أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع  - فؤاد النمري - لا علمانية ولا إكليركية، الدولة هي الدولة















المزيد.....

لا علمانية ولا إكليركية، الدولة هي الدولة


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 1937 - 2007 / 6 / 5 - 11:09
المحور: ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع 
    


لماذا يتعالى الصراخ الحاد اليوم حول العلمانية مع أن أجيال الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي لم تكد تسمع بها وربما لم يتوقف أحد منهم عند معناها؟! الجواب الوحيد والقطعي لهذا التساؤل هو أن تلك الأجيال كانت أجيال النهضة، النهضة العربية الشاملة، التي كانت تتقدم بخطى ثابتة نحو إنجاز المشروع القومي النهضوي بكل أبعاده والذي كان من شأنه أن يحقق كل طموحات الشعوب العربية. أما أجيال اليوم فإنما هي أجيال الهزيمة وما وصلت إليه الشعوب العربية من هوان، الأجيال التي إعترفت بالهزيمة ولا ترغب حتى في أن تتذكر الهزيمة أو تفكر ولو بشكل عابر في سبيل للخروج من الهزيمة. لهذا، ولهذا فقط، يتعالى اليوم صراخ الأئمة المعممين بعمائم غليظة في شجب العلمانية. الهزيمة هي ما يوفر لهؤلاء الأئمة المنابر الخالية لاعتلائها وسب العلمانية والعلمانيين وتكفير من يناصرهم ومن يواليهم إلى يوم الدين، يوم تصليهم بنار جهنم أرهاط من الشياطين.
يدرك هؤلاء الأئمة المعممون بالطبع المعنى الحقيقي للعلمانية وهو في الحقيقة وفي التطبيق أن الدولة، مهما كان شكلها أو لونها، هي في الأخير إبنة المجتمع الذي تحكم، وتستمد قوتها منه كي تنظم مختلف شؤونه بالشكل المناسب. هذا قانون لا يمكن مخالفته أو كسره. الإكليروس لا يعترفون بهذا القانون ويودون كسره. هم يرغبون في استيراد دولة من خارج المجتمع، لا لحمها من لحمه ولا عظمها من عظمه. ويفسرون مثل هذا القول الغريب على الفهم والأسماع بحجة أن الحاكمية لله وليس للشعب، وهو ما يعني أن على المجتمع أن يستورد دولته من السماء. ولما كانوا هم سفراء السماء في الأرض فالدولة إذاً يجب أن تكون دولتهم. هم وحدهم يكتبون الدستور ويسنون القوانين التي ترضي الله إعتماداً على أن ما يرضي الله هو ما يرضي الشعب وليس العكس أي أن ما يرضي الشعب هو ما يرضي الله، إذ لو قبلوا بهذا لكانوا من العلمانيين الكفار!
هؤلاء الإكليروس في أزمة لا يحسدون عليها. أزمتهم كأزمة الزوجة العاقر حين تخدع زوجها بحمل موهوم من أجل أن تستمتع بحب وتقدير فياضين منه لبضعة أشهر دون أن تأخذ باعتبارها أنها ستفقد ما تبقى لديه من حب وتقدير بعد إنكشاف الوهم. لا يعلم هؤلاء الأئمة المعادين للعلمانية أن دولتهم الإكليركية الثيوقراطية هي أيضاً دولة علمانية رغماً منهم. فالدولة الإسلامية منذ ظهورها في القرن السابع الميلادي (628م) وحتى إختفائها في القرن العشرين (1924م) لم تكن إلاّ دولة بطريركية قبلية، أي دولة القبيلة الواحدة وعرفت باسم القبيلة ـ الخلافة الأموية، الخلافة العباسية، دولة البويهيين، دولة السلاجقة، مملكة الأيوبيين المماليك والسلطنة العثمانية. الخلافة الوحيدة التي لم تُسمَّ باسم القبيلة هي الخلافة الراشدة التي كانت هي أيضاً دولة قبلية تعود إلى قبيلة قريش ـ الخلافة في قريش. الخلافة الراشدة كانت الدولة الوحيدة الأقرب إلى الدولة الثيوقراطية الإكليركية؛ وهي الدولة اليتيم التي يعتبرها الأئمة مثالهم الأعلى لاعتمادها مبدأ " الحاكمية لله " بالرغم من أنها لم تعمّر لثلاثين عاماً لكثرة ما فيها من تناقضات أدت إلى إغتيال جميع الخلفاء الراشدين عدا أبي بكر الذي لم يحكم طويلاً ومات قبل أن يغتال.
