أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - وأد ثورة تموز في مهدها















المزيد.....


وأد ثورة تموز في مهدها


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 6957 - 2021 / 7 / 13 - 10:17
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


منذ الثورة الالمانية سنة ۱٨٤٨ اوضح انجلز ان الثورة في المانيا هي ثورة برجوازية وعلى الطبقة العاملة ان تساند البرجوازية في ثورتها لكي تقوم بالاطاحة بها فيما بعد وبين انه فور انتصار الثورة البرجوازية تصبح المانيا شأنها شان الدول الراسمالية الاخرى اي في مرحلة الثورة الاشتراكية. ولكن انجلز لم يتحدث عن قيادة الطبقة العاملة للثورة فكانت مهمة لينين ان يوضح ذلك.
منذ المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الروسي وقبل انقسامه الى بولشفيك ومنشفيك اتخذ برنامجا يبين ان الثورة الروسية ذات مرحلتين، مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. وقد كان كراس لينين تكتيكان في الحركة الاشتراكية اروع توضيح لتكتيك المنشفيك في الثورة البرجوازية وتكتيك البولشفيك فيها. بين لينين ان من مصلحة الطبقة العاملة انجاز الثورة البرجوازية انجازا تاما وبين ان الطبقة البرجوازية لم تعد في عصر الامبريالية قادرة على انجازها انجازا تاما. واوضح انه استنادا الى ذلك توجد قيادتان محتملتان للثورة هما قيادة الطبقة العاملة وقيادة البرجوازية وان تكتيك البولشفيك هو العمل على تحقيق قيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية وهذا يتطلب عزل البرجوازية عن قيادة الثورة البرجوازية. ليس في هذه المعلومات من جديد لان كراس تكتيكان اصبح شعبيا في كافة انحاء العالم. ولكن توضيح لينين لتكتيك البولشفيك في الثورة البرجوازية اصبح منارا للطبقة العاملة في كافة الاقطار التي لم تتحقق بعد فيها الثورة البرجوازية.
متى تصبح الثورة البرجوازية ضرورة؟ تصبح الثورة البرجوازية ضرورة حين يتطور المجتمع الاقطاعي الى مجتمع برجوازي، او باللغة الماركسية حين تصبح قوى الانتاج برجوازية مع بقاء علاقات الانتاج اقطاعية. واذا اصبحت الثورة البرجوازية في العراق ضرورة فهذا يعني ان المجتمع العراقي اصبح مجتمعا راسماليا في طابعه واصبح جزءا من السوق العالمية الراسمالية وحتى الانتاج الزراعي اصبح سلعا راسمالية يجري التعامل معها بطريقة البيع والشراء وليس بالطرق الاقطاعية القديمة. ولولا هذا التطور في المجتمع العراقي لما اصبحت الثورة البرجوازية ضرورة. وهذا يعني في كل بلد اصبحت فيه الثورة البرجوازية ضرورة ان الطبقة العاملة في البلد اصبحت طبقة متبلورة ناضجة نشأت مع نشوء برجوازية البلد موضوع البحث واذا كان البلد الاقطاعي شبه استعماري اي اذا كان خاضعا لسيطرة امبريالية كما كان العراق فيعني هذا ان الطبقة العاملة في هذا البلد اصبحت اكثر تطورا واكثر تبلورا من البرجوازية المحلية نظرا لنشوء جزء من الطبقة العاملة واسع النطاق في المشاريع الامبريالية اضافة الى الطبقة العاملة الناشئة مع المشاريع الراسمالية المحلية. وفي العراق مثلا تكونت الطبقة العاملة العراقية ليس فقط في المشاريع الراسمالية المحلية مثل معامل فتاح باشا ومعامل السجاير وغيرها بل في المشاريع الامبريالية كالسكك والنفط والميناء وغيرها.
