أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - فلسفة التعليم العالي في العراق وأهدافه إشكاليات وأفكار















المزيد.....


فلسفة التعليم العالي في العراق وأهدافه إشكاليات وأفكار


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 1951 - 2007 / 6 / 19 - 11:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدم الى
المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق
• هل يجب أن يكون التعليم العالي قائما على فلسفة ، أم ليس لهذا الوجوب مبرر؟ .
• وهل من الضروري أن يكون للتعليم العالي أهداف محددة ، أم الأفضل أن يكون حرّا؟.
إن الجواب على السؤال الأول هو : نعم . يجب أن تكون للتعليم العالي فلسفة محددة يقف عليها .
والجواب على السؤال الثاني هو : نعم . ينبغي أن تكون لهذا النوع الراقي من التعليم أهداف محددة مشتقة من فلسفة واضحة .
غير أن الإشكالية لدينا في العراق أننا دولة من دون هوية . فنحن ، وبعد أربع سنوات من سقوط النظام السابق ، ما نزال لا نعرف ما اذا كان العراق دولة علمانية أم إسلامية . وليس باستطاعة أمهر السياسيين التنبؤ بمستقبل هوية العراق . وهذا يقود الى إشكالية ثانية. فهنالك ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل العراق .
• الأول : بقاء العراق دولة اتحادية ديمقراطية .
• الثاني : تقسيم العراق الى أقاليم بهويات سياسية مختلفة .
• الثالث : تخلي الحكومة المركزية عن الديمقراطية واضطرار كردستان الى الاستقلال عن العراق .
وثمة مفارقة . أن النظام الدكتاتوري السابق كانت له فلسفة وأيدلوجية وبرنامج سياسي واضح بغض النظر عن تطبيقاتها التي جلبت الكوارث . وأن المشاركين في مؤتمرات التعليم العالي الستة التي عقدت في زمن النظام السابق ، كانوا يمتلكون أو يزودون بتصور واضح لفلسفة التعليم العالي وأهدافه ، فيما نحن المشاركين بهذا المؤتمر من العراقيين كافة لا نملك تصورا واضحا ومحددا بخصوص فلسفة هذا التعليم وأهدافه بالرغم من أننا نتمتع بالديمقراطية والحرية ، على الأقل في مثل هذه المؤتمرات التي تضم النخبة من التربويين والسياسيين .
ولنفترض أن السيناريو المحتمل هو الأول : " بقاء العراق دولة اتحادية ديمقراطية " . فهل ستكون هوية هذه الدولة علمانية أم إسلامية ؟. فان كنا مقبلين على توجه إسلامي ، فان لهذا التوجه فلسفته التي تختلف عن فلسفة التوجه العلماني . وستختلف بالضرورة أهداف التعليم العالي في كلا الوضعين .
وقد يخفف الأمر قائل من بين حضراتكم : لنمسك العصا من الوسط، ولنوفّق بين الإسلامي المرن بطبيعته ، والعلمنة المنفتحة بطبيعتها. وله نقول : على افتراض إمكانية ذلك فهل سيتفق الطرفان ـــ ولا نقول الخصمان ـــ على ما سيضعه الاختصاصيون في التعليم العالي من أسس وأهداف ؟.
وقد يقول آخر من بيننا : ما لنا والفلسفة ؟! لنتفق على أن تكون الجامعات مؤسسات علمية حيادية ترى حريتها في الانصراف إلى الحقائق المجردة . ولنلج الموضوع من باب " فلسفة العلم " ما دامت الوظيفة الأساسية للجامعات هي "تعليم العلم " . وله نقول : إن تبني فلسفة معينة يفضي بالتبعية إلى تحديد مواصفات النظام التربوي وأسلوبه في الإدارة والمناهج . فالنظرية البيروقراطية ، القائمة على الفلسفة المثالية ، من خصائصها : تسلسل هرمي ثابت ، وادوار وسبل إنتاج معرفة بدقة ، وبنى سلطوية واضحة ، وأنماط تفاعل رأسية . فيما ترفض نظرية الاحتمال القائمة على الفلسفة البراجماتية وجود مبادئ عامة وشاملة للإدارة ، وضد تمركز السلطة في الدور الذي يمارسه المسؤول الأعلى . وترى أن التقنين والثبات يكونان مرغوبا" فيهما في البيئات المستقرة ، فيما هما لا يناسبان البيئات غير المستقرة والتي تعيش تفجرات معرفية وتقنية وتغيرات اجتماعية سريعة .
