أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - المأزق التاريخي الفاصل















المزيد.....

المأزق التاريخي الفاصل


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 1972 - 2007 / 7 / 10 - 11:26
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


خلال ستينيات القرن الماضي وبينما كانت الدول المحيطية(Peripheral) التابعة والمستعمرة تحقق إستقلالها وتقوم بفك كافة الروابط مع مراكز الرأسمالية الكلاسيكية ، إذّاك قام تساؤل كبير أمام قادة الدول المستقلة حديثاً ألا وهو إذا ما كان تحديث المجتمعات وتطوير وسائل إنتاجها سيتم وفق شروط التنمية الإشتراكية أم الرأسمالية أو إقتصاد السوق ! في الواقع ما كان لمثل هذا السؤال الأجوف أن يقوم لو توفر لعموم المتسائلين فهم كامل وصحيح للإشتراكية . الخيار الإشتراكي/ الرأسمالي لم يتوفر إطلاقاً أمام قادة دول العالم الثالث المستقلة حديثاً وذلك بكل بساطة لأن وسائل الإنتاج السائدة في بلدانهم كانت وسائل إنتاج محيطي غير قابلة للإنبتات عن المركز . هذا ما رتب على زعماء تلك الدول طرح وسائل الإنتاج القديمة واستبدالها بوسائل مختلفة حديثة. كانوا بحاجة للوسائل الجديدة دون إضطرار لتحديد شروط عملها مسبقاً . ليس ثمة من شك على الإطلاق في أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا وفرنسا لو استجابت لمتطلبات جمال عبد الناصر وزودته بوسائل إنتاج حديثة وبأدوات التنمية الضرورية لسار عبد الناصر ورفاقه في قيادة الثورة على طريق التنمية الرأسمالية ولما إضطر لطلب الأسلحة من تشيكوسلوفاكيا ولا أمم قناة السويس وهو ما استدعى العدوان الثلاثي ولما اتجه بالتالي إلى الإتحاد السوفياتي لمساعدته في بناء السد العالي.
لكن هل كانت هذه الدول الرأسمالية الإمبريالية الثلاث ستقدم المساعدات المطلوبة لعبد الناصر ؟ بالقطع لا ؛ فالدول الرأسمالية لا يمكن أن تكافئ الذين حاربوها وانفصلوا عن سوقها الدولي بأن تمد لهم يد العون من أجل بناء إقتصادات منافسة لها . دول الرأسمالية الإمبريالية كانت بحاجة لأفلاك تدور حولها وليس إلى شموس منافسة . ووصل الأمر بها إلى أن تحجب كل مساعدة عن جميع الدول المستقلة حديثاً وحتى لو وصل أمرها إلى التوجه إلى المعسكر الإشتراكي . ومن هنا يمكن التأكيد بأن التنمية الرأسمالية لم تكن متاحة لزعماء الحركات الوطنية وقادة الدول المستقلة .
لم يكن أمام هؤلاء الزعماء والقادة إلا التوجه شطر موسكو للمساعدة في بناء إقتصاد وطني مستقل والذي هو بالتالي الهدف الأكبر لمجمل النهضة الوطنية . لم تسخر الأقدار من تاريخ البشرية كما سخرت منه في نهاية الخمسينيات وخلال الستينيات . الثورة الإشتراكية التي كانت حملت على كتفيها سحق النازية وحماية الحركات الوطنية في قارات العالم ومدها بكل القوة والحيوية ، تلك الثورة العظيمة بدأت بالإنكفاء والتراجع حين بلغت الحاجة إليها أشدها. توجه إليها زعماء دول العالم الثالث يطلبون إمدادهم بالماكنات وأدوات الإنتاج الحديثة فلم يجدوا فيها إلا الأسلحة . كان جنرالات الجيش الأحمر قد خطفوا الثورة