أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلدون جاويد - عاش القتيل ومات القاتل















المزيد.....

عاش القتيل ومات القاتل


خلدون جاويد

الحوار المتمدن-العدد: 1957 - 2007 / 6 / 25 - 10:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أجمل ما في بيوغرافيا الاشخاص انهم اجترحوا مأثرة فعاشوا في الزمان رغم الموت البايالوجي ، مثلما شاكسوا ضغط التاريخ حتى قتلوا فعاشوا أبد الدهر خالدين !!!
بشار بن برد مثلا ( البصرة 714 م ) قد تقاطع في عماه مع الطبيعة فجلب ، عبر اذنيه ! ، من الصور مالايقوى عليه بصير! فهو ذو اجتراح ابداعي منقطع النظير :

حقا ً سمعت ُ ورب ّ عينَي ْ ناظر ٍ
يقظ ٍ تقوم مقامها الآذان ُ

وتقاطع في مشاكساته الطفولية الاولى مع محيطه بالهجو شعرا منذ العاشرة من عمره ، فأدى الى تعرضه للضرب المبرح من قبل والده مما أثر فيه (ربما )عصابيا ، وهذا ما حدا به على سبيل الرواية والمثال الى الذهاب يوما الى أبيه قائلا لماذا تضربني كثيرا كثيرا وفي كل مرة يُشتكى مني أما قرأت ماقاله الله تعالى " .. وما على الأعمى حرج ..."!.
ضغطان هائلان تعرض لهما بشار الأريب في تلك النشأة الطبيعية . وثالثهما النشأة المصنوعة بقوة، فقد تعرض الى تلقين فصاحة استثنائية وهو القائل " من أين يأتيني الخطأ ! ولدت ههنا ونشأت في حُجور ثمانين شيخا من فصحاء بني عقيل مافيهم أحد يعرف كلمة من الخطأ ، وان دخلت على نسائهم فنساؤهم افصح منهم "الأغاني ط.ن . ج3ص144. ان التلقين هنا والتعليم المكثف عامل ضاغط يدفع بالطفل الى السير على سكة لا زوغان عنها وهامش الحرية فيه صفر ! واذ يتعرض في هذا الاتجاه من حياته ايضا الى التصنيع الذهني والردع التربوي والسحق العقابي فان معاناة اخرى قد كابدها عبر اهانات المحيطين به لتحقير أصله الفارسي وذلك على الخصوص في نهاية الفترة الاموية نحو العباسية . ومما زاد الطين بلة ان بشار شهد عصر الثقافات المختلفة فتأثر بها مما ادى به الى اعادة انتاج أقيامها الجميلة في تعدد رؤى الفكر غير احادية الجانب مما ادى الى قتله متهما بالزندقة اضافة الى هجائه للمهدي . وغني عن القول انه كان عصر تلاقح الثقافة الفارسية بالعربية واليونانية والهندية ، وهذا مما أفضى الى تغييرات جمالية وتركيبية وابتداعية في لغة جديدة تختلف عن لغة العرب المهاجرين الى البلاد المفتوحة. ان روعة بشار تكمن في كونه مع الجديد والجديد مكلف حضاريا لأنه ينشد فضاء الأسئلة والمشاكسة والخروج بهذه النسبة او تلك على السائد ، والسائد لايعرف غير استلال السيوف وقطع الرقاب . والسبب لأنك تزيحه ولأنه لايفهم لغة الحوار الحضاري ولأنه ذو نزعة قبلية وتكلس مذهبي وتطرف اقليمي فانه حذر من أية ومضة من عبير الغد وموضة تجدده . وهذ الجديد في الفكر خاصة هو ما تلبس بشار الجميل روحا وذهنا . أما على ارض الواقع فهناك من طعن بشار بن برد بالقول أنه يتماجن ويتزندق بدوافع الانتقام لأصله الأعجمي ومن اجل هز صورة الاسلام واشاعة البلبلة بين المسلمين . ويقال ان صديق الود لم يرحمه فأشاع عنه تهمة الزندقة وهو واصل بن عطاء بعد ان هجاه بشار في شعر موجع :

" مالي اشايع غزّلا له عنق ٌ
كنقنق الدو ّ ان ولى وان مثلا "