مختلف المصادر الإسلامية تدل بوضوح على أن النبي محمد جاء برسالة تنادي برفع الظلم عن الفقراء وتوفير حياة كريمة للمعوزين والجوعى واليتامى. ما كان لرسالته أن تتحقق إلاّ بإسقاط حلف قريش، حلف الأغنياء من كبار التجار والمرابين. حين تعذّر عليه ذلك هاجر ومعه حوالي سبعين رجلاً من محازبيه الفقراء إلى يثرب، مدينة الفقراء من الأوس والخزرج، حيث إجتذبت دعوته آلاف الأنصار إستطاع بهم أن يهزم حلف قريش ويدخل مكة ليقيم دولته الإسلامية عام 628 ميلادية. منذ البدء لاحظ الرسول المكرّم بالزهد أن رجال صحابته يمدون أيديهم إلى بيت مال المسلمين ليأخذوا مالاً لا حق لهم فيه، فنهاهم عن ذلك تكراراً دون أن يستجيبوا لأمره مما أغضبه كثيراً فنزلت الآية التي تحرّم مال بيت المال على الصحابة وتحلّه للنبي ولآل بيته فقط؛ ومع ذلك مات النبي ودرعه مرهونة لدى تاجر يهودي على القليل من الشعير استدانه النبي ليقيم أود أزواجه. مات النبي فقيراً وآل بيته فقراء إلا أن الصحابة الذين حكموا وتحكموا من بعده أصبحوا، كما تبين بعض المخطوطات المحفوظة مثل كتاب "الخراج" لأبي يوسف القاضي، خلال سنوات قليلة أغنى أغنياء الخلافة الراشدة. إمتلكوا الإقطاعات الواسعة الشاسعة وما عليها من " علوج "، إمتلكوا القصور في العواصم المفتوحة والعبيد والجواري والإسطبلات والخزائن المترعة بالذهب والفضة؛ وذكر أن أحدهم (عبيدالله بن طلحة) كان يدخله كل سنة مائة ألف ديناراً من الشراه في الأردن وأكثر منها من أرض السواد (العراق). أي إكليركية ثيوقراطية هذه التي تسمح لرهط من المهاجرين الحفاة العراة أن يمتلكوا كل هذه الممتلكات الهائلة حتى في أعرق الدول علمانية ؟!
ما نتفق فيه مع الأئمة المعممين هو أن الصحابة كانوا حريصين على التسليم لله دون غيره؛ أما ما لا نتفق فيه هو أن المرجعية (الدستور) هي التي تعيّن المجتمع كما يزعمون وليس العكس أي أن المجتمع هو من يكتب الدستور. المجتمع الذي ولد الدولة الإسلامية تجاوز المرجعية المكتوبة (القرآن والسنة) وسمح لصحابة الرسول الحفاة العراة بأن يغتنوا غناء فاحشاً بفترة قصيرة، كما سمح للخليفة عمر بن الخطاب أن يقسم .. " والله لو امتد بي العمر لآتيّن الراعي ما لم تعرق جبينه "، أي أن يستولي الراعي العربي المسلم بغير كدّ على ما أنتجه غير العربي المسلم بكده وعرق جبينه. إنه مجتمع علماني لا يأبه لقيم مثلى لم يشارك في صوغها وفي كتابتها. وسائل العيش وطرق الحياة هي ما يقرر المرجعية طالما أنها الحقائق الثابتة على الأرض التي لا فكاك منها، بينما المرجعية وبغض النظر عن مشروعيتها ومشرّعها تظل في النهاية من عالم القول والفكر، عالم النصوص، دون أن تسمح لها ثوابت الأرض في التحقق فيها وتغييرها بالتالي. على هؤلاء الأئمة أن يعترفوا بهذه الحقيقة المرّة بأفواههم. الدولة الثيوقراطية مثل الخلافة الراشدة هي في النهاية دولة علمانية، دولة لا تحكمها الشرائع التي تتجاهل وقائع الحياة وحقائقها على الأرض. في الدول العربية اليوم أفضل الدساتير في العالم، تنص على كفالة الحريات العامة والديموقراطية وحقوق الإنسان، كما تنص على الأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية، لكن الشعوب العربية مع ذلك تعاني من أسوأ حكم في العالم وأكثرها تخلفاً ومنها الشعب في المملكة السعودية التي مرجعيتها الوحيدة هي الكتاب والسنّة، والشعب في سوريا ودول عربية أخرى حيث يُبتدع نظام جديد لم يعرفه العالم من قبل هو نظام " الجملكيات ".