على هذا الاساس وضع فهد برنامجه الذي اقره مؤتمر حزبي. ففي هذا البرنامج بين فهد بان الثورة العراقية هي في مرحلة الثورة الاولى، مرحلة الثورة البرجوازية وفي ادبياته وادبيات الحزب الاخرى جرى توضيح مصلحة الطبقة العاملة في انجاز الثورة البرجوازية انجازا كاملا وضرورة العمل من اجل تحقيق قيادة الطبقة العاملة لهذه الثورة رغم انها ثورة برجوازية. وهذا يعني وجود قيادتين محتملتين لهذه الثورة قيادة الطبقة البرجوازية التي لم تعد قادرة على انجاز ثورتها البرجوازية انجازا تاما وقيادة الطبقة العاملة التي من مصلحتها انجاز الثورة انجازا كاملا. وهذا هو الذي حدد شروط الجبهة الوطنية بين البرجوازية التي تريد تحقيق ثورتها وبين الطبقة العاملة العراقية وحلفائها من الفلاحين والحرفيين وسائر الكادحين وجزء كبير من المققفين.
قبل انعقاد الكونفرنس الثاني للحزب الشيوعي العراقي التقى مندوب من الحزب لعله عامر عبدالله مع كامل الجادرجي قائد وحكيم الطبقة البرجوازية العراقية لبحث امكانية التعاون بين الحزب الشيوعي والاحزاب البرجوازية وتكوين جبهة وطنية. وقد اشترط كامل الجادرجي على الحزب اتخاذ قرارات معينة من اجل الموافقة على التعاون معه. الشرط الاول كان وجوب عدم التحدث عن المراحل والثاني عدم التحدث عن القيادة والثالث وجوب اشتراك حزب الاستقلال اليميني في اية جبهة لموازنة اليمين مع اليسار في الجبهة ولا ادري ما هي الشروط الاخرى التي فرضها كامل الجادرجي من اجل التعاون. كان كامل الجادرجي يصف فهد بالتصلب والعجرفة لانه لم يكن يقبل بشروطه للتعاون نظرا الى ان فهد كان يفاوض الجادرجي من وجهة نظر الطبقة العاملة وحليفها الفلاحين وليس من وجهة نظر حزب مجرد. ولكن الحزب الشيوعي العراقي في هذه الفترة لم يكن يفكر بنفس طريقة تفكير فهد اي بان الطبقة العاملة هي التي تريد التحالف مع البرجوازية وليس الحزب وما الحزب الا ممثل الطبقة العاملة في هذا المجال.
وفي الكونفرنس الثاني انصاع الحزب لمطالب كامل الجادرجي فلم يتحدث عن مرحلتي الثورة العراقية ولا عن امكانية قيادة الطبقة العاملة للثورة البرجوازية ولا التحدث عن الثورة الاشتراكية او الثورة البرجوازية اصلا. بل كان برنامج الحزب في هذا الكونفرنس ابعد من ذلك اذ لم يتضمن برنامج الحزب اية اشارة الى اهداف الحزب في النضال من اجل استلام الطبقة العاملة للسلطة واعلن ان الحزب سيؤيد كل حكومة وطنية حتى بدون الاشتراك فيها. وتوصل الى ان طبيعة النضال في العراق هي طبيعة سلمية ولو ان كلمة سلمية استبدلت بعد انتفاضة الحي بكلمة عنفية. وعلى هذا الاساس تشكلت الجبهة الوطنية قبل ثورة تموز. فهي جبهة وطنية بعيدة كل البعد عن القواعد الماركسية للجبهات في البلاد شبه الاقطاعية مثل العراق. ومع ذلك كان في الظاهر مبرر ما لعقد الجبهة لانها في هذه الحالة عقدت مع احزاب وطنية تعمل على تحقيق الثورة البرجوازية. ولكن سياسة الحزب في دعوة الشعب العراقي الى الانضمام للجبهة والى تكريس كل الجهود لتطوير الجبهة وتوسيعها وتثبيتها لم يكن من مصلحة الطبقة العاملة لان ذلك كان يعني التحاق الطبقة العاملة بالبرجوازية وليس ممارسة نضالها المستقل ضد الاستغلال الراسمالي الذي تمارسه نفس البرجوازية تجاه الطبقة العاملة والكادحين. فالطبقة العاملة في مثل هذه الجبهة تصبح ذيلا للبرجوازية ولا تبقى طبقة مستقلة لها اهدافها الوطنية في تحقيق الثورة البرجوازية من جهة ولها اهدافها الاقتصادية والسياسية المستقلة في النضال ضد الاستغلال البرجوازي حتى لدى انعقاد الجبهة من الجهة الثانية.
