العبر من فشل إضراب العاملين الاجتماعيين


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 3366 - 2011 / 5 / 15 - 11:16
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

اضراب العاملين الاجتماعيين انتهى باتفاق منقوص بما اعتبر فشلا لنضالهم الذي كان نموذجا جديدا للروح النضالية ومشاركة القاعدة العمالية. على ضوء اسلوب رئيس الهستدروت عوفر عيني، حري بالنقابة واعضائها ان يختاروا طريقا جديدا. الخطوة الاولى للفكاك من قيد الهستدروت تمر عبر انتخابات جديدة لقيادة النقابة. في اطار حملة تجديد النقابة، لا بد من اشراك الاعضاء العرب الذين كانوا حتى اليوم مهمشين تماما في النقابة تحت قيادتها القديمة


انتهى إضراب العاملين الاجتماعيين بخيبة أمل، وذلك بسبب طبيعة الاتفاق الذي اجبروا على توقيعه. خيبة الامل كانت كبيرة بالذات بسبب قوّة الحركة التلقائية لآلاف العاملين الاجتماعيين والعاملات الاجتماعيات، الذين خرجوا إلى الشوارع لمدّة 23 يومًا، ولذلك هناك شعور بتفويت الفرصة. الاتّفاقية المهينة التي فرضتها وزارة المالية ومحكمة العمل والهستدروت على العاملين، تناقض تمامًا تطلّعات ومطالب العاملين.

لا يعود سبب الفشل إلى غياب التحضير للإضراب، فالنقابة استعدّت للنضال على مدار سنة كاملة، وشاركت في المساعي لتأطير العاملين في اطار الجمعيات الخاصّة، لوضع حدّ للخصخصة. ضمن الاستعدادات تمّ التوجّه إلى الخبير المالي شالوم چرانيت لتحضير جدول أجر جديد، كما تحدّد هدف زيادة الملاكات وإصلاح الغبن في خدمات الرفاه. ولكن في اللحظة الحاسمة أهملت كل هذه الخطوات، وطرح السؤال: لماذا لم تكن للعاملين الاجتماعيين قيادة تعكس قوّة الشارع؟ وبالأخصّ، كيف يمكن الاستعداد مستقبلاً لتفادي ما حدث؟

قيادة عيني على المحكّ

وقف أمام العاملين الاجتماعيين مندوبو وزارة المالية؛ موظّفون متمرّسون يؤمنون بالنهج النيوليبرالي الذي يحثّ على تقليص نفقات الحكومة وتقليص القطاع العامّ، بكلّ ثمن. عندما طلب العاملون الاجتماعيون "أمر توسيع" للاتفاق الجماعي ليشمل العاملين الاجتماعيين في الجمعيات، اعتبر الأمر تحديا لسياسة الخصخصة. إلاّ أنّ الخصخصة هي جوهر النهج الاقتصادي في إسرائيل منذ 25 عامًا، وتحظى بدعم جميع الأحزاب الرئيسية في إسرائيل: الليكود، كديما، العمل و"إسرائيل بيتنا".

كان لا بدّ من تجنيد قوّة اجتماعية سياسية هائلة من أجل إقناع وزارة المالية بالعدول عن معارضتها، فبدون هذه القوّة لا احتمال للعاملين الاجتماعيين لتغيير المعادلة. وكما تبين لم يكن كافيا الاعتماد على وسائل الاعلام التي أيدت الاضراب في أيّامه الأولى، ثم انقلبت بعد ان انقلب رئيس الهستدروت عوفر عيني ضد الاضراب. لم تقف أيّة جهة في المؤسسة السياسية إلى جانب العاملين الاجتماعيين، حتى وصلت العناصر الراديكالية داخل النقابة الى اليوم الحاسم من المعركة بدون سلاح، وفقدت الأغلبية في مجلس النقابة، مما قاد إلى فشل الاضراب.

التطرّق إلى عوفر عيني هو مسألة في غاية الأهمّية. فقد كان خضوع نقابة العاملين الاجتماعيين لقيادته حجر العثرة الاساسي امام تحقيق مطالبها.

مرت 17 سنة على توقيع اتّفاقية الأجور الأخيرة للعاملين الاجتماعيين. هذا السبات الطويل الذي عانت منه النقابة لم يكن محض الصدفة، فقد كانت الهستدروت منذ اواسط التسعينات برئاسة حاييم رامون ثم عمير بيرتس واخيرا عوفر عيني، شريكة في سياسة الحكومات المتعاقبة في خصخصة خدمات الرفاه والمصانع وخدمات التعليم والصحّة. كما تنازلت الهستدروت عن ةسيطرتها على صناديق التقاعد، التي أصبحت اليوم وسيلة لجني الأرباح لشركات التأمين الكبرى دون اعتراض من الهستدروت.