لـكن لمـاذا الإكـليركيـة ؟؟
يحقق الإنسان ذاته الإنسانية بالعمل من خلال التفكير، وهو ما يعني في النهاية أن الإنسان لا يتوقف عن تغيير واقعه القائم باتجاه واقع أفضل وأكثر تطوراً، أي أن المجتمع بكليته يسعى حثيثاً للتغيير والتقدم. الدولة التي هي من ضروريات المجتمع المتباين الشرائح والطبقات تقف دائماً ضد حركة المجتمع التغييرية كيلا يستبدلها المجتمع بأخرى مختلفة حالة وصوله مرحلة أخرى متقدمة. الدولة تدافع عن بقائها من خلال منع المجتمع من التقدم. من هنا كانت العلاقة بين الدولة والمجتمع محكومة على الدوام بهذا التناقض الذي لا سبيل إلى التخلص منه طالما كانت المجتمعات بحاجة إلى مؤسسة الدولة.
القابضون على زمام السلطة في الدولة عبر التاريخ، أكانوا ملوكاً أم سلاطين أم أمراء أم رؤساء جمهورية، إستخدموا كل الوسائل، سواء بوعي أو بدونه، لمنع مجتمعاتهم من التقدم على طريق التطور. لقد ثبت عبر التاريخ أن أكثر الوسائل فعالية في الحد من سعي الشعوب نحو التقدم والتطور هي الإكليروس بمختلف مللهم ونحلهم إذ توظفوا في تبشير شعوبهم على الدوام بدوام الحال كما هو عليه في ظل مليكهم أو رئيسهم فاحتلوا لذلك مكانة الطبقة العليا في المجتمعات القديمة مما مكنهم من التمتع بامتيازات لا تتوفر للطبقات الأخرى. كانوا كذلك عبر التاريخ القديم والوسيط إلى أن فُضح أمرهم في عصر التنوير وما بعده. وللأسف الشديد ما زالوا يلعبون الدور ذاته في المملكة العربية السعودية. ولنا أن نشير في هذا السياق إلى دعم ورعاية الولايات المتحدة الإمبريالية لمختلف الحركات الدينية وخاصة الإسلامية منها خلال فترة النهوض القومي العربي في منتصف القرن الماضي. إذاً الوظيفة الإجتماعية الأولى والأخيرة لرجال الإكليروس بمختلف مللهم ونحلهم ومعهم كل المنظمات والأحزاب التي تقف وراءهم وتقول قولهم، حتى وإن اضطرت إلى تقديم بعض التنازلات في الشعارات والمفاهيم، هي تحديداً مساعدة السلطة القائمة في منع الشعوب من التقدم على طريق التطور.
كان أول من فضح هذا الدور الرجعي لرجال الإكليروس هو الفرعون التقدمي مؤسس الديانات التوحيدية أخناتون (1369 ـ 1332 ق.م) الذي قام بطرد جميع رجال الإكليروس من هيكل الدولة وإغلاق معابدهم وحرمانهم من أية مكافئات حيث وجد أن وظيفتهم المكلفة للدولة إنما هي تضليل الشعب. أما في التاريخ الوسيط وبعد أن ترسخت الديانات السماوية الثلاث فكان الرائد الذي كشف عن الدور الرجعي والتضليلي والإستغلالي الذي كانت تقوم به البابوية هو الراهب روجر بيكون (1214 ـ 1294م). كانت الكنيسة الكاثوليكية تمتلك معظم أراضي أوروبا وإنجلترا الزراعية وتتحكم بسائر ملوك أوروبا الغربية. كان الأقنان العاملون في أراضي الكنيسة هم الرهبان، بل كانوا أدنى من الأقنان، كانوا عبيداً إذ عملوا مقابل الطعام فقط دون أن يتقاضوا الأعشار كالأقنان وحرموا من الزواج وتكوين العائلات كي لا تتكلف الكنيسة بإطعامهم. كان روجر بيكون (Roger Bacon) راهباً يعمل في أراضي إحدى الأبرشيات الإنجليزية ومولعاً بالقراءة ومحباً للعلم والتعلّم. أحب أن يكتب بعض أفكاره إلا أن راعي الأبرشية رفض أن يزوده بالورق والحبر، فكتب إلى البابا الملقب بالطيب أو البريء (Innocent) يرجوه أن يأمر بإعطائه الورق والحبر اللازمين فكان له ذلك. كتب بيكون كتابه (Opus Majus) الذي رأى فيه أن لا ضير في أن يحكم البابا العالم كله لكن حكمه يجب أن يكون وفق قوانين عادلة ثابتة ومعروفة، قوانين تأخذ في إعتبارها أحوال وظروف الناس في مختلف البلدان. آراء بيكون فيما يجب أن يكون عليه حكم البابا جلبت له السجن مدى الحياة. الحجر الذي ألقاه