نعم لزيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل ونعم لمنحهم -البطاقة الخضراء-


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 7292 - 2022 / 6 / 27 - 17:46
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

رداً على الهجمات المسلحة ضد المدنيين في مختلف المدن الإسرائيلية خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين، بدأت في مؤسسات الأمن الاسرائيلية مناقشة داخلية بخصوص العمال من سكان السلطة الفلسطينية الذين يدخلون إلى إسرائيل عبر فتحات الجدار الفاصل.
رغم التركيز في الإعلام على ضرورة إغلاق الفتحات في الجدار لمنع استمرار العمليات الفلسطينية هناك اعترافاً واضحاً من قبل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن دخول العمال هو ضرورة وإيقافه سيؤدي إلى نتائج سلبية. يدل على ذلك تصريحات وزير الأمن والمسؤولين الإسرائيليين حول أن الجدار الفاصل لا يشكل عائقاً يمنع بشكل مطلق دخول مَن يهدف إلى تنفيذ هجمات عنيفة وأعمال إرهابية ضد المدنيين، ولذلك ليست هناك جدوى من منع العمال بشكل مطلق من الدخول.
عملياً، ترى المؤسسة الأمنية بأن منع دخول العمال ستكون له نتائج سلبية ويؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي وبالتالي مزيداً من الاضطرابات الأمنية، والحل هو سد فتحات الجدار من جهة، وزيادة عدد العمال الذين يدخلون بتصاريح من جهة أخرى.
هذا التوجه إذا تم تنفيذه على أرض الواقع، يعتبر خطوة بالاتجاه الصحيح ومنطقية، برأينا، لأنه يخدم مصلحة العمال قبل أن يخدم سلطات الاحتلال.
الجدير ذكره، ليس من مصلحة العمال السفر والتنقل يومياً بطريقة تعرضهم إلى ملاحقات واستغلال كونهم عمال يعملون في السوق السوداء، وإنما من مصلحتهم أن يحصلوا على عمل رسمي وأن تكون لهم حرية الحركة والضمان الصحي من إصابات العمل وتوفير الحماية القانونية من الاستغلال الذي يتعرضون له في السوق السوداء ويكون باستطاعتهم تقديم الشكوى على مشغل رسمي، وهذا كله غير متوفر عندما يكون العامل قد دخل للعمل وفق ترتيبات غير رسمية.
الإتجار بتصاريح العمل
إلا أنه ومع دعمنا لزيادة عدد التصاريح فعلينا أن ندرك بأن من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تفاقم ظاهرة الإتجار بالتصاريح. وقد شهدنا في السنة الأخيرة كيف أدت زيادة عدد التصاريح (خلال النصف الثاني من عام 2021، زيادة قدرها 15 ألف تصريح)، إلى زيادة موازية في ظاهرة الإتجار في التصاريح غير القانونية، حيث هناك المئات من المقاولين الإسرائيليين والسماسرة الفلسطينيين الذين يستغلون النظام القائم لابتزاز العمال ويبيعون التصاريح بآلاف الشواكل.
ظاهرة الإتجار في التصاريح قائمة منذ سنوات ومنتشرة جداً، والقضاء عليها ليس بالأمر السهل. في حالات عديدة يتوجه مقاولون إلى دائرة المدفوعات المسؤولة عن إصدار التصاريح ويطلبون عدداً كبيراً من التصاريح لعمال رغم عن أنهم ليسوا بحاجة لهذا العدد من العمال، وعندما يحصل المقاول على التصاريح الفائضة عن حاجته يقوم ببيعها عبر سماسرة فلسطينيين.
وللتحايل على القانون لتنفيذ هذه العملية بشكل دائم ومستمر وللاستفادة من المبلغ الذي يدفعه العمال باستمرار يقدم المقاول شهرياً عرضاً كاذباً لقسم المدفوعات ويظهر نفسه وكأنه يشغل هؤلاء العمال – والنتيجة هي أن آلاف العمال الذين يحملون تصريح عمل من مشغل وهمي، لا يوفر لهم مكان عمل مما يضطرهم للبحث عن عمل بشكل مستقل والعمل لدى شركة أو مقاول بواسطة ترتيب غير رسمي، أو ما يُعرف "العمل بالأسود" (من دون قسيمة أجر أو حقوق).
