نقابة معًا: المبدأ الإنساني يفرض وقوفنا ضد طرد اللاجئين الأفارقة


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 5803 - 2018 / 3 / 2 - 15:03
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

بخلاف أغلبية النقابات العمالية والمهنية في إسرائيل التي تسكت إزاء سياسة الطرد لللاجئين الأفارقة، ترى نقابة معًا العمالية بأن المعركة من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعب الفلسطيني لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ولذلك نعارض بشدة طرد اللاجئين ضمن سعيها لبناء مجتمع متساو وخال من العنصرية والاحتلال.
+++++++++++++


قرار الحكومة الاسرائيلية القاضي، بطرد اكثر من 30 الف لاجئ من السودان، ومن أريتريا الى خارج البلاد، اثار في الشهور الاخيرة نقاشا ساخنا في اسرائيل. وقد تجند ضد القرار عشرات الاف من الاسرائيليين، الذين يشاركون في مظاهرات، وتقديم العرائض والالتماسات القانونية، بهدف عرقلة عملية الطرد التعسفية، وابقاء هؤلاء اللاجئين في البلاد. (حول ماهية القرار هنا).
السياق السياسي لهذا القرار الجائر، المنافي لأسس القانون الدولي الخاص بطالبي اللجوء السياسي، واضح وضوح الشمس. الحكومة اليمينية المتطرفة، التي يقودها نتانياهو، تسعى لتأجيج الكراهية لكل من هو ليس يهوديا، وتعمل ليل نهار بتعميق الإنقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، بين الشرائح الشعبية المتدينة، التي تدعم اليمين، وبين الشرائح الوسطى الليبرالية التي تنتقد الحكومة وتطالب بإزالة الإحتلال وتسعى إلى تنحّي نتانياهو.

صمت النقابات المهنية:
ازاء ذلك نرى صمت النقابات المهنية شبة المطلق (نقصد هنا الى نقابة الاطباء، ونقابتي المعلمين والنقابات العامة مثل الهستدروت وقوة للعمال). في الوقت الذي يتجند به أكثر من ألف طبيب وممرضة، للتوقيع على عريضة ضد الطرد بادرت اليها جمعية الأطباء من أجل حقوق الإنسان ( انظر هنا) ويقف مدراء مدارس ومعلمون أيضًا ضد قرار الحكومة ونادو بضرورة إستيعاب اللاجئين إمتنعت نقابتي الاطباء العامة، ونقابة المعلمون، عن إتخاذ أي موقف وكأن القضية تتعلق بشأن خارجي بدولة أجنبية.
من جانبها نقابة الهستدروت العامة، ( اكبر نقابة عمالية في اسرائيل)، وضعت التزاماتها السياسية، وعلاقتها الجيدة مع الحكومة، وسعيها للمحافظة على الإجماع القومي الإسرائيلي، وعدم إثارة الخلاف الداخلي مع عناصر اليمين المتنفذة في قيادة الهستدورت، مكان الاولوية على حساب العدالة الاجتماعية. ومنذ حوالي عشر سنوات أصبحت الهستدروت حليفًا لحكومات نتنياهو المتعاقبة.
في هذا السياق قام رئيس الهستدروت في عام 2009، السيد عوفر عيني، بمبادرة لإدخال حزب العمل بقيادة إيهود براك الى حكومة نتانياهو ومنذ ذلك الحين، تحتفظ قيادة النقابة بعلاقة عمل مع الحكومة، علما بان وزير المالية الحالي، السيد موشيه كحلون، له علاقة خاصة مع زعيم الهستدروت الحالي السيد افي نيسانكورن وقد تجلى ذلك في الانتخابات الاخيرة للهستدروت (ايار 2017) حين انضم أنصار حزب "كلنا" (بقيادة كحلون) الى التحالف المؤيد لنيسانكورن لقيادة الهستدروت.
إن دعم الهستدروت، لحكومات نتانياهو المتعاقبة، وسكوتها على خط نتانياهو الحربي والعنصري وتقويضه لاية فرصة للسلام، كان له دورًا هامًا في تعميق النزعات اليمينية والمتطرفة في الشارع الإسرائيلي في السنوات الاخيرة. فمن يدعم الإحتلال والقمع الوحشي وإستفزازات نتانياهو بوجه العالم، بكل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، وهجومه على الحريات العامة وعلى المحكمة العليا، لا يصعب عليه أن يوافق أيضًا، على طرد عشرات آلاف اللاجئين الى إفريقيا.