ما معنى الثورة بالعرف الماركسي؟ ان الثورة هي انتفاضة تهدف الى الاطاحة بنظام الحكم القائم وانشاء نظام حكم اكثر تقدما من النظام المطاح به من الناحية التاريخية. والثورة قد تكون ظافرة او فاشلة ولكن في كلتا الحالتين يجب ان يكون هدفها الاطاحة بالنظام القائم وانشاء نظام اكثر منه تقدما. فثورة ۱٩۰٥ في روسيا كانت ثورة فاشلة ولكنها كانت مع ذلك ثورة لان هدفها كان الاطاحة بنظام الحكم الاقطاعي. فالذي يجعل الانتفاضة ثورة هو هدفها وليس نجاحها او فشلها. يجب ان يكون هدف الثورة الاطاحة بنظام لاقامة نظام اعلى منه درجة في التقدم الاجتماعي.
وما معنى قيادة الطبقة العاملة للثورة في العرف الماركسي؟ ان القيادة تعني ان تقوم الطبقة العاملة بالثورة يقودها حزب الطبقة العاملة من اجل الاطاحة بالنظام القائم واقامة نظام حكم جديد اكثر تقدما من النظام المطاح به. وهذا يصح على الثورة بمرحلتيها البرجوازية والاشتراكية. فقيادة الثورة في المرحلة البرجوازية تعني ان تقوم الطبقة العاملة يقودها حزبها بتحقيق الثورة البرجوازية والاستيلاء على السلطة الناشئة بعد الثورة. هذا يعني وجوب عزل البرجوازية عن الجماهير الكادحة وجذب هذه الجماهير للنضال من اجل تحقيق الثورة البرجوازية. يعني تحييد العناصر الوسطى بين الطبقة العاملة والبرجوازية او ما يسمى دوليا البتي برجوازية ويترجم خطأ البرجوازية الصغيرة. يعني صياغة الثورة صياغة تدريجية من اجل اعلانها في الوقت المناسب من اجل ضمان نجاحها. كانت اروع ثورة برجوازية بقيادة الطبقة العاملة في التاريخ الثورة الصينية التي اطاحت بنظام شان كاي شيك واقامت نظامها الديمقراطي الشعبي بقيادة الطبقة العاملة. ففي الثورة البرجوازية الروسية لم تستطع الطبقة العاملة انجاز الثورة ولذلك كانت الثورة مزدوجة القيادة فنشأت من جراء ذلك سلطة مزدوجة هي سلطة البرجوازية وسلطة السوفييت اي سلطة الطبقة العاملة ونشأ بناء على ذلك شعار كل السلطة للسوفييت. الا ان قيادة السوفييت لم تكن قيادة شيوعية بل كانت بقيادة المنشفيك والاشتراكيين الثوريين وهؤلاء انحازوا الى السلطة البرجوازية وانتهت فترة السلطة المزدوجة. فلا يمكن الحديث عن قيادة الطبقة العاملة للثورة بدون اندفاع جماهير الطبقة العاملة وحلفائها في الثورة والعمل على استلام السلطة الناشئة عن الثورة. فاية ثورة تقوم خلاف ذلك لا تكون بقيادة الطبقة العاملة وانما بقيادة البرجوازية. ان الحديث هو عن قيادة الطبقة العاملة للثورة واستيلاء الطبقة العاملة على السلطة عند نجاح ثورتها وليس الحزب في هذه الحال سوى اداة الطبقة العاملة في قيادة الثورة. ان الاستيلاء على السلطة هو استيلاء الطبقة العاملة على السلطة وليس استيلاء الحزب على السلطة كما جرى فهمه من قبل القيادات التحريفية.