إن هذا مثال على صعيد فلسفتين فقط ، فكيف إذا كان لدينا أكثر من سبع فلسفات أخرى بالتربية مثل : الواقعية، الإسلامية، الماركسية، الوجودية، التجديدية، ... والحديثة . واضرب مثلا" على تباين مواقفها من المنهج الدراسي. فالفلسفة التقليدية ترى أن مهمة التربية تكون في عملية حفظ ونقل التراث الاجتماعي . وأن الوظيفة الأساسية للمدرسة هي نقل التراث الثقافي إلى الأجيال في قالب تربوي بسيط . فيما ترى الفلسفة التقدمية أن مفهوم التربية ليس الإعداد للحياة ، على رأي الفلسفة المثالية ، إنما هي الحياة نفسها. وأن أهداف التربية ينبغي أن تكون مرنة وغير محددة ، ونابعة من حاجات الطلبة وميولهم .
وقد ينهض بين حضراتكم من يقول : إنكم تزعجون أنفسكم بفلسفات عفا عليها الزمن ، وتنسون أن القرن الواحد والعشرين قد جاءكم بفلسفة جديدة أسمها فلسفة " اقتصاد السوق " في عالم جديد فيه قطب واحد سيتحكم بالإنتاج والاقتصاد والسياسة والأخلاق أيضا" ، هو قطب الشركات العملاقة متعددة الجنسيات . وقد يؤيده أخر من بينكم قائلا" : لا يغريكم وضع جامعات الغرب، فالقراءة المتعمقة لما يكتب بشأنها من نقد يقود إلى الاستنتاج بأن الجامعات في الدول المتقدمة ( الصناعية السبعة الكبرى تحديدا" )، ستتحول إلى شركات كبرى لا تمتلك دورا" في الثقافة ، بوصفها المشروع التاريخي للإنسانية منذ عصر التنوير. وأنها ستفقد استقلاليتها وستتحول في عصر الاقتصاد العالمي عابر الجنسيات ، من مرجعيتها الأساسية ، الثقافة والعلم ، إلى السوق .
وإذا جئنا إلى أهداف التعليم العالي بالعراق المثبتة في مؤتمراته السابقة عبر أكثر من ثلاثين سنة ، فهل نبقي على ما نراه مناسبا"، ونرفع منها ما نعتقد انه كان يخدم النظام السابق وأيدلوجيته؟. وإذا كنا نتفق مع الثانية فقد نختلف على الأولى فيما يخص المناسب منها. ففي سبيل المثال، دعت الأهداف السابقة إلى التوسع في التعليم العالي ليستوعب كل المتقدمين إليه، فهل سنعتمد ذلك ونضع خطة خمسية أو ثلاثية تعتمد معايير محددة ، مثل حاجة السوق المستقبلية والمؤسسات الخدمية بحسب التخصصات ، أم نتركه حرا"؟. وهل سنقصره على الاختصاصات المطلوبة ونحجبه عن الاختصاصات الفائضة ونغلق القنوات التي تزيد من بطالة المثقفين؟.
ومسألة أخرى: هل سنفسح المجال للتعليم الأهلي الجامعي للتوسع على راحته؟ . وان فعلنا ذلك فهل سيشكل هذا خطرا على التعليم الرسمي يفضي بالنهاية إلى انهياره، بوصفه مؤسسة علمية رصينة تبتلعه مؤسسة تجارية ؟.
ثم أن التعليم مصمم أساسا" لتزويد الأفراد بالتربية الأساسية التي تمكّن الفرد من اختيار طريقه بالحياة، وإعطائه الفرصة لأن يكون ناجحا". فهل سنؤكد في أهدافنا قيمتي الفردية (Individualism) والتفردية (Uniqueness ) ، أم نؤكد قيمنا الاجتماعية التي تحض على التعامل والتكافل والإسناد الاجتماعي ؟.