بيكون في المياه الراكدة قبل ثمانية قرون ظلت أمواجه تتعالى طيلة قرون تالية. تمرد إثره رهبان إنكلترا على الكنيسة وكفروا بكل سلطاتها الدينية والدنيوية وتنامت حركتهم في مختلف أبرشيات إنكلترا باسم اللولارد (Lollard) وأخذت تهدد علاقة الدولة بالبابوية وقد برز من هذه الحركة المصلح الديني والفيلسوف جون وايكلف (John Wycliff 1330 – 1384) الذي كفر بكل السلطات الدينية والدنيوية للبابوية وطالب ملك إنكلترا بالإنسلاخ عنها وعدم دفع (الخراج) لها. عندما أخذت حركة اللولارد تهدد سلطة الكنيسة طلب البابا من ملك إنكلترا هنري الخامس (1413-1422) القضاء على حركة اللولارد التي أخذت شكل التمرد في مختلف نواحي إنكلترا بالقوة المسلحة؛ واقترف هذا الأخير مجازر فظيعة بحق الجماعات المتفرقة من الرهبان المتمردين. لكن هذه الثورة العلمانية التي اكتسبت طابعاً دينياً لم تتلاشى وعادت تظهر في حركة المطهرين (Puritans) وثورة كرومويل(Cromwell) 1646 وإعدام الملك شارل الأول ثم في حركة الأصدقاء (Friends) المعروفين باسم الكويكرز(Quakers) من بعد، المعنية بالدفاع عن السلم العالمي، ولها الجامعة الأميركية في بيروت والقاهرة ومجموعة مدارس الفرندز (Friends). ومن تداعيات هذه الثورة العلمانية هو قيام الكنيسة البروتستانتية (المحتجون =Protestants ) في كل من إنكلترا وألمانيا ثم في جميع أنحاء العالم من بعد.
من رحم هذه الثورة الدينية في المظهر والعلمانية في الجوهر ولدت النهضة الأوروبية خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر. ولعلها كانت أكثر عمقاً في إيطاليا بسبب التسلط الكهنوتي فيها وليس بسبب قربها من الحضارات القديمة فقط. إزدهرت التجارة في فلورنسا والبندقية حتى غدتا مركزي التجارة العالمية وتملكان من الأساطيل التجارية ما لم تملكه الإمبراطوريات الغابرة. كما إزدهرت فنون العمارة والنحت التي ما زالت قمة تاريخية يقف عليها أنجلو ودافنشي ورفائيل ورافقتها النهضة الأدبية وقد أغرى كل ذلك الناس بالإندفاع إلى تحطيم السور الحديدي الديني الذي حال دون أن يمارس الناس شؤون الحياة الدنيا فقالوا.. " نزلت الآلهة من الأولمبوس لتعيش بين الناس " وقالوا أيضاً .. " الحقيقة هي الجمال والجمال هو الحقيقة " وجرف تيار العلمانية القوي حتى البابوات في مطلع القرن السادس عشر فوصف البابا يوليوس الثاني والبابا ليون العاشر بالبابوين العلمانيين.
شمس النهضة التي سطعت في إيطاليا أرسلت أشعتها الدافئة إلى بريطانيا فأضاءت لها الطريق نحو عصر أليزابيث الأولى (1558 ـ 1603) قفزت خلاله إنكلترا قفزة نوعية عل سلم التطور. توسعت في التجارة البحرية حتى تقدمت على إيطاليا وراكمت جراءها أموالاً مكنتها من وضع اللبنات الأولى للنظام الرأسمالي فيما يسمى اليوم بالرأسمالية التجارية (Mercantalistic Capitalism). تطور التعليم وأخذ بمناهج ومواضيع جديدة مما ساعد على نقل العلوم والفلسفة اليونانية من الإيطالية، وبمقدار ما تراكمت الأموال تراكمت العلوم والآداب أيضاً وبرز على هذا الصعيد عشرات من المفكرين والعلماء والكتاب ومنهم على سبيل المثال لا الحصر السير فيليب سدني وتوماس مور ووليم شكسبير وفرانسس بيكون (Francis Bacon 1561-1624) الذي يهمنا في هذا الموضوع. كتب بيكون مؤلفه الشهير (Novum Organum) عام 1620 وضع فيه أسس المنهج العلمي ونظرية المعرفة بالتجريب(Empiricism) وقال أن المعرفة تقوم على محورين هما الحقيقة (Truth) والمنفعة(Utility) وهو ما يعني أن الإنسان في سعيه لامتلاك المعرفة التي لا بدّ وأن ينتفع منها يجب أن ينظر إلى الطبيعة كما هي ودون التقيد بأفكار مسبقة.