فاذن بشار مرة اخرى مفجوع بأعدائه واصدقائه من المتقولين عليه . ولنفترض ان محامي الدفاع عن بشار قد صرخ في محكمة التاريخ ليقول دعه يمارس حريته فما كان سيحدث سوى قتل المحامي ايضا في جو موبوء من التطرف الديني ! وعدم السماحة لمن تسول نفسه التفلسف . والسؤآل كيف تمنع حرية الرأي في زمن اشاعة الآراء . ان مقتل بشار على يد المهدي لهو في اغلب الظن واكثر اليقين يعود لأن بشار هجاه ! بشار الذي هجا اشهر رجالات العصر وبضمنهم جرير وقد تمنى بشار ان يرد جرير عليه ليغدو من اشهر شعراء العصر !
كم في الظروف المحيطة ما يخض الدم في عروق بشار ويحرق تلافيفه شعرا ينطلق مثل نار في وجه الخصوم ونجوم ترصع سماء التاريخ بالابداع الخالد ،

وذات دل ٍ كأن البدر صورتها
باتت تغني عميد القلب سكرانا
ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقلت احسنت يا سؤلي ويا املي
فاسمعيني جزاك الله احسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل
وحبذا ساكن الريان من كانا
قالت فهلا فدتك النفس احسن من
هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين احيانا

ان المبصرين لم يأتوا ابداعا خالدا مثل هذا . انه شعر مغنى خالد في التاريخ يشحب معه اسم قاتل بشار بن برد ويبقى شاعرنا قوس قزح الزمان . ولقد قالوا في الشعر الحديث " انا استطيع أن اقول لك من هو شكسبير هل تستطيع ان تقول لي من هو وزير الثقافة في زمانه !" كذلك الحال ازاء انطفاء الأسماء في دست السلطة وخلود المبدعين نجوما في سماء الكينونة . القتلة يموتون والقتلى هم الأحياء .
لكن تظل تلك الخاصة المؤلمة التي تكلل حياة بشار بن برد ، هي انه مظلوم في تنشأته وفي محيطه الهاجي ، وفي شعوره بعبء الزمن عليه . وفي رغبته في تحقيق الحرية في الرأي والمأكل والمشرب :
* في الهجاء الذي مارسه ضد الآخرين على سبيل المثال نراه يتعرض هو الآخر الى ذات السم الذعاف :

" ان بشار بن برد ٍ
تيس ُ أعمى في سفينهْ "

"أراني الله وجهك جاحظيا
وعينك عين بشار بن بُرد "

وفي هجاء احدهم لأُمه :

"ولدت خلدا وذيخا في تشتمه "

وباشره احدهم بالقول " وددت لو كنت مبصرا ساعة لتنظر الى وجهك في المرآة ، فعساك تمسك عن هجاء الناس وتعرف قدرك ".
ان بشار بن برد الرّاعف روحا والنازف شعرا لهو ، عدا مقارعاته في جبهة الخصوم ، ذلك الحساس ازاء زمنه القاسي الداكن الذي لايقوى ان ينام فيه لشدة وطأته عليه في عدم تحقق الراحة والاسترخاء والفرح ونيل الحرية واية امنية اخرى:

جفت عيني عن التغميض حتى
كأن جفونها عنها قصار ُ

الموقف الوجودي من الزمن وشعوره بالضيق والالتياع منه هو أيضا ً ملف آخر في حياة بشار ، يدل دلالة على حسيته العالية ازاء هذا العالم الغريب ! ولم يخفف من ثقل كل هذه الأعباء امرأة ولا رحمة ابوين ولا طراوة محيط ولاخلقة فيها خيط من النور ومسحة من الحسن ولا ذهن عربي حقيقي ، من قبل سلطة الزمن المعاش ، مسامح وحاضن لحرية الرأي والشطحات وانواع النزوع التحرري في الفكر كما في الحياة فلا سماحة على قول او هجاء .
عاش بشار في جحيم وقتل تحت جحيم الأسواط ! ولقد قيل عن ميتته مايضحك ويبكي اذ كان عند كل ضربة سوط يقول حس " لفظة توَجّع عند اهل ذلك الزمان " وكانوا يعنفونه ويطلبون منه أن يسمي باسم الله فيرد هو عليهم : أهو طعام لأُسمي عليه ! قالوا اذن قل الحمد لله فيجيبهم : أنعمة هي حتى أحمد الله عليها . وهوغير هياب لما قاله او شاع عنه انه قال بحق المهدي من أن الأخير زنى بعماته !