وسيطروا على الحزب بوساطة رجلهم نيكيتا خروتشوف وأصبحت الإشتراكية آخر إهتمام لهم ولم يأبهوا بحاجات الشعب وبإنتاج السلع الإشتراكية المدنية وقصروا إهتمامهم على إنتاج أجيال من الأسلحة الجديدة والإنتاج الحربي كما هو معرف أنه اكبر العوائق على طريق الإشتراكية . ومما زاد في السخرية هو أن العديد من زعماء الدول المستقلة عادوا من موسكو بحقائبهم مملوءة بصنوف شتى من الأسلحة وبدل أن يبدأوا بتنمية بلادهم جندوا شعوبهم وطفق يقاتل بعضهم البعض الآخر. وما هو حقيق بالإنتباه هنا هو أن العديد من القادة الوطنيين التاريخيين وقعوا ضحايا لإنقلابات عسكرية صغيرة وكان ذلك بسبب عجزهم عن القيام بأي تنمية وإحداث أية تغييرات في بلادهم . وهنا أيضاً لا بد من الإعتراف أن التنمية بحد ذاتها وقبل التفكير بشروطها كانت غير متاحة على الإطلاق .
يردد مثقفو البورجوازية الوضيعة بكل وقاحة أن البورجوازيات الكبيرة التي قادت حركات التحرر الوطني والإستقلال لم تكن راغبة في الأصل في الإنفكاك عن عالم الرأسمالية الإمبريالية !! تلك هي الوضاعة في قراءة الضمائر . لقد قادت البورجوازيات الكبيرة شعوبها في ثورات شعبية شاملة وتحملت في سبيل ذلك من العناء ما تحملت ، فما حجة هؤلاء المتثاقفون في إتهام البورجوازية الكبيرة بالخيانة علماً بأن البورجوازية الوضيعة هي الأقرب للخيانة طالما أن غنائمها من التحرر والإستقلال ليست في الصورة على خلاف رهانات البورجوازيات الكبيرة.
تكامل إستقلال جميع الدول المستعمرة والتابعة في العالم ما بين 1946 و 1972 وما إن إستعدت هذه الدول للشروع في تنفيذ برامج التنمية حتى غاب عنها كل معين . الإقتصادات الحديثة بشتى صنوفها وألوانها لا تنمو ذاتياً وهو ما يعني أن الدول التي إنفكت عن المراكز الرأسمالية ولا تمتلك إقتصاداً مستقلاً أو قواعد تقنية ملموسة لن تكون قادرة على الإعتماد على ذاتها في التنمية والتحديث ؛ لا بدّ من مساعدة خارجية.
شكلت السنوات 1967 ـ 1974 السنوات السبع العجاف وامتدت كبرزخ طويل ضيق إستحال على العالم ، كل العالم ، عبوره . كانت الحرب العالمية الثانية قد ولدت ثلاثة عوالم ، عالم الرأسمالية الإمبريالية، عالم الإشتراكية ، والعالم الثالث وهو الدول المستقلة حديثاً ؛ إلا أن هذا البرزخ الطويل الصعب قد أودى بهذه العوالم الكبرى دون إستثناء . تعطلت دورة الإنتاج في العالم الرأسمالي بسبب إنسدادها في جانب الدول التابعة سابقاً . وهكذا وقع العالم الرأسمالي في أزمة قاتلة عام 1971، أزمة دفعت به أخيراً إلى النهاية الحتمية. وأما عالم الإشتراكية فقد عطل العسكر التنمية الإشتراكية وخربوا المجتمع أيما تخريب وما زالوا يمسكون بكل الأمور دون أن يثنيهم ما تسببوا فيه من خراب يندى له الجبين . وأما العالم الثالث ، دول التحرر الوطني ، فقد كلفت نفسها كثيراً إستعداداً لاستقبال عرس التنمية الكبير لكن العروس لم تأت . أطفئت الأنوار وسدت الأبواب واستولى اليأس على أهل الدار فكان عليهم أن يستسلموا إلى فقرهم وجوعهم . ثلاث عوالم كبرى إنهارت دون أن يفلح أحد منها في عبور هذا البرزخ التأريخي .