ما يغري على الملاحظة هنا هو أن أول من قدّ أستار الإكليركية المضللة عن نهج العلمانية كان روجر بيكون عام 1266 وأن آخر من أزاح عنه هذه الأستار نهائياً فرانسس بيكون عام 1620 وهما إنجليزيان لكنهما ليسا من نفس العائلة. وأن الأول مات بسبب السجن الطويل ومات الثاني بسبب خروجه على الثلوج كي يشتري دجاجة ويستبدل أحشاءها بالثلج ليرى فيما إذا كانت ستتعفن خلال بضعة أيام فأصيب باللفحة الشعبية ومات بسببها.
الحقيقة التي يتوجب تأكيدها في النهاية هي أن الحكم لأية دولة لم يتحول إلى علماني وفقاً لمنطوق نظرية فرانسس بيكون وذلك لأنه بكل بساطة لم يكن بحالة من الأحوال إكليركياً حتى وإن تعمّم جميع رجال الدولة ووضعوا مختلف أشكال القلانس على رؤوسهم إذ لم يحدث قط أن نزل الله من ملكوته في السماء إلى الأرض ليقيم ملكه فيها ولن يحدث، وما الإكليروس إلا شريحة إجتماعية تحكم، في حالة إقتناصها السلطة، وفقاً لمصالحها حتى وإن إدّعت خلاف ذلك واختبأت وراء غلالة رقيقة من " العدل " فما من دولة إلاّ وتحكم وفقاً لمقتضيات الحقائق على الأرض وفي المجتمع. ولنا هنا أن نذكّر الأئمة وكل من تبعهم ووالاهم من الذين يملأون الفضاء بالسباب على ما يسمى بالعلمانية أن الكتب السماوية الثلاث تحدثت للناس بما هو بين أيديهم، بأحوالهم وبأفهامهم في الحياة الدنيا ولم تأت ِبما هو غريب على ذلك.
خلاصة القول هي أن التناقض بين العلمانية والإكليركية إن هو إلاّ تناقض مبتدع لا وجود له في الواقع، إبتدعه رجال الدين بغرض توليهم أمور الأمة، وهم الذين لا ينتجون مثقال ذرة، خلافاً لقاعدة الحكم الذهبية التي تقول.. " من يُطْعِمْ يَحْكمْ ". الحكم هو الحكم دونما حاجة لارتداء العلمانية أو الإكليركية؛ وبانتفاء الإكليركية تنتفي العلمانية آلياً. عندما يدعو العلمانيون إلى العلمانية فذلك يعني أنهم يوافقون ضمنياً على أن ثمة حكماً وإدارة للدولة ليسا علمانيين وأن ثمة للدولة طبيعتين مختلفتين، إحداهما تحكم لصالح رعاياها وأخرى تحكم لصالح الآلهة الأمر الذي لا يمكن الموافقة عليه حتى من قبل رجال الإكليروس أنفسهم. الدولة هي الدولة في كل الأحوال. تحكم وتشرّع بما يخدم مصالح الطبقة الحاكمة وهي الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج وتموّن المجتمع بمعظم مؤونته، تموّنه بالخبز طبعاً وليس بالصلوات.




#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهيار الرأسمالية
- حقيقة قضية المرأة
- ماركسيون يلقون براياتهم في الوحول
- أكذوبة إقتصاد المعرفة
- القطيعة مع الوحدة العربية وقد خرجت من التاريخ
- الجاهل عدو نفسه / رد على السيدة سعاد خيري
- العولمة .. إنزلاق عن مسار التاريخ
- نمورٌ أم جراءٌ أسيوية?
- التاريخ.. يتصل وينفصل
- من الفوضى الخلاقة إلى الشرق الأوسط الجديد
- العولمة.. رحلة خارج التاريخ
- إعلان رامبوييه .. أخطر إنقلاب في التاريخ وهو أساس النظام الد ...
- اكذوبة إقتصاد المعرفة مرة أخرى
- إقتصاد السوق صيحة مشبوهة
- اليسار الغدّار
- القوى المطلقة للماركسية


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع  - فؤاد النمري - لا علمانية ولا إكليركية، الدولة هي الدولة