" خليفة يزني بعَمّاتِهِ
بالدف والدبوق والصولجان "

وأقوى ماقيل في صياغة شعرية جريئة قد اودت بحياة بشار ، اضافة الى الهجاء للمهدي هو تفضيل ابليس على آدم مما أثار حفيظة القدماء والجدد من المحافظين والمتشددين :

ابليس أفضل من ابيكم آدم ٍ
فتبينوا يامعشر الأشرار ِ
النار عنصره ُ وآدم طينة ٌ
والطين لايسمو سمو ّ النار ِ

وفي مكان آخر قارن النار بالأرض ليعتبرها معبودة وهذا مما يغيظ ! :

الأرض مظلمة ٌ والنار مشرقة ٌ
والنار معبودة ٌ مذ كانت النارُ

أما ألاعيبه الاخرى – كما يقال - في ادعاء الحج والذهاب الى الحانات ودور اللهو عوضا عن ذلك ومن ثم الاندساس بين الحجاج في عودتهم وهو مخمور مدعيا انه أكمل حجته ، فهذه صورة كاريكتورية مضحكة لطفل كبير لم يفرد لها مجالا من الحرية في الأدب الساخر كما كان يحدث مع أبي نؤآس وسواه مثلا ، بل اعتبرت في خانة العقوق ومن ثم العقاب . وقد جوبهت السخرية أيضا بما يعادلها من جدية وحزم عندما قال متهكما او واصفا حالته المزرية والمضحكة وهو مع المصلّين :

وانني في الصلاة احضرها
ضحكة اهل الصلاة ان شهدوا
أقعدُ في الصلاة اذا ركعوا
وارفع الرأس ان هم ُ سجدوا

والسؤأل هو هل بالإمكان الإبقاء على المناوئين لإيماناتنا من دون ان نمارس القتل والافناء ضدهم؟ هذا السؤآل ، كما يبدو للعيان الآن ، هو من قبيل السذاجة وعوالم اليوتوبيا التي لاتصلح لهذا الكوكب الذي يغلي بالتناحر والتشدد والدموية وفرض الرأي على الرأي الآخر ! والحذر الحذر من ان نقول مانشاء ! فان "مقتل الرجل بين فكيه "!. وهذه طامتنا الكبرى .
والسؤآل الآخر : من منازل للتكفير والفتاوى الخانقة بحق الناس ومطارداتهم بالسوط ؟!
ذلك هو السؤآل الحارق الأكثر اقترابا من نار الحرية الصاعدة بمشعل الاولمبياد وحركة التحرر العالمي الى ذرى الانسانية الحقة .
أن الشاعر خالد والرئيس فان ٍ وقلما يذكر له إسم سوى انه هيمن واستبد أو قتل . ويعيش القصيد ويبلى الدهر ، وعن ذلك قد قال بشار :

كذاك الدهر يُبلي كلَّ شيء ٍ
ولايفنى على الدهر ِ القصيد ُ

*******



#خلدون_جاويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نازك الملائكة شاعرة في الفلسفة وفيلسوفة في الشعر
- سُحقا لمن قتل الملائكة الصغار
- سنطوّحُ كلّ الأصنام
- ياكهرمانة َصبّي فوقهم نارا
- لوحة شعرية لعبد الأمير الحصيري
- بغداد تجنح للسلام
- نازك الملائكة والقاعدة
- سلاما ايها الوطن المفدّى
- وطن مرفوع الجبين
- أضحى بدجلة َ لايسيل الماء ُ
- انقذ عراقك وانصر اهله النُجبا
- الجرح اقوى من السكين
- الفراشة والقمر
- قصائد عراقية في مصر المحبة والأمان
- عودة بغداد الحلم !
- رسالة الى الأديب اللبناني أمين معلوف
- ِ قفا نبك من ذكرى - عراق ٍ محطّم -ٍ
- حزب الشيوعيين حزب السلام
- قصيدة هجران
- شعبيَ الغالي العراقيّ النبيل


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلدون جاويد - عاش القتيل ومات القاتل