يتقاسم المبلغ، الذي يدفعه العامل 2500 شيكل مقابل التصريح، كل من السمسار الفلسطيني (حسب التقديرات، يتقاضى حوالي 500 شيكل) في حين يتقاضى المقاول الإسرائيلي باقي المبلغ حوالي 2000 شيكل، يدفع منه ما بين 700 إلى 1000 شيكل شهرياً ضرائب ورسوم (ضريبة الدخل والتأمين الوطني وختم الصحة والمعاشات التقاعدية ورسوم المقارنة) لإظهار نفسه كمن شغّل العامل. في المحصلة يستفيد المقاول الإسرائيلي 1000 شيكل شهرياً كأرباح صافية لا يتم الإبلاغ عنها للسلطات.
الإغراء هنا هائل، والنتيجة هي تعميق اضطهاد العمال، والتهرب من دفع الضريبة، إذ أننا نتعامل هنا مع أرباب عمل وهميين يحققون ربحاً سهلاً من الإتجار بالبشر من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء وتبعات تشغيل العمال.
إصلاح نظام تشغيل العمال الفلسطينيين
في محاولة لمحاربة الإتجار في التصاريح أعلن قسم المدفوعات في شهر نيسان/أبريل الماضي، أنه تم استدعاء 23 صاحب عمل لجلسة استماع للاشتباه ب ضلوعهم بتجارة غير مشروعة في التصاريح. يأتي هذا الإجراء كخطوة مهمة ودليل على نية السلطات اتخاذ التدابير اللازمة لوقف الظاهرة الإجرامية. غير أن هذه الخطوة ضد المقاولين المخالفين للقانون ليست كافية، فضلاً عن أنها جاءت متأخرة، كما أن هذه الإجراءات غير جنائية، أي لا تحمل بداخلها عقاباً، لا سيما وأن الشرطة وسلطة الضرائب صاحبتا الصلاحية لاتخاذ الاجراءات الصارمة تمتنعان عن التدخل.
وعندما يسمح قسم المدفوعات لأصحاب العمل بالحصول على مئات التصاريح رغم أنه من الواضح بأنهم لا يحتاجون إلى مثل هذا العدد من العمال فمن الممكن أن نفهم أن هناك حالة من الفساد والخلل في نظام المراقبة في هذا المجال.
وفي الواقع من الواضح أيضاً، إن قسم المدفوعات ليس بمقدوره الإشراف على توظيف أكثر من مائة ألف عامل فلسطيني. هذا فضلاً عن أن هذه المؤسسة غير ضرورية وإن إغلاقها والانتقال إلى التشغيل المباشر سيكون أمراً مفيداً لعمال. هناك نقطة أخرى لا تقل أهمية وهي أنه لا يوجد منطق في الأسلوب الذي يسمح لصاحب العمل ببيع التصاريح بربح آلاف الشواكل بينما يتم توظيف العمال من قبل صاحب عمل آخر.
المطلوب هنا هو فرض الفصل التام والكامل بين التصاريح وبين قسم المدفوعات وأرباب العمل. إن إصدار التصريح للعامل بشكل مباشر بناء على طلب منه وبغض النظر عن موافقة من طرف المقاولين سيؤدي إلى سحب البساط تحت قدم النظام الذي يغذي الإتجار الإجرامي بالتصاريح.
في الوقت نفسه، حتى بعد تغيير طريقة التشغيل الحالية، ستكون هناك حاجة إلى نظام إشراف ومراقبة فعال، والذي سيكون من الضروري في إطار عمله تعيين مفتشين يتمتعون بصلاحيات اتخاذ تدابير صارمة ضد المخالفين للقانون ومقاضاة تجار التصاريح.
الحل: البطاقة الخضراء
نقابة "معاً" وبالتعاون مع مؤسسة (LEAP) التي تفدم الحماية القانونية للفلسطينيين قدمتا اقتراحاً ينص على إصدار "غرين كارد" (البطاقة الخضراء) للعمال الفلسطينيين. وقد جاء هذا الاقتراح بعد دراسة الوضع وعلى خلفية التجربة المتراكمة من خلال العمل الميداني وقد تم صياغة فكرة "البطاقة الخضراء" للعمال كوسيلة لتحريرهم من القيود المفروضة عليهم من أرباب العمل ولتحييد دور سماسرة وتجار التصاريح.
خلاصة القول هي أنه بدون تغيير الطريقة، فقد تفضي زيادة عدد التصاريح للعمال إلى أضرار متزايدة وتفاقم المشكلة، حيث أن عدد أكبر من التصاريح يعني بالضرورة عدد أكبر من عمليات بيعها في "السوق السوداء" ومزيداً من الاستغلال وازدهار عمل السماسرة على حساب العمال وحقوقهم.