فماذا كان العمل ؟؟
بعد أن استفحلت أزمة النظام الرأسمالي بدءاً بانهيار نظام بريتون وودز (Bretton Woods) الناظم للعلاقات الثابتة بين مختلف العملات في أسواق الصرف ، ثم بارتفاع أسعار النفط لأربعة أضعاف سعره قبل حرب أكتوبر 1973 وما رافق كل ذلك من كساد في الأسواق واستفحال في البطالة، إزّاء هذه الصورة المروعة للنظام الرأسمالي بادر جورج شولتز وكان عام 1974 وزيراً للمالية في الولايات المتحدة لدعوة وزراء المالية في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان لعقد محادثات في مكتبة البيت الأبيض للنظر في معالجة الوضع الخطير الذي تواجهه الدول الصناعية الرأسمالية الخمس الكبرى ، تلك المحادثات التي أسست لمؤتمر الخمس الكبار الذي عقد في قلعة رامبوييه قرب باريس أواسط نوفمبر 1975. لكن رامبوييه بدل أن تسعف المريض أعطته العلاج الخطأ وتسببت في وفاته النهائية. شولتز ومدعووه من مجموعة المكتبة وجيسكار ديستان ومدعووه في رامبوييه إتخذوا العزم على إستبدال الإقتصاد الرأسمالي بالإقتصاد الإستهلاكي والفرق عظيم بينهما . خلال السنوات الخمس التالية لرامبوييه قفزت ديون العالم الخارجية من (74) ملياراً من الدولارات فقط إلى أكثر من تريليونين أي (2000) ملياراً أو أكثر من (27) ضعفاً !! استهدف شولتز وديستان ومجموعتاهما من الأغبياء توزيع ما في خزائنهما من الأموال على الدول المحيطية سابقاً وذلك من أجل تصدير فائض الإنتاج في المراكز كي تعود عجلة الإنتاج إلى العمل ، وإلى ما هو أخطر من ذلك بكثير وهو تخريب مشاريع التنمية المستقلة في الدول الوطنية . كانت الصحافة الغربية الرأسمالية في نهاية السبعينيات طافحة بالفرح والحبور وهي تنقل إنتظام العالم في سياق الإقتصاد الإستهلاكي وزادت في أن الإقتصادات الإشتراكية قد تراجعت كثيراً أمام ظاهرة الإستهلاكية (Consumerism). إلا أن فرحة الأغبياء لم تدم طويلاً ، ففي العام 1982 وجدوا أن الدول التي استدانت أموالهم لم يعد لديها أية أموال سواء لجهة الإستمرار في الإستيراد أو لجهة سداد الديون بل إن وسائل الإنتاج فيها أصبحت أكثر بؤساً ولا تستجيب إطلاقاً لإحتياجات الشعب التي طرأ عليها تغير ملموس وتنوع عريض . لكن النتيجة التي لم يكن يتوقعها هؤلاء الأغبياء وهي أن الإقتصاد الإستهلاكي الذي خصوا به دول العالم الثالث قد غزا ديارهم واستطاع أن يحطم عجلة الإنتاج الصناعي لديهم بكل يسر وسهولة وأن يستبدل قمصان العمال الزرقاء بالقمصان البيضاء التي يجب ألا تتسخ بالأعمال اليدوية القذرة . وأخيراً بات الرأسماليون الأغنياء سابقاً في عجز مالي شديد ، يقترضون الأموال من كل فقراء العالم كيما يجدوا كفافهم .