جاءت ثورة تموز على شكل انقلاب عسكري وليس على شكل ثورة جماهيرية. وقد اصبح ذلك ممكنا لكون البرجوازية تريد استلام السلطة باية وسيلة كانت وان شكل الانقلاب العسكري ملائم للبرجوازية لانها لا تحتاج فيه الى زج الجماهير الشعبية في الثورة وتسليحها خوفا من انقلابها عليها. ولا تقتضي مصالح الطبقة البرجوازية تحطيم ادوات الدولة الاقطاعية وتشكيل مؤسسات دولة جديدة بل يمكنها ان تكتفي بتغيير بعض قيادات ورؤساء هذه المؤسسات لجعلها برجوازية بدلا من شكلها الاقطاعي السابق. بينما لا يمكن للطبقة العاملة ان تستفيد من نفس ادوات الطبقات الحاكمة بل عليها ان تبني دولة جديدة بكل مؤسساتها. والذي قرر كون ثورة تموز هي ثورة وليست مجرد انقلاب عسكري هو الاطاحة بنظام الحكم الاقطاعي واستيلاء البرجوازية على الحكم. فلم يكن ثمة اي شك بان حكومة الثورة من اللحظة الاولى كانت حكومة برجوازية. اما الثورة بقيادة الطبقة العاملة فلا يمكن ان تكون على شكل انقلاب عسكري اطلاقا خصوصا وان الطبقة العاملة فور استلامها للسلطة تشكل جيشها ولا تعتمد على الجيش القائم المبني على اساس النظام الطبقي الاقطاعي او البرجوازي. ان سلطة الطبقة العاملة تحتاج الى جيش الطبقة العاملة ولكن الانقلاب العسكري يحتم وجود الجيش القائم ولا يغير الجيش الى جيش عمالي. يجب ان تكون أية ثورة بقيادة الطبقة العاملة ثورة شعبية تضم الطبقة العاملة وحليفها الثابت الفلاحين والمراتب الكادحة الاخرى. وقد كان اوضح برهان على ان الثورة كانت ثورة برجوازية بقيادة البرجوازية استثناء الحزب الشيوعي من بين جميع احزاب الجبهة الوطنية وابعاده عن الاشتراك في الحكومة البرجوازية ولو بصوت واحد. وقد اعلن محمد حديد في الايام الاولى بعد الثورة ان الجبهة قد انهت مهمتها اي نجحت في اسقاط النظام الاقطاعي واقامة نظام برجوازي.
ولكن الحزب الشيوعي المنحرف اراد ان يثبت انه اشترك في قيادة الثورة فشوه مفهوم القيادة ومفهوم السلطة للبرهنة على ذلك. فقد اعتبر الحزب انه اشترك في قيادة الثورة لانه كان يعلم بقيام الثورة او لان احد ضباط الثورة زار مقر القيادة قبل يومين من الثورة واعلمهم بها وان الحزب اصدر بيانا قبل الثورة بيومين يعد جماهيره لاحتمال الثورة وكيفية السلوك في حال حدوثها. وهناك من تحدث عن ان التاييد الشعبي الهائل للثورة بعد انتصارها كان برهانا على مساهمة الحزب في قيادة الثورة. وهذا اكبر تشويه لمفهوم قيادة الثورة. فقيادة الثورة تعني تنظيم الجماهير الشعبية وتوحيدها وزجها في معركة الثورة وليس معرفة موعد قيام الثورة او اشتراك عدد من الضباط الشيوعيين في تحقيق الانقلاب العسكري. وشوه الحزب الشيوعي المنحرف مفهوم السلطة بزعمه ان السلطة كانت مزدوجة فالبرجوازية لها السلطة السياسية وللحزب سلطة الشارع وهذا ايضا اكبر تشويه لمفهوم السلطة.