عوفر عيني، الذي خلف بيرتس في رئاسة الهستدروت سنة 2006، لا يتصرف كممثل عن العمال بل اكثر كوسيط بين العمال وأرباب العمل، وخاصة مع رئيس اتّحاد ارباب الصناعة، شراچا بروش. حاز عيني على هذه المكانة بفعل مواقفه وممارساته السياسية، فقد كان وراء دخول براك إلى ائتلاف نتنياهو الحكومي سنة 2009، كما أيّد الحرب على غزّة وقبلها على لبنان، ويعمل بمثابة سفير لإسرائيل ضدّ نداء الفلسطينيين لمقاطعة إسرائيل اقتصاديًا.

"نضالات" عيني

عندما كان عيني يعلن الإضراب، كان ينظم رحلات للعمّال إلى القدس بالباصات، وهناك يوزّع عليهم لافتات جاهزة وشطائر ليبيّن أنّ الهستدروت تتواجد في الشارع. بعد ذلك، يدخل إلى مكتب وزير المالية ويوقّع على الاتّفاقية ويرسل العمّال إلى بيوتهم.

في نضال العاملين الاجتماعيين، لم يُطلب من الهستدروت تحضير شطائر. عندما جلس عيني مع مندوبي وزارة المالية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتّفاقية، لم يخطر بباله أنّ معظم العاملين الاجتماعيين في مجلس النقابة سيصوّتون ضدّ اقتراحه. قوّة وحماس العاملين الاجتماعيين أدهشاه. بدلاً من تجنيد طاقاتهم واستغلالها لبناء نقابة قويّة، سارع عيني إلى إحباط النضال كيلا يتحول الى سابقة يقرر فيها العاملون الاجتماعيون بدونه.

التسوية بين عيني ووزارة المالية ليست فريدة من نوعها. ففي السنوات الأخيرة، توصّل عيني إلى تسويات مع وزارة المالية في مسائل مثل خصخصة الموانئ والبريد. كما حقّق تسوية بشأن رفع الأجر الأدنى مع شريكه شراچا بروش بدون إشراك وزارة المالية، وأجبر الحكومة على قبول المسار الذي حدّده. قبل عدّة أشهر فقط، توصّل عيني مع الحكومة إلى اتّفاقية أجور لمئات آلاف عمّال القطاع العامّ. وكان العاملون الاجتماعيون بالنسبة لرئيس الهستدروت مجرّد محطّة، ولم يكن معنيًّا بتخطّي الأطر التي رسمها لنفسه من أجلهم. منذ دخل إلى غرفة المفاوضات، فهم موظّفو وزارة المالية أنّهم سيتوصلون الى صفقة لا تكلفهم الكثير.

تصويت مجلس نقابة العاملين الاجتماعيين ضدّ إملاءات عيني يعتبر سابقة هامّة. موقف رئيسة محكمة العمل القطرية بأنّ قرار مجلس النقابة ضد مقترحات عيني ليس ديمقراطيًا، كان خاطئا. والحقيقة ان هذا القرار كان حدثا هامّا عبّر لأوّل مرّة في تاريخ الهستدروت عن موقف العمّال المناهض لموقف الهستدروت. في الاتّحادات النقابية في العالم، لا يخطر ببال أحد أن يوقّع رئيس اتّحاد نقابات العمّال باسم الاتّحاد دون اجراء نقاش مع اعضاء النقابة المعنية بالاتفاق. حتّى الاتّحادات النقابية المحافظة التي من عادتها العمل بموجب طريقة الإملاءات والتسويات التي تقرّرها القيادة، غيّرت أنماط عملها في السنوات الأخيرة وقبلت على نفسها اجواء اكثر ديمقراطية تعبر عن مواقف العمّال.

موقف الهستدروت من الخصخصة وغياب الديمقراطية داخلها، هما وجهان لعملة واحدة. اذا استمرّ هذا الوضع ستقوم الهستدروت بإحباط نضالات العمّال بدلاً من تعزيزها في مواجهة وزارة المالية وأرباب العمل. في إضراب العاملين الاجتماعيين، امتنع عيني عن القيام بأيّة خطوة يمكن أن تُفسَّر كدعم من عمّال القطاعات الأخرى للإضراب. بدلاً من ذلك، وقّع على "صفقة" مع وزارة المالية بدون إشراك العاملين الاجتماعيين، بخلاف موقفهم.

أين العاملين الاجتماعيين العرب؟

في خضم الأحداث التي عصفت بالنقابة لم يرد ذكر العاملين الاجتماعيين العرب ووضعهم المتأزم على نحو خاص. قيادة النقابة الحالية التابعة لتيار عوفر عيني لا تهتم اطلاقا بالوسط العربي. احد العاملين الاجتماعيين العرب الذين تحدثنا اليهم (الاسم محفوظ) شكا بأن مسؤول النقابة في منطقته يتجاهل تماما توجهات العاملين ويغض الطرف عن وضعهم.

المأساة الاجتماعية التي يمر بها المجتمع العربي والتي ادت الى تزايد كبير في عدد العائلات المحتاجة لمساعدة وزارة الرفاه وخدمات العاملين الاجتماعيين، لم يقابلها اي ارتفاع في عدد الملاكات. العامل الاجتماعي العربي يعالج اكثر من ضعفي الملفات التي يعالجها زميله في الشارع اليهودي. الا ان هذه الظروف وضرورة طرح المطلب الاساسي لزيادة الملاكات في الوسط العربي تحديدا، وتحسين ظروف العمل لم تطرح بتاتا على جدول عمل المفاوضات.