ونكرر القول : إن العالم اليوم يحكمه اقتصاد السوق والشركات العملاقة عابرة الجنسيات ، فهل نتجه بأهداف التعليم العالي نحو هذا المسار؟. فأن سرنا فيه فأننا سنجد أنفسنا نقف على أرضية فلسفة البراجماتية برجلينا الاثنتين . ولا ينفع التبرير إن قلنا سنعمل على أن نضع واحدة على البراجماتية ونضع الثانية على فلسفة من تراثنا وقيمنا . ففي قانون الفلسفات لا يمكن الوقوف بتوازن على أرضيتين فلسفيتين حتى لو كانت صلة القرابة بينهما قوية .
والتساؤل الأخير تطرحه حقيقة سياسية هي : إن العراق حتى لو أعلن رسميا" عن إنهاء احتلاله ، فأنه سيبقى واقعا" تحت تأثير السياسة الأمريكية. فهل سيكون تعليمنا العالي ملحقا بالتعليم العالي الأمريكي؟ أم أننا سنعمل على جعله تعليما" عراقيا" خالصا" ؟ أم سنوفق بين خصوصياتنا وما هو جديد وجيد في التعليم العالي الأمريكي، ونمّني أنفسنا بأن يكون العراق بالمستقبل القريب نمرا" جديدا" يضاف إلى النمور الآسيوية الأربعة؟. ومع يقيننا بأن العراق هو أقوى اقتصاديا من تلك النمور ( كوريا الجنوبية مثلا" )، فهل سيكون مسموحا" للعراق أن يكون أقوى نمر آسيوي ؟!.
إن كاتب هذه الورقة ليس باستطاعته اقتراح " الفلسفة " المناسبة للتعليم العالي في العراق . فمهمته : لفت الانتباه إلى عدد من الإشكاليات ذات العلاقة ، وإثارة أفكار تطرح أمام نخب تربوية وسياسية بهدف اغنائها وإنضاجها بما يعدّ منجزا مميزا لمؤتمركم الموقّر هذا.
مبادئ لفلسفة مقترحة
ومع ذلك ، فان كاتب هذه الورقة كان قد شارك عضوا باللجنة التنسيقية ولجنة الصياغة في أول مؤتمر للتعليم العالي في العراق يعقد بعد سقوط النظام في أيلول 2004 . وكان اقترح في بحثه المقدم للمؤتمر ( الذي وزّعته الوزارة على الجامعات قبل انعقاده ) ثمانية مبادئ تشكل إطارا لفلسفة التعليم العالي . وقد أقر المؤتمرون الذين كانوا يمثلون الجامعات والمعاهد العراقية كافة سبعة مبادئ منها ، اعتمدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . ونأمل من مؤتمركم الموقّر هذا التأكيد عليها ، وإضافة ما براه مناسبا للمبادئ في أدناه :
1. الإيمان بان العراق لكل العراقيين . وترسيخ الشعور بالوحدة الوطنية العراقية بوصفها السبيل السهل والمضمون لعراق مزدهر متطور .
2. الإيمان بأن العراقيين كافة متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنس أو القومية أو الدين أو الأصل العرقي ، وأنهم سواء أمام القانون .
3. الحفاظ على القيم الأصيلة للمجتمع العراقي بقومياته كافة . والانفتاح على الحضارات الإنسانية والتفاعل مع ما هو إيجابي منها.
4. الإيمان بالشخصية العراقية ، واحترام حقوق الإنسان في العيش الكريم ، وحقه في الحصول على المعرفة ، وتكامل شخصيته بمكوناتها الشخصية والفعلية والوجدانية ، وتأمين الموارد اللازمة لأن يعيش بمستوى لائق .
5. الإيمان بمبدأ الحصانة للتدريسي الجامعي ، وضمان حقه في حرية التفكير والتعبير .
6. توفير الفرصة للفرد العراقي للحصول على المعرفة ، وتنمية أسلوب التفكير العلمي والعقل المتطور لديه بوصفها من واجبات العليم العالي .
7. الإيمان بالحرية والديمقراطية وإشاعتهما بالوسط الجامعي .
