الشيخ والشاعر محمد عبد الله الحسو وديوانه ( في آفاق الروح)
ابراهيم خليل العلاف
الحوار المتمدن
-
العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 16:51
المحور:
الادب والفن
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
قبل قرابة ربع قرن من الان ، كتبتُ مقالة عن الشاعر والمربي الموصلي الراحل الاستاذ محمد عبد الله الحسو ومن بعد ذلك كتبت مقالة اخرى . وما كتبته متوفر على الشبكة العالمية -الانترنت ، ويعرف ذلك شقيقه الاستاذ الدكتور احمد عبد الله الحسو ، ويشهد بذلك واكاد انا من اوائل من كتبوا عنه في الفضاء السيبراني .
واليوم ، السبت السادس من ايلول - سبتمبر الجاري 2025 ، وانا افض بريدي اليومي المعتاد وجدت ديوانه ( في آفاق الروح ) ، وقد صدر في لندن من خلال ( لندن للطباعة والنشر) 2025 . والديوان - كما اخبرني الاخ الاستاذ الدكتور احمد الحسو - مرسل من قبله مشكورا وكان لزاما عليّ ان اعود الى ما كتبته سابقا عن شاعرنا الكبير . ويقينا الديوان صدر بجهود اخوته حفظهم الله احمد ، وسالم ، وعبد الاله وبإشراف وتدقيق وقراءة وضبط الشاعر العراقي الكبير الاستاذ الدكتور صلاح نيازي وتقديم الاستاذ الدكتور احمد الحسو الذي اشار بكلمات موجزة ، ومكثفة الى ان ادبيات الشاعر ابو مازن محمد الحسو ومنها ديوانه تعكس تفاعله مع واقع واشكاليات الزمن الذي عاش فيه .
في محلة شهر سوق (جهار سوق .. محلة الاسواق الاربعة ) بالجانب الايمن من مدينة الموصل ، وبجوار جامع عمر الاسود ولد سنة 1926 ، ودرس في المدرسة الفيصلية ، وارسله الوطني الاقتصادي مصطفى الصابونجي سنة 1943 مع عدد من رفاقه الى الازهر لينال ( الشهادة العالمية) ، وعاد وعمل في التدريس وكان شاعرا مجيدا ، وقارئا نهما قرأ لادباء ومفكري عصره ؛ العرب والاجانب فضلا عن العراقيين ثم غادر الحياة على عجل .. غادرنا يوم 24 من ايلول -سبتمبر 2004 ببغداد فترك ارثا شعريا وانسانيا ومنها ديوانه (في آفاق الروح) الذي يضم (73) قصيدة عناوينها ومضامينها ومناسباتها في غاية الروعة : من ثغر دجلة - ايتها الطبيعة -رفيقة العمر - زورق الخلاص- جمال وطني - خميلة الالطاف - صانعة الجروح -نعمة الايمان - منابع الاحزان - ايتها الاشواق- حديث الازهار - لبيك يا احمد - الشاعر بعد رحيله -وداعا. ايضا ضم بعض قصائده بخط يده .
اعود الى ماسبق ان كتبته قبل قرابة ربع قرن واقول انني كتبت وقلت بحقه وكم كان بودي ان يضع المشرفون على الديوان ما كتبته :"
محمد عبد الله الحسو ،الشيخ، والأستاذ، والشاعر الموصلي الراحل والذي لم ينل حظه من الاهتمام ،مع انه كان علما، ورائدا من رواد الشعر العربي- الإسلامي الملتزم خاصة إبان سنوات الخمسينيات من القرن الماضي .تصدى بشعره لكل من حاول إيذاء الوطن، والأمة، وجهر بآرائه الوطنية، وانتقد من لايسعى للبناء وتقدم العراق .له ديوان مخطوط يحترز عليه شقيقه الأصغر الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله الحسو أستاذ التاريخ الإسلامي، والأمين العام للمكتبة المركزية، ومساعد رئيس جامعة الموصل الأسبق .كتب عن شعر الشيخ محمد عبد الله الحسو الأستاذ الدكتور ذو النون الاطرقجي في موسوعة الموصل الحضارية، الجزء الخامس 1992 .
