إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 1971 - 2007 / 7 / 9 - 11:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا أحد منا اختار المجيء إلى هذه الحياة.. كما لم يختر أبويه واسمه ولونه.. بل جئنا باختيار الأهل, وبالتالي لسنا مسؤولين عن الشكل الذي حملناه, سوياً كان أم معوقاً, أو حتى مشوهاً.
هذه حقيقة علينا- كما على الأهل- إدراكها وقبولها, والتعامل معها بجدية وتفهم, وحتى تفاؤل, لا سيما إن كان هناك طفل معوق, وذلك حتى نتمكن ونمكنه من التأقلم مع ذاته ومحيطه الأسري والاجتماعي.
طبعاً, في البداية لا يعي المعوق حالته, لكن المشكلة تكون عند الأهل الذين كثيراً ما نجدهم أُناساً ما زالوا يخجلون من وجود حالة كهذه في الأسرة, ويعملون على إخفائها عن المجتمع لأنها- وبنظرهم- وصمة عار. بينما نجد أناساً آخرين يتعاملون مع الحالة ذاتها بموضوعية وتفهم ووعي, حيث يعتبرون المعوق فرداً هاماً في الأسرة, ويغدقون عليه الحب والرعاية والاهتمام بمتابعة كل ما هو جديد في دنيا العلم والطب لمحاولة دفعه للأمام ما أمكن.
وعندما يعي المعوق ذاته, ويدرك اختلافه عن غيره من أقرانه ومحيطه, تنشأ لديه أسئلة كثيرة عن سبب وجوده بهذا الشكل.؟ ولماذا هو دون غيره.؟ هل هو مهم, أو مفيد.؟ وفوق كل ذلك .. هل هو محبوب..؟
هنا يأتي دور الأهل في حل جميع هذه التساؤلات, من خلال إشعاره بأهميته, وأهمية وجوده بالنسبة للأسرة والمجتمع, وأنه ليس مسؤولاً عما هو فيه, لأنه لا أحد منا اختار شكله, إضافة إلى الاعتراف بمشابهته لنا من حيث أننا نحمل بعض التشوهات أو الإعاقات الخفيفة, بينما هو له احتياجات خاصة أكثر تختلف عما نحتاج إليه نحن, كما علينا أن نشعره بأننا محتاجون إليه قدر حاجته لنا, وبأنه محبوب ومفيد لنا, وثمين وجوده بيننا. كل ذلك من خلال منحه الحنان والأمان, وإحاطته بالحب الحقيقي والصادق, والذي يتحسسه هو بشفافية عالية, خصوصاً من قبل الأم- فبطريقة ملامستها له أو احتضانه يشعر مقدار حبها- كما علينا أن نتعامل معه باحترام لمشاعره وإنسانيته, وحتى لإعاقته, لأنه ربما تختفي خلف هذه الإعاقة شخصية قوية طموحة. فكم من الحالات التي عرفناها أو حتى رأيناها في البرنامج التلفزيوني" مجلة الأمل" وهي ترتقي بموهبتها وطموحها دون الوقوف عند الإعاقة.
لذا يجب علينا البحث عن تلك الشخصية وكوامنها من خلال تعامل إنساني صادق بعيداً عن الشفقة والعطف, لأنه لا شيء يؤلم المعوق أكثر من إحساسه بالشفقة من قبل الآخرين.
ونحن عندما نسلك الطريق الإنساني نكون قد مهدنا لعلاقة حب قوية ممزوجة بالثقة والأمان بيننا وبين هذا المعوق, خصوصاً عندما نتفهم حالته بهدوء وحب, لأن ألمه يتضاعف عندما لا يجد من يفهمه, خصوصاً إذا كانت الإعاقة دماغية, والتي قد تؤدي إلى حدوث خلل في الأطراف والنطق. وهذا الألم يولد عنده شعور بالذنب والإثم أو الخجل, فيتراجع عما هو عازم عليه قولاً أو فعلاً. فهذا المعوق بحاجة ماسة للفهم والحب الحقيقي, كما حاجته إلى صداقة قوية متماثلة ومتبادلة, أكثر من حاجته إلى أي شيء آخر حتى لو كانت المدرسة- على أهميتها- بمعنى أن تكون علاقة المحيطين به علاقة صداقة مفعمة بالثقة التي نستطيع منحه إياها من خلال فهمنا له قبل أو حتى دون أن يتكلم.