وقد أضاف المؤتمر مبدأ ثامنا لها هو :
8 . ترسيخ العلاقة التربوية السليمة بين الأستاذ والطالب بما يضمن عملية تعلم سليمة ورصينة .
أهداف مقترحة للتعليم العالي في العراق
لأن العراق يمر الآن بأخطر مرحلة في تاريخه الحديث . ولأن المجتمع العراقي يعيش حالة ينعدم فيها الأمن والخدمات بكل مجلات الحياة . ولأن الوطن أبتلي بنظام دكتاتوري أهدر ثرواته الهائلة وجلب له الحروب والكوارث على مدى ربع قرن . تبعه الارهاب والاحتلال ليجهزا عليه بالمزيد من الدمار ، فصيروه خرابا ترون صورته المريعة في بغداد . عليه يترتب على التعليم العالي في العراق نوعان من الأهداف :
الأول : أهداف مرحلية يتطلبها الوطن والناس .
والثاني : أهداف ثابتة تناظر أهداف التعليم العالي على الصعيد العالمي .
ويمكن تحديد الأهداف المرحلية بالآتي :
1. التركيز على إعداد كوادر مؤهلة بمستوى البكالوريوس والدبلوم الفني ، لإنجاز المشاريع الخدمية والإنسانية ومتطلبات اعمار العراق .
2. إشاعة ثقافة السلام والحرية والديمقراطية داخل الجامعة وخارجها عبر وسائل الإعلام والمسرح والسينما ومنظمات المجتمع المدني .
3. تشجيع القطاع الخاص واشراكه في تمويل المشاريع العلمية للجامعات والمعاهد الفنية ومراكز البحوث ، الهادفة الى تحسين الوضع العام للناس في مجالات الحياة كافة .
ولتحقيق هذه الأهداف ، فان الأمر يتطلب تأمين الآليات الآتية :
1. منح الجامعات الاستقلالية الإدارية والقانونية والمالية .
2. التنسيق بين وزارتي التعليم العالي في كل من بغداد واربيل من جهة ، وبينهما والجامعات التابعة لهما من جهة أخرى .
3. إبعاد الحرم الجامعي عن ممارسة النشاطات السياسية في داخله.
وفيما يخص الأهداف الثابتة ، فانه يمكن تحديدها بالآتي :
1. إعداد اختصاصيين وتدريسيين وباحثين بالمواصفات التي تقتضيها متطلبات التقدم العلمي والثقافي .
2. توظيف العلم والمعرفة بما يخدم المجتمع العراقي والإنسانية .
3. إعداد الكفايات العالية في مجالات البحث العلمي بشقيه : التنظير ، ليكون من بينها منظرّون بمستوى راق ..والتطبيق ، ليكون من بينها عقول قادرة على معالجة المشكلات في مجالات الحياة كافة.
4. الارتقاء بالعلوم والآداب والفنون ، ومتابعة التقدم العلمي في العالم ، وتوثيق العلاقات العلمية بين الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية وبين الهيئات العلمية العربية والعالمية .
5. التوكيد على مفهوم التنمية الإنسانية Human Development من حيث : تطوير قدرات الخريج ومهاراته ، وتمكينه من المساهمة الفاعلة في النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية والترفيهية ، وتوسيع خياراته في أحقياته .
6. تبني الجامعات مشاريع ثقافية تسهم في تقدم المجتمع ، وتأصيل تراثه ، وتوكيد هويته في حالة من التفاعل المتوازن مع الحضارات الإنسانية .
ولتحقيق ذلك ، ينبغي تأمين المتطلبات الآتية:
1. اختيار قيادات كفوءة للإدارة الجامعية ، قائمة على معايير الكفاية والخبرة والرغبة في تحمل مسؤولية تنفيذ ومتابعة أهداف التعليم العالي، مع هامش مادي معقول لا يسيل له لعاب من يسعى للمنصب من اجل المادة.
2. مساواة الأستاذ الجامعي من حيث الراتب والامتيازات بأقرانه في البلدان الغنية بالمنطقة.
3. تنمية روح البحث العلمي لدى التدريسي الجامعي بتوفير فرص المشاركة له في المؤتمرات والندوات العلمية خارج العراق ، وزيادة القدرة على النشر، وتهيئة المختبرات، والمكتبات ومستلزمات البحث العلمي.