كان محمد عبد الله الحسو أحد أعضاء البعثة العلمية التي أرسلها الوجيه الموصلي الكبير المرحوم مصطفى محمد الصابونجي سنة 1943، وكان زملائه في البعثة الطلبة انذاك والشيوخ بعدئذ : محمد محمود الصواف ، صالح احمد المتيوتي ، عبد الله عمر والشيخ محمد علي الياس العدواني ، عبد الرزاق مصطفى الكمالي ، وقد أكملت البعثة مهمتها ونال أعضاؤها( شهادة العالمية من الأزهر) وأشاد شيوخ الأزهر بأعضاء البعثة وبحبهم للعلم وللوطن وللأمة وتبؤاوا مواقع مهمة في المشهد العلمي والديني والثقافي والسياسي العراقي فيما بعد .
وقصيدة الأستاذ الراحل محمد عبد الله الحسو : ((ذكريات الطفولة )) و (( الحنين إلى شهر سوق )) ،قصيدة رائعة ، وجميلة وفيها يبث الشاعر حنينه إلى ملاعب صباه في محلة شهر سوق ، وهي محلة موصلية عريقة فيها جامع الشيخ عمر الأسود الذي اعتاد الشيخ عبد الله الحسو الرجل الإصلاحي، وعالم الدين المعروف وولديه محمد واحمد اعتلاء منبره. ومما زاد في قيمة القصيدة وتأثيرها أنها قرئت بصوت الدكتور احمد الحسو العذب .ويسعدني أن أُقدم القصيدة للقراء الأعزاء وأرجو من الأخ الدكتور احمد أن يكتب ،عن شقيقه ،دراسة وافية تعرف الأجيال به أو أن يرسل لنا ما يتوفر لديه من المصادر، ليتسنى لنا القيام بالواجب وتوثيق حياة وسيرة شاعرنا (أبا مازن ) رحمه الله واسكنه فسيح جناته انه نعم المولى ونعم النصير .وأدناه القصيدة :
ذكريات الطفولة( والحنين إلى شهر سوق) !!
للشاعر الموصلي الراحل الأستاذ محمد عبد الله الحسو
يا دارنا في شَهر سوق تكلمني
يا مهجتي هلاّ عرفت فتاكِ؟
هل تذكرين ملاعبي؟
هل تذكرين طفولتي وملاعبي؟
هل تذكرين مساربي بحِماكِ؟
أيام ألهو في الحمى بطفولتي
والقلب نشوانُّ بنفحِ شَذاكِ
والغيدُ تمرحُ في الدروبِ طَلِيقةً
من كل ساحرةٍ كطيفِ مَلاكِ
هل كان يعلم طفلنا أقداره
ومصيره من بَعدِ عيش زاكِ
يا دارنا.. لو تعلمين ببعض ما
كتب الزمانُ له مِن الأشواكِ
لوهبتِهِ دَفقَ الحَنان تلطفاً
ولكانَ ما قد مَسَّه
أبكاكِ
عبرتْ به غِيَرُ الزمان عصوفةً
فإذا به يبكي على ذكراكِ
وإذا ذكرتك في الخيال تصدعت
كبد تنزى لوعة بهواك
لم يبقَ لي إلاّ صداك مُرجَّعا
برحاب قلبٍ عَالقٍ برؤاكِ
أهفو إلى حُلوُ التراب بدارنا
في السطح..
في الغرفات..
في الشباك..
أين الزهور تفتحت بذُراك؟
يا زهرة نبتت على درب الهوى
وتناثرت
في غمرة الأشواك
يا دارنا في شَهر سوقْ
تحدثي..
يا حلوتي
هل تذكرين فتاكِ؟
أمسى ضباباً فوقَ بحرٍ صَاخب
أو كالسحابِ بذروةِ الأفلاكِ
يا دهرُ..
يا أفلاكُ
أين طفولتي؟
صَمَتَ الزمانُ
وذاب صوتُ الشاكي
رحم الله ابا مازن وها نحن نستذكره مع صدور ديوانه الذي جاء متأخرا والذكر له حياة ثانية .