الاتفاق بين نتانياهو وعيني على ميزانية الدولة- هدنة مؤقتة لحفظ الائتلاف


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 2678 - 2009 / 6 / 15 - 09:08
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

في هذه الايام تخرج النقابات العمالية في انحاء العالم الى الشوارع لمطالبة الحكومات بالحؤول دون ارتفاع نسبة البطالة نتيجة الازمة الاقتصادية الكونية. اما في اسرائيل فيتصرف رئيس نقابة الهستدروت، عوفر عيني، بطريقة مغايرة. في المفاوضات على الميزانية كشف عيني عن كونه رجلا سياسيا محنكا وانتهازيا، يسعى قبل اي شيء لتمهيد طريقه لكرسي الوزير في الحكومة القادمة، بعيدا عن مصلحة وطموحات الطبقة العاملة التي يتزعمها.

المداولات على مشروع الميزانية في الحكومة، مطلع ايار، شملت لقاءات مكثفة بين مندوب رئيس الوزراء الاقتصادي، وبين رئيس الهستدروت ورئيس منظمة الصناعيين، شراغا بروش. وفور التوصل الى صفقة شاملة بين الاطراف الثلاثة سارع المعلّقون للاعلان بان عوفر عيني خرج منتصرا.

غير ان هذا التعليق غير دقيق. فالمطلوب ممن يقف على رأس اتحاد النقابات في اسرائيل، ازاء ازمة اقتصادية خطيرة، ان يطالب الحكومة باتخاذ الاجراءات اللازمة لتوجيه الاستثمارات الحكومية لمشاريع البنى التحتية، تأميم المصانع وبالتالي ضمان خلق اماكن عمل لمواجهة البطالة الآخذة بالاستفحال. ولكن ليس هذا ما حقّقه عيني، ولا حتى ما طالب به.

صحيح ان الهستدروت حصلت على الغاء التخفيض المخطط في اجور موظفي الدولة، والغاء الضريبة المقترحة على صناديق الاستكمال، وحصلت ايضا على بعض التعديلات القانونية لصالح العمال تتعلق بالاعتراف بحق العمال في التنظيم النقابي ومعاقبة اصحاب عمل الذين لا يحترمون حقوق العمال. ولكنها بالمقابل وافقت على خصخصة شركة الكهرباء وسلطة الموانئ ودائرة اراضي اسرائيل، الامر الذي يعتبر محورا اساسيا في مشروع الميزانية. (راجع الاطار)

تأكيدا على التنازل الكبير الذي قدمه عيني للحكومة، قال مندوب رئيس الحكومة في المفاوضات، اوري يوغف، في تصريح له لصحيفة "ذي ماركر" (14/5): "مقابل تنازل وزارة المالية عن بعض التقليصات حصلنا على موافقة الهستدروت وارباب العمل على اجراء اصلاحات (اي خصخصة – أ.أ.) في شركة الكهرباء والموانئ ودائرة اراضي اسرائيل. وهذه الاصلاحات تعتبر اهم بكثير من تخفيض 2.5 مليار شيكل او خمسة مليارات شيكل في الميزانية".

عيني: نقابي ام وزير؟

في المفاوضات على الميزانية لم يطرح عيني اية خطة فعلية لمحاربة البطالة، وحتى لم يذكر موضوع شبكة الامان الحكومية لصناديق التقاعد التي دخلت الى ازمة بتأثير الازمة العالمية. وكان عيني قد خرج قبل نصف سنة يهدد ويتوعد الحكومة لاجبارها على تقديم شبكة امان للصناديق، في محاولة منه لكسب تعاطف الجمهور الذي ساده القلق في تلك الفترة. ولكن الميزانية الحالية لم تتطرق اطلاقا لهذا الموضوع.

في اشارة اخرى الى الفجوة بين التصريحات وبين الافعال، نذكر قضية ازمة مصنع "فيتا بري هجليل" الذي اعلن افلاسه مطلع العام الحالي. فقد تصرف عيني كمنقذ للنظام القائم وليس كممثل عن 500 عامل يعملون في المصنع. وحرص عيني على الظهور كوسيط بين البنوك وبين شركة "حاتسي حينام" التي اقترحت شراء المصنع، ولكنه لم يضع شروطا امام الشركة الجديدة لحماية حقوق العمال في المصنع، وخاصة عمال المقاولين الذين يشكلون اكثر من نصف العمال هناك. النتيجة كانت نقل الملكية للشركة الجديدة، وتكريس وضع استغلال عمال المقاولين، هذه المرة بموافقة الهستدروت.

الموضوع كان اوضح في المفاوضات على مصنع "عوف هعيمق"، حيث اشترط رجل الاعمال رامي ليفي شراء المصنع بعدم التوقيع على اتفاق جماعي، الامر الذي رفضته لجنة العمال والهستدروت في البداية، ثم وافق عيني على التفاوض على الموضوع، ما يثير الشكوك حول نيته التنازل عن الاتفاق الجماعي.

المساومات التي يميل اليها عيني والتزامه بمصلحة ارباب العمل، منحته الشرعية في نظر رئيس الوزراء الجديد، بنيامين نتانياهو. يذكر ان نتانياهو تعاون مع عيني عام 2004 في المفاوضات على خصخصة الموانئ، مقابل مبلغ كبير من المال دفعته الحكومة للعمال كرشوة لتسهيل الاتفاق. نتانياهو يدرك تماما ان تدخل عيني في الازمة الاخيرة في المصانع التي واجهت الافلاس والاغلاق كان مبنيا على تفهّم رئيس الهستدروت لحاجات رأس المال، كما انه لم يحمّل الحكومة في اية لحظة المسؤولية ولم يطالبها بتأميم المصنع لحفظ مكان العمل وحقوق العمال.

يعتبر نتانياهو التحالف الاستراتيجي بين عيني وبين رئيس اتحاد الصناعيين، شراغا بروش، اثباتا على استعداد عيني للتعاطي مع حاجات النظام الرأسمالي كسقف لنشاط النقابات. في هذا الموضوع تبدو الفجوة كبيرة بين اسلوب عيني وبين اسلوب الزعيم الاسبق للهستدروت عمير بيرتس، الذي اشتهر بتسرعه في اعلان الاضرابات والمواجهات المستمرة مع الحكومة، حتى ولو جاء ذلك بهدف الوصول الى رئاسة حزب العمل والوزارة، وليس لفرض قوة العمال كجهة مستقلة عن الحكومة.

عيني اليوم هو الشخصية الاقرب الى زعيم حزب العمل، ايهود براك، وقد كان له دور هام في دفع حزب العمل لدخول الائتلاف الحكومي في آذار الماضي. دون عيني كان من الصعب على براك ان ينجح في اقناع زملائه في حزب العمل بضرورة الانضمام لحكومة اليمين المتطرف بزعامة نتانياهو.

السؤال الذي يجب ان يرد عليه من يدّعي انتصار عيني في المفاوضات على الميزانية هو، كيف ينجح حزب ضعيف وفاشل مثل حزب العمل في فرض ارادته على الحكومة؟ علما ان جناح براك-عيني يمثل ثمانية من اعضاء حزب العمل في الكنيست، في حين ان الخمسة الباقين عارضوا انخراط الحزب في الائتلاف. من خضع لمن؟ هل خضع نتانياهو وائتلافه اليميني لقوة صغيرة من هذا النوع؟ هل عيني هو رجل ذو قدرات غير طبيعية؟ العكس هو الصحيح. دخول حزب العمل لائتلاف نتانياهو كان انعكاسا لاستعداد حزب العمل والهستدروت لقبول اجندة نتانياهو، وبالتالي ربط مصير العمال بالنظام الرأسمالي الفاشل. اما عيني، فقد دخل الساحة السياسية من اوسع ابوابها وبرز كرجل سياسة على حساب كونه نقابيا يمثل مصلحة العمال.

عاش الائتلاف الحكومي

الصفقة الشاملة التي توصل اليها عيني مع الحكومة هي البديل للخطة التي كان من المقرر ان يطرحها زعيم عمالي. ازاء الازمة الرأسمالية العالمية كان المفروض ان تضع الحكومة حدا لخصخصة الشركات الحكومية، وتقدم الضمان لتوفيرات التقاعد، وتوسع بشكل كبير الاستثمارات في البنية التحتية وتحسن بشكل ملموس ظروف العاطلين عن العمل، وتستثمر موارد كبيرة في التأهيل المهني، ووقف استيراد العمال الاجانب وتوسيع شبكة الامان الاجتماعي.

ولكن يبدو ان عيني ونتانياهو متفقان على ان الازمة العالمية توشك على الانتهاء وان على اسرائيل الاستعداد للاستفادة من الخروج السريع من الازمة. لذا يصران على مواصلة السياسة الاقتصادية المتبعة في السنوات الاخيرة. ما خلط الاوراق كان المعطيات التي خرج بها مكتب الاحصاء المركزي اياما معدودة بعد اقرار الميزانية، والتي أظهرت ان الاقتصاد الاسرائيلي يعاني ركودا اقتصاديا حادا. المعطيات التي وردت للربع الاول لعام 2009 (كانون ثان حتى آذار)، تشير الى تراجع بنسبة 3.6% في النمو السنوي، وان مجمل تصدير المنتجات هبط بنسبة 46% سنويا، وان استيراد البضائع والخدمات هبط في بنسبة 62.7%. وتعني هذه الارقام ان الاقتصاد الاسرائيلي دخل حالة من الركود العميق تشير الى وصول الازمة العالمية الى اسرائيل.

الجدير بالذكر، ان التراجع الخطير الذي اصاب علاقات العمل في اسرائيل وسيطرة انماط تشغيل مضرة للعمال في السنوات الاخيرة يعتبر ظاهرة ثابتة ليس من السهل معالجتها. وعلى ضوء ذلك لا تكفي بعض التعديلات القانونية التي قدمها عوفر عيني، حتى لو كانت بحد ذاتها تعديلات ايجابية، علما انه الاغلبية الساحقة من العمال الذين يتعرضون للاستغلال ليس بامكانهم ان يرفعوا رؤوسهم في مكان العمل والمطالبة بحقوقهم.

على مدار سنوات طويلة تنازلت الهستدروت عن تمثيل العمال من الشرائح الضعيفة، وتصرفت بلامبالاة وقصر نظر تجاه دخول المقاولين الفرعيين وشركات القوى البشرية الى المصانع والشركات الخاصة وحتى الى قلب الجهاز الحكومي، الامر الذي قلص كثيرا من تأثير الاتفاقات الجماعية وقوة العمال المنظمين. الهستدروت سكتت ايضا ازاء ظاهرة استيراد العمال الاجانب التي تعتبر خرقا فادحا للقوانين الدولية وضربة مستمرة لقوة العمل المحلية. تدمير قوة العمال المنظمة في اسرائيل وهبوط نسبته من 80% عام 1990 الى 30% اليوم هو نتيجة مباشرة لنهج الهستدروت الخاطئ.

رئيس الهستدروت يدعي السعي لتوسيع رقعة العمل المنظم، لكنه لم يطرح بتاتا القضايا الجوهرية الخاصة بالموضوع على بساط البحث في المفاوضات مع المالية. وكانت النتيجة ان صفقة بيبي عيني لم تتطرف على الاطلاق للامور التي تشغل بال الاغلبية الساحقة من العمال العرب واليهود اليوم، وهي الخوف من فقدان مكان العمل.

في المحصّلة، حصل عيني وبراك وشالوم سمحون، زعماء حزب العمل، على هدايا من قبل نتانياهو مقابل الحفاظ على الائتلاف الحكومي. فقد حصل براك على زيادة في ميزانية الدفاع التي كان من المقرر ان يتم تقليصها، وحصل سمحون على زيادة في عدد العمال الاجانب في الزراعة، الامر الذي يتعارض مع موقف الحكومة الرسمي القاضي بتخفيض عدد العمال الاجانب وتشغيل العاطلين عن العمل المحليين. اما عوفر عيني فحصل على مكانة مرموقة له وللهستدروت. اما العمال والعاطلون عن العمل فلم يحصلوا على شيء. والمهم، عاش الائتلاف الحكومي.

ما ظهر ايضا خلال المفاوضات الاخيرة هو ان الهستدروت بزعامة عيني أصبحت قوة غير فعالة من الناحية النقابية. عيني، الذي وعد مرارا وتكرارا بالابتعاد عن السياسة، كشف في الجولة الاخيرة من المفاوضات عن كونه رجلا سياسيا محنكا وانتهازيا، يسعى قبل اي شيء لتمهيد طريقه لكرسي الوزير في الحكومة القادمة، بعيدا عن مصلحة وطموحات الطبقة العاملة التي يتزعمها.

ويعني ذلك ان العمال بقوا دون قيادة مسؤولة وامينة في احرج اللحظات ازاء الازمة الاقتصادية والبطالة. ان الفراغ الكبير الذي تركه عيني في ساحة التنظيم النقابي هو دون شك نقطة ضعف كبيرة، لكنه في نفس الوقت يفتح المجال امام تنظيمات ومبادرات جديدة ان تأخذ على عاتقها المهمة المقدسة في تنظيم العمال.

***

ميزانية الدولة – لا تغيير رغم الازمة

ميزانية الدولة التي أقرّتها الحكومة في 13/5 هي للعامين 2009 و2010. وتبلغ لعام 2009 مبلغ 316.5 مليار شيكل، وسيبلغ العجز الحكومي 6% من الناتج الاجمالي.

في المرحلة الاولى من طرح مشروع الميزانية من قبل وزارة المالية اشتمل قانون الميزانية على بعض التقليصات في المخصصات الاجتماعية وعلى تخفيض اجور موظفي الدولة وعلى فرض الضريبة على صناديق الاستكمال، وكذلك نصت الميزانية في مشروعها الاول على تقليص كبير في ميزانية وزارة الامن والتربية والتعليم.

واثارت هذه الميزانية المقترحة معارضة شديدة من اكثر من طرف، بما في ذلك اعضاء في حزب الليكود وشركاء نتانياهو في الحكومة، حزبي شاس والعمل، مما ادى برئيس الوزراء الى اجراء تغيير في الميزانية وقبول التعديلات، وذلك على اساس صفقة شاملة مع الهستدروت وارباب العمل.

صحيح ان الهستدروت حصلت على الغاء التخفيض المخطط في اجور موظفي الدولة، والغاء الضريبة المقترحة على صناديق الاستكمال، وحصلت ايضا على بعض التعديلات القانونية لصالح العمال تتعلق بالاعتراف بحق العمال في التنظيم النقابي ومعاقبة اصحاب عمل الذين لا يحترمون حقوق العمال. ولكنها بالمقابل وافقت على خصخصة شركة الكهرباء وسلطة الموانئ ودائرة اراضي اسرائيل، الامر الذي يعتبر محورا اساسيا في مشروع الميزانية.

تمكن تنانياهو من خلال اشراك الهستدروت والغاء بعض التقليصات والاجراءات الخاصة بموظفي الدولة وتقديم التنازلات لبراك فيما يتعلق بميزانية الامن، ولوزير التربية جدعون ساعر، ومن خلال الموافقة على زيادة العجز بالميزانية الى 6%، ضمن نتانياهو اغلبية ثابتة في الحكومة لتمرير الميزانية وحفظ ائتلافه.