمنعه الآخر, كما ينصح علماء النفس بعدم استخدام الابن بين الطرفين سلاح لما بعد الطلاق كالحالات التالية:
1. عدم استخدام الابن كمرسال بين الطرفين( قُلْ لوالدك أن تأخر في إرسال مصروفك) كما يجب أن لا يتم انتقاد الطرف الآخر أمام الابن, لأنه سيشعر أن عليه أن يأخذ موقفاً قسرياً من الموضوع.
2. أن لا يتم التجسس على حياة الطرف الآخر بواسطة الابن, فلا يكون هناك استجواب عن طريق تمضية عطلة نهاية الأسبوع مع أحدهما, بل تكفي عبارة من مثل( أمضيت وقتاً ممتعاً..؟ جيد)
3. عدم استخدام الابن كسلاح بين الطرفين, فيلحق به الأذى مباشرة سواء أكان ظاهره إيجابياً من خلال إغراقه بالهدايا- لكسب حبه وتأييده- أم سلبياً للانتقام من الآخر.
لأن الابن في جميع هذه الحالات إما أن يتحول إلى كرة مسمومة يتقاذفها الطرفان اللذان سيدفعان به إلى اتخاذ موقف مع أحدهما ضد الآخر.
وإما أن يختار الطرف الثاني الانسحاب من المعركة حفاظاً على الابن الذي سيرى أنه غير مرغوب به.
أيضاً يجب الحفاظ على طفولة الابن أو مراهقته, فلا يتم تحويله لراشد يستمع إلى أسرار أحد الوالدين, حتى لو كان ناضجاً فكرياً أكثر من عمره. ويجب تنفيذ الوعود التي تُعطى له, وتفسير سبب عدم الوفاء بها إن لم تُنفذ.
إن من سيئات الطلاق, أنه يعرض الابن إلى زلزال في حياته اليومية العادية, وهذا ما يحقق مخاوفه الدفينة بأن حياته ستتزعزع بفعل انفصال والديه, وهو يترجم مخاوفه بتصرفات عدوانية وتراجعاً ملموساً في دراسته, ولهذا فتأثيره يكون على المديين القصير والطويل.
ففي المدى القصير: قد يشعر الابن بالارتياح حيال هذا الوضع, خصوصاً إذا كانت الحياة مع الوالدين في الفترة الأخيرة جحيماً لا يُطاق من المشاكل والعنف و... إلاَ أن الحزن قد يلي شعور الارتياح هذا إضافة إلى الشعور بالذنب والانطواء على النفس, والغضب والتمرد على الواقع, إضافة إلى أنه إذا كان مراهقاً فإنه سيفضل البقاء وقتاً أطول مع أصدقائه على حساب تواجده في البيت, وهنا يقول علماء النفس أن هذا رد فعل طبيعي وضروري لتوازن المراهق ومواجهته وضعه الجديد شريطة مراقبة نوعية أصدقائه وكيفية تمضية هذا الوقت.
أما على المدى الطويل: فيتمثل بالانهيار العصبي, إضافة إلى مشاكل سلوكية كاللجوء إلى الكحول والمخدرات وغيرها, لأن الابن يتماثل لا شعورياً مع أحد والديه( الذكر مع الأب, والأنثى مع الأم)
ويأتي الروتين اليومي ليشكل الملجأ الأساسي للابن الذي يجد فيه شيئاً من الاطمئنان حيال الماضي من خلال العيش في ذات الظروف, لذا يجب الحفاظ على الإيقاع الحياتي نفسه قدر الإمكان أي المدرسة ذاتها, الأصدقاء أنفسهم, ومتابعة ذات النشاطات السابقة.