قوة للعمال – هل هو بديل ديمقراطي ؟
نقابة "قوة للعمال" (كواخ لعوفديم) تدّعي بانها البديل الديمقراطي للهستدروت، لكنها تمتنع من إتخاذ موقفًا حازمًا بوجه اليمين، وحتى موقفها من موضوع طرد اللاجئين بقي غامضًا. فمنذ تاسيسها عام (2007) من قبل بعض الناشطين المقربين من حزب ميرتس، ويسار حزب العمل، تمكنت قوة للعمال، من استقطاب عناصر يسارية في المجتمع الاسرائيلي، علمًا بأن موقع النقابة يحدد احدى اهدافه المركزية "بالسعي الى بناء العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ودولة الرفاه الاجتماعي والديمقراطية في عالم العمل".
غير ان ما نراه على أرض الواقع، هو تراجع مستمر من قبل هذه النقابة أمام الميل اليميني المتطرف في المجتمع الإسرائيلي. ويتبين ذلك من خلال تمويه الرسالة السياسية وتجاهل موضوع الإحتلال بإعتباره موضوعًا ثانويًا، وليس جوهرياً. وجاء قرار طرد اللاجئين ليكشف تذبذب موقف "قوة للعمال" إذ أنها إمتنعت لفترة طويلة عن إبداء أي رأي في الموضوع وأصدرت في أواخر شباط بيانا غامض اللغة عبر عن معارضة لطرد الاجئين لكن دون أن يضعه في سياقه كجزء من سياسة الحكومة اليمينية.

التصدي للعنصرية ضروري
رفض قيادات النقابات التصدي لسياسة اليمين، ومهادنة حكومة نتنياهو، يعود دون أدنى شك إلى إدراكها، بأنه هناك قسمًا كبيرًا من المجتمع الإسرائيلي، الذي يدعم سياسة الحكومة المعادية للعرب، ويؤيد طرد اللاجئين. هذا الموقف نال بحسب الاستطلاع الاخير، نحو 60% من الاسرائيليين الذين يؤيدون طرد اللاجئين. وهناك دعما متواصلاً لرئيس الحكومة نتانياهو، رغم التحقيقات الجارية بموضوع الفساد. لذلك تسعى قيادات تلك النقابات، تفادي المواجهة الداخلية مع قسم هام من أعضائها، الذين ينتمون بتوجهاتهم إلى اليمين.
هذا الموقف هو برأينا قصير الأمد وخاطئ. فمن يعتقد، ويتوهم، أن سكوته عن هجمات اليمين المتطرف الشعواء، هو مجرد موقف تكتيكي "حكيم" يسمح له ببناء قوة تنظيمية، وتعزيز تأثيره في المجال الاقتصادي والاجتماعي، سيكشف عاجلًا ام آجلًا بأن القاعدة العمالية اليمينية، التي يتم اليوم تفادي مواجهتها ستصبح أكثر وقاحة وأكثر تطرفًا مع الوقت، وقد تقود الى تدمير النقابات والمجتمع ككل من الداخل.
إن النقابات العمالية لا يمكنها ان تهتم فقط في القضايا "العمالية البحتة". توجه ضيق الأفق يجعل من النقابة التي تعتمدها طرفًا مشاركًا في تدهور المجتمع نحو الفاشية، وتصبح مساهمتها في رفع أجور العمال هامشية إزاء دعمها وسكوتها عن جرائم النظام. سياسة من هذا القبيل من شأنها أن تجعل النقابات بعيدة كل البعد عن أسس الرسالة العمالية الحقيقية، بسيادة مبدأ المساواة، والإحترام بين البشر، وحقوق الإنسان، ورفض التفرقة على أسس عنصرية او قومية او دينية. فمن يتغاضى ويتجاهل تلك المبادئ يطعن في اساس وجوده كعامل تقدمي في المجتمع.