واليوم ما العمل ؟؟
في مواجهة مثل هذا السؤال المفصلي ، بل وفي كل مواجهة على هذا المستوى الجوهري ، لا بدّ للإنسان الحكيم العاقل أن يتفحص الأزمة أو القضية التي تواجهه بكل أناة وتدقيق كي يتعرف تماماً على أصولها وتفاصيلها والتناقضات الفاعلة فيها ، الرئيسية منها والفرعية سواء بسواء ، قبل أن يفكر بأية حلول مناسبة .
الإنهيار الشامل الذي ما زال يتخبط بأنقاضه عالم اليوم كان قد وقع قبل ثلاثة عقود بسبب إنسداد كل آفاق التطور أمام العوالم الثلاث التي ورثتها الإنسانية من الحرب العالمية الثانية، العالم الرأسمالي فقد محيطه الذي كان يمتص فائض إنتاجه ، والعالم الإشتراكي وقد فقد قيادته البروليتارية لصالح العسكر، والعالم الثالث فقد كل مساعدة على التنمية .
يتعرف اليوم بعض علماء الإجتماع من مثل فرانسس فوكوياما على الغرب الرأسمالي ، الإستعماري سابقاً ، على أنه عالم ما بعد الصناعة (Post-industrial) مشيرين إلى تحول الإقتصادات الغربية من إقتصاد الفحم والصلب (Industrial) إلى الإقتصاد الناعم، إقتصاد المعرفة والمعلوماتية وسائر الخدمات الأخرى (Post-industrial) . ما فات مثل هؤلاء العلماء أن هذه التحولات التي أشاروا إليها لم تشمل المنتوجات ومادة الإنتاج فقط بل شملت أيضاً وسائل الإنتاج وقوى الإنتاج وأدوات الإنتاج وبالتالي علاقات الإنتاج وكل تفاصيل حياة المجتمع. التحول المشار إليه هو تغيّر نوعي في البنية التحتية للمجتمع مما يرتب تغيراً نوعياً أيضاً في البنية الفوقية. الخلل الفاضح الذي وقع فيه فوكوياما هو أنه ظل يربط ما يسميه الديموقراطية الليبرالية بنظام الإنتاج الرأسمالي. لم يدرك فوكوياما أن الإقتصاد الناعم ليس إقتصاداً رأسمالياً ولا يمكن أن يكون إقتصاداً رأسمالياً بشكل من الأشكال لألف سبب وسبب غابت جميعها عنه بسبب فقره في علم الإقتصاد وفي النقد الماركسي للإقتصاد السياسي .
ثمة شك كبير في أن مبشري الديموقراطية الليبرالية واقتصاد السوق (هكذا يزوقون الرأسمالية) هم مطمئنون إلى صحة إستنتاجاتهم وسلامة مقولاتهم . فلا ديموقراطيتهم هي ديموقراطية ، ولا ليبراليتهم هي ليبرالية ولا سوقهم هي سوق فعلية. وللإستغناء عن مناقشة مقولاتهم الواحدة بعد الأخرى يكتفى بالإشارة إلى أن المجتمعات موضع فخارهم كمثل على الديموقراطية الليبرالية واقتصاد السوق هي مجتمعات أبعد ما تكون عن الإستقرار وأنها على وشك الإنهيار ! كانت هذه المجتمعات قد تخلصت عبر الستينيات والسبعينيات من نظام الإنتاج الرأسمالي ـ الفحم والصلب بتعريف فوكوياما ـ وألقت به بعيداً في الصين وجنوب شرق آسيا لتستبدلة بالإنتاج الناعم النظيف . الإنتاج الناعم النظيف قصر عن كفاية الإستهلاك مما رتب الوقوع تحت ضغط الإستدانة المتعاظمة بقصد تلبية الإحتياجات المعاشية ليس أكثر . إن الإستقرار النسبي الذي تتمتع به اليوم هذه المجتمعات الرأسمالية سابقاً إنما هو استقرار هش وظاهري لن يتواجد أثر منه تحت أعباء الديون المتعاظمة بعد وقت قريب عندما سيتأكد الليبراليون من أنصار إقتصاد السوق أنهم إنما كانوا من المخدوعين.