4. تحديد ميزانية خاصة بالبحوث العلمية ، وتوفر مكافئات مادية مشجعة للباحثين ، وتغطية تكاليف المشاريع العلمية وسبل نشرها في مجلات محكمة.
5. منح أساتذة الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية سنة تفرغ علمي في جامعات أو مؤسسات علمية، عربية أو أجنبية . وان يكون ذلك قائما" على وفق معايير عادلة وموضوعية مثل: سنوات الخدمة، والمرتبة العلمية، وعدم التمتع بهذه السنة سابقا".
6. اعتماد مبدأ الانتخابات الديمقراطية كل ثلاث سنوات ، بدءا" من اختيار رؤساء الأقسام، صعودا" إلى رؤساء الجامعات.
7. إنشاء مراكز للإرشاد والصحة النفسية في الجامعات العراقية، وتنمية علاقة تربوية وإنسانية بين ألتدريسي والطلبة.
8. تأمين المستقبل المادي للأستاذ الجامعي عند التقاعد ، باستمرار ما يتقاضاه من راتب، وتأمين الرعاية الصحية له ولإفراد عائلته.
9.استحصال موافقة وزارة الداخلية بمنح جواز سفر خدمة لكل من يحمل مرتبة ( أستاذ، بروفيسور ) في وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي في كل من بغداد واربيل.

المناهج الدراسية:
يوضع المنهج المنتج في ضوء فكر أو نظرية تربوية تشمل فلسفة المجتمع ، وطبيعة المتعلم، ونوع المعرفة المراد تزويده بها، تأخذ بنظر الاعتبار : الخبرات السابقة في بناء المنهج ، والإمكانيات المادية والبشرية المتاحة ، والتجارب والخبرات العالمية في وضع المنهج.
والمنهج المنتج له أسس: فلسفية واجتماعية ونفسية ومعرفية. فأن اخترت الفلسفة الواقعية مثلا" ، فان المنهج سيركز في الدراسات العلمية محل الدراسات الإنسانية واللغوية، وسيعتمد التجريب أسلوبا" في الوصول إلى الحقيقة. وسيكون المنهج ، وفقا" لمنظور الفلسفة الواقعية ، متكونا" من مجموع الحقائق التي اكتشفها العلماء. وان اخترت الفلسفة البراجماتية ، فأن عليك أن تضع المنهج وفقا" لحاجات الطلبة ورغباتهم، وسوف تشكل لديهم منظورا" للعالم على أنه نسبي، وأنه لا وجود لقوانين أخلاقية مطلقة ، وأن أحكامنا حول القيم قابلة للتغيير.
نسوق هذا مثالا" على أن المناهج تتباين بتباين الفلسفات، ونزيده إيضاحا" بأن الفلسفة التجديدية تنتقد الفلسفة البراجماتية بقولها إنها تصلح للتطبيق في عصر يسوده التحرر المطلق ، وإنها غير مناسبة للتطبيق في عصر الحروب والصراعات الدولية. وتروج لنفسها ( التجديدية ) بأنها تعتمد على التحليل المنطقي والاجتماعي والأنثروبولوجي والفلسفي والنفسي في دراسة الحاضر وتحليله، من اجل مستقبل أفضل . وان المناهج الجامعية ينبغي أن توظف لهذا الغرض .
على أننا نرى أن المناهج الدراسية الجامعية ينبغي أن توضع في ضوء اعتبارين :
الأول: التحولات الجارية في المجتمع العراقي بعد 9/4/2003 .
والثاني: المناهج الجامعية في الجامعات الرصينة.
ولأن المجتمع العراقي قد تحول بعد 9/4/2003 إلى مجتمع ديمقراطي.. وأن الديمقراطية تقوم على أساس من الحرية والمساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، والتعاون فيما بينهم لتحقيق أهداف اجتماعية مشتركة، وحل المشكلات بالأسلوب العلمي ، فأن المنهج ينبغي أن يهتم بالآتي :
1. تدريس مادتي حقوق الإنسان والديمقراطية في موضوعات تتضمن احترام الإنسان بغض النظر عن الدين أو القومية أو الجنس ..، واحترام القانون والملكية العامة، واحترام الرأي والرأي الأخر . والتثقيف بأهمية تداول السلطة عن طريق الانتخابات.