اضافة الى ذلك لم يكن في مجلس النقابة مندوبون عن العاملين الاجتماعيين العرب مما يعني انهم كانوا مهمشين تماما عن عملية صنع القرارات قبل الاضراب، وخلال النقاشات المصيرية على مقترحات عيني، واثناء المواجهة بين رئيس النقابة ايتسيك بيري وأعوانه من جهة وبين معارضيه من جهة اخرى.

في النقاش الدائر اليوم على مصير النقابة، وخاصة المعركة لجمع 6000 توقيع على عريضة تطالب باجراء انتخابات جديدة لنقابة العاملين الاجتماعيين، من الضروري ان يكون هناك دور نشط ومؤثر للعاملين الاجتماعيين العرب يسمح لهم بالمشاركة مع زملائهم في صياغة الخط الجديد للنقابة، وذلك ليتسنى لهم الرد على سياسة الاهمال والتمييز القائمة منذ اكثر من 60 عاما ضد العرب.

خيارات صعبة

أمام العاملين الاجتماعيين – العرب واليهود على حد سواء - خيار صعب. على ضوء عِبَر الإضراب، من الواضح أنّ هناك حاجة لاجراء اصلاح عميق في صفوف نقابتهم. مبادرة حركة "عتيدنو" (مستقبلنا) لاجراء انتخابات جديدة في النقابة تشترط جمع 6000 توقيع من اصل عشرة آلاف عضو في النقابة، وهذه بحد ذاتها مهمة صعبة للغاية. المؤسسة الرسمية في النقابة ومن ورائها قيادة الهستدروت تقوم اليوم بمجهود جبار لاحباط هذه المبادرة. اضافة الى ذلك، هناك سنوات من السلبية والاحباط في صفوف العاملين الاجتماعيين يتعين مواجهتها كمقدمة لإحداث التغيير وإقناع الآخرين بان التغيير ممكن.

من هنا، نرى ضرورة في تجنيد كل من يعارض الخط القائم الذي تسير عليه النقابة، بأن يتجند لصالح المبادرة لاجراء انتخابات جديدة. ولا يعني ذلك ان كل من يدعم اقتراح اجراء انتخابات جديدة، انه يؤيد بالضرورة موقف حركة "عتيدنو" الذي يطالب بابقاء النقابة في اطار الهستدروت.

هناك الكثيرون الذين يرون بان اطار الهستدروت بشكله الحالي يقيد النقابة ويعيق نضالها، وانه من الضروري السعي لاستقلال النقابة عن الهستدروت، هذا اذا اراد العاملون الاجتماعيون بناء قوتهم المستقلة والخوض في نضالات مستقبلية جديدة على اجورهم وظروف عملهم. يجب ان يكون واضحا ان المهمة الملموسة اليوم هي جمع التواقيع واجراء انتخابات جديدة، ولكن حتّى لو انتُخبت قيادة جديدة، فإنّها ستقف أمام نفس السؤال الذي واجهته النقابة في الاضراب الاخير، وهو خضوعها التام للهستدروت. فقد كانت العبرة الهامّة من الإضراب هي أنّ حماس الشارع ليس بديلاً عن تكوين ائتلاف نضالي واسع يمكنه الوقوف في وجه وزارة المالية والمؤسسة السياسية.

الرؤية السديدة وروح النضال العالية اللتان ميزّتا العاملين الاجتماعيين، هما رسالة لكلّ من سئم الاستغلال والتمييز ولجان العمّال المتحجّرة والفاسدة. لتحضير الإضراب القادم، يتوجّب على العاملين الاجتماعيين المبادرة الى تحرير نقابتهم من قيود السيطرة الهستدروتية وبناء النقابة المستقلة، ومن ثم فتح حوار مفتوح مع حركات ونقابات ومنظّمات مختلفة، بهدف بلورة جبهة اجتماعية واسعة تعارض النيوليبرالية والخصخصة، وتدأب على المساواة والعدالة الاجتماعية.

اذا تمكن العاملون الاجتماعيون العرب من الحصول على تمثيل ومساهمة حقيقيين في النضال، فسيكون ذلك تغييرا في طبيعة النقابة يمكّنها من لعب دور رائد في ساحة العمل النقابي في البلاد عامة. إذا نجحت النقابة بقيادة جديدة في تجنيد آلاف العاملين في الجمعيات الخاصّة وإشراك آلاف العاملين الاجتماعيين العرب، الذين لم يُسمع صوتهم حتّى اليوم، ومنح الفرصة لطاقاتهم الهائلة، فإنّهم سيساهمون مساهمة حقيقية في تحسين أجورهم وشروط عملهم، وبالتالي سيساهمون في دفع عجلة التغيير الاجتماعي في إسرائيل الى الامام.