ليس من دليل للعمل .
في مواجهة الأزمات المتلاحقة عبر التاريخ بدا أن الإنسان مزود غريزياً بمجسات تدله على المواجهة المثلى لكل أزمة وأزمة باستثناء الأزمة التي تأخذ بخناق العالم اليوم . بدا أن التناقض الذي حرك العالم على طريق التطور منذ " البيان الشيوعي" عام 1848 وحتى عام 1975 كان التناقض بين المنتجين من جهة وهم العمال وبين المالكين لأدوات الإنتاج من جهة أخرى وهم الرأسماليون ؛ وبناء على هذا رأى ماركس بأم عينيه " شبح الشيوعية يحوم في سماء أوروبا " . لسنا هنا لنسأل عن السبب الذي حال دون أن يحط هذا الشبح على الأرض الأوروبية طيلة ما يزيد على القرن وربع القرن فذلك لم يعد هاماً وحوله خلافات كثيرة . السؤال الهام والملح اليوم هو .. هل ما زال التناقض الرأسمالي العمالي هو ذاته ما يحرك العالم عائداً به إلى الخلف كما تشير المعطيات الأممية ؟ لو كان الأمر كذلك لما احتجنا دليلاً آخر للعمل ولظل بيان ماركس الشيوعي هو إنجيل العصر . الطامة الكبرى التي يواجهها العالم اليوم هي أن التناقض الذي يمسك بخناقه لا يدفع به إلى الأمام على طريق التقدم وفقاً لقانون الطبيعة بل إلى الخلف خلافاً للقانون وهو ما يجب أن تحذر منه البشرية حذراً شديداً وتبادر على عجل بلملمة قواها لمعالجة الأمر قبل أن يستفحل ويخرج عن السيطرة.
التناقض الذي يمسك بخناق العالم اليوم هو ما سبق وأشرنا إليه بإضاءة من السيد فرانسس فوكوياما حين أشار إلى عبور " الرأسمالية " من رأسمالية " الفحم والصلب " إلى رأسمالية الإنتاج الناعم ، إنتاج الخدمات . ينقسم عالم اليوم المأزوم إلى قسمين متصارعين : الأول منتجي الخدمات ، والثاني منتجي السلع ـ وهنا نعود لنؤكد مرة أخرى على أن إنتاج الخدمات ليس إنتاجاً رأسمالياً بحال من الأحوال . الإنتاج الخدمي ليس له دورة الإنتاج الرأسمالي السلعي . فهو غالباً لا يدخل السوق بصورة حسيّة ولا يكتسب القوة الصنمية وتجري مبادلته بصورة عشوائية ولذلك يجري تقييمه بكثير من التعسف بعيداً عن قيمة إنتاجه . إنتاج الخدمات لا يضيف إلى الثروة الوطنية شيئاً لكنه مع ذلك يفترس قطاع الإنتاج السلعي بصورة وحشية . فقيمة عشرين طناً من الحبوب مثلاً في المدينة (أ) تساوي 5 آلاف دولاراً لكن قيمتها بعد نقلها إلى المدينة (ب) قد يصبح 10 آلاف دولاراً .. كمية الحبوب ظلت ثابتة وكذلك قيمتها الإستعمالية لكن قيمتها التبادلية في المدينة (ب) تساوي ضعف قيمتها في المدينة (أ) دون أن تعبر هذه القيمة المضافة عن أية قيمة حقيقية .
من الظواهر الجديرة بالتمعن والدراسة هي أن الإقتصاد الإستهلاكي لم يعمم الإستهلاك السلعي فقط بل عمم أكثر إستهلاك الخدمات . فإذا كان الإنسان في نهاية القرن العشرين قد أخذ يستهلك ثلاثة أضعاف ما استهلكة الإنسان في بداية القرن من السلع فالنسبة في استهلاك الخدمات قد تزيد على خمسة أضعاف ، ولعل ذلك ناجم عن تشوه هياكل المجتمعات ما بعد الصناعية ، تشوه يسمح بمبادلة الخدمة بثلاثة أضعاف أو خمسة أضعاف قيمتها من السلع .
خلاصة القول هي أن الصراع الرئيسي الذي يحتل مسرح الحياة الدولية المعاصرة يجري بين منتجي الخدمات من ذوي الياقات البيضاء من جهة ومنتجي السلع من ذوي الياقات الزرقاء من جهة أخرى . وما هو واضح حتى اليوم هو أن الصراع جرى ويجري لصالح منتجي الخدمات الذين استولوا على كل مقدرات الدولة في العوالم المختلفة . إستولوا على كل شيء بالرغم من أنهم لا يستندون على إنتاج حقيقي . إنتاج الخدمات لا يساوي شيئاً إن لم يستند على إنتاج السلع.
دليل العمل النافع الوحيد لمعالجة هذا المأزق التاريخي الفاصل هو الدليل الذي يبين بوضوح كيفية قلب معادلة الصراع لتكون في صالح ذوي الياقات الزرقاء وتراجع منتجي الخدمات وهو الدليل الذي لم يتوصل إليه أحد بعد رغم أهميته القصوى لحياة العالم .



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الطبقي وراء انهيار الإتحاد السوفياتي
- تكعيك) أو تفكيك الماركسية )
- ماهيّة -الصحوة- الإسلامية
- ما هي الحرية
- نهاية التاريخ وفرانسس فوكوياما
- الجديد في - النظام - الدولي
- الحق- ليس إلا مفهوماً بورجوازياً باطلاً -
- الإشتراكية ليست نظاماً اجتماعياً
- المفهوم الغائب للفكر
- المرتدون على ماركس
- الإشتراكية العربية !!
- قراءة مختلفة في تاريخ الثورة العربية
- من ينقض ماركس ؟! 2
- من ينقض ماركس ؟! 1
- الإتحاد السوفياتي لم يعبر الإشتراكية
- رسالة خاصة حول راهنية العمل الشيوعي ومشروعيته التاريخية
- ما أحوجنا اليوم إلى معرفة ستالين على حقيقته
- المنحرف خروشتشوف والمرتد كاوتسكي يكتبان للحزب الشيوعي العراق ...
- دكتاتورية البروليتاريا
- لا علمانية ولا إكليركية، الدولة هي الدولة


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - المأزق التاريخي الفاصل