2. أن يعمل المنهج على تحقيق حاجات المجتمع ، وأن يوازن بين الأصالة والحداثة والخصوصية والإنسانية.
3. اعتماد صيغة الكتب المساعدة الرصينة في تدريس المادة الواحدة ، وعدم الاقتصار على الكتاب المنهجي ، وتوفير التخصيصات لطبعها.
4. اعتماد طرائق تدريس حديثة، واشتراك التدريسيين في دورات تأهيلية.
انخفاض الدافعية نحو العلم
لأن العراق يعاني منذ 27 عاما من الكوارث والحروب . ولأن البطالة في مجتمعنا تعدّت حدودها المقبولة . ولأن عددا كبيرا من الخريجين اشتغلوا في القطاعين العام والخاص بأعمال لا علاقة لها باختصاصاتهم واعدادهم الأكاديمي.. فان ذلك أدى بالتبعية الى انخفاض الدافعية نحو العلم لدى طلبة الجامعة ، حتى صار الحصول على الشهادة الجامعية مسألة اعتبار اجتماعي أكثر منها إعدادا علميا وفكريا ومهاريا لاشغال وظيفة أو عمل بكادر نوعي يفيد المجتمع والفرد نفسه .
وما يزيد في انخفاض هذه الدافعية أن عددا من المناهج إما أن يكون قد عفا الزمن عليها ، أو إنها لا تشبع حاجات الطالب ورغباته . فضلا عن أن طريقة التدريس ما تزال تعتمد على التلقين .
وإذا كانت أهم أسباب انخفاض هذه الدافعية تخص الدولة والوضع العام في البلاد، وتتعلق بتوفير فرص عمل للخريجين بتنسيق بين مؤسسات التعليم العالي وأجهزة التخطيط في الدولة ، فان هنالك أسبابا تخص الجامعة ، وعليها معالجتها للحدّّ من هذه الظاهرة ، ومنها :
1. إقامة مواسم ثقافية وفنية ورياضية وترفيهية للطلبة . وتشجيع السفرات السنوية بين طلبة الجامعات العراقية ، بما يجعل الحياة الجامعية مريحة وممتعة نفسيا واجتماعيا .
2. توفير المكتبات العلمية وتحديثها . وتأسيس نواد انترنيت وحاسوب في الكليات والمعاهد .
3. توفير أماكن سكن مناسبة للطلبة بخدمات جيدة ، ووسائط نقل لهم بأجور مخفظة .
4. تقوية علاقة التدريسي بالطلبة ورعايتهم نفسيا وإنسانيا .
بيروقراطية أنظمتنا الجامعية
هنالك فكرتان أو مفهومان عن " البيروقراطية ". فالمفهوم العلمي يصف البيروقراطية بأنها نظرية تحكمها مبادئ وخصائص ، اهمها :
• هرمية المكاتب . وتعني أن لكل وظيفة في النظام مكتب خاص بها له حقوق محددة ومسؤوليات محددة . وأن وظائف النظام ترتبط بشكل هرمي يكون مدير المكتب الأدنى مسؤولا أمام مدير المكتب الأعلى .
• التعامل بقواعد ونظام . في النظام البيروقراطي يحدد التعامل بقواعد وقوانين وإجراءات تتصف بالوضوح والمعقولية والاختصار .
• تخصصية المهام . يتخصص كل مكتب في النظام بنوع محدد من المهام يساعد العاملين فيه على تطوير مهاراتهم وتسهيل إنجاز المعاملات .
• الموضوعية واللاشخصية . يتم التفاعل داخل النظام ، وبينه والمراجعين بموجب قوانين وأنظمة وتعليمات بشكل منمّط بعيدا عن الميول الشخصية والأهواء والتحيزات الانفعالية . ولهذا فان الممارسات التي تقوم على الألفة والصداقة والحالات المزاجية غير مرغوب فيها بالنظام البيروقراطي.