إن أول ما يشعر به الابن فور اطلاعه على سوء العلاقة بين والديه, هو الغضب الذي قد يتفجر للعلن, أو يبقى دفيناً في نفسه وهذا ما يؤدي لأمراض نفسية وسلوكية( انهيار عصبي, مخدرات, جنوح) و هنا يجب التعامل مع هذا الشعور الطبيعي بشكل عقلاني وذكي من قبل الوالدين, بحيث نترك الابن ينفس عن غضبه, ليستبدله بسلوك هادئ ومتفهم لوضعه. من جهة ثانية يبدو القلق شعوراً ثانياً ملازماً للأول- الغضب- عند الابن الذي يتصارع مع هذا الشعور بأعماقه
فهو قلق من الإحساس بتخلي أحد الوالدين عنه, من تبدل الظروف المستقبلية الغامضة, فهو يشعر بأنه محاصر بجميع التبدلات الطارئة على حياته والتي تؤرقه, وقد يُترجم هذا القلق على شكل عوارض صحية خارجية( غثيان, إقياء, ..) أو قد تتبدل شخصية الابن الذي كان هادئاً ولطيفاً في الماضي, ليصبح الآن مزعجاً يعتمد- النَق- كوسيلة يومية للحصول على ما يريد. من هنا كانت ضرورة الاستماع إليه جيداً حتى يتخلص من مخاوفه التي تتكرر لفترات طويلة, كما يجب تشجيعه على التعبير عنها بوضوح ليتمكن من التغلب عليها, وليشعر بالاطمئنان حيالها, دون لجوء أحد الوالدين للكذب مثل تأكيد أن الأب سيعود إلى البيت يوماً, بل يجب إقناعه بأن الأب أو الأم ستبقى لجانبه مهما حصل .
ونظراً لأن الابن قد يكون مراهقاً, فإن اهتمامه حيال الطلاق يختلف عن غيره من أفراد الأسرة, لأنه أساساً في عمر يجعله يهتم بنفسه دون غيره. لذا قد تنحصر مخاوفه وقلقه بشخصه فقط, فيبدأ بالشك في مؤسسة الزواج, ويعلن رفضه لها, وبأنه لن يتزوج مستقبلاً خوفاً من الفشل الذي لحق بوالديه, وقد يلجأ لمحاكمة والديه, مُصدراً أحكامه العرفية عليهما دون تردد أو خجل. إلاَ أن ذلك لا يعني تحوله إنسان راشد بالقوة( رجل بيت) بالنسبة لوالدته وأخوته لمجرد أن والده غادر المنزل حتى لو أظهر استعداداً للقيام بهذا الدور, كما المراهقة لا يمكن أن تحل مكان والدتها.
هنا على الأبوين ألاَ يترددا في استشارة أخصائي إذا لم يستطيعا التعامل مع هذه الحالة حفاظاً على سلامة الابن.
وهنا يطرح الأخصائيون ثلاثة أسئلة على الأبوين قبل اللجوء إلى المساعدة, وهي:
1. هل تستطيع الاستماع إلى ابنك يقول لك أنه غاضب منك أو يكرهك دون اللجوء إلى دفاعك عن نفسك..؟
2. هل تستطيع الاستماع إلى ابنك يقول لك أنه يكره أحد الطرفين( أب, أم) من دون القفز لموافقته الرأي فوراً..؟
3. هل تستطيع الاستماع لابنك يعترف لك بأن حياته مزرية, دون الشروع فوراً بمحاولة معالجتها...؟
فإذا أجاب الأهل بنعم على هذه الأسئلة, يمكنهم معالجة الوضع دون اللجوء لأخصائي أو مرشد نفسي واجتماعي, وإلاَ فالمساعدة الاختصاصية مطلوبة حتماً.
وقد كشفت دراسة أمريكية عام/1997/ أن الصراحة والاستعداد إلى الاستماع للأبناء شرطين أساسيين لنجاح الطلاق. مع أن هذا النجاح لا نجده في(70%) من حالات الطلاق, فقط(12%) من المطلقين يستطيعون التوصل إلى علاقة متوازنة مع الطرف الآخر بعد الطلاق الذي قد يثير أحياناً مشاكل أكبر من تلك التي كانت في الزواج. فثلثا حالات الطلاق تبقى على علاقة متفجرة بين الأبوين لمدة لا تقل عن الخمس سنوات, ويدفع ثمن ذلك الأبناء.
* تمّ إعداده عن الحياة
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