ولا يخفى علينا أن كثير من المعوقين, خصوصاً الذين يتم الاهتمام بهم بشكل راقٍ, هم في الواقع أقوياء أكثر بكثير من بعض الأصحاء الذين يظهرون لنا خالين من أية إعاقة ظاهرة, بينما هم في الحقيقة ضعفاء في التفكير أو التعامل مع الآخرين, أو حتى مع أنفسهم.
ونحن عندما ندرك أهمية وقيمة المعوق, ومعاملته بإنسانية خالصة, ندرك كم تكون العلاقة الصحيحة معه علاقة تبادلية رائعة, إذ يعطينا بقدر ما نعطيه إن لم يكن أكثر, وهذا ما يمنحنا قيماً إنسانية عظيمة تعلمنا الصبر واحترام الآخر رغم كل ما هو عليه, وقبوله كما هو. بحيث نبرر له بعض تصرفاتنا, والتي علينا أن نغيرها بحب واحترام, لأننا الأكثر وعياً وقدرة على التأقلم معه.
من هنا جاءت قيمة القانون رقم/34/ تاريخ 18/7/2004/ الذي أصدره الرئيس بشار الأسد والذي ينظم شؤون المعوقين ورعايتهم, حيث حدد فيه مجموعة من الخدمات التي ستقدم لهم في المجالات الصحية والتربوية والتعليمية والرياضية والتأهيلية والإعلامية والعملية, وتوفير البيئة الملائمة المؤهلة لهم, والإعفاءات على بعض احتياجاتهم, وإحداث المعاهد التي تتولى تقديم الخدمات المختلفة, وإجراء تصنيف وطني للإعاقة, ليكون أساساً لمنح بطاقة المعوق. إلاَ أنَ ما حدث حتى اليوم، وبعد مضي ما يقارب الثلاث سنوات على صدور هذا القانون لا ينم عن اهتمام حقيقي بهذه الشريحة من المجتمع رغم صدور هذا القانون، فلا شيء تقريباً تحقق منه إلاَ القليل جداً وعلى كافة الصعد. إذ ما زالت العراقيل تُوضع في طريق تأمين مستلزمات هؤلاء الأطفال، حتى أن المرتب الذي خُصص لحالة الشلل الدماغي والذي يُقدر بـ/ 3000 ل.س/ شهرياً لم يتم منحه لهم سوى شهرين فقط بداية هذا العام.. والأعذار أكثر من أن تُحصى..!!!؟؟ لا سيما لجهة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتي هي الجهة الأساسية المخولة بتطبيق بنود ومواد القانون، لكنها للأسف من اكثر الجهات إعاقة لتطبيقه دون مبررات واضحة ومقنعة..؟؟؟!!!!!
وهنا ولقيمة هذا القانون وأهميته,نُصر على تطبيقه كاملاً وبأقصى سرعة ممكنة حتى يتيح الفرصة لهذه الفئة من خلال برنامج دمج المعوقين بالمجتمع, وذلك حتى يشعروا بأنهم كغيرهم, مهمون في الحياة الاجتماعية, بدخولهم المدارس والنوادي وبعض مجالات العمل.
ولكن قبل كل هذا وذاك, يجب تأهيل الكوادر المختصة ولا سيما في مجال التعليم والتأهيل المهني, من أجل اتباع الأساليب النفسية والاجتماعية الصحيحة والسليمة في التعامل مع هذه الشريحة الحساسة.
أيضاً, اعتماد الأسرة عليهم في القيام ببعض المهام بأنفسهم- كإحضار بعض الحاجيات من المحال القريبة- وارتداء ما يستطيعون من ملابسهم مثلاً. وهنا على الأهل اختيار نوع الأحذية والملابس التي تمكن المعوق من استخدامها بنفسه.
ولا ننسى لا حقاً دور المجتمع الذي يجب أن يكون قد تطور وارتقى في نظرته وتعامله مع المعوقين, وفي تخليه عن بعض المفاهيم الخاطئة في النظر إليهم على أنهم عالة على أسرهم ومجتمعهم, أو أنهم مجرد دراويش أو مساكين, يتسكعون في الشوارع, أو يختبئون في غرف مقفلة بعيداً عن أعين الناس.
كل ذلك واجب حتى يتمكن هؤلاء من الاندماج جدياً وجيداً في المجتمع, وبالتالي لنعمل معهم على تطور الحياة ومفاهيمها بالنسبة لنا ولهم, وليكونوا أفراداً صالحين ومفيدين لأنفسهم أولاً, ومن ثم للحياة , بدلاً من أن نبقيهم أسرى إعاقتهم, وعالة على الأسرة والمجتمع, ولنكن عوناً لهم في تخطي أسر محنتهم باتجاه الأفضل والأسمى.
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