ذلك هو المفهوم العلمي لهذا النظام ، غير أن المفهوم الشائع عن " البيروقراطية " أنها تعني : الرتابة ، وكثرة الأعمال الورقية ، وتأخير سير الأمور ، وكثرة تردد المراجعين وشعورهم بالضجر وهدر الوقت والمال والجهد والفرصة جرّاء طول متابعتهم لإنجاز معاملاتهم .
والواقع ، أن المفهوم الشائع هذا هو الذي ينطبق على أنظمتنا الجامعية أكثر من انطباق المفهوم العلمي عليها . لاسيما في تأخر إنجاز المعاملات ، وشيوع التحيزات القائمة على العلاقات الشخصية ، والتأثيرات من خارج النظام " السياسية تحديدا " على أشخاص فاعلين في حلقات النظام ، وإسناد إدارات المكاتب " العليا بشكل خاص " على وفق اعتباري السياسة والمصلحة الشخصية أكثر من اعتباري الكفاءة والخبرة . وهذا يعني أن الخلل في أنظمتنا الجامعية ليس في النظام البيروقراطي بحد ذاته إنما في طريقة تطبيقنا له وفي التدخلات والتأثيرات الخارجية عليه .
السيدات والسادة
إن الهدف من هذه الورقة هو إثارة أفكار بخصوص إشكاليات ومشكلات التعليم العالي في العراق . أما اقتراح المعالجات بشأنها فهي مهمة هذه النخبة الموقرة من المفكرين والتربويين ، وان اختلفوا . فالاختلاف في الرأي منتج حيثما كانت النوايا صادقة .
مع أطيب أمنياتنا بالموفقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مصادر الورقة
• أبو حويج، مروان ( 2000). المناهج التربوية المعاصرة . الدار العلمية الدولية .دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، الأردن .
• سعاده،جودت احمد وإبراهيم ، عبد الله محمد ( 2004). المنهج المدرسي المعاصر . دار الفكر ،عمان الأردن .
• الطويل ، هاني عبد الرحمن صالح( 2006 ) . الإدارة التربوية والسلوك المنظمي ، دار وائل للنشر ، عمان الأردن .
• صالح ، قاسم حسين ( 2007 ) . بانوراما نفسية . دار دجلة ،عمان ، الأردن .
• وزارة التعليم العالي والبحث العلمي . توصيات مؤتمر التعليم العالي السابع ، 22-23 أيلول 2004.
* Silver, F.i.(1983).Principles of Bureaucracy Theory. New York :McGraw-hill.




#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو تكاشفتم ...ما تدافنتم !
- الانتحار...أسبابه ... ومشاهير انتحروا
- الانتحار...حوادثه وأساطير عنه وحقائق..-القسم الأول -
- اللهّم عجّرم نساءنا !
- اضطرابات التفكير
- أحول عقل !
- وعلى الحب ...السلام !
- في سيكولوجية الشيخوخة
- فنتازيا
- مذيعون ولكن ....مصيبة !
- ثقافتنا الجنسية
- الأوهام
- الشهيد قاسم حسين صالح!
- مزاجنا... ومزاجهم
- شيزوفرينيا العقل العربي
- بارنويا
- في مكتبي .. إرهابي !
- العنف.. والشخصية العراقية
- دماغ العراقي
- اسلامفوبيا


المزيد.....




- هكذا أنشأ رجل -أرض العجائب- سرًا في شقة مستأجرة ببريطانيا
- السعودية.. جماجم وعظام تكشف أدلة على الاستيطان البشري في كهف ...
- منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي محذرًا: الشرق الأوسط ...
- حزب المحافظين الحاكم يفوز في انتخابات كرواتيا ـ ولكن...
- ألمانيا - القبض على شخصين يشتبه في تجسسهما لصالح روسيا
- اكتشاف في الحبل الشوكي يقربنا من علاج تلف الجهاز العصبي
- الأمن الروسي يصادر أكثر من 300 ألف شريحة هاتفية أعدت لأغراض ...
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بسبب -نشاطات تخري ...
- حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره ويستهدف مواقع للاحتلال
- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية.. من التعاون أيام الشاه إلى ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم حسين صالح - فلسفة التعليم العالي في العراق وأهدافه إشكاليات وأفكار