ما هو واجب حزب شيوعي حقيقي في حالة مثل حالة الانقلاب العسكري الذي اصبح ثورة بسبب الاطاحة بالنظام الاقطاعي واقامة نظام برجوازي؟ واجب الحزب في حالة كهذه ان يعترف بقيام الثورة بقيادة البرجوازية وبعجز الطبقة العاملة عن قيادة الثورة وباستيلاء البرجوازية على الحكم بعد الاطاحة بالنظام الاقطاعي القائم وتحديد سياسة الحزب واستراتيجيه استنادا الى ذلك. كان على حزب شيوعي حقيقي ان يعترف بانتهاء المرحلة الاولى من الثورة، مرحلة الثورة البرجوازية وعدم نجاح الطبقة العاملة بقيادة الثورة البرجوازية ولم تستطع ان تستولي على السلطة نتيجة لذلك. وكان على الحزب الشيوعي الحقيقي ان يحدد التغير في استراتيجي الحزب نتيجة لاستيلاء البرجوازية على الحكم. كان عليه ان يحدد ان مرحلة الثورة البرجوازية قد انتهت بنجاح الثورة وبدأت مرحلة الثورة الاشتراكية. وتحول الثورة من مرحلتها البرجوازية الى مرحلتها الاشتراكية لا يعني قيام الثورة الاشتراكية فورا بل يعني ان تكتيك الحزب الشيوعي الحقيقي يجب ان يتحول من تكتيك النضال من اجل تحقيق ثورة برجوازية الى النضال من اجل تحقيق ثورة اشتراكية. وهذا يتطلب تحديد اصطفاف القوى الطبقية في مجتمع ما بعد الثورة وتحديد القوى التي يمكن ان تنضم الى الطبقة العاملة في ثورتها الاشتراكية والقوى التي يمكن تحييدها وعزلها عن قيادة الطبقة البرجوازية الحاكمة. واهم من كل شيء كان على الحزب الشيوعي الحقيقي ان يحدد الطبقة التي يجب الاطاحة بها من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية وادراك ان الطبقة العاملة لا يمكن ان تعقد الاتفاق معها او ان تكون جبهة معها لان هذه الطبقة، الطبقة البرجوازية العراقية في هذه الحالة، هي الطبقة التي تهدف الطبقة العاملة الى الاطاحة بها وهي الطبقة التي تعيق تقدم الطبقة العاملة وتستغلها وهي الطبقة التي لا يمكن تحرير الطبقة العاملة من الاستغلال الراسمالي والامبريالي بدون الاطاحة بها. وهذه المرحلة قد تطول وقد تقصر ولكنها مرحلة محددة تختلف كل الاختلاف عن مرحلة الثورة البرجوازية. تعني ان يعلن الحزب الشيوعي الحقيقي ان الطبقة التي ينبغي الاطاحة بها في المرحلة الاشتراكية هي الطبقة البرجوازية التي اصبحت هي الطبقة الحاكمة وهي الطبقة التي تستغل الطبقة العاملة والكادحين وليس الطبقة الاقطاعية المطاح بها. عليه ان يبني سياسته الجديدة على هذا الاساس وان يحدد التركيب الطبقي الجديد للمجتمع بعد الثورة. ولهذا كان اقتراحي الى اللجنة المركزية بعد اطلاق سراحي من السجن عقد مؤتمر يحدد استراتيجي الحزب بعد الثورة لان استراتيجي الحزب يجب ان يصبح التحول من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية. كان على الحزب ان يحدد سياسته على اساس تأييد كل خطوة تقدمية وطنية تتخذها الحكومة البرجوازية الجديدة ومن المعروف انها اتخذت خطوات عظيمة الاهمية في هذا المجال وان يعارض كل خطوة رجعية معادية للطبقة العاملة والكادحين تقوم بها الحكومة البرجوازية. كان عليه الا يؤيد حكومة الثورة تاييدا اعمى بل ان يقود الطبقة العاملة لتحقيق مصالحها والنضال ضد الاستغلال الراسمالي الذي تمارسه الطبقة الحاكمة الجديدة، الطبقة البرجوازية.
