اضراب المعلمين نمط نضالي جديد


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 2148 - 2008 / 1 / 2 - 11:28
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

عشرات آلاف المعلمين والاهالي والطلاب الذين يشاركون في النشاطات اليومية ويخرجون الى الشوارع، يطرحون على جدول العمل الاسرائيلي نمطا جديدا من النضال النقابي. الدعم الكبير الذي يحظى به المعلمون في اضرابهم، يشير الى مزاج عام لدى الجمهور الاسرائيلي معارض لسياسة الحكومة المنحازة للاغنياء.



جانب من مظاهرة المعلمين. اصطفاف شعبي داعم لمطالب المعلمين.تصوير: اورن زيف
مظاهرة المعلمين الحاشدة التي جرت يوم السبت 17/11، تعتبر ذروة في نضال المعلمين المتواصل منذ اكثر من شهر. عشرات آلاف المعلمين والاهالي والطلاب الذين يشاركون في النشاطات اليومية ويخرجون الى الشوارع، يطرحون على جدول العمل الاسرائيلي نمطا جديدا من النضال النقابي.
منظمة المعلمين فوق الابتدائيين اختارت طريقا مختلفا تماما عن الهستدروت والنقابات المهنية، التي تمتنع عن تنظيم فعاليات جماهيرية في الشوارع. في اضراب الاطباء مثلا قبل 25 عاما خرج آلاف الاطباء في باصات منظمة الى مصر، هربا من اوامر المحكمة التي ألزمتهم بالعودة الى اماكن عملهم. عمال الموانئ وشركة الكهرباء الذين اضربوا اكثر من مرة، امتنعوا عن ربط نضالهم بالواقع الاجتماعي العام الذي يخص كل مواطن في البلاد. حتى حين أغلقت الهستدروت المطار، لم تلجأ ابدا الى تنظيم حركة شعبية في الشوارع.
لذا من غير المعروف اذا كانت حركة المعلمين الشعبية قد جاءت بمبادرة من قيادة النقابة، ام انها نتيجة لمبادرات محلية وضغط من المعلمين انفسهم. لكن بغض النظر عن مصدرها، فالواضح ان هناك ظاهرة قطرية ذات روح نضالية تشمل آلاف معلمين، وحتى بعض مدراء المدارس. الطلاب والاهالي أجمعوا على دعم الاضراب ومطالبة الحكومة بتغيير الوضع في المدارس. استطلاع للرأي العام اكد ان 60% من الجمهور يؤيدون مطالب المعلمين.
لجنة الاهالي القطرية اعلنت دعمها لمنظمة المعلمين، واكدت رفضها لتهديد الحكومة باصدار اوامر من المحكمة تلزم المعلمين بوقف الاضراب والعودة لعملهم. وليس هذا فحسب، بل اعلنت اللجنة عن استعدادها لوقف التعليم في المدارس الابتدائية ايضا تضامنا مع المعلمين.
المعلم شلومو واينبرغ، سكرتير فرع الكرمل في نقابة المعلمين، عبّر عن هذه الروح الجديدة في رسالة الى مندوب وزارة المالية، ايلي كوهين، والى وزراء الحكومة، جاء فيها: "فيما انتم غافلين تكوّنت في دولة اسرائيل ثورة اجتماعية تضم تحالفا من الشرائح المظلومة والمستغلة ضد نفس الحكومة التي كان عليها الاهتمام بهم. في ليلة السبت الاخيرة وضعت هذه الثورة الاجتماعية راية التعليم في قلب المجتمع الاسرائيلي".

الهدف: خصخصة المدارس


ران ايرز، رئيس نقابة المعلمين في المظاهرة. تصوير: اورن زيف
التعاطف الشعبي مع المعلمين يعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي في اسرائيل. فقد تبنت الدولة في السنوات العشرين الاخيرة سياسة اقتصادية حديثة، تهدف الى خصخصة القطاع العام واندماج رأس المال الاسرائيلي في الاسواق العالمية. ونجم عن هذا التوجه ارتفاع كبير في مستوى المعيشة، استفادت منه اقلية قليلة على حساب الاغلبية الساحقة، التي تآكل استقرارها الاقتصادي وصار مصدر رزقها مهددا.
المعارضة الشعبية لهذا النهج الاقتصادي انعكست في نضال المعلمين ضد خطة "دوفرات"، التي بادرت اليها عام 2004 وزيرة التربية والتعليم آنذاك، ليمور ليفنات (ليكود). هدفت الخطة الى خصخصة جهاز التعليم وفتح الباب امام دخول مكثف للقطاع الخاص الى سلك التعليم. نقابتا المعلمين، هستدروت المعلمين ونقابة المعلمين فوق الابتدائيين، رفضتا الخطة في معركة مشتركة وأجبرتا الحكومة على التراجع.
حكومة اولمرت التي تشكلت بعد انتخابات آذار عام 2006، مكونة من احزاب بنت شعبيتها على نقمة الجماهير ضد سياسة بنيامين نتانياهو الذي كان وزير المالية في حكومة شارون السابقة. اعتمد الائتلاف على حزب العمل الذي تزعمه حينها عمير بيرتس صاحب "الاجندة الاجتماعية"، حزب المتدينين من الشرائح الفقيرة "شاس" وحزب "المتقاعدين". وكان هناك امل لدى كثيرين بان تتبنى الحكومة الجديدة اجندة اجتماعية وتصغي لحاجات الجمهور. وزاد في هذا الاحساس العام الوضع الاقتصادي الجيد الذي شهد نسبة نمو عالية وخلق فائضا في خزينة الدولة لم يصل الى الجمهور.
اضراب المعلمين الحالي يشير اكثر من اي شيء آخر الى تحطم هذه الاوهام. وزير المالية، روني بار اون، ووزيرة التربية، يولي تمير، استخدما الانقسام بين نقابتي المعلمين، ودخلا في مفاوضات مكثفة مع هستدروت المعلمين، وتوصلا معها الى اتفاق في ايلول 2007. يحمل الاتفاق اسم "افق جديد"، وينص عمليا على قبول النقابة بمبادئ خطة دوفرات التي تم رفضها قبل عامين فقط.
وتحاول الحكومة استغلال الانقسام في مواقف النقابتين من موضوع الاصلاح، لتمرر برنامجها. في المفاوضات الجارية مع نقابة المعلمين فوق الابتدائيين يصر وزير المالية على اشتراط التجاوب مع مطالب النقابة بقبولها بخطة "افق جديد"، وقال: "لقد قلت لران ايرز، رئيس النقابة، ان الزيادة في الاجور لن تتم دون موافقة النقابة على خطة الاصلاح. على المعلمين ان يعملوا اكثر ساعات. ولا يمكن ان ندفع زيادة في الاجر دون ان تقابلها زيادة في عدد ساعات العمل. خطة الاصلاح في جهاز التعليم صارت مكتوبة وعلى المعلمين الالتزام بها". (موقع واي نت، 15/11).

مطلب المعلمين: تغيير جذري


متظاهرة تحمل لافتة كتب عليها "احترم معلميك!". تصوير: غوني ريسكين
غازي ايوب، سكرتير منظمة المعلمين في منطقة المثلث، قال في مقابلة مع الصبّار ان الشروط التي تسعى الحكومة لفرضها غير مقبولة اطلاقا: "اتفاق ‘افق جديد‘ لا ينص على زيادة حقيقية في اجر المعلم، بل يطالب بزيادة عدد الساعات بنسبة 33% مقابل زيادة الاجر بنسبة 26%. الاتفاق لم يطرح ابدا مسألة الازدحام في الصفوف وتقليص عدد الساعات لطلاب المدارس الثانوية. نحن في المقابل نصر على اعادة الساعات التي تم تقليصها من المدارس في السنوات الماضية".
ويضيف ايوب: "ان الاتفاق سيؤدي في حال تطبيقه الى منح مدراء المدارس صلاحيات اضافية غير مقبولة، مما يعتبر ادخال خطة "دوفرات" من الشباك بعد ان رفضناها قبل عدة سنوات وافشلناها بجهود مشتركة لنقابتي المعلمين".
حول وضع التعليم العربي ومشاركة المعلمين العرب في الاضراب، قال ايوب: "هناك ضرورة ملحة لمعالجة ازمة التعليم العربي. هناك نقص في 6000 صف، ولكني لا ارى اي مجهود حقيقي من جانب الحكومة، لرفع مستوى البنية التحتية في البلدات العربية. ومع ان النضال الحالي لا يطرح مشاكلنا كمعلمين عرب، الا اننا نشارك لانه يطرح قضايا عامة تخصنا جميعا. وقد شارك في المظاهرة اكثر من 2000 معلم عربي من كل انحاء البلاد".
لدى كتابة هذا المقال (الجمعة 23/11) كانت المفاوضات بين المالية والمعلمين قد وصلت الى طريق مسدود، وذلك بعدما رفض وزير المالية معالجة مشكلة كثافة الطلاب في الصفوف ضمن الاتفاق الجماعي. وزارة المالية ترفض مطلقا ابرام اتفاقات جماعية مع أية نقابة ترفض خصخصة الفرع الاقتصادي الذي يعملون به.
واضح ان الخلاف الاساسي ليس على الاجر وعدد الساعات، بل المعركة على امر مبدئي. فاذا نجحت الحكومة في إخضاع نقابة المعلمين لاملاءاتها، وفرض شروطها بموجب الاتفاق مع هستدروت المعلمين، فسيكون ذلك خطوة اضافية في طريق القضاء على الحقوق الاجتماعية في البلاد، ومزيدا من التدهور في وضع التعليم.
على ضوء دعم الرأي العام للمعلمين، فمن غير المستبعد ان يتوصلوا لاتفاق افضل من اتفاق هستدروت المعلمين. كل انجاز تحققه نقابة عمالية بالاضراب والمعركة الشعبية الحقيقية، كما هو حال نضال المعلمين الحالي، هو خطوة ملموسة وهامة في التصدي للسياسة الحكومية الاقتصادية.