نقابة معا - دفاع عن العمال العرب وعن اللاجئين
خلافا لنقابات العمال الاخرى التي (كما راينا اعلاه) تؤيد اليمين أو تمتنع عن مواجهته، إتخذت نقابة معًا العمالية موقفاً حازماً في موضوع طرد اللاجئين، وذلك في إطار موقفها الثابت المتصدي للتوجه اليميني المتطرف وكل مظاهر العنصرية بشكل عام.
فمنذ نشأتها قبل نحو عقدين من الزمان، وقفت نقابة معًا، الى جانب العمال العرب في إسرائيل ونادت بمساواة الفرص للجميع. وقد أفتتحت في عام 2000 مكتبًا لها في القدس الشرقية، لخدمة العمال الفلسطينيين في المدينة المحتلة، وفي المناطق الإستيطانية المجاورة، وخاصة ميشور أدوميم (الخان الأحمر)، كمساهمة فعلية منها، في المعركة ضد الاحتلال، ومن اجل احقاق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
ان مواقف نقابة معًا المبدئية، ضد التمييز بحق العمال العرب، لم تمنعها من تنظيم قطاعات وفئات مختلفة في المجتمع الاسرائيلي، التي ترى بنقابة معًاً نقابة ديمقراطية ومخلصة، لحقوق العمال. وقد إنضم في السنوات الاخيرة إلى صفوف معًا معلمي الفنون في بعض الكليات ومعلمي الموسيقى في مدينة رأس العين والمعلمين والعاملين في جمعية يد بيد (المدارس ثنائية اللغة) وعاملي جمعية أطباء من أجل حقوق الإنسان.
إن عمل نقابة معًا في صفوف العاملين العرب واليهود بعود إلى توجه فكري نقابي تقدمي يمزج بين العمل النقابي الدؤوب لتحسين شروط العمل وبين المواقف السياسية العامة، بإعتبار النقابة الناشطة والفعالة في قضايا المجتمع عنصرًا هاماً في المعركة من أجل المجتمع الديمقراطي.

جزء من المعركة من اجل مجتمع المساواة
لذلك ترى نقابة معًا في المعركة ضد طرد اللاجئين خطوة هامة باتجاه بناء ثقافة تعددية، ومجتمع متساو لا يميز بين البشر، على أساس اللون أو الإنتماء القومي او الديني أو العرقي. فكما تتخذ الحكومة اليمينية، الموقف من اللاجئين الأفارقة، في إطار هجمتها العنصرية، على كل من هو غير يهودي، فاننا ندعم ونؤيد حق اللاجئين من السودان وأريتريا الإنساني، بصفتهم بني البشر ويستحقون أن نحتضنهم ونتعامل معهم بشكل عادل وانساني.
اننا كنقابة تمثل العمال العرب واليهود على حد سواء، ندعو زملائنا العمال، والحركات والاطر الاجتماعية العربية، الى دعم المعركة، وإبداء التضامن مع اللاجئين الأفارقة. كما نرى انه من الخطأ السياسي والانساني، اشتراط دعم حق اللاجئين الافارقة بدعم القضية الفلسطينية. فمن يتخذ موقفا مطلقا، ويعتبر المعارضين الاسرائيليين لطرد الافارقة بانهم منافقين، كونهم لا يدعمون القضية الفلسطينية، يضرب بذلك اسس النضال الديمقراطي، ويعزل أنفسه من أية إمكانية لتطوير تحالفات، وتعميق النقاش والتعاون مع عناصر ديمقراطية، في المجتمع الاسرائيلي.
نحن نرى ان المعركة من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان وحق الشعب الفلسطيني كامور متشابكة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ولذلك نقف بشكل واضح ضد طرد اللاجئين في اطار سعينا لبناء مجتمع متساو وخال من العنصرية والاحتلال.