ولكن الحزب الشيوعي المنحرف لم يشعر باي من هذه الضرورات وانما ايد الثورة بكل جوارحه تأييدا اعمى ورفع اسم قائد الثورة الزعيم عبد الكريم الى درجة رؤية صورته في القمر ورفع شعار صيانة الجمهورية البرجوازية كشعاره الاستراتيجي وبقي يجتر شعارات ما قبل الثورة وخصوصا الدعوة الى اعادة تكوين الجبهة على نفس الاسس السابقة لان الجبهة قامت بالمعجزات ولم يحدد القوى الجديدة التي يمكن ان تشكل الجبهة وخصوصا استبعاد الطبقة البرجوازية الحاكمة عن الجبهة لان الجبهة تهدف الى الاطاحة بالسلطة البرجوازية وليس الاتفاق معها في جبهة.
ان الحزب الشيوعي العراقي المنحرف تجاهل في الواقع جميع الخصائص والنتائج التي جعلت من الانقلاب العسكري ثورة. فبقي يجتر نفس الشعارات السابقة للثورة وكأن الانقلاب العسكري كان مجرد انقلاب عسكري كالانقلابات العسكرية السابقة التي لم تمس النظام الاقطاعي. وبتجاهله هذا وأد ثورة تموز صباح الثورة وعاملها كانها انقلاب عسكري وليس ثورة. وبقي الحزب حتى يومنا هذا متجاهلا او جاهلا لمعنى ثورة تموز. فظهر شعار استكمال الثورة الديمقراطية قبل التحول الى الاشتراكية وظهر شعار الطريق اللاراسمالي صوب الاشتراكية وكأن المجتمع العراقي لم يصبح مجتمعا كامل التطور من الناحية الراسمالية وظهرت كل المفاهيم التحريفية التي تلت ذلك حتى يومنا هذا. فلم يظهر حتى اليوم اي برهان على ان الحزب قد ادرك او فهم التحول الذي طرأ نتيجة للثورة.
كانت اهم مظاهر هذا الجهل لطبيعة الثورة ولنتائجها توجه الحزب المنحرف الى الاعلى بدلا من الاتجاه الى الجماهير الكادحة. كان من اهم شعاراته عقد الاتفاقات مع الطبقات الحاكمة في مختلف التطورات التي حدثت في العراق منذ الثورة حتى يومنا هذا. فبدلا من الاتجاه الى جماهير الطبقة العاملة وسائر الكادحين للعمل على الاطاحة بالسلطة القائمة باعتبارها اداة استغلال الطبقات الكادحة اخذ الحزب يتجه الى التحالف مع الطبقة الحاكمة في كافة التطورات التي طرأت على السلطة حتى اليوم. ان الاتفاقات التي يتوصل اليها الحزب الشيوعي الحقيقي هي اتفاقات بين الطبقة العاملة وسائر القوى التي يمكن للطبقة العاملة ان تقودها في مرحلة النضال القائمة. ولكن جميع نشاطات الحزب الشيوعي المنحرف كانت اتفاق الحزب وليس الطبقة مع قوى السلطات القائمة اي مع الطبقة الراسمالية سواء منها المتناقضة مع القوى الامبريالية ام الموالية لها. ومثل هذه التحالفات او الجبهات معادية للطبقة العاملة لانها تتفق مع مستغلي الطبقة العاملة. فشعار "حزب الشيوعي في الحكم مطلب عظيمي" لم يكن يهدف الى استيلاء الطبقة العاملة على الحكم وانما كان يهدف الى اشتراك الحزب الشيوعي مع الحكومة البرجوازية اي الحصول على وزارة او وزارتين في حكومة عبد الكريم قاسم وقد قام عبد الكريم قاسم بادخال الدكتورة نزيهة الدليمي كوزيرة في وزارته في الوقت الذي شن هجومه على الحزب الشيوعي وعلى الطبقة العاملة. وفي خط اب كان هدف الحزب حل الحزب الشيوعي والانضمام الى حزب عارف الحاكم الذي اعتبره حزبا وطنيا. وفيما يسمى العمل الحاسم لم تكن الفكرة استيلاء الطبقة الحاكمة على السلطة بل كانت الفكرة مجيء الحزب الشيوعي الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري او انقلاب مدني يستولي فيه على الاذاعة وبعض المقرات الحكومية الاخرى. وفي الجبهة الوطنية القومية التقدمية جرى الاتفاق مع السلطة القائمة التي ينبغي ان تقوم الطبقة العاملة بالاطاحة بها من اجل القضاء على الاستغلال الراسمالي اي مع سلطة صدام البكر الفاشستية. واخيرا اتجه الحزب الى الاتفاق مع الاحتلال الاميركي بدلا من النضال في سبيل التحرر من الاحتلال وتحقيق استقلال العراق وسيادته.
ان الشعار الماركسي الحقيقي الذي كان يجب التوصل اليه بعد الثورة كان الاعلان عن انتهاء الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية وعجز الطبقة العاملة عن قيادة الثورة البرجوازية وتحول الثورة العراقية من مرحلتها الاولى، مرحلة الثورة البرجوازية، الى مرحلتها الثانية، مرحلة الثورة الاشتراكية. هذا وحده كان التقدير الماركسي الصحيح بان ثورة تموز هي ثورة وليست انقلابا عسكريا وعدم اعلان ذلك كان يعني وأد الثورة وتحويلها ومعاملتها كأنها مجرد انقلاب عسكري. ولا تقتصر اهمية هذا الوأد للثورة في مهدها على الثورة وعلى الحركة الشيوعية في فترة الثورة ووجود اول حكومة وطنية حقيقية في العراق وعلى انهيار الثورة بعد الانقلاب البعثي الذي اودى بحياة اعظم زعيم في تاريخ العراق الحديث، عبد الكريم قاسم وجميع رفاقه من الضباط الاحرار الذي قادوا الثورة وقادوا الدولة بعد نجاح الثورة. بل ان هذا الاعلان ما زال مطلوبا حتى في يومنا هذا حيث اصبحت الاطاحة بالطبقة البرجوازية التي حكمت العراق منذ ثورة تموز مرتبطة اوثق الارتباط بمعركة التخلص من الاحتلال الاميركي البريطاني وتحقيق استقلال العراق وسيادته. فعلى الحزب الذي يدعي تمثيل الطبقة العاملة العراقية ان يعلن ذلك ويعمل من اجله.
لا شك ان مقاومة الاحتلال بدأت منذ يوم انتهاء غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وتحطيم الدولة العراقية والكيان العراقي والهوية العراقية. والمقاومة هي التي اوقعت ادارة بوش والولايات المتحدة الاميركية في هذا المستنقع الذي لم يستطيعوا ولا يستطيعون التخلص منه. والمقاومة كما نسمع عنها متنوعة الكيانات والاهداف ولكنها تجمع على هدف واحد هو طرد المحتلين وتحقيق الاستقلال والسيادة للعراق. وهذا الهدف هو اشرف هدف يصبو اليه كل انسان عراقي يحب وطنه ويريد له الاستقلال والسيادة ويريد دحر القوات الغازية وتحرير العراق من حمام الدم الذي يعيشه الان. فهناك هيئات دينية اسلامية وهناك فئات قومية وهناك حزب البعث والجيش العراقي المنحل وفئات عديدة تعمل كل منها على محاربة الاحتلال وتصبو الى تحقيق مصالحها بعد تحقيق التحرر منه. وهنا نواجه نفس الظروف التي واجهها الشعب العراقي قبل وبعد ثورة تموز. فالمقاومة تضم جناحين لا يمكن التغاضي عنهما. جناح يضم الطبقة العاملة العراقية وسائر الكادحين وجناح يضم فئات اخرى دينية او قومية او اثنية او غير ذلك ولكنها لا تنتمي الى الطبقة العاملة وليست مصالح الطبقة العاملة هي الاساس في اهدافها القادمة بعد الاحتلال. اعتقد ان المقاومة في احسن اوضاعها يجب ان تكون تحت قيادة الطبقة العاملة. وقيادة الطبقة العاملة للمقاومة يدعو بالضرورة الى الاعتراف بثورة تموز على انها ثورة برجوازية ناجحة نقلت المجتمع العراقي من مرحلة الثورة البرجوازية الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وان مقاومة المحتلين يجب ان ترتبط بهذه المرحلة اي ان المقاومة تكون في نفس الوقت حركة اشتراكية تعمل على تحقيق الثورة الاشتراكية واستيلاء الطبقة العاملة على الحكم في الدولة الناشئة بعد الاحتلال. هذا هو الحل الامثل. وقد تتطلب الظروف وضعا بينيا يجري فيه التوافق على ما هو اقل من ذلك من اجل توحيد قوى المقاومة الاخرى مع المقاومة التي تقودها الطبقة العاملة. ولكن مثل هذا الوضع يجب ان يكون وضعا مؤقتا وليس وضعا دائميا. فالوضع الدائمي الوحيد هو ان تكون الطبقة العاملة هي الطبقة الحاكمة الجديدة بعد الاستقلال. وان اية مقاومة تحقق طرد المحتلين فعلا غير الطبقة العاملة وبدون تحقيق الثورة الاشتراكية ستتمخض حتما عن نظام راسمالي يمارس استغلال الطبقة العاملة وسائر الكادحين رغم التخلص من الاحتلال ومهما اطلقت عليه من اسماء ديمقراطية ووطنية وشعبية وتحررية وربما دينية او اثنية. وكل المزاعم بنشوء نظام ديمقراطي يجلب الحرية والسعادة للشعب العراقي وتجاهل قيادة وحكم الطبقة العاملة ليست سوى ثرثرة لا يسندها الواقع التاريخي. ان حركة الطبقة العاملة العراقية تتطلب قيام حزب كهذا ولا خيار غيره وان اي حزب يدعي تمثيل الطبقة العاملة ولا يعلن ان مرحلة الثورة البرجوازية قد انتهت منذ ثورة تموز واصبح المجتمع العراقي اليوم يواجه ثورة اشتراكية تطيح بالنظام الراسمالي ايا كانت قيادته لن يكون حزبا حقيقيا للطبقة العاملة.
۱٤ تموز ۲۰۰٧
حسقيل قوجمان



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكرا اخي احمد على تعقيبك
- ترك الحزب الشيوعي المنحرف ام العمل على استعادته؟
- الماركسية المتجددة الحلقة الثانية
- الماركسية المتجددة والديالكتيك المتجدد
- المصالحة في عرف بوشتشيني
- تفاوتات الثروة في المجتمعات الراسمالية
- يهود العراق سابقا وحاليا
- علاقة حزب الطبقة العاملة بالنقابات والمنظمات الاجتماعية
- غناء واناشيد السجون
- الى الاخ عارف معروف
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي الحلقة الثالثة - المنظمات ...
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي
- حول مقال دحام التكريتي
- المنظمة النسائية وانتماؤها السياسي - الحلقة الاولى -النقابة
- المصالحة الطبقية ظاهرة تاريخية
- حول دراسة الاقتصاد السياسي والصراع الطبقي
- اكتشاف قانون الحركة في ظرف معين
- هل نستطيع تكييف الماركسية لتلائم مجتمعاتنا الشرقية؟
- انتقاد ملطف لمقالي حول-مستلزمات بناء حكومة علمانية ديمقراطية
- مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق


المزيد.....




- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...
- بيان تضامن مع نقابة العاملين بأندية قناة السويس


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - وأد ثورة